المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه. ‌ ‌{الفصل الثالث} 2301- (19) عن أبي سعيد، - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه. ‌ ‌{الفصل الثالث} 2301- (19) عن أبي سعيد،

رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه.

{الفصل الثالث}

2301-

(19) عن أبي سعيد، قال: ((خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا غيره.

ــ

(رواه أحمد)(ج5ص278- 282)(والترمذي) في تفسير سورة التوبة واللفظ له (وابن ماجه) في أبواب النكاح كلهم من طريق سالم بن أبي الجعد عن ثوبان. قال الترمذي: حديث حسن سألت محمد بن إسماعيل فقلت له سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان فقال لا، قلت له ممن سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال سمع من جابر بن عبد الله وأنس بن مالك. وذكر غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – انتهى. وقال الذهلي عن أحمد: لم يسمع سالم من ثوبان ولم يلقه وبينهما معدان بن أبي طلحة. وقال أبوحاتم: أدرك أبا أمامة ولم يدرك عمرو بن عبسة ولا أبا الدرداء ولا ثوبان كذا في تهذيب التهذيب (ج3ص432) قلت: والحديث يؤيده ما رواه الطبراني عن ابن عباس. قال المنذري بإسناد جيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أرب من أعطيهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه حوباً في نفسها وماله.

2301-

قوله: (خرج معاوية) بن أبي سفيان (على حلقة) بسكون اللام وتفتح أي جماعة متحلقة. قال في المجمع: الحلقة كالقصعة، وهي الجماعة من الناس مستديرون. وقال الجزري: قوله "حلقة" بسكون اللام الشيء المستدير كحلقة الخاتم ونحوها، والمراد به الجماعة من الناس يكونون كذلك (فقال ما أجلسكم) أي ما السبب الداعي إلى جلوسكم على هذه الهيئة ههنا وهو استفهام (قال آلله) بالمد والجر. قال السيد جمال الدين: قيل الصواب بالجر لقول المحقق الشريف في حاشيته همزة الاستفهام وقعت بدلا عن حرف القسم ويجب الجر معها – انتهى. وكذا صحح في أهل سماعنا من المشكاة ومن صحيح مسلم. ووقع في بعض نسخ المشكاة بالنصب – انتهى. وقال الطيبي: قيل آلله بالنصب أي أتقسمون بالله؟ فحذف الجار وأوصل الفعل ثم حذف الفعل كذا في المرقاة. وقال في اللمعات: قد يحذف حرف القسم فينصب بالإيصال وقد يجر نحو الله لأفعلن كذا ثم أدخلت حرف الاستفهام فمد. وقيل: حرف الاستفهام صار بدلاً من حرف القسم فيجر بها، ويرده جواز النصب بل هو الغالب والجر شاذ، وإدخال حرف الاستفهام في الجواب بطريق المشاكلة – انتهى. (قالوا آلله) تقديره أي أو نعم نقسم بالله (ما أجلسنا غيره) فوقع الهمزة موقعها مشاكلة وتقريراً لذلك كما قرره الطيبي، وفي نسخ

ص: 411

قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم ههنا؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه آتاني جبرئيل فأخبرني أن الله عزوجل يباهي بكم الملائكة)) .

ــ

مسلم الموجودة عندنا قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، وهكذا وقع في بعض نسخ الترمذي:(قال) أي معاوية (أما) بالتخفيف للتنبيه (إني) بكسر الهمزة (لم أستحلفكم تهمة لكم) بضم أوله وسكون الهاء وتفتح. قال في النهاية: التهمة وقد تفتح الهاء فعلة من الوهم، والتاء بدل من الواو أتهمته ظننت فيه ما نسب إليه أي ما أستحلفكم تهمة لكم بالكذب ولكني أردت المتابعة والمشابهة فيما وقع له صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، وقدم بيان قربه منه عليه الصلاة والسلام وقلة نقله من أحاديثه دفعاً لتهمة الكذب عن نفسه فيما ينقله فقال. (وما كان أحد بمنزلتي) أي بمنزلة قربي (من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه محرماً لأم حبيبة أخته من أمهات المؤمنين ولكونه من إجلاء كتبة الوحي (أقل) خبر كان (عنه) أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا مني) أي لاحتياطي في الحديث وإلا كان مقتضى منزلته أن يكون كثير الرواية (ومن) فعل ماض من المن من باب نصر أي أنعم (به) أي بالإسلام (علينا) أي من بين الأنام كما حكى الله تعالى عن مقول أهل دار السلام {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف: 43] (قال آلله ما أجلسكم إلا ذلك) لعله أراد به الإخلاص (قال أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم) لأنه خلاف حسن الظن بالمؤمنين (ولكنه) أي الشأن (إن الله عزوجل يباهي بكم الملائكة) أي فأردت أن أحقق بماذا كانت المباهاة فللاهتمام بتحقيق ذلك الأمر الإشعار بتعظيمه أستحلفكم. قال النووي: قوله "إن الله يباهي بكم الملائكة" معناه يظهر فضلكم لهم ويريهم حسن عملكم ويثنى عليكم عندهم، وأصل البهاء الحسن والجمال، وفلان يباهي بماله وأهله أي يفتخر ويتجمل بهم على غيرهم ويظهر حسنهم – انتهى. وقيل: معنى المباهاة بهم إن الله تعالى يقول لملائكته أنظروا إلى عبيدي هؤلاء كيف سلطت عليهم نفوسهم وشهواتهم وأهويتهم والشيطان وجنوده ومع ذلك قويت همتهم على مخالفة هذه الدواعي القوية إلى البطالة وترك العبادة والذكر فاستحقوا أن يمدحوا أكثر منكم، لأنكم لا تجدون للعبادة مشقة بوجه، وإنما هي منكم كالتنفس منهم ففيها غاية الراحة والملائمة للنفس. قال الطيبي: أي فأردت أن أتحقق

ص: 412

رواه مسلم.

2302-

(20) وعن عبد الله بن بسر، أن رجلاً قال:((يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشي أتشبث به. قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)) .

ــ

ما هو السبب في ذلك فالتحليف لمزيد التقرير والتأكيد لا التهمة، كما هو الأصل في وضع التحليف فإن من لا يتهم لا يحلف. قال ابن القيم: هذه المباهاة من الله تعالى دليل على شرف الذكر عند الله ومحبته له وإن له مزية على غيره من الأعمال (رواه مسلم) في الدعوات وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص92) والترمذي في الدعوات وأخرج النسائي في آخر القضاء المسند منه فقط ونسبه في الكنز لابن حبان أيضاً.

2302-

قوله: (إن رجلاً) هذا لفظ الترمذي ولابن ماجه إن أعرابياً (إن شرائع الإسلام) قال الطيبي: الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري والمراد ما شرع الله وأظهره لعباده من الفرائض والسنن – انتهى. قال القاري: والظاهر إن المراد بها ههنا النوافل لقوله (قد كثرت علي) بضم المثلثة ويفتح أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي (فأخبرني بشي) قال الطيبي: التنكير في بشي للقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72] ومعناه أخبرني بشي يسير مستجلب لثواب كثير – انتهى. (أتشبث به) بتشديد الموحدة أي أتعلق به واعتصم واستمسك وهذا لفظ الترمذي، ولابن ماجه فأنبئني منها بشي أتشبث به قال السندي: أي ليسهل علي أدائها أو ليحصل به فضل ما فات منها من غير الفرائض ولم يرد الاكتفاء به عن الفرائض والواجبات والله اعلم – انتهى. وقال الطيبي: لم يرد أنه يترك ذلك رأسا ويشتغل بغيره فحسب. وإنما أراد إنه بعد أداء ما افترض عليه يتشبث بما يستغني به عن سائر ما لم يفترض عليه (قال لا يزال) أي هو إنه لا يزال (لسانك رطباً من ذكر الله) أي طرياً مشتغلاً قريب العهد منه وهو كناية عن المداومة على الذكر. قال ابن القيم في الوابل الصيب: الفائدة السابعة والخمسون للذكر أن أدامته تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها سواء كانت بدنية أو مالية كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة إن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل أموالهم يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون. فقال: ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم. قالوا: بلى يا رسول الله! قال تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة – الحديث متفق عليه. فجعل الذكر عوضاً لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر، فلما سمع أهل الدثور بذلك عملوا به فازدادوا إلى صدقاتهم وعبادتهم بمالهم التعبد بهذا الذكر فحازوا الفضيلتين فنفسهم الفقراء وأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم

ص: 413

رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

2303-

(21) وعن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل: ((أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات. قيل: يا رسول الله!

ــ

قد شاركوهم في ذلك وانفردوا عنهم بما لا قدرة لهم عليه، فقال:{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} [الجمعة: 4] وفي حديث عبد الله بن بسر قال جاء أعرابي فقال: يا رسول الله! كثرت علي خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني. قال: عليك بذكر الله تعالى قال: ويكفيني يا رسول الله قال نعم ويفضل عنك. فدله الناصح صلى الله عليه وسلم على شيء يبعثه على شرائع الإسلام والحرص والاستكثار منها، فإنه إذا اتخذ ذكر الله تعالى شعاره أحبه وأحب ما يحب فلا شيء أحب إليه من التقرب بشرائع الإسلام، فدله صلى الله عليه وسلم على ما يتمكن به من شرائع الإسلام وتسهل به عليه وهو ذكر الله عزوجل (رواه الترمذي) في الدعوات واللفظ له (وابن ماجه) في فضل الذكر وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص188، 190) والحاكم (ج1ص195) وابن حبان وابن أبي شيبة. والحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم والذهبي. قال الحافظ: وأخرج ابن حبان نحوه أيضاً من حديث معاذ بن جبل، وفيه أنه السائل عن ذلك. وحديث عبد الله بن بسر عزاه الجزري في جامع الأصول (ج5ص241) للترمذي فقط وذكره بلفظ: إن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بشي أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى قال، وفي رواية إن شرائع الإسلام قد كثرت وأنا قد كبرت فأخبرني بشي أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى، قال لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى – انتهى. ولم أجد هذا السياق في جامع الترمذي.

2303-

قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أي العباد أفضل) وفي مسند الإمام أحمد إن أبا سعيد هو السائل عن ذلك (وأرفع) ليس هذا اللفظ في المسند ولا في نسخ الترمذي الموجودة عندنا، نعم ذكره الجزري في جامع الأصول وابن القيم في الوابل الصيب، ونسباً الحديث للترمذي. (قال الذاكرون الله كثيراً) قيل: المراد بهم المداومون على ذكره ومكره، والقائمون بالطاعة المواظبون على شكره. وقيل: المراد بهم الذين يأتون بالأذكار الواردة في جميع الأحوال والأوقات (والذاكرات) أي الله كثيراً. قال القاري: وفي بعض النسخ أي من المشكاة والذاكرات غير موجودة – انتهى. قلت: وسقوطها هو الصواب فإنها ليست عند أحمد ولا الترمذي ولم يذكرها أحد ممن عزا الحديث للترمذي كالنووي في الأذكار والمنذري في الترغيب والجزري في جامع الأصول والسيوطي في الجامع الصغير وابن القيم في الوابل الصيب وعلي المتقي في الكنز والشوكاني في تحفة الذاكرين. ولم يذكرهن النبي صلى الله عليه وسلم مع إرادتهن تغليباً للمذكر على المؤنث (قيل يا رسول الله) وفي المسند قال قلت:

ص: 414

ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً، فإن الذاكر لله أفضل منه درجة)) . رواه أحمد والترمذي. وقال: هذا حديث حسن غريب.

2304-

(22) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس)) .

ــ

يا رسول الله! (ومن الغازي في سبيل الله) أي الذاكرون أفضل من غيرهم، ومن الغازي أيضاً قالوا ذلك تعجباً (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه (لو ضرب) أي الغازي (بسيفه في الكفار) هذا من قبيل يجرح في عراقيبها نصلي حيث جعل المفعول به مفعولاً فيه مبالغة أن يوجد فيهم الضرب ويجعلهم مكاناً للضرب بالسيف، لأن جعلهم مكاناً للضرب أبلغ من جعلهم مضروبين به فقط (والمشركين) تخصيص بعد تعميم اهتماما بشأنهم فإنهم ضد الموحدين (حتى ينكسر) أي سيفه (ويختضب) أي هو أو سيفه (دماً) وهو كناية عن الشهادة (فإن الذاكر لله) وفي المسند، والترمذي لكان الذاكرون الله (أفضل منه) أي من الغازي (درجة) تحتمل الوحدة أي بدرجة واحد عظيمة وتحتمل الجنس أي بدرجات متعددة (رواه أحمد) (ج3ص78) (الترمذي) في الدعوات ونسبه في الكنز لأبي يعلى وابن شاهين أيضاً. قال المنذري: ورواه البيهقي مختصراً قال قيل يا رسول الله! أي الناس أعظم درجة قال الذاكرون الله (وقال) أي الترمذي (هذا حديث حسن غريب) كذا في بعض النسخ بزيادة لفظ حسن، وفي بعضها هذا حديث غريب، أي بحذف لفظ حسن كما في جامع الترمذي والترغيب والكنز، وفي سنده ابن لهيعة وفيه كلام معروف عن دراج عن أبي الهيثم. قال في التقريب في ترجمة دراج: أنه صدوق وفي حديثه عن أبي الهيثم ضعف.

2304-

قوله: (الشيطان جاثم) بجيم ومثلثة أي لازم الجلوس ودائم اللصوق من جثم الرجل أو الطائر أو الحيوان بجثم جثماً وجثوماً أي تلبد بالأرض ولزمها والتصق بها على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله) أي ابن آدم بقلبه أو ذكر قلبه الله (خنس) من باب ضرب ونصر أي انقبض الشيطان وتأخر وتنحى عنه، ولكثرة هذا الوصف فيه سمي الخناس في سورة الناس. قال الجزري: الخنوس التأخر والانقباض (وإذا غفل) بمعجمة وفاء أي هو أو قلبه عن ذكر الله (وسوس) أي إليه الشيطان وتمكن تمكناً تاماً منه، وفيه إيماء إلى أن الغفلة سبب الوسوسة لا العكس، ووقع في حديث الحارث الأشعري عند أحمد والترمذي وأمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله – انتهى. قال ابن القيم: لو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً

ص: 415

رواه البخاري تعليقاً.

2305-

(23) وعن مالك، قال: ((بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين،

ــ

بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجاً بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو، إلا من باب الغفلة فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله تعالى وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع وكالذباب ولهذا سمي الوسواس الخناس أي يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله خنس أي كف وانقبض، ثم ذكر عن عباس مثل حديث الباب موقوفاً عليه. (رواه البخاري تعليقاً) أي بلا ذكر سند قلت في عزو هذا السياق المرفوع للبخاري نظر فإنه ذكر في تفسير سورة الناس معناه عن ابن عباس موقوفاً عليه من قوله لا مرفوعاً حيث قال: ويذكر عن ابن عباس الوسواس إذا وُلِدَ خنسه الشيطان (أي أخره وأزاله عن مكانه لشدة نخسه وطعنه بإصبعه) فإذا ذكر الله ذهب وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه. قال الحافظ: إسناده إلى ابن عباس ضعيف، أخرجه الطبري والحاكم (ج2ص541) وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف، ولفظه ما من مولود إلا على قلبه الوسواس فإن ذكر الله خنس وإن غفل وسوس، وهو قوله تعالى:{الوسواس الخناس} [الناس: 4] قلت: قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وعزاه الشوكاني في الفتح القدير لابن المنذر وابن مردوية والضياء والبيهقي أيضاً، وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن عباس بلفظ: يولد الإنسان والشيطان جاثم على قلبه، فإذا عقل وذكر اسم الله خنس وإذا غفل وسوس. وأخرجه ابن مردوية من وجه آخر عن ابن عباس. قال: الوسواس هو الشيطان يولد المولود، والوسواس على قلبه فهو يصرفه حيث شاء فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل جثم على قلبه فوسوس ولأبي يعلى والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا والحكيم الترمذي في النوارد من حديث أنس مرفوعاً. قال: إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس قال الحافظ: إسناده ضعيف. وقال الهيثمي: فيه عدي بن عمارة وهو ضعيف. ولسعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم. قال: سأل عيسى عليه السلام ربه أن يريه موضع الشيطان من بني آدم فأراه فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب فإذا ذكر العبد ربه خنس وإذا ترك مناه حدثه.

2305-

قوله: (وعن مالك قال بلغني) تقدم الكلام في بلاغات مالك المذكورة في الموطأ، وهذا البلاغ قد وصله أبونعيم وغيره كما سيأتي (ذاكر الله في الغافلين) أي عن الذكر (كالمقاتل) أي للكفار (خلف الفارين) بتشديد الراء أي المنهزمين الفارين من الزحف إذا التحم الحرب في قتال الكفار، وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم

ص: 416

وذاكر الله في الغافلين كغصن أخضر في شجر يابس. وفي رواية: مثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر، وذاكر الله في الغافلين مثل مصباح في بيت مظلم، وذاكر الله في الغافلين يريه الله مقعده من الجنة وهو حي وذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كل فصيح وأعجم. والفصيح: بنوآدم، والأعجم: البهائم)) .

ــ

وغيره كالمقاتل عن الفارين شبه الذاكر الذي يذكر بين جمع لم يذكروا بالمجاهد الذي يقاتل بعد فرار أصحابه في كون كل منهما قاهراً للعدو، فالذاكر قاهر الشيطان وقامع لجنوده المسلطة على القلب كما أن القاتل الصابر قاهر وقامع لجنود الكفار ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس (وذاكر الله) كرره لينيط به في كل مرة غير ما أناط به في الأخرى إعلاماً بأنه أمر عظيم له فوائد متعددة مستقلة (في الغافلين) أي فيما بينهم فالجار ظرف أي بينهم أو محله الرفع على أنه صفة والتقدير الذاكر الكائن في الغافلين (كغصن أخضر في شجر يابس) قال القاري: أي بجنب الأشجار اليابسة (وفي رواية) هذه هي رواية ابن عمر عند أبي نعيم وغيره (مثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر) بفتح السين المهملة ويسكن أي الشجر اليابس، زاد في حديث ابن عمر الذي قد تحات من الصريد أي تساقط من شدة البرد فقد تهيأت حينئذ للحرق بالنار فكذا الغافل عن ذكر الله متهيئ للمؤاخذة والعذاب فشبه فيه الذاكر بغصن أخضر مثمر أو شجرة خضراء مثمرة. والغافل بيابس تهيأ للحرق (وذاكر الله في الغافلين مثل مصباح في بيت مظلم) فإن الذكر نور وسرور والغفلة ظلمة وغيبة. قال الطيبي: شبه الذاكر الذي يذكر الله بين جماعة لم يذكروا بالمجاهد الذي يقاتل الكفار بعد فرار أصحابه منهم، فالذاكر قاهر لجند الشيطان وهازم له، والغافل مقهور منهزم منه. ثم شبه بالغصن الأخضر الذي يعد للأثمار، والغافل باليابس الذي يهيأ للإحراق. ثم شبه ثالثاً بالمصباح في مجرد كونه مضيئاً في نفسه، والغافل في البيت المظلم في مجرد الظلمة (يريه الله) وفي حديث ابن عمر يعرفه الله بضم أوله وشدة الراء المكسورة (مقعده) أي وما أعد له (من الجنة وهو حي) جملة حالية وليست هذه الجملة في حديث ابن عمر. قال العزيزي: يحتمل أن يكون ذلك في النوم. وقال القاري: لعل الإراءة بالمكاشفة أو بنزول الملائكة عند النزع لقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30](يغفر له) أي ذنوبه (بعدد كل فصيح وأعجم) المراد بالأعجم هنا كل دابة لا نطق لها، وفي رواية للبيهقي من حديث ابن عمر وذاكر الله في الغافلين من الأجر بعدد كل فصيح وأعجم، وذاكر الله في الغافلين ينظر الله إليه نظرة لا يعذبه أبداً، وذاكر الله في السوق له بكل شعرة

ص: 417

رواه رزين.

2306-

(24) وعن معاذ بن جبل، قال:((ما عمل العبد عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله)) .

ــ

نور يوم يلقى الله (رواه رزين) قال في التنقيح: الحديث ذكره رزين في جامعه ولا يوجد في شيء من أصوله الستة يعني صحيحي البخاري ومسلم والموطأ لمالك وجامع أبي عيسى الترمذي وسنن أبي داود السجستاني وسنن أبي عبد الرحمن النسائي، وهذا يدل على خطأ ما وقع في نسخة جامع الأصول المطبوعة بمصر سنة 1368 من عزو هذا الحديث لموطأ الإمام مالك، فقد رقم في أوله ط علامة لإخراج مالك له في موطأه. وقال في آخره أخرجه الموطأ هذا وذكره علي المتقي في الكنز (ج1ص386) من حديث ابن عمر، ونسبه لأبي نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب وابن صهري في أماليه وابن شاهين في الترغيب وابن النجار. قال وقال ابن شاهين: هذا حديث صحيح الإسناد حسن المتن غريب الألفاظ – انتهى. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعد عزوه لأبي نعيم والبيهقي: وفي إسناده عمران بن مسلم القصير. قال البخاري: منكر الحديث. وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف، ولعله يشير إلى كون في إسناده هذا الرجل – انتهى. ورواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار عن ابن مسعود مختصراً ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين. قال الهيثمي:(ج9ص80) رجال الأوسط وثقوا. وقال العزيزي قال الشيخ: حديث صحيح.

2306-

قوله: (ما عمل العبد عملاً) كذا في جميع النسخ من المشكاة، وهكذا وقع في جامع الأصول (ج5ص244) عزواً للموطأ فقط، والذي جاء في نسخ الموطأ الموجودة ما عمل ابن آدم من عمل، وهكذا ذكر في جامع الأصول (ج10ص315) وقال في آخر الحديث أخرجه الموطأ والترمذي، وللترمذي ما شيء أنجى، ولابن ماجه ما عمل امرؤا بعمل ورواه أحمد (ج5ص239) بلفظ: ما عمل آدمي عملاً قط، والحاكم بلفظ: ما عمل آدمي من عمل، وما في "ما عمل" نافية "وعملاً" مفعول مطلق أو مفعول به على أن عمل بمعنى كسب أي فعل عملاً من أعمال البر ويؤيد هذا ما وقع في رواية من عمل (أنجى له) قال في الحرز الثمين أفعل تفضيل من الإنجاء لا من النجاة، لأن النجاة من الخلاص والمعنى هنا على التلخيص وهو معنى الانجاء وبناء أفعل التفضيل على هذا الوزن من باب الإفعال قياس عند سيبويه، ويؤيده كثرة السماع كقولهم هو أعطاهم للدينار وأنت أكرم لي من فلان وهو عند غيره سماع مع كثرته. ونقل عن المبرد والأخفش جواز بنا أفعل التفضيل من جميع المزيد فيه كأفعل واستفعل وغيرهما كذا أفاده الشيخ الرضى – انتهى. (من عذاب الله من ذكر الله) من الأولى صلة أنجى والثانية تفضيلية أي فجميع أعمال الخير تنجي من عذاب الله، لكن الذكر أعظم إنجاء من غيره بأي صيغة كان من صيغ الذكر وهذا لأن سائر العبادات وسائل ووسائط يتقرب بها إلى الله تعالى والذكر هو المقصود الأسنى والمطلوب الأعلى.

ص: 418

رواه مالك، والترمذي، وابن ماجه.

2307-

(25) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يقول: أنا مع عبدي

ــ

قال ابن عبد البر: فضائل الذكر كثيرة لا يحيط بها كتاب وحسبك بقوله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] – انتهى. وزاد في رواية الطبراني في الكبير وابن أبي شيبة في المصنف. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع قاله ثلاث مرات. (رواه مالك) في باب ما جاء في ذكر الله من كتاب الصلاة (والترمذي وابن ماجه) في فضل الذكر من الدعوات وكذا الحاكم (ج1ص496) ومثله لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع قاله القاري. قلت: روي أحمد (ج5ص239) وابن أبي شيبة والطبراني في الكبير وابن عبد البر والبيهقي قول معاذ هذا مرفوعاً. قال المنذري في الترغيب: رواه أحمد بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعاً. وقال الهيثمي (ج10ص73) بعد أن عزاه لأحمد: رجاله رجال الصحيح إلا أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش لم يدرك معاذاً – انتهى. قلت يدل على ذلك رواية أحمد حيث وقع فيها "عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ والحديث ذكره الحافظ في بلوغ المرام. وقال أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني بإسناد حسن، وفي الباب عن جابر عند الطبراني في الأوسط والصغير. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

2307-

قوله: (إن الله تعالى يقول أنا مع عبدي) أي عوناً ونصراً وتأييداً وتوفيقاً فهذه معية خاصة تفيد عظمة ذكره تعالى وإنه مع ذاكره برحمته ولطفه وإعانته والرضا بحاله وتحصيل مرامه. قال ابن القيم: الفائدة الثانية والأربعون للذكر أن الذاكر قريب من مذكوره ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق كقوله تعالى:{إن الله مع الذين اتقوا والله مع الصابرين} [البقرة: 249]{وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69]{لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40] وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر كما في الحديث الإلهي أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه وأثر آخر أهل ذكرى أهل مجالستي الخ. والمعية الحاصلة للذاكر معية لا يشبهها شيء وهي أخص من المعية الحاصلة للمحسن والمتقي وهي معية لا تدركها العبارة ولا تنالها الصفة وإنما تعلم بالذوق وهي مزلة أقدام إن لم يصحب العبد فيها تمييز بين القديم والمحدث، بين الرب والعبد، بين الخالق والمخلوق، بين العابد والمعبود، وإلا وقع في حلول يضاهيء به النصارى أو اتحاد يضاهيء به القائلين بوحدة الوجود تعالى الله عما يقول الظالمون

ص: 419

إذا ذكرني، وتحركت بي شفتاه)) . رواه البخاري.

2308-

(26) وعن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: ((لكل شيء صقالة، وصقالة القلوب ذكر الله،

ــ

والجاحدون علواً كبيراً (إذا ذكرني) في سنن ابن ماجه "إذا هو ذكرني" وفي الكنز وبلوغ المرام والوابل الصيب "ما ذكرني"(وتحركت بي) أي بذكري (شفتاه) قال الطيبي: فيه من المبالغة ما ليس في قوله إذا ذكرني باللسان هذا إذا كان الواو للحال. وأما إذا كان للعطف فيحتمل الجمع بين الذكر باللسان والقلب، وهذا التأويل أولى لأن المؤثر النافع هو الذكر باللسان مع حضور القلب، وأما الذكر باللسان والقلب لاه فهو قليل الجدوى (رواه البخاري) تعليقاً الحديث ذكر الحافظ في بلوغ المرام. وقال: أخرجه ابن ماجه وصححه ابن حبان وذكره البخاري تعليقاً – انتهى. وفيه نظر، فإن الحديث بهذا السياق ليس في نسخ البخاري الموجودة عندنا لا مسنداً ولا معلقاً وليس هو في جامع الأصول أيضاً ولم ينسبه أحد إلى البخاري نعم هو في البخاري (في كتاب التوحيد) بلفظ: يقول الله أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي الخ. وقد تقدم في الفصل الأول من هذا الباب والحديث ذكره المنذري في الترغيب. وقال رواه ابن ماجه واللفظ له وابن حبان في صحيحه وعزاه في الكنز (ج1ص733) لأحمد وابن ماجه والحاكم وابن عساكر. قلت: أخرجه الحاكم (ج1ص496) من حديث أبي الدرداء وقال حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وفي إسناده عند ابن ماجه محمد بن مصعب القُرقُساني. قال في الزوائد: قال فيه صالح بن محمد هو ضعيف في الأوزاعي، لكن رواه ابن حبان في صحيحه من طريق أيوب بن سويد عن الأوزاعي أيضاً، وأيوب بن سويد ضعيف – انتهى. قلت قال أحمد: حديث القرقساني عن الأوزاعي مقارب. وقال الحاكم: أبوأحمد روى عن الأوزاعي أحاديث منكرة وليس بالقوي عندهم. وقال الحافظ في التقريب: هو صدوق كثير الغلط.

2308-

قوله: (لكل شي) أي مما يصدأ حقيقةً أو مجازاً (صقالة) بكسر الصاد أي انجلاء. وقيل: أي تجلية وتصفية. قال في المصباح: صقلت السيف ونحوه صَقْلاً من باب قتل وصقالاً أيضاً بالكسر جلوته (وصقالة القلوب ذكر الله) قال الطيبي: صدء القلوب الرين في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين: 14] بمتابعة الهوى المعنى بها في قوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23] فكلمة "لا إله" تخليها وكلمة "إلا الله" تجليها والله اعلم. وقال ابن القيم تحت هذا الحديث: لا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما وجلاءه بالذكر فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرأة البيضاء فإذا ترك صدأ فإذا ذكر جلاه. وصدأ القلب بأمرين بالغفلة والذنب، وجلاءه بشيئين بالاستغفار والذكر فمن كانت الغفلة أغلب

ص: 420

وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع)) . رواه البيهقي في الدعوات الكبير.

ــ

أوقاته كان الصدأ متراكباً على قلبه، وصدأه بحسب غفلته، وإذا صدىء لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه. فإذا تراكم عليه صدأ وأسود وركبه الران فسد تصوره وإدراكه فلا يقبل حقاً ولا ينكر باطلاً، وهذا أعظم عقوبات القلب. وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره – انتهى. وقال بعض العارفين: إن كان القلب صافياً مجلياً من كل كدر ارتسمت فيه صور المعارف والعلوم وكان محلاً لكل خير وإلا بأن كان ملوثاً مدنساً بالمعاصي لم يقبل شيئاً من ذلك كالمرأة التي ركبها الصدأ (وما من شيء أنجى) أي له (من عذاب الله) قال المناوي: كذا في كثير من النسخ أي من الجامع الصغير لكن رأيت نسخة المؤلف يعني السيوطي بخطه من عذاب بالتنوين (قالوا ولا الجهاد) بالرفع (قال ولا الجهاد في سبيل الله) يعني الجهاد المجرد عن ذكر الله تعالى (قال: ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع) أي هو أو سيفه وقوله "ولا أن يضرب" هكذا في جميع النسخ من المشكاة، وذكر المنذري في الترغيب وابن القيم في الوابل الصيب بلفظ: ولو أن يضرب، والسيوطي في الجامع الصغير وعلي المتقي في الكنز بلفظ: ولو أن تضرب بسيفك (رواه البيهقي في الدعوات الكبير) قال المنذري: رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي من رواية سعيد بن سنان واللفظ له. وقال العزيزي قال الشيخ: حديث صحيح.

ص: 421