المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الثالث} 2086- (31) عن ابن عباس، ((أن رسول الله صلى - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الثالث} 2086- (31) عن ابن عباس، ((أن رسول الله صلى

{الفصل الثالث}

2086-

(31) عن ابن عباس، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه فقالوا: هذا يوم عظيم: أنجى الله فيه موسى وقومه،

ــ

(والترمذي) وأخرجه أيضاً البيهقي (ج4ص296) وأبويعلى والطبراني في الكبير كلهم من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن نمير بن عريب عن عامر بن مسعود (وقال هذا حديث مرسل) وكذا قال البيهقي وابن حبان وابن السكن وغيرهم، لأن عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، وفي الباب عن أنس عند الطبراني في الأوسط وابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وعن جابر عند ابن عدي والبيهقي في الشعب، وعن أبي سعيد عند البيهقي في السنن (ج4ص297) الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصام وطال ليلة فقام، واقتصر أحمد على قوله الشتاء ربيع المؤمن (وذكر حديث أبي هريرة ما من أيام أحب إلى الله) تمامه أن يتعبد فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر (في باب الأضحية) لبيان فضيلة العمل في عشر ذي الحجة. قال القاري: إن كان مراده إن صاحب المصابيح ذكره في باب الأضحية، وإنه أسقطه لتكراره فهذا اعتذار حسن منه، إلا أنه كان الأولى أن يعكس الأمر فيه، وإن كان مراده إنه حق لأنه أولى بذلك الباب فلا يخفى أنه غير صواب-انتهى. قلت: ذكر البغوي حديث أبي هريرة هذا في باب الأضحية، وفي باب صيام التطوع، فأسقطه المصنف ههنا لتكراره، لكن كان الأولى أن يسقطه في باب الأضحية لأنه أنسب وأولى بباب الصيام.

2086-

قوله: (قدم المدينة) أي بعد الهجرة من مكة (فوجد اليهود) أي في السنة الثانية. لأن قدومه في الأولى كان بعد عاشوراء في ربيع الأول (صياماً) أي ذوي صيام أو صائمين (يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه) أي ما سبب صومه وقد استشكل ظاهر الخبر لاقتضائه أنه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول وأجيب بأن المراد إن أول علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة، أو يكون في الكلام حذف، وتقديره قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياماً، ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية،

ص: 94

وغرق فرعون وقومه. فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه)) متفق عليه.

ــ

فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لكن لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه، وهو الاعتبار بالأشهر الهلالية والسنين القمرية فأخذ أهل الإسلام بذلك (هذا يوم عظيم) أي وقع فيه أمور عظيمة توجب تعظيم مثل ذلك اليوم (وغرق) بالتشديد (فرعون وقومه) بالنصب فيهما. قال الطيبي: غرقه وأغرقه بمعنى، وفي نسخة أغرق، وفي أخرى بكسر الراء المخففة ورفع المنصوبين (فصامه موسى شكراً) لله تعالى (فنحن نصومه) أي شكراً أيضاً أو متابعة لموسى، وللبخاري في الهجرة، ونحن نصومه تعظيماً. وزاد أحمد (ج2ص360) من حديث أبي هريرة وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً (فنحن) أي إذا كان الأمر كذلك فنحن (أحق وأولى بموسى) أي بمتابعته (منكم) فإنا موافقون له في أصول الدين ومصدقون لكتابه، وأنتم مخالفون لها بالتغيير والتحريف. قال السندي: قوله "أحق بموسى منكم" يدل على أنه قصد موافقة موسى لقوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90] لا موافقة اليهود حتى يقال اللائق مخالفتهم وكأنه لهذا عزم في آخر الأمر على ضم اليوم التاسع إلى يوم عاشوراء تحقيقاً لمخالفة. وقال الطيبي: وافقهم في صوم يوم عاشوراء مع أن مخالفتهم مطلوبة، والجواب عنه أن المخالفة مطلوبة فيما أخطأوا فيه كما في يوم السبت لا في كل أمر. قال القاري: الأظهر في الجواب أنه صلى الله عليه وسلم أول الهجرة لم يكن مأموراً بالمخالفة، بل كان يتألفهم في كثير من الأمور، ومنها أمر القبلة. ثم لما ثبت عليهم الحجة ولم يمنعهم الملائمة، وظهر منهم العناد والمكابرة اختار مخالفتهم وترك مؤالفتهم انتهى. واستشكل رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى اليهود في ذلك لأنهم كفرة، وخبر الكافر في الديانات مردود وأجاب المازري باحتمال أن يكون أوحى إليه بصدقهم أو تواتر عنده الخبر بذلك، ولا يشترط الإسلام في التواتر، زاد عياض أو أخبره به من أسلم منهم كابن سلام وغيره، ثم قال ليس في الخبر أنه ابتداء الأمر بصيامه بل في حديث عائشة التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم. وإنما هي صفة حال وجواب سؤال. قلت: أراد بحديث عائشة ما رواه الشيخان عنها قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية (أي قبل أن يهاجر إلى المدينة) فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه. ولا مخالفة بين هذا وبين حديث ابن عباس، إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك.

ص: 95

قال الحافظ: أما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك، وإليه جنح ابن القيم حيث قال في الهدي: لا ريب إن قريشاً تعظم هذا اليوم، وكانوا يكسون الكعبة وصومه من تمام تعظيمه. وقال القرطبي: لعل قريشاً كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم عليه السلام وفي المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة، أنه سئل عن ذلك فقال إذ نبت قريش ذنباً فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك: قال القرطبي: وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل أن يكون ذلك استئلافاً لليهود باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك وعلى كل حال فلم يصمه إقتداء بهم فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه كذا في الفتح (فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم) كما كان يصومه قبل ذلك (وأمر) أصحابه (بصيامه) الظاهر أنه أمر إيجاب ففيه دليل لمن قال كان قبل النسخ واجباً، ومن لا يقول به يقول أنه أكد ندبه، ثم نسخ تأكيد ندبه فبقي مندوباً في الجملة. وسيأتي البسط في ذلك في شرح حديث جابر بن سمرة. فإن قيل يخالف حديث ابن عباس هذا ما رواه البخاري من حديث أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً، وفي رواية مسلم كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود، فإنه يشعر بأن الصوم كان لمخالفتهم وحديث ابن عباس يدل على أنه كان لموافقتهم قلنا لا منافاة بينهما إذ اليهود ثم غير اليهود هنا وأولئك كانوا يصومونه وهؤلاء لا يصومونه، فوافق أولئك في الصوم لمعرفته أنه الحق بوحي وخالف هؤلاء فيه لمعرفته خلاف ذلك. وقال الحافظ: ظاهر حديث أبي موسى إن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه، لأن يوم العيد لا يصام، وحديث ابن عباس يدل على أن الباعث على صوم موافقتهم على السبب وهو شكراً لله تعالى على نجاة موسى مع موافقة عادته، لكن لا يلزم من تعظيمهم واعتقادهم بأنه عيد، إنهم كانوا لا يصومونه فلعلهم كان من جملة تعظيمهم في شرعهم أن يصوموه. وقد ورد ذلك صريحاً في حديث أبي موسى هذا فيما أخرجه البخاري في الهجرة بلفظ: فإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه ولمسلم من وجه آخر قال: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم-انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصوم وذكر الأنبياء والهجرة والتفسير، ومسلم في الصوم واللفظ له، وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص291- 320- 336- 340) وأبوداود وابن ماجه والدارمي والبيهقي (ج4ص286- 289) والنسائي في الكبرى والطحاوي (ج1ص337) .

ص: 96

2087-

(32) وعن أم سلمة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: "إنهما يوماً عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم)) . رواه أحمد.

2088-

(33) وعن جابر بن سمرة، قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا، ولم ينهنا عنه، ولم يتعاهدنا عنده)) . رواه مسلم.

ــ

2087-

قوله: (وعن أم سلمة) بفتح اللام أم المؤمنين (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم) وفي المسند أكثر مما يصوم (من الأيام) أي الأخر (ويقول أنهما يوماً عيد للمشركين) وفي المسند أنهما عيد المشركين السبت لليهود، والأحد للنصارى، وإنما سموا مشركين لقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله، وإما للتغليب، وأراد من يخالف دين الإسلام ذكره الطيبي (فأنا أحب أن أخالفهم) أي مجموع الفريقين، وفيه دليل على استحباب صوم السبت والأحد مخالفة لأهل الكتاب، وظاهره صوم كل على الإنفراد والاجتماع، لكن يحمل على صومهما جميعاً متواليين لئلا يخالف ما تقدم من النهي عن صوم يوم السبت، فالمنهي عنه إفراد السبت وفي معناه إفراد الأحد، والمستحب صومهما جميعاً تحقيقاً لمخالفة الفريقين (رواه أحمد) (ج6ص324) وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان والحاكم (ج1ص436) والبيهقي (ج4ص303) بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد وكان يقول إنهما يوماً عيد للمشركين فأنا أريد أن أخالفهم، وعزاه الحافظ في التلخيص (ص200) وبلوغ المرام وللنسائي أيضاً ولعله في الكبرى.

2088-

قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء) أي يأمرنا أمراً مؤكداً (ويحثنا عليه) أي يرغبنا إليه (ويتعاهدنا) أي يحفظنا ويراعي حالنا ويتفحص عم صومنا أو بتخولنا بالموعظة (فلما فرض) بصيغة المجهول (رمضان لم يأمرنا) أي به (ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا) أي لم يتفقدنا، وفي الحديث دليل على أن صوم عاشوراء كان واجباً، ثم نسخ ورد إلى التطوع وإليه ذهب أبوحنيفة وهي رواية عن أحمد واختاره الحافظ وابن القيم كما سيأتي، وبه جزم الباجي من المالكية حيث قال: أول ما فرض من الصيام صوم يوم عاشوراء، فلما فرض رمضان نسخ وجوبه-انتهى. والأصح عند الشافعي إنه لم يجب أصلا. قال العيني: ج11ص118) اتفق العلماء على أن صوم عاشوراء الآن سنة وليس بواجب واختلفوا في حكمه أول الإسلام،

ص: 97

فقال أبوحنيفة: كان واجباً. واختلف أصحاب الشافعي على وجهين، أشهرهما، أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يك واجباً قط في هذه الأمة، ولكنه كان يتأكد الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحباً دون ذلك الاستحباب. والثاني، كان واجباً كقول أبي حنيفة، ونقل عياض عن بعض السلف أنه كان يقول كان فرضاً وهو باق على فرضيته لم ينسخ، لكن انقرض القائلون بهذا وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم، ثم انقرض القول بهذا ونقل عياض وابن عبد البر والنووي وغيرهم الإجماع على أنه الآن ليس بفرض والإجماع على أنه مستحب. وقال ابن قدامة (ج3ص74) اختلف في صوم عاشوراء هل كان واجباً، فذهب القاضي إلى أنه لم يكن واجباً وقال هذا قياس المذهب. واستدل بشيئين أحدهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يأكل بالصوم، والنية في الليل شرط في الواجب. والثاني، أنه لم يأمر من أكل بالقضاء، ويشهد لهذا ما روى معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر، وهو حديث صحيح، وروى عن أحمد أنه كان مفروضاً لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه، فلما افترض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه، وهو حديث صحيح وحديث معاوية محمول على أنه أراد ليس هو مكتوباً عليكم الآن. وأما تصحيحه بنية من النهار وترك الأمر لقضاءه، ففيه أنه قد روى أبوداود إن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا، قال: فأتموا بقية يومكم وأقضوه-انتهى. قلت: قد سبق الجواب عن صحة النية في نهار عاشوراء في شرح حديث حفصة، من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له. وأما حديث معاوية فقال الحافظ قد استدل به على أنه لم يكن فرضاً قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى:{كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} [البقرة: 183] ثم فسره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخاً، ويؤيد ذلك إن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح، والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني-انتهى كلام الحافظ. وهو تلخيص كلام الإمام ابن القيم في الهدي (ج1ص171) ومن أحب التفصيل رجع إليه. قلت: واستدل من قال بوجوب صوم عاشوراء في أول الإسلام بأحاديث كثيرة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد، والعيني في شرح البخاري، والطحاوي في شرح معاني الآثار من شاء الوقوف عليها رجع إلى هذه الكتب، وهذا القول هو الراجح عندنا. قال الحافظ: ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجباً لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال،

ص: 98

2089-

(34) وعن حفصة، قالت:((أربع لم تكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتان قبل الفجر)) . رواه النسائي.

2090-

(35) وعن ابن عباس، قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا في سفر)) رواه النسائي.

ــ

وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم لما فرض رمضان ترك عاشوراء مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق. فدل على أن المتروك وجوبه وأما قول بعضهم المتروك تأكد استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفي ضعفه بل تأكد استحبابه باق، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول: لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة وأي تأكيد أبلغ من هذا-انتهى. وقد ذكر نحو هذا ابن القيم في الهدي (ج1ص116)(رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص96) والطحاوي (ج1ص336) والبيهقي (ج4ص289) .

2089-

قوله: (وعن حفصة) أم المؤمنين (قالت أربع) أي خصال (لم تكن يدعهن) أي يتركهن (النبي صلى الله عليه وسلم) فاعل تنازع فيه فعلان (صيام عاشوراء والعشر) بالجر. وقيل: بالرفع أي صيام عشر ذي الحجة، والمراد من العشر تسعة أيام مجازاً، وقد روى أحمد (ج6ص288- 423) وأبوداود والنسائي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء-الحديث. وهذا يبين المراد من قوله العشر في حديث حفصة (وثلاثة أيام) بالوجهين (من كل شهر) وهي الاثنان والخميس، والاثنان من الجمعة الأخرى. كما في حديث سواء الخزاعي عن حفصة عند أحمد (ج6ص287) وأبي داود والبيهقي (ج4ص295)(وركعتان قبل الفجر) كذا في جميع النسخ من المشكاة وهكذا وقع في جامع الأصول (ج7ص206) والذي في سنن النسائي وركعتين قبل الغداة، وهكذا في مسند الإمام أحمد (ج7ص287) وكذا ذكره المجد بن تيمية في المنتقى وعزاه لأحمد والنسائي، والظاهر إن المصنف تبع في ذلك الجزري، ولم يراجع سنن النسائي وأرادت حفصة بذلك ركعتي سنة الصبح. والحديث يدل على استحباب صوم ما ذكره فيه من الأيام، وقد سبق وجه الجمع بينه وبين ما تقدم من حديث عائشة، ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر (رواه النسائي) وأخرجه أيضاً أحمد.

2090-

قوله: (لا يفطر أيام البيض) هذا على حذف المضاف يريد أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر،

ص: 99

2091-

(36) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم)) . رواه ابن ماجه.

ــ

وسميت لياليها بيضاً لأنها المقمرات من أوائلها على آخرها فناسب صيامها شكراً لله تعالى (في حضر ولا سفر) أي ولا في سفر ولا مزيدة للتأكيد، وفيه دليل على استحباب صيام أيام البيض في السفر، ويلحق بها صوم سائر التطوعات المرغب فيها (رواه النسائي) من طريق يعقوب بن عبد الله بن سعد القُمِّي عن جعفر بن أبي مغيرة الخزاعي القمى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال الشوكاني: وفي يعقوب وجعفر مقال، قلت: قال الدارقطني في يعقوب: ليس بالقوي. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أبوالقاسم الطبراني: كان ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أبونعيم الأصبهاني: كان جرير بن عبد الحميد إذا رآه قال: هذا مؤمن آل فرعون. وقال محمد بن حميد الرازي: دخلت بغداد فاستقبلني أحمد وابن معين فسألاني عن أحاديث يعقوب القمى. وأما جعفر بن أبي مغيرة فذكره أيضاً ابن حبان في الثقات. ونقل عن أحمد بن حنبل توثيقه. وقال ابن مندة ليس بالقوي في سعيد بن جبير. وقال الحافظ في التقريب ترجمتها: صدوق بهم، فالحق إن حديثهما لا ينزل عن درجة الحسن.

2091-

قوله: (لكل شيء زكاة) أي صدقة. وقال السندي: أي نماء يعطي بعضه أو طهارة يطهر به (وزكاة الجسد الصوم) فإنه يذاب بعض البدن منه وينقص وتطهر الذنوب به وتمحص. قال الطيبي: أي وصدقة الجسد ما يخلصه من النار بجنة الصوم وقال الحفني: لكل شيء زكاة أي شيء يطهره ومطهر الجسد الصوم فهو كزكاة المال من حيث إن كلا منهما ينقص في الحس ويزيد في المعنى. وقال الدميري: وإنما كان الصوم زكاة البدن لأنه سر من أسرار الله تعالى، وسبب لنحول الجسد وزيادة بركته وخيره المعنوي، فأشبه الزكاة المالية فإنها وإن نقصته حسا زادته بركة ونمواً فكذلك الصوم. وقال السندي: قوله "لكل شيء زكاة" أي ينبغي للإنسان أن يخرج من كل شيء قدر الله فيكون ذلك زكاة له، وزكاة الجسد الصوم، فإنه ينتقص به الجسد في سبيل الله فصار ذلك الذي نقص منه كأنه خرج منه لله على أنه زكاة له (رواه ابن ماجه) وفيه موسى بن عبيدة الربذي. قال البوصيري: وهو متفق على تضعيفه، وذكره المنذري في الترغيب مصدراً بلفظه: روى، ثم أهمل الكلام في آخره وقد جعل ذلك دليلاً على ضعف إسناد الحديث عنده، والحديث رواه الطبراني في الكبير عن سهل بن سعد. قال الهيثمي (ج3ص182) وفيه حماد بن الوليد وهو ضعيف.

ص: 100

2092-

(37) وعنه، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس. فقيل: يا رسول الله! إنك تصوم يوم الاثنين والخميس. فقال:"إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا ذا هاجرين، يقول: دعهما حتى يصطلحا)) . رواه أحمد، وابن ماجه.

ــ

2092-

قوله: (كان يصوم يوم الاثنين والخميس) بالنصب، وقيل بالجر واللام بدل عن المضاف، أي يوم الخميس، وفي نسخة بالجر عطفاً على الاثنين (إنك تصوم) أي كثيراً (يوم الاثنين) بكسر النون ويفتح (والخميس) بالنصب أي فما الحكمة في صومهما (إن يوم الاثنين والخميس) بالنصب والجر (يغفر الله فيهما لكل مسلم) قد تقدم أنه يعرض فيهما الأعمال فكأنه يغفر للمسلمين حين يعرض عليه أعمالهم (إلا ذا) ذا مزيدة (هاجرين) بالتثنية أي قاطعين أي ولو كانا صائمين وقوله "إلا ذا هاجرين" كذا وقع في جميع النسخ من المشكاة، والذي في مسند أحمد (ج2ص326) إلا المتهاجرين أي من التهاجر، وفي ابن ماجه "إلا متهجرين" أي من الاهتجار. قال السندي: أي متقاطعين لأمر لا يقتضى ذلك وإلا فالتقاطع للدين ولتأديب الأهل جائز (يقول) أي الله للملك الموكل على محو السيئة عند ظهور آثار المغفرة (دعهما) أي أتركهما (حتى يصطلحا) أي إلى أن يقع الصلح بينهما فحينئذٍ يغفر لهما. وقال السندي: قوله دعهما كأنه خطاب للملك الذي يعرض الأعمال فمعنى دعهما أي تعرض عملهما أو لعله إذا غفر لأحد يضرب الملك على سيئآته أو يمحوها من الصحيفة بوجوده فمعنى دعهما لا تمح سيئاتهما (رواه أحمد)(ج2ص329) بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصوم الاثنين والخميس فقيل له فقال، إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم إلا المتهاجرين فيقول أخرهما (وابن ماجه) قال السندي في حاشية ابن ماجه وفي الزوائد: إسناده صحيح غريب، ومحمد بن رفاعة ذكره ابن حبان في الثقات، تفرد بالرواية عنه الضحاك بن مخلد، وباقي رجال إسناده على شرط الشيخين، وله شاهد من حديث أسامة بن زيد، رواه أبوداود والنسائي، وروى الترمذي بعضه في الجامع. وقال: حسن غريب-انتهى. وذكر المنذري هذا الحديث في ترغيبه، وعزاه لابن ماجه فقط. وقال رواته ثقات، ورواه مالك ومسلم وأبوداود والترمذي باختصار ذكر الصوم، ولفظ مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض الأعمال في اثنين وخميس فيغفر الله عزوجل في ذلك اليوم لكل امرىء لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أتركوا هذين حتى يصطلحا، وفي رواية له (أي لمسلم وأخرجها أيضاً أحمد)(ج2ص268، 389، 400، 465) تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبدلا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كان بينه وبين أخيه شحناء-الحديث.

ص: 101

2093-

(38) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام يوماً ابتغاء وجه الله، بعده الله من جهنم كبعد غراب طائر وهو فرخ حتى مات هرماً)) رواه أحمد.

2094-

(39) وروى البيهقي في "شعب الإيمان" عن سلمة بن قيس.

ــ

2093-

قوله: (ابتغاء وجه الله) نصب على العلة أي ذاته وطلب قربة ورضاه (كبعد غراب) أي بعداً مثل بعد غراب (طائر) كذا في جميع النسخ الحاضرة من المشكاة، والذي في مسند الإمام أحمد (ج2ص526) طار أي بلفظ الماضي وكذا نقله الهيثمي في مجمع الزوائد (ج3ص181) عن مسندي أحمد والبزار (وهو فرخ) بفتح فسكون أي صغير (حتى مات هرماً) بفتح فكسر أي كبيراً قال الطيبي: طائر صفة غراب "وهو فرخ" حال الضمير في طائر "وحتى مات" غاية الطيران و"هرماً" حال من فاعل مات، مقابل لقوله وهو فرخ. وقيل: يضرب الغراب مثلاً في طول العمر شبه بعد الصائم عن النار ببعد غراب طار من أول عمره إلى آخره-انتهى. قيل: يعيش الغراب ألف عام كذا في المرقاة (رواه أحمد)(ج2ص526) قال حدثنا عبد الله بن يزيد أي المقري ثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن لهيعة (أي ابن عقبة) أبي عبد الله عن رجل قد سماه ثنى سلمة بن قيصر (في النسخة المطبوعة قيس وهو غلط كما ستعرف) عن أبي هريرة وهذا إسناد ضعيف، لأن عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي فيه كلام معروف، والراوي عن سلمة بن قيصر مجهول، والحديث عزاه المنذري والهيثمي إلى أحمد والبزار جميعاً. وقالا: في إسناده رجل لم يسم، وسيأتي مزيد الكلام على إسناده.

2094-

قوله: (وروى البيهقي) أي الحديث المذكور (في شعب الإيمان عن سلمة بن قيس) كذا في جميع النسخ من المشكاة، وكذا ذكره المؤلف في أسماء رجاله في الصحابة وهذا غلط ووهم منه، والصواب سلمة ابن قيصر بفتح قاف وسكون ياء وفتح صاد مهملة وترك صرف. قال المنذري: وعن سلمة بن قيصر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام يوماً ابتغاء وجه الله باعده الله من جهنم كبعد غراب طار، وهو فرخ حتى مات هرماً. رواه أبويعلى والبيهقي، ورواه الطبراني فسماه سلامة بزيادة ألف، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة. ورواه أحمد والبزار من حديث أبي هريرة، وفي إسناده رجل لم يسم. وقال الهيثمي بعد ذكر هذا الحديث: من رواية سلمة بن قيصر، رواه أبويعلى والطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال سلامة بن قيصر، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام-انتهى. قلت: وفيه أيضاً عمرو بن ربيعة الحضرمي وهو لا يعرف كما في الميزان (ج1ص402) واللسان (ج3ص59) في ترجمة سلام بن قيس. وأما سلمة بن قيصر، فاختلف فيه أنه صحابي، فحديثه هذا مسند، أو تابعي أرسل حديثه، فقال أحمد بن صالح المصري له صحبة، وذكره الحسن بن سفيان وأبويعلى والطبراني وابن حبان وابن مندة في الصحابة. وقال ابن يونس المصري: سلمة بن قيصر الحضرمي وأهل الشام يقولون سلامة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه مرثد بن عبد الله اليزني وأبوالشعثاء عمرو بن ربيعة الحضرمي،

ص: 102