المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(7) باب ‌ ‌{الفصل الأول} 2095- (1) عن عائشة، قالت: ((دخل عليّ النبي - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌(7) باب ‌ ‌{الفصل الأول} 2095- (1) عن عائشة، قالت: ((دخل عليّ النبي

(7) باب

{الفصل الأول}

2095-

(1) عن عائشة، قالت: ((دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء، فقلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم،

ــ

قال ابن صالح وسلمة عندنا أصح، وذكره البخاري فيمن اسمه سلامة. وقال روى عمرو بن ربيعة ولا يصح حديثه. وقال الذهبي في الميزان:(ج1ص403) سلامة بن قيصر تابعي أرسل لم يصح حديثه. وقال الحافظ في الإصابة: سلامة بن قيصر، ويقال سلمة نزل مصر، قال أحمد بن صالح: له صحبة، ونفاها أبوزرعة. وأخرج حديثه مطين، والحسن بن سفيان والطبراني من طريق عمرو بن ربيعة، سمعت سلامة بن قيصر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صام الخ. ومداره على ابن لهيعة، وقال عبد الله بن يزيد المقري عند أحمد (كما تقدم) عن سلمة بن قيصر عن أبي هريرة، ورجح أبوزرعة هذه الزيادة وأنكرها أحمد بن صالح فقال هو خطأ من المقري-انتهى مختصراً. وقال في تعجيل المنفعة (ص160، 161) قال ابن يونس: حديث سلمة بن قيصر المسند معلول، ثم ذكر الاختلاف فيه، وصوب أحمد بن صالح المصري أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة أبي هريرة وإن عبد الله بن يزيد المقري، وهو شيخ أحمد فيه وهم فيه، حيث زاد في السند أبا هريرة، وقد وقع التصريح بسماع سلمة بن قيصر من النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أبي يعلى وغيره، ثم ذكر الحافظ قول الذهبي المتقدم. وقال والعمدة في هذا على ابن يونس فإنه أعرف بأهل مصر-انتهى. وقال الذهبي في تجريده (ج1ص250) سلمة بن قيصر يقال له سلامة حديثه في مسند أبي يعلى من رواية عمرو بن ربيعة-انتهى. وقد ظهر بما ذكرنا أن الراجح في اسمه سلمة بن قيصر وأنه صحابي وإن حديثه هذا مسند لا مرسل. وأما سلمة بن قيس وهو الأشجعي فهو صحابي أيضاً روى عنه هلال بن يساف وأبوإسحاق السبيعي. قال الغوي: روى ثلاثة أحاديث-انتهى. وهذا الحديث ليس منها فما وقع في نسخ المشكاة سلمة بن قيس غلط، والصواب سلمة بن قيصر والله تعالى أعلم.

(باب) بالتنوين وقيل بالسكون. قال القاري: وفي نسخة في توابع لصوم التطوع.

2095-

قوله: (ذات يوم) أي يوماً من الأيام (هل عندكم شيء) ولأبي داود هل عندكم طعام، وفي رواية للنسائي غداء بفتح المعجمة والدال المهملة وهو ما يؤكل قبل الزوال، وفي رواية الترمذي هل عندك غداء (فإني إذاً) بالتنوين (صائم) وفي رواية للنسائي إذاً أصوم، وفيه دليل على جواز نية النفل في النهار، وبه قال الأكثرون،

ص: 103

ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يارسول الله! أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل)) . رواه البخاري.

ــ

وقد تقدم البسط في هذه المسألة في شرح حديث حفصة لا صيام لمن يجمع الصيام من الليل (أهدي لنا) أي أرسل إلينا بطريق الهدية (حيس) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة تمر مخلوط بسمن وقط. وقيل: طعام يتخذ من الزبد والتمر والإقط، وقد يبدل الإقط بالدقيق، والزبد بالسمن، وقد يبدل السمن بالزيت قاله القاري. وقال في القاموس: الحيس الخلط، وتمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديداً، ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق-انتهى. (أرينيه) أمر من إلا راءة، ورواية أبي داود أدنيه من الإدناء، وكذا وقع في رواية للنسائي "وأرينيه" كناية عنها لأن ما يكون قريباً يكون مرئياً ذكره الطيبي، وفي رواية لمسلم هاتيه (فلقد أصبحت صائماً) وفي رواية للنسائي إني قد أصبحت أريد الصوم. (فأكل) وفي رواية أخرى لمسلم فأكل، ثم قال قد كنت أصبحت صائماً، وفي رواية للنسائي فأفطر. قال السندي: هذا يدل على جواز الفطر للصائم تطوعاً بلا عذر وعليه كثير من محققي علماءنا الحنفية، لكنهم أوجبوا القضاء. وقال ابن الهمام: لا خلاف بين أصحابنا في وجوب القضاء إذا أفسد عن قصد أو غير قصد بأن عرض الحيض للصائمة المطوعة خلافاً للشافعي. وإنما اختلاف الرواية في نفس الإفساد هل يباح أولاً، فظاهر الرواية لا إلا بعذر ورواية المنتقى يباح بلا عذر، قال وعندي إن رواية المنتقى أوجه-انتهى. وقال الخطابي (ج2ص124) في الحديث من الفقه جواز إفطار الصائم قبل الليل إذا كان متطوعاً به، ولم يذكر فيه إيجاب القضاء وكان غير واحد من الصحابة يفعل ذلك، منهم ابن مسعود وحذيفة وأبوالدرداء وأبوأيوب الأنصاري، وبه قال الشافعي وأحمد. وقال ابن قدامة:(ج3ص151) من دخل في صيام تطوع استحب له إتمامه ولم يجب فإن خرج منه فلا قضاء عليه، روى عن ابن عمر وابن عباس أنهما أصبحا صائمين ثم أفطراً. وقال ابن عمر: لا بأس به مالم يكن نذراً أو قضاء رمضان. وقال ابن عباس: إذا صام الرجل تطوعاً ثم شاء أن يقطعه قطعة، وإذا دخل في صلاة تطوعاً ثم شاء أن يقطعها قطعها وقال ابن مسعود: متى أصبحت تريد الصوم فأنت على آخر النظرين إن شئت صمت وإن شئت أفطرت، فهذا مذهب أحمد والثوري والشافعي وإسحاق. وقد روى حنبل عن أحمد إذا أجمع على الصيام فأوجبه على نفسه فأفطر من غير عذر أعاد يوماً مكان ذلك اليوم، وهذا محمول على أنه استحب له ذلك أو نذره ليكون موافقاً لسائر الروايات عنه، وقال النخعي وأبوحنيفة ومالك: يلزم بالشروع فيه، ولا يخرج منه إلا لعذر، فإن خرج قضى، وعن مالك لا قضاء عليه (أي إذا أفطر بعذر) واحتج من أوجب القضاء بما روى عن عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالقضاء يعني ما سيأتي في الفصل الثالث من حديث الزهري عن عروة عن عائشة، وسيأتي الجواب عنه.

ص: 104

قال ابن قدامة: ولنا ما روى مسلم وأبوداود والنسائي عن عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال هل عندكم شيء فقلت لا-الحديث. وقال الحافظ: جواز الفطر من صوم التطوع هو قول الجمهور، ولم يجعلوا عليه قضاء إلا أنه يستحب له ذلك، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس أنه ضرب لذلك مثلاً كمن ذهب بمال ليتصدق به ثم رجع ولم يتصدق به أو تصدق ببعضه وأمسك بعضه. وعن مالك الجواز وعدم القضاء بعذر، والمنع، وإثبات القضاء بغير عذر، وعن أبي حنيفة يلزمه القضاء مطلقاً ذكره الطحاوي وغيره. وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على عدم وجوب القضاء عمن أفسد صومه بعذر. قلت ويدل على ما ذهب إليه الجمهور من جواز الإفطار، وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة الذي رواه البخاري والترمذي في قصة زيارة سلمان أبا الدرداء، وإفطار أبي الدرداء لقسم سلمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك، ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وأجاب القرطبي عنه بأن إفطار أبي الدرداء كان لقسم سلمان ولعذر الضيافة. وفيه إن هذا يتوقف على أن هذا العذر من الأعذار التي تبيح الإفطار، وقد نقل ابن التين عن مذهب مالك إنه لا يفطر لضيف نزل به ولا لمن حلف عليه بالطلاق والعتاق. واستدل للجمهور أيضاً بحديث عائشة الذي نحن في شرحه لأنه لم يذكر فيه القضاء. وأجيب عنه بأنه زاد فيه بعضهم فأكل ثم قال أصوم يوماً مكانه، أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والدارقطني والشافعي والبيهقي في المعرفة، وفي السنن الكبرى (ج4ص275) والطحاوي (ص355) كلهم من رواية ابن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين. وقد صحح هذه الزيادة أبومحمد عبد الحق كما في البناية (ج2ص356) والمرقاة (ج2ص554) وقال ابن التركماني: هذه الزيادة من ثقة أصر عليها فهي مقبولة. قلت في كون هذه الزيادة محفوظة صحيحة نظر، فإنها قد ضعفها الأئمة الحفاظ كالنسائي والدارقطني والشافعي والبيهقي. قال النسائي: هذا خطأ يعني من ابن عيينة. ونسب الدارقطني الوهم فيها لمحمد بن عمرو الباهلي الراوي عنده ابن عيينة، لكن رواها النسائي عن محمد بن منصور عن ابن عيينة، وكذا رواها الشافعي عن ابن عيينة لكن قال سمعت سفيان بن عيينة عامة مجالسه لا يذكر فيه، سأصوم يوماً مكانه ثم عرضته عليه قبل موته بسنة فذكره فيه. وقال الحافظ في التلخيص:(ص197) ذكر الشافعي إن ابن عيينة زادها قبل موته بسنة-انتهى. وابن عيينة كان في الآخر قد تغير. وقال في تهذيب التهذيب قال ابن عمار: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول اشهدوا إن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة، فمن سمع منه في هذه السنة وبعدها فسماعه لا شيء. قال الحافظ: وقد وجدت عن يحيى بن سعيد شيئاً يصلح أن يكون سبباً لما نقله عنه ابن عمار في حق ابن عيينة،

ص: 105

وذلك ما أورده أبوسعد بن السمعاني في ترجمة إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من ذيل تاريخ بغداد بسند له قوى إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم. قال سمعت يحيى بن سعيد يقول قلت لابن عيينة كنت تكتب الحديث، وتحدث اليوم وتزيد في إسناده أو تنقص منه، فقال عليك بالسماع الأول فإني قد سمعت. وقد ذكر أبومعين الرازي في زيادة كتاب الإيمان لأحمد إن هارون بن معروف قال له إن ابن عيينة تغير أمره بآخره-انتهى. وهذا كله يدل على أن الشافعي قد بين علة الحديث بقوله سمعت سفيان بن عيينة عامة مجالسه لا يذكر فيه الخ. وقال البيهقي في المعرفة: وقد رواه جماعة عن سفيان دون هذه اللفظة، ورواه جماعة عن طلحة بن يحيى دون هذه اللفظة، منهم سفيان الثوري وشعبة ووكيع ويحيى القطان وغيرهم. وقال في السنن بعد ذكر كلام الشافعي المذكور: ورواية ابن عيينة عامة دهره لهذا الحديث لا يذكر فيه هذا اللفظ مع رواية الجماعة عن طلحة لا يذكره أحد، منهم الثوري وشعبة وعبد الواحد ابن زياد ووكيع ويحيى القطان ويعلى بن عبيد وغيرهم، تدل على خطأ هذه اللفظة. وقد روى من وجه آخر عن عائشة ليس فيه هذه اللفظة-انتهى. واجتماع هؤلاء الأئمة الحفاظ على تضعيف هـ1ذه الزيادة مقدم على تصحيح عبد الحق، وليس كل زيادة من الثقة تقبل بل لكل زيادة حكم يخصها، كما ذكر الزيلعي (ج1ص336، 337) وههنا قد وجدت قرينة تدل على كون هذه الزيادة وهماً ومدرجة، فالحكم مقبولة مردود. وعلى تقدير أن تكون محفوظة يحمل القضاء على الندب. قال البيهقي: وحمل الشافعي قوله سأصوم يوماً مكانه أي تطوعاً وجعله بمثابة قضاءه عليه السلام الركعتين اللتين بعد الظهر حين شغله عنهما الوفد. واستدل للجمهور أيضاً بما روى البخاري وغيره من أمره صلى الله عليه وسلم جويرية بالإفطار من صوم يوم الجمعة. وبحديث أم هانىء الآتي. وقد وقع في رواية لأحمد (ج6ص343، 344) والنسائي في الكبرى والدارقطني (ص235) والدارمي والطحاوي (ج1ص353) والبيهقي (ج4ص278، 279) إن كان قضاء من رمضان فصومي يوماً مكانه، وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي. وبما رواه البيهقي (ج4ص279) عن أبي سعيد قال صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فلما وضع قال رجل أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم مكانه يوماً إن شئت، رواه إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن ابن المنكدر عنه. قال الحافظ في الفتح: وإسناده حسن وهو دال على عدم الإيجاب. واحتج من أوجب القضاء بما سيأتي من حديث الزهري عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة وحفصة بالقضاء حين أفطرتا من صوم التطوع. والجواب عنه بأنه حديث ضعيف غير صالح للاستدلال كما ستعرف. وعلى تقدير الصحة يحمل الأمر بالقضاء على الاستحباب، لتجتمع الأحاديث الواردة في الباب.

ص: 106

واحتجوا أيضاً لذلك ولتحريم الأكل من غير عذر بقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام على الليل} [البقرة: 187] فإنه يعم الفرض والنفل. وبقوله تعالى: {أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] وهذا قد عقد الصوم فوجب أن يفيء به. وبقوله تعالى: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} [الحج: 30] وليس من تعمد الفطر بمعظم لحرمة الصوم. وبقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] وبقوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} [الحديد: 27] الآية سيقت في معرض ذمهم على عدم رعاية ما التزموه من القرب التي لم تكتب عليهم، والقدر المؤدي عمل كذلك، فوجب صيانته عن الأبطال بهذين النصين فإذا أفطر وجب قضاءه تفادياً أي تبعداً عن الأبطال. وأجيب بأن هذه النصوص كلها من الأدلة العامة، وقد تقرر في موضعه إن الخاص يقدم على العام. قال ابن المنير المالكي: ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان ونحوه. وقال ابن عبد البر المالكي: من احتج في هذا بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} فهو جاهل بأقوال أهل العلم فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل اخلصوها لله وقال آخرون: {لا تبطلوا أعمالكم} بارتكاب الكبائر (أو بالكفر والنفاق أو بالمن والأذى ونحوها) ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال مالم يفرضه الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر وغيره لأمتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك والله أعلم. وحديث الباب رواه ابن ماجه من طريق طلحة بن يحيى عن مجاهد عن عائشة وزاد قالت، وربما صام وأفطر. قلت: كيف ذا قالت إنما مثل هذا مثل الذي يخرج بصدقة فيعطي بعضاً ويمسك بعضاً، وروى النسائي هذا المثل من هذا الوجه مرفوعاً. قال السندي في حاشية ابن ماجه: قوله"صام وأفطر" أي جمع بينهما. وفيه إن من عزم على الصوم ثم أفطر له أجر القدر الذي مضى فيه على صومه، وهو بمنزله إعطاءه بعض ما قصد التصدق به، وعلى هذا لا ينتهض الاستدلال بقوله:{ولا تبطلوا أعمالكم} على عدم جواز إفطار الصوم أصلاً فافهم والله أعلم-انتهى. واحتجوا أيضاً لوجوب القضاء بما روى الدارقطني (ص237) عن جابر قال. صنع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاباً له، فلما أتى بالطعام تنحى أحدهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مالك قال غني صائم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تكلف لك أخوك وصنع، ثم تقول إني صائم كل وصم يوماً مكانه. ورواه أبوداود الطيالسي (ص293) والدارقطني أيضاً من حديث أبي سعيد. قال الدارقطني: هذا أي حديث أبي سعيد مرسل. وأجيب بأن الأمر فيهما محمول على الندب كما يدل عليه رواية أبي سعيد عند البيهقي بلفظ: صم مكانه يوماً إن شئت، فعلق القضاء على المشيئة وهذا ليس من شأن الواجب.

ص: 107

2096-

(2) وعن أنس، قال:((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن، فقال: أعيدوا سمنكم في سقاءه، وتمركم في وعائه، فإني صائم. ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها)) . رواه البخاري.

ــ

واحتجوا أيضاً بالقياس على الحج والعمرة النفلين حيث يجب قضاءهما إذا أفسدا اتفاقاً. وأجيب عنه بأن الحج امتاز بأحكام لا يقاس غيره عليه فيها، فمن ذلك إن الحج يؤمر مفسده بالمضي في فاسده، والصيام لا يؤمر مفسده بالمضي فيه فافترقا، ولأنه قياس في مقابلة النص فلا يعتد به (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والشافعي وابن حبان والطيالسي والدارقطني (ص236) والطحاوي (ج1ص355) والبيهقي (ج4ص275) وغيرهم.

2096-

قوله: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم) هي والدة أنس المذكور واسمها الغميصاء بالغين المعجمة والصاد المهملة أو الرميصاء بالراء بدل المعجمة. وقيل: اسمها سهلة. وعند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم حرام وهي خالة أنس، لكن في بقية الحديث ما يدل على أنهما كانتا مجتمعتين (فأتته) أم سليم (بتمر وسمن) أي على سبيل الضيافة (في سقاءه) بكسر السين ظرف الماء من الجلد، والجمع أسقية، وربما يجعل فيه السمن والعسل. (فإني صائم) فيه دليل على أن من صام تطوعاً لا يجب عليه الإفطار إذا قرب إليه الطعام، وإن أفطر يجوز للحديث السابق. وقد ترجم البخاري لحديث أنس هذا بلفظ: باب من زار قوماً فلم يفطر عندهم. قال الحافظ: أي في صوم التطوع، وهذه الترجمة تقابل الترجمة الماضية، وهي من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع وموقعها أن لا يظن إن فطر المرء من صيام التطوع لتطييب خاطر أخيه حتم عليه، بل المرجع في ذلك إلى من علم من حاله من كل منهما أنه يشق عليه الصيام فمتى عرف أنه لا يشق عليه كان الأولى أن يستمر على صومه-انتهى. قال القاري: حديث أنس هذا بظاهره يؤيد من قال إن الضيافة غير عذر، والأظهر أنها عذر، ولكنه مخير لقوله عليه الصلاة والسلام إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء لم يطعم. رواه مسلم، وأبوداود عن جابر-انتهى. قلت: وأخرجه ابن ماجه أيضاً ولفظه "من دعى إلى طعام وهو صائم فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك"(فصلى غير المكتوبة) يعني التطوع، وفي رواية أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس فصلى ركعتين، وصلينا معه وهذه القصة غير القصة التي رواها في البخاري باب الصلاة على الحصير حيث صرح هناك بأنه أكل وههنا لم يأكل (فدعا لأم سليم وأهل بيتها) في الحديث من الفوائد، جواز تحفة الزائر بما حضر بغير تكلف، وجواز رد الهدية إذا لم يشق ذلك على المهدي، وإن أخذ من رد عليه ذلك له ليس من العود في الهبة،

ص: 108

2097-

(3) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم)) .

2098-

(4) وفي رواية، قال:((إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل، وإن كان مفطراً فليطعم)) . رواه مسلم.

ــ

وفيه حفظ الطعام وترك التفريط فيه، وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له، ومشروعية الدعاء عقب الصلاة، وتقديم الصلاة أمام طلب الحاجة وزيارة الإمام بعض رعيته (رواه البخاري) في الصيام وفي الدعوات وهو من أفراده وأخرجه أيضاً أحمد (ج3ص108، 188) .

2097-

قوله: (إذا دعى أحدكم إلى طعام) عرساً كان أو نحوه (وهو صائم) نفلاً أو قضاء أو نذراً (فليقل إني صائم) أي اعتذاراً للداعي وإعلاماً بحاله فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور فله التخلف، وإلا حضر الدعوة، وليس الصوم عذراً في التخلف، لكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذراً في ترك الأكل إلا أن يشق على صاحب الطعام ترك إفطاره، فيستحب له حينئذٍ الفطر وإلا فلا هذا إذا كان صوم تطوع فإن كان صوماً واجباً حرم الفطر، وفي الحديث أنه لا بأس بإظهار العبادة النافلة كالصلاة والصوم وغيرهما إذا دعت إليه حاجة، والمستحب إخفاءها إذا لم تكن حاجة، وفيه الإرشاد إلى حسن المعاشرة وإصلاح ذات البين وتأليف القلوب بحسن الإعتذار عند سببه.

2098-

قوله: (إذا دعى أحدكم) أي إلى طعام عرساً كان أو غيره (فليجب) أي فليحضر الدعوة. قيل: وجوباً. وقيل: ندباً. وقيل: وجوباً في وليمة العرس، وندباً في غيرها. قال: بالأول الظاهرية. وبالثاني، المالكية والحنابلة والحنفية. وبالثالث الشافعية. (فإن كان صائماً فليصل) بضم المثناة التحتية وفتح الصاد المهملة وتشديد اللام المكسورة أي فليدع لأهل الطعام بالبركة كما في حديث ابن مسعود. عند الطبراني، وإن كان صائماً فليدع بالبركة، وقد روى إن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا، وعند أبي عوانة عن نافع كان ابن عمر إذا دعى أجاب فإن كان مفطراً أكل، وإن كان صائماً دعا لهم وبرك، ثم انصرف. وحمله الطيبي على ظاهره فقال أي ركعتين في ناحية البيت (ليحصل له فضلها وليتبرك أهل المنزل والحاضرون) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم-انتهى. قال القاري: ظاهر حديث أم سليم أن يجمع بين الصلاة والدعاء-انتهى. والجمع بين هذه الرواية وبين الرواية الأولى أنه يعتذر المدعو أولاً فيقول إني صائم فإن أبى فليحضر وليدع له بالبركة، ويداوم على صومه إن لم يتأذ الداعي بترك أكله ولم يشق عليه صومه، وإلا فيفطر،

ص: 109