الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد، فجلس عليها ولحق بباديته)) . رواه أبوداود.
{الفصل الثالث}
2115-
(13) عن عبادة بن الصامت، قال: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين،
ــ
(حتى يصلي الصبح) يشير إلى أنها ليلة القدر (ولحق) في سنن أبي داود والبيهقي فلحق. وقد روى مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله بن أنيس الجهني قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله! إني رجل شاشع الدار فمرني ليلة أنزل لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان. قال ابن عبد البر: يقال ليلة الجهني معروفة بالمدينة ليلة ثلاث وعشرين وحديثه، هذا مشهور عند عامتهم وخاصتهم. وروى ابن جريج هذا الخبر لعبد الله بن أنيس. وقال في آخره فكان الجهني يمسى تلك الليلة يعني ثلاث وعشرين في المسجد فلا يخرج منه حتى يصبح ولا يشهد شيئاً من رمضان قبلها ولا بعدها ولا يوم فطر-انتهى. وقد ذهب إلى كون ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين جماعة من الصحابة والتابعين. قال الحافظ: روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن معاوية، قال: ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، ورواه إسحاق في مسنده من طريق أبي حازم عن رجل من بني بياضة له صحبة مرفوعاً، وروى عبد الزراق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً من كان متحريها فليتحرها ليلة سابعة قال، وكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين، ويمس الطيب وعن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه كان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وروى عبد الرزاق من طريق يونس بن سيف سمع سعيد بن المسيب يقول: استقام قول القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين ومن طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة ومن طريق مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين-انتهى. (رواه أبوداود) وكذا البيهقي (ج4ص309، 310) كلاهما من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه. وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث فحديثه هذا صحيح، ورواه أيضاً الطبراني في الكبير لكنه قال عن عبد الله بن جحش عن أبيه. قال الحافظ في الإصابة:(ج1ص267) هو خطأ سقط عن الإسناد ابن وأبدل جحش بأنيس-انتهى. ورواه البيهقي (ج4ص309) أيضاً من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عبد الله بن أنيس، وأصل هذا الحديث في مسلم من طريق بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس كما تقدم في الفصل الأول وأخرجه أبويعلى من حديث أنس كما في مجمع الزوائد (ج3ص176) .
2115-
قوله: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم) أي من حجرته (ليخبرنا) بنصب الراء بأن مقدرة بعد لام التعليل (بليلة القدر) أي بتعيينها (فتلاحى) بفتح الحاء المهملة أي تنازع وتخاصم، وفي حديث أبي سعيد مسلم فجاء رجلان يختصمان معهما الشيطان، ونحوه في حديث الفلتان عند ابن إسحاق، وزاد أنه لقيهما عند سدة المسجد بينهما فاتفقت هذه الأحاديث على سبب النسيان،
فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة)) . رواه البخاري.
ــ
وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، وهذا سبب آخر. فأما أن يحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث أبي هريرة مناماً فيكون سبب النسيان الإيقاظ وأن تكون الرؤيا في حديث غيره في اليقظة فيكون سبب النسيان ما ذكر من المخاصمة، أو يحمل على إتحاد القصة، ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين، ويحتمل أن يكون المعنى أيقظني بعض أهلي فسمعت تلاحى الرجلين فقمت لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما. وقد روى عبد الرزاق من مرسل سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبر بليلة القدر قالوا: بلى فسكت ساعة ثم قال لقد قلت لكم وأنا أعلم ثم أنسيتها فلم يذكر سبب النسيان وهو مما يقوى الحمل على التعدد-انتهى كلام الحافظ. (رجلان) قيل: هما عبد الله ابن أبي حدرد، وكعب بن مالك أي وقعت بينهما منازعة ومخاصمة، والظاهر إنها التي كانت في الدين الذي للأول على الثاني فأمره عليه الصلاة والسلام بوضع شطر دينه عنه فوضعه ذكره ابن حجر. وقال الحافظ: قيل الرجلان هما عبد الله بن أبي حدرد وكعب بن مالك ذكره ابن دحية ولم يذكر له مستنداً (فرفعت) بصيغة المجهول، أي رفع بيانها أو علمها من قلبي فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين. وقيل: المعنى رفعت بركتها في تلك السنة. وقيل: التاء في رفعت للملائكة لا لليلة. وقال الطيبي قال بعضهم: رفعت أي معرفتها لتلاحى الناس، والحامل له على ذلك إن رفعها مسبوق بوقوعها وحصولها فإذا حصلت لم يكن لرفعها معنى قال، ويمكن أن يقال المراد برفعها إنها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت بعد فنزل الشروع منزلة الوقوع وإذا تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بتعيينها فيه احتمال. وقد روى عن ابن عيينة أنه أعلم وروى محمد بن نصر من طريق وهب المغافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ليلة القدر فقالت لا، لو علمها لما أقام الناس غيرها. قال الحافظ: وهذا قالته احتمالاً وليس بلازم لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضاً فيحصل الاجتهاد في جميع العشر كما تقدم، وقال العيني: الذي قالته زينب إنما قالته احتمالاً وهذا لا ينافي علمه بذلك، واستنبط السبكي الكبير من هذه القصة استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها لأن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قدره له فيستحب إتباعه في ذلك-انتهى. قال الباجي: قد يذنب البعض فتتعدى عقوبته إلى غيره فيجزى به من لا سبب له في الدنيا وأما في الآخرة {ولا تزروا وازرة وزر أخرى} [الإسراء: 15]-انتهى. وقد روى في هذا أحاديث كثير لا تخفى على طالب الحديث (وعسى أن يكون) أي رفع تعيينها (خيراً لكم) حيث يحثكم على الاجتهاد في جميع ليالي العشر الأواخر.
2116-
(14) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة، يصلون على كل عبدقائم أو قاعد يذكر الله عزوجل، فإذا كان يوم عيدهم – يعني يوم فطرهم – باهى بهم ملائكته، فقال: يا ملائكتي! ما جزاء أجير وفي عمله؟
ــ
قال ابن بطال: يريد أن البحث عنها والطلب لها بكثير من العمل هو خير من هذه الجهة. وقال ابن التين: لعله يريد أنه لو أخبرهم بعينها لأقلوا من العمل في غيرها وأكثروه فيها، وإذا غيبت عنهم أكثروا العمل في سائر الليالي رجاء موافقتها. وقال الحافظ: أي وإن كان عدم الرفع أزيد خيراً وأولى منه لأنه متحقق فيه لكن في الرفع خير مرجو لاستلزامه مزيد الثواب لكونه سبباً لزيادة الاجتهاد في التماسها، وإنما حصل ذلك ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم (فالتمسوها) أي اطلبوا ليلة القدر (في التاسعة) أي الباقية وهي التاسعة والعشرون. وقال ابن حجر: أي في التاسعة من آخر الشهر، وهي الليلة الحادية والعشرون (والسابعة والخامسة) على ما تقدم. وقال الحافظ: يحتمل أن يريد بالتاسعة تاسع ليلة من العشر الأخير فتكون ليلة تسع وعشرين، ويحتمل أن يريد بها تاسع ليلة تبقى من الشهر فتكون ليلة إحدى أو اثنين بحسب تمام الشهر ونقصانه، ويرجح الأول قوله في الرواية الماضية في كتاب الإيمان. بلفظ: التمسوها في التسع والسبع والخمس أي في تسع وعشرين وسبع وعشرين وخمس وعشرين، وفي رواية لأحمد (ج5ص319) في تاسعة تبقى-انتهى. (رواه البخاري) في الصوم وفي الإيمان وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص313، 319) والدارمي والبيهقي (ج4ص311) كلهم من رواية حميد عن أنس عن عبادة، ورواه مالك فقال عن حميد عن أنس قال خرج علينا، ولم يقل عن عبادة فجعل الحديث من مسند أنس، قال ابن عبد البر والصواب إثبات عبادة وإن الحديث من مسنده.
2116-
قوله: (إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة) بضمتين. وقيل بفتحتين جماعة متضامة من الناس وغيرهم على ما في النهاية (من الملائكة) فيه إشارة إلى قوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح} [القدر: 4] وإيماء إلى تفسير الروح بجبريل فيكون من باب التخصيص المشعر بتعظيمه (يصلون على كل عبد) أي يدعون لكل عبدبالمغفرة أو يثنون على كل عبدبالثناء الجميل (قائم) كمصل وطائف وغيرها (أو قاعد يذكر الله عزوجل) صفة لكل (يعني يوم فطرهم) احتراز من عيد الأضحى (باهى) أي الله تعالى (بهم ملائكته) في النهاية، المباهاة المفاخرة. والسبب فيها اختصاص الإنسان بهذه العبادات التي هي الصوم.
قالوا: ربنا جزاءه أن يوفى أجره. قال: ملائكتي! عبيدي وإمائي قضوا فريضتي عليهم، ثم خرجوا يعجون إلى الدعاء، وعزتي وجلالي وكرمي وعلوي وارتفاع مكاني لأجيبنهم. فيقول: ارجعوا قد غفرت لكم، وبدلت سيئاتكم حسنات. قال: فيرجعون مغفوراً لهم)) . رواه البيهقي في شعب الإيمان.
ــ
وقيام الليل وإحياءه بالذكر وغيره من العبادات، وهي غبطة الملائكة، ثم الأظهر إن هذه المباهاة مع الملائكة الذين طعنوا في بني آدم فيكون بياناً لإظهار قدرته إحاطة علمه قاله القاري (يا ملائكتي) إضافة تشريف (وفي) بالتشديد وتخفف (ربنا) بالنصب على النداء (جزاءه أن يوفى) بصيغة المجهول مشدداً ومخففاً (أجره) أي أجر عمله بالنصب، وقيل بالرفع قال ملائكتي) بحذف حرف النداء (عبيدي وإمائي) بكسر الهمزة جمع أمة، بمعنى الجارية (قضوا) أي أدوا (فريضتي) أي المختصة المخصومة بي، وهي الصوم الشاق (عليهم ثم خرجوا) من بيوتهم إلى مصلى عيدهم (يعجون) يضم العين وتكسر وبالجيم المشددة من عَجّ يَعُجِّ عَجّا وعجيِجا، صاح ورفع صوته (إلى الدعاء) أي يرفعون أصواتهم بالذكر والثناء متوجهين أو منتهين إلى الدعاء بالمغفرة لذنوبهم. وقيل: أي يرفعون أصواتهم وأيديهم إلى الدعاء (وعزتي) ذاتا (وجلالي) صفة (وكرمي) فعلاً (وعلوي) في الجميع (وراتفاع مكاني) أي مكانتي ومرتبتي من قدرتي وإرادتي عن شوائب النقصان، وحوادث الزمان والمكان فهو تسبيح بعد تحميد وتقديس بعد تمجيد قاله القاري، وقال الطيبي: إرتفاع المكان كناية عن عظمة شأنه وعلو سلطانه وإلا فالله تعالى منزه عن المكان وما ينسب إليه من العلو والسفل-انتهى. قلت: قد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الله تعالى مستو على عرشه وعرشه فوق السماوات السبع، والاستواء هو الارتفاع والعلو فالله تعالى عال على عرشه بائن من خلقه وعلمه وقدرته في كل مكان، وكيفية استواءه مجهولة، ليس كمثله شيء وارجع إلى كتاب العلو للذهبي وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي وإلى ما كتب في مسألة الاستواء على العرش شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية (لأجيبنهم) أي لأقبلن دعوتهم (فيقول) أي الله تعالى حينئذٍ (ارجعوا) أي من مصلاكم إلى مساكنكم (قد غفرت لكم) أي التقصيرات (وبدلت سيآتكم حسنات) بأن يكتب بدل كل سيئة حسنة في صحائف الأعمال فضلاً من الله الملك المتعال، وهو يحتمل أن يعم الصائمين، ويحتمل أن يكون الغفران للعاصين والتبديل للمطيعين التائبين، وهو أظهر لقوله تعالى:{إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات} [الفرقان: 70](قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فيرجعون) أي جميعهم حال كونهم (مغفوراً لهم رواه البيهقي في شعب الإيمان) وأخرجه ابن حبان في الضعفاء مطولاً، وفيه أصرم بن حوشب قاضي همدان. قال يحي: كذاب خبيث.