المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(5) باب القضاء ‌ ‌{الفصل الأول} 2050- (1) عن عائشة، قالت: ((كان يكون - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌(5) باب القضاء ‌ ‌{الفصل الأول} 2050- (1) عن عائشة، قالت: ((كان يكون

(5) باب القضاء

{الفصل الأول}

2050-

(1) عن عائشة، قالت: ((كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في

شعبان.) قال يحيى بن سعيد: (تعني الشغل من النبي أو بالنبي صلى اله عليه وسلم) متفق عليه.

ــ

وإنما لم يدل على أن الصوم ليس بحسن لأن نفي الجناح أعم من الوجوب والندب والإباحة والكراهة (رواه مسلم) من طريق عروة بن الزبير عن أبي مرواح عن حمزة، وأخرجه أيضاً النسائي والدارقطني (ص242) والطحاوي (ج1:ص433) والبيهقي (ج4:243) .

(باب القضاء) أي حكمه وآدابه.

2050-

قوله: (قالت كان) أي الشأن (يكون على) بتشديد التحتانية (الصوم) أي قضاءه (من رمضان) تريد أياماً من رمضان فاتتها بحيض أو مرض أو غير ذلك من الأعذار المبيحة للفطر، وتكرير الكون لتحقيق القضية وتعظيمها، والتقدير كان الشأن يكون كذا، والتعبير بلفظ الماضي أولاً. والمضارع ثانياً. لإرادة الإستمرار وتكرار الفعل قاله القسطلاني: وقيل: لفظه "يكون" زائدة كما قال الشاعر:

وجيران لنا كانوا كرام

وقال الطيبي: "الصوم" إسم كان وعلي خبره ويكون زائدة (فما أستطيع) أي ما أقدر (أن أقضى) أي ما فاتني من رمضان (إلا في شعبان قال يحيى بن سعيد) أي الراوي المذكور في سند هذا الحديث، وهو يحيى بن سعيد الأنصاري نص عليه الحافظ المزي عند ذكر هذا الحديث. وقال الحافظ: هو يحيى بن سعيد الأنصاري ولا جائز أن يكون يحيى بن سعيد القطان، لأنه لم يدرك أبا سلمة بن عبد الرحمن، وليست لزهير بن معاوية عنه رواية، وإنما هو يروي عن زهير (تعني الشغل) كذا في أكثر النسخ بزيادة كلمة تعني، وهكذا وقع في المصابيح، والشغل بضم الأولى وسكون الثانية مرفوع على أنه فاعل فعل محذوف أي قال يحيى تريد عائشة يمنعني الشغل أو أوجب ذلك الشغل ووقع في نسخة القاري. قال يحيى بن سعيد: الشغل أي بإسقاط كلمة "تعني" وكذا نقله الجزري في جامع الأصول وهكذا وقع في البخاري. قال الحافظ: قوله "الشغل" هو خبر مبتدأ محذوف تقديره المانع لها هو الشغل أو هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره الشغل هو المانع (من النبي) أي من أجله (أو بالنبي صلى الله عليه وسلم قال القاري: "من" للتعليل أي لأجله والباء للسببية، وأو للشك من أحد الرواة عن يحيى على ما هو الظاهر،

ص: 21

ويمكن أن يكون للتنويع. والشغل مبتدأ والتقدير الشغل المانع لقضاء الصوم كان ثابتاً من جهته، أو اشتغالها بخدمته صلى الله عليه وسلم هو المانع من القضاء-انتهى. والمراد من الشغل إنها كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك ولا نعلم متى يريده. وأما في شعبان فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه فتفرغ عائشة فيه لقضاء صومها، وفي هذا التعليل إشكال كما ستعرف. قال الحافظ: وفي قوله "قال يحيى" الخ. تفصيل لكلام عائشة من كلام غيرها أي فيه بيان من البخاري إن هذا ليس من قول عائشة. بل مدرج من قول غيرها، ووقع في رواية أحمد بن يونس عند مسلم مدرجاً لم يقل فيه. قال يحيى: فصار كأنه من كلام عائشة أو من روي عنها. وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن بلال عن يحيى مدرجاً أيضاً ولفظه، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه من طريق ابن جريج عن يحيى فبين إدراجه، ولفظه فظننت إن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيى بقوله. وأخرجه أبوداود من طريق مالك، والنسائي من طريق يحيى القطان وسعيد بن منصور عن ابن شهاب وسفيان كلهم عن يحيى بدون هذه الزيادة. وأخرجه مسلم من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون الزيادة لكن فيه ما يشعر بها فإن لفظه قالت: إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بالمعية الزمان أي إن ذلك كان خاصاً بزمانه، وللترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الله البهي عن عائشة ما كنت أقضي ما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. قلت قد اعترض على التعليل المذكور. فقال ابن عبد البر: هذا التعليل ليس بشيء لأن شغل سائر أزواجه كشغلها أو قريب منه لأنه أعدل الناس حتى قال اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك وإما أخرت ذلك للرخصة والتوسعة. وقال في اللامع: قد كان صلى الله عليه وسلم له تسع نسوة يقسم لهن ويعدل فما تأتي نوبة الواحدة إلا بعد ثمانية أيام فكان يمكنها أن تقضي في تلك الأيام. وأجاب عنه القرطبي بأن القسم لم يكن واجباً عليه فهن يتوقعن حاجته في كل الأوقات-انتهى. قال القسطلاني: والصحيح عند الشافعية وجوبه عليه فيحتمل أن يقال كانت لا تصوم إلا بإذنه، ولم يكن يأذن لاحتمال إحتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها-انتهى. وقيل إن القسم إنما هو في المبيت في الليل دون النهار. وقال الحافظ: ومما يدل على ضعف الزيادة المذكورة إنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لنساءه فيعدل، وكان يدنو من المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غير جماع، فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصوم، اللهم إلا أن يقال أنها كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال إحتياجه إليها، فإذا ضاق الوقت أذن لها، وكان هو صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان فلذلك كانت لا يتهيأ إلا في شعبان – انتهى

ص: 22

وقال النووي: كانت كل واحدة منهن مهيأة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك، ولا تدري متى تريده ولا تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها فيفوتها عليه، وهذا من الأدب، وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان، فلا حاجة له فيهن حينئذٍ في النهار، ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه-انتهى. وقال الباجي: والظاهر أنه ليس للزوج جبر المرأة على تأخير القضاء إلى شعبان إلا باختيارها لأن لها حقاً في إبراء ذمتها من الفرض الذي لزمها، وأما التنفل فإن له منعها لحاجة إليها لحديث أبي هريرة لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه. وفي الحديث حجة للجمهور إن القضاء لا يجب على الفور إذ لو منع التأخير لم يقرها صلى الله عليه وسلم، نعم يندب التعجيل لأن المبادرة إلى الطاعة والمسارعة إلى الخير أولى. وأوجب داود القضاء من ثاني شوال فإن أخره أثم. وحديث عائشة يرد عليه. وقال الشوكاني: في الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقاً، سواء كان لعذر أو لغير عذر، لأن للزيادة المذكورة مدرجة، ولكن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية فيكون ذلك أعنى جواز التأخير مقيداً بالعذر المسوغ لذلك. قلت: واحتج الجمهور أيضاً بقوله تعالى {فعدة من أيام أخر} [البقرة:185] فإنه أمر بالقضاء مطلقاً عن وقت معين فلا يجوز تقييده ببعض الأوقات إلا بدليل فيكون وجوب القضاء موسعاً على التراخي لا على الفور. ويؤخذ من حرص عائشة على القضاء في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر فإن دخل فالقضاء واجب أيضاً فلا يسقط، وأما الإطعام فليس له في الحديث ذكر لا بالنفي ولا بالإثبات. واختلف العلماء فيه. فذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب الإطعام مع القضاء. وروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وعمر، ونقل الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم فيه مخالفاً-انتهى. وخالف في ذلك إبراهيم النخعي وأبوحنيفة وأصحابه، ومال الطحاوي إلى قول الجمهور في ذلك، ومال البخاري إلى أنه يقضى ولا كفارة عليه حيث قال بعد ذكر قول أبي هريرة وابن عباس في الإطعام ما لفظه ولم يذكر الله الإطعام، إنما قال:{فعدة من أيام أخر} أي وسكت عن الإطعام وهو الفدية لتأخير القضاء ولم يثبت فيه شيء مرفوع. وفي الحديث إن حق الزوج من العشرة والخدمة يقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضاً محصوراً في الوقت. وقيل: قول عائشة فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان يدل على أنها كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة ولا في عاشوراء ولا في غيرهما، وهو مبني على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان، ولكن من أين ذلك لمن يقول به. والحديث ساكت عن هذا (متفق عليه) واللفظ للبخاري، وأخرجه أيضاً أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن خزيمة.

ص: 23

2051-

(2) وعن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)) . رواه مسلم.

ــ

2051-

قوله: (لا يحل للمرأة) أي المزوجة (أن تصوم) أي نفلاً أو واجباً على التراخي قاله القسطلاني وخصه البخاري بالتطوع وكأنه تلقاه من رواية الحسن بن علي عن عبد الرزاق، فإن فيها لا تصوم المرأة غير رمضان. وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعاً في أثناء حديث، ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه. فإن فعلت لم يقبل منها (وزوجها شاهد) أي حاضر عندها مقيم في بلدها وفي رواية وبعلمها شاهد قال الحافظ: رواية بعلها أفيد، لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد، فإن ثبت وإلا الحق السيد بالزوج للإشتراك في المعنى يعني يلتحق به السيد بالنسبة لأمته التي يحل له وطيها (إلا بإذنه) أي تصريحاً أو تلويحاً، فيه دليل على تحريم الصوم المذكور عليها، وهو قول الجمهور. قال النووي: وسبب هذا التحريم إن للزوج حق الإستمتاع بها في كل الأيام وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي، فإن قيل فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فإن أراد الإستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها، فالجواب إن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة فإن المسلم يهاب إنتهاك الصوم بالإفساد، ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك إن لم يثبت دليل كراهة، نعم لو كان مسافراً فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها، إذا كان زوجها مسافراً، لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه وفي معنى الغيبة أن يكون مريضاً بحيث لا يستطيع الجماع. قال القاري: ظاهر الحديث إطلاق منع صوم النفل فهو حجة على الشافعية في إستثناء نحو عرفة وعاشوراء. قال شيخنا: الأمر كما قال القاري: وإنما لم يلحق بالصوم صلاة التطوع لقصر زمنها وفي معنى الصوم الاعتكاف لا سيما على القول بأن الاعتكاف لا يصح بدون الصوم، قال ولا يبعد أن يحمل قوله "لا يحل على معنى" لا ينبغي أن تصوم قضاء رمضان أو قضاء صوم النفل إذا كان الوقت متسعاً ليكون مناسباً لعنوان الباب-انتهى. قلت: عدم حل الصوم ظاهر في حرمته وهو يشمل ابتداء الصوم وقضاءه، فلا يجوز لها صوم النفل ولا قضاء الواجب إذا كان الوقت متسعاً إلا بإذن زوجها، وفي الحديث إن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع. (ولا تأذن) قال القاري: بالنصب في النسخ المصححة عطفاً على تصوم أي ولا يحل لها أن تأذن أحداً من الأجانب أو الأقارب حتى النساء ولا مزيدة للتأكيد.

ص: 24

2052-

(3) وعن معاذة العدوية، إنها قالت لعائشة:((ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة؟ قالت: عائشة كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) رواه مسلم.

ــ

وقال ابن حجر: يصح رفعه خبراً يردا به النهى وجزمه على النهى (في بيته) أي دخول بيته والمراد ببيت زوجها مسكنه سواء كان ملكه أو، لا (إلا بإذنه) وفي معناه العلم برضاه، وفي رواية مسلم وهو شاهد إلا بإذنه. قال الحافظ: هذا القيد لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته، بل يتأكد حينئذٍ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهى عن الدخول على المغيبات، أي من غاب عنها زوجها. ويحتمل أن يكون له مفهوم، وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر، فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استئذانه لتعذره. وقال النووي: في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعاً معداً لهم. سواء كان حاضراً، أم غائباً، فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك، وحاصله أنه لا بد من إعتبار إذنه تفصيلاً أو إجمالاً (رواه مسلم) هذا يوهم أن الحديث من أفراد مسلم وأنه رواه بهذا اللفظ وليس كذلك فإن الحديث متفق عليه، واللفظ المذكور للبخاري، أخرجه في أثناء حديث في كتاب النكاح من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وذكره مسلم كذلك في كتاب الزكاة من رواية همام بن منبه عن أبي هريرة بلفظ: لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه. ورواه البخاري أيضاً من هذا الطريق مقتصراً على الجملة الأولى، فكان حق المصنف أن يقول متفق عليه، واللفظ للبخاري. والحديث أخرجه أيضاً أحمد (ج2:ص216) من طريق همام بن منبه، والترمذي وابن ماجه من طريق أبي الزناد عن الأعرج بلفظ: لا تصوم المرأة وزوجها شاهد من غير شهر رمضان إلا بإذنه، وأبوداود من طريق همام وزاد غير رمضان، وأخرجه أيضاً الدارمي والبيهقي (ج4:ص303) وفي الباب عن أبي سعيد عند أبي داود والدارمي وابن ماجه وعن ابن عباس عند الطبراني.

2052-

قوله: (وعن معاذة) بميم مضمومة وعين مهملة وذال معجمة بنت عبد الله (العدوية) بعين ودال مفتوحتين منسوبة إلى عدي بن كعب بطن من قريش (إنها قالت لعائشة) وفي رواية البخاري وكذا في رواية لمسلم عن معاذة إن امرأة قالت لعائشة. قال الحافظ: كذا أبهمها همام، وبين شعبة في روايته عن قتادة إنها هي معاذة الرواية أخرجه الإسماعيلي، وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن معاذة. (ما بال الحائض) أي ما شأنها وإنما لم يدخله التاء للإختصاص (تقضى الصوم) أي الذي فاتها أيام حيضها (ولا تقضى الصلاة) مع أنها فرضان تركاً لعلة واحدة وهي الحيض، وفي معناه النفاس تعنى أن مقتضى الرأى أن يكون الصوم والصلاة متساويان في الحكم،

ص: 25

لأن كلاً منهما عبادة تركت لعذر (كان) أي الشأن (يصيبنا ذلك) بكسر الكاف وبفتح أي الحيض (فنؤمر) أي نحن معاشر النساء (بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) في شرح الطيبي: قيل: الجواب من الأسلوب الحكيم أي دعى السؤال عن العلة إلى ما هو أهم منها من متابعة النص والانقياد للشارع، وذكر البخاري في كتاب الصيام من صحيحه عن أبي الزناد أنه قال إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من إتباعها من ذلك، إن الحائض تقضى الصيام ولا تقضى الصلاة-انتهى. يعني أن الأمور الشرعية التي تأتي على خلاف الرأي والقياس ولا يعلم وجه الحكمة فيها يجب الإتباع بها ولا يعترض، ولا يقال لم كان كذا ولا يطلب وجه الحكمة فيها بل يتعبد بها ويؤكل أمرها إلى الله تعالى لأن أفعال الله لا تخلوا عن حكمة ولكن غالبها تخفى على الناس ولا تدركها العقول: قال الحافظ قال الزين بن المنير: نظر أبوالزناد إلى الحيض فوجده مانعاً من هاتين العبادتين وما سلب الأهلية استحال أن يتوجه به خطاب الاقتضاء وما يمنع صحة الفعل يمنع الوجوب فلذلك استبعد الفرق بين الصلاة والصوم فأحال بذلك على إتباع السنة والتعبد المحض. وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذة من عائشة عن الفرق المذكور وانكرت عليها عائشة السؤال وخشيت عليها أن تكون تلقنته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم، ولم تزدها على الحوالة على النص، وكأنها قالت دعى السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها وهو الانقياد إلى الشارع. وقد تكلم الفقهاء في الفرق بين الصلاة والصوم، واعتمد كثير منهم على أن الحكمة فيه أن الصلاة تتكرر فيشق قضاءها، بخلاف الصوم الذي لا يقع في السنة إلا مرة. واختار إمام الحرمين أن المتبع في ذلك هو النص وإن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف-انتهى. قال ابن دقيق العيد:(ج1:ص128) اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونه لم يؤمر به يحتمل وجهين أحدهما أن تكون أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء ويكون مجرد سقوط الأداء دليلاً على سقوط القضاء، فيتمسك به حتى يوجد المعارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم. والثاني قال: وهو الأقرب إن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم، فلو وجب قضاء الصلاة فيه لوجب بيانه، وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب لا سيما، وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به قال: وفي الحديث دليل لما يقوله الأصوليون من أن قول الصحابي كنا نؤمر وننهى في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لم تقم الحجة به-انتهى. ووقع في رواية البخاري كنا نحيض عند النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به أو قالت: فلا نفعله. قال الحافظ: في هذه الرواية بالشك وعند الإسماعيلي من وجه آخر فلم نكن نقضى ولم نؤمر به والاستدلال بقولها فلم نكن نقضى أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به،

ص: 26

2053-

(4) وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) متفق عليه.

ــ

لأن عدم الأمر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء والله أعلم. قال الشوكاني: نقل ابن المنذر والنووي وغيرهما إجماع المسلمين على أنه لا يجب على الحائض قضاء الصلاة ويجب عليها قضاء الصيام، وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه، فقال اجتمع الناس عليه، وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة، وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فانكرت عليه أم سلمة. قال الحافظ: لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره. وقال النووي: قال الجمهور من أصحابنا وغيرهم: وليست الحائض مخاطبة بالصيام في زمن الحيض، وإنما يجب عليها القضاء بأمر جديد (رواه مسلم) في كتاب الطهارة، وأخرجه البخاري في كتاب الحيض، وقد تقدم لفظه فالحديث متفق عليه فكان الأولى للمصنف أن يقول متفق عليه. واللفظ لمسلم وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود وابن ماجه والدارمي في الطهارة والنسائي فيه وفي الصيام، والبيهقي في كتاب الحيض (ج1:ص308) وفي الصيام (ج4:ص236) .

2053-

قوله (من مات) أي من المكلفين بقرينة قوله (وعليه صوم) لأن كلمة على للإيجاب والواو فيه للحال (صام عنه) أي عن الميت (وليه) قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث دليل لعمومه على أن الولي يصوم عن الميت وإن النيابة تدخل الصوم، وذهب إليه قوم والذي عليه الأكثرون عدم دخول النيابة في الصوم لأنها عبادة بدنية. قال: وقوله "صام عنه وليه" ليس المراد أنه يلزمه ذلك، وإنما يجوز ذلك له إن أراد، هكذا ذكره صاحب التهذيب من الشافعية، وحكاه إمام الحرمين عن الشيخ أبي محمد أبيه، وفيه بحث وهو إن الصيغة صيغة خبر أعنى صام ويمتنع الحمل على ظاهره، فينصرف إلى الأمر ويبقى النظر في أن الوجوب يتوقف على صيغة الأمر المتعينة وهي أفعل مثلاً أو يعمها مع ما يقوم مقامها-انتهى. وقال الحافظ: قوله صام عنه وليه خبر بمعنى الأمر تقديره فليصم عنه وليه، وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور، وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك وفيه نظر، لأن بعض أهل الظاهر أوجبه فلعله لم يعتد بخلافهم على قاعدته-انتهى. وقال العيني: أطلق ابن حزم (ج7:ص2) النقل عن الليث بن سعد وأبي ثور وداود أنه فرض على أوليائه أن يصوموه عنه هم أو بعضهم، وبه صرح القاضي أبوالطيب الطبري في تعليقه بأن المراد منه الوجوب، وجزم به النووي في الروضة من غير أن يعزوه إلى أحد. وزاد في شرح المهذب فقال أنه بلا خلاف.

ص: 27

وقال شيخنا العراقي: هذا عجيب منه ثم قال: وحكى النووي في شرح مسلم عن أحد قولي الشافعي أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه، ثم قال ولا يجب عليه-انتهى كلام العيني. قلت الحديث رواه البزار بلفظ: من مات فليصم عنه وليه إن شاء. قال الهيثمي: (ج3:ص179) إسناده حسن-انتهى. واحتج به من ذهب إلى عدم وجوب الصوم من المجيزين له لكن في سنده ابن لهيعة وهو صدوق خلط بعد احتراق كتبه ولم يعرف إن هذا الحديث حدث به قبل احتراق كتبه أو بعده فلا يصح الاحتجاج به. قال الحافظ في التلخيص: (ج1:ص197) وفي رواية للبزار فليصم عنه وليه إن شاء. وهي ضعيفة لأنها من طريق ابن لهيعة-انتهى. والراجح عندي هو الوجوب والله تعالى أعلم. وقد اختلف السلف في هذه المسألة أي في مشروعية الصوم عن الميت فأجاز الصيام عن الميت أي صوم كان أصحاب الحديث، وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث كما نقله البيهقي في المعرفة، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية. وقال البيهقي في الخلافيات: هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في صحتها، فوجب العمل بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال كل ما قلت: وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فخذوا بالحديث ولا تقلدوني. قلت: واحتج لهذا القول بحديث عائشة هذا، وبما روى عن ابن عباس إن امرأة قالت: يا رسول الله: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر. أفأصوم عنها؟ فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها. قالت نعم، قال فصومي عن أمك. وبما روى أحمد ومسلم وأبوداود وابن ماجه والبيهقي عن بريدة. قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال صومي عنها. وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبوحنيفة: لا يصام عن الميت. وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبوعبيد لا يصام عنه إلا النذر. واستدل الحنفية ومن وافقهم بحديث ابن عمر الآتي. وفيه إن المحفوظ أنه موقوف كما ستعرف وللاجتهاد فيه مسرح فلا يصح للاستدلال ثم ليس فيه ما يمنع الصيام وأما ما ذكره المصنف في الفصل الثالث من رواية مالك عنه بلاغاً مما يدل على منع الصيام عن الميت. ففيه أنه قد جاء عن ابن عمر خلاف ذلك كما ذكره البخاري تعليقاً في باب من مات وعليه نذر، وسيجيء، فاختلف قوله فلا يقوم به حجة لأحد، على أنه موقوف أيضاً والحديث أولى بالإتباع وفيه غنية عن كل قول واستدلوا أيضاً بما رواه النسائي في الكبرى بسند صحيح عن ابن عباس قال: لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، وبما روى الطحاوي عن روح بن الفرج حدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبيدة ابن حميد عن عبد العزيز بن رفيع عن عمرة بنت عبد الرحمن،

ص: 28

قلت: لعائشة إن أمي توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضي عنها؟ فقالت. لا. ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك، كذا ذكره ابن التركماني (ج4:ص257) وقال هذا سند صحيح، وذكره ابن حزم في المحلي (ج7:ص403) من رواية ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن امرأة منهم اسمها عمرة إن أمها ماتت، وعليها من رمضان فقالت: لعائشة أقضيه عنها؟ قالت لا، بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين. وفيه إن هذا الاستدلال أيضاً مخدوش، أما أولاً فلأنه جاء عن ابن عباس خلاف ذلك، فروى ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في المحلي (ج7:ص7) سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه رمضان وصوم شهر، فقال يطعم عنه لرمضان ويصام عنه النذر. وفي صحيح البخاري تعليقاً أمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال صلى عنها. وقال ابن عباس نحو، قال ابن عبد البر: النقل في هذا عن ابن عباس مضطرب. قال الحافظ: ويمكن الجمع يحمل الإثبات في حق من مات والنفي في حق الحي-انتهى. وقال العيني: النقل عنه في هذا مضطرب فلا يقوم به حجة لأحد. وأما أثر عائشة الذي نقله ابن التركماني عن الطحاوي، ففيه إن بعض ألفاظه مخالف لما في مشكل الآثار المطبوع ففيه (ج3:ص142) عن عبد العزيز ابن رفيع عن عمرة قالت: توفيت أمي وعليها صيام من رمضان فسألت عائشة عن ذلك فقالت أقضيه عنها، ثم قالت: بل تصدقي مكان كل يوم على مسكين نصف صاع، وهذا كما ترى ليس فيه ما يمنع الصيام. وأما أثرها الذي ذكره ابن حزم فسيأتي الجواب عنه، وأما ثانياً فلأن فتيا الصحابي لا تقاوم الحديث المرفوع الصحيح السنة، الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالإتباع وفيها غنية عن كل قول. واستدلوا أيضاً بالقياس على الصلاة ونظائرها من أعمال البدن التي لا مدخل للمال فيها. قال العيني: قد اجمعوا على أنه لا يصلي أحد عن أحد فكذلك الصوم لأن كلاً منهما عبادة بدنية، وحكى ابن القصار عن المهلب أنه قال لو جاز أن يصوم أحد عن أحد في الصوم، لجاز أن يصلي الناس عن الناس فلو كان ذلك سائغاً لجاز أن يؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمه أبي طالب لحرصه على إيمانه، وقد اجمعت الأمة على أنه لا يؤمن أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد فوجب أن يرد ما اختلف فيه إلى ما اجمع عليه. وفيه أولاً أن هذا قياس في مقابلة النص، وثانياً إن دعوى الإجماع على القول بأن لا يصلي أحد عن أحد باطلة لما تقدم عن ابن عمر، أنه أمر بالصلاة عن الميت، ولأن الظاهرية قالوا يجب قضاء صلاة النذر وصلاة الفرض عن الميت، وثالثاً: أنهم اجمعوا على أن تصلي الركعتان أثر الطواف عن الميت الذي يحج عنه. ورابعاً: إن في كلام المهلب غضاضة وترك محاسن الأدب في حق الشارع ومصادمة الأخبار الثابتة فيه قاله العيني (ج11:ص60) وأجاب بعض الحنفية عن حديث الباب بأن في سنده عبيد الله بن أبي جعفر،

ص: 29

ونقل صحاب الميزان عن أحمد أنه قال ليس بقوى وعن حديث ابن عباس بأنه مضطرب متنا وأجيب عن الأول بأن عبيد الله هذا من رجال السنة، ووثقه أحمد في رواية عبد الله ابنه عنه وأبوحاتم والنسائي وابن سعد: وقال ابن يونس: كان عالماً زاهداً، وإن صح ما نقل صحاب الميزان عن أحمد فلعله في شيء مخصوص، وقد احتج به الجماعة قاله الحافظ في مقدمه الفتح. فالحديث صحيح جداً، ولذلك اتفق الشيخان على تخريجه في صحيحهما، ولم ينتقده أحد ممن انتقدهما، بل اتفقوا على صحته وقبوله، وأجيب عن الثاني بعدم تسليم الاضطراب فيه كما بين ذلك الحافظ في الفتح. وأجابوا أيضاً بأنه روى عن عائشة وابن عباس وهما رويا حديث الصيام عن الميت أنهما لم يريا الصيام عنه كما تقدم، وفتوى الراوي على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ. وتعقبه ابن حزم بوجوه، أحدها إن الله تعالى إنما افترض علينا إتباع رواية الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفترض علينا قط إتباع رأى أحدهم. والثاني: أن قد يترك الصحابي إتباع ما روى لوجوه، وهي أن يتأول فيما روى تأويلاً ما اجتهد فيه فاخطأ فاخبر مرة أو أن يكون نسي ما روى، فافتى بخلافه أو أن تكون الرواية عنه بخلافه وهما، ممن روى ذلك عن الصحابي، فإذ كل ذلك ممكن فلا يحل ترك ما افترض عليها إتباعه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لم يأمرنا بإتباعه لو لم يكن فيه هذه العلل فكيف وكلها ممكن فيه، ولا معنى لقول من قال هذا دليل على نسخ الخبر، لأنه يعارض بأن يقال كون ذلك الخبر عند ذلك الصحابي دليل على ضعف الرواية عنه بخلافه أو لعله قد رجع عن ذلك. والثالث، أن نقول لعل الذي روى فيه عن عائشة فيه الإطعام كان لم يصح حتى ماتت فلا صوم عليها. والرابع، أنه قد روى عن ابن عباس الفتيا بما روى من الصوم عن الميت كما تقدم، فصح أنه قد نسى أو غير ذلك مما الله تعالى أعلم به-انتهى مختصراً، وقال الحافظ: بعد ذكر اعتلال الحنفية بنحو ما تقدم ما لفظه، والراجح أن المعتبر ما رواه الصحابي لا ما رآه لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد ومستنده فيه لم يتحقق، ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده، وإذا تحقق صحة الحديث لم يترك المحقق للمظنون وتعقبه العيني كعادته بما لا يلتفت إليه. وأجابوا أيضاً عن حديث عائشة بأن المراد بقوله صام عنه وليه، أي فعل عنه وليه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام، قال الماوردي: وهو نظير قوله التراب وضوء المسلم إذا لم يجد الماء، قال فسمي البدل باسم المبدل فكذلك هنا. وقال الخطابي (ج2:ص122) تأوله بعض أهل العلم فقال معناه أطعم عنه وليه، فإذا فعل ذلك فكأنه قد صام عنه سمي الإطعام صياما على سبيل المجاز والاتساع إذ كان الطعام قد ينوب عنه، وقد قال سبحانه أو عدل ذلك صياماً فدل على أنهما يتناوبان-انتهى. وتعقب بأنه صرف للفظ عن ظاهره بغير دليل، بل يدل على ما ذكرنا من آثار ابن عمر وابن عباس وعائشة على كون الصوم في حديث عائشة المرفوع في معناه الحقيقي. قال السندي: من لا يقول بالصيام عن الميت يدعى النسخ بأدلة غير تامة،

ص: 30

ومنهم من يقول معنى قوله في حديث بريدة أفأصوم عنها أفأفدي عنها على تسمية الفداء صوماً لكونه بدلاً عن الصوم وكل ذلك غير تام-انتهى. وقال صاحب فتح الملهم: قوله صلى الله عليه وسلم فصومي عن أمك في حديث ابن عباس وقوله صلى الله عليه وسلم صومي عنها في حديث بريدة، قد صدر في معرض الجواب عن قولها أفأصوم عنها فكأنه صلى الله عليه وسلم قررها على ما سألته، والظاهر أنهما ما أرادت بسؤالها إلا الصوم الحقيقي لا الإطعام، وحمل كلامها على الإطعام لا يخلو عن تعسف فالوجدان السليم يحكم بأن التأويل المذكور في حديث عائشة لا يجري في حديثي ابن عباس وبريدة إلا بتكلف بارد والله تعالى أعلم-انتهى. وقال الشيخ محمد أنور: لا حاجة إلى تأويل أحاديث الباب وصرف لفظ الصوم فيها عن ظاهره بل المراد بقوله صام عنه وليه، وقول "صومي عنها" هو الصوم الحقيقي لكن لا بطريق النيابة بل بطريق التبرع لإيصال الثواب وقد أجاب صلى الله عليه وسلم عن قولها أفأصوم عنها بقوله صومي عنها لما رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأمها ولا شك في أنه ينفع لها في الجملة فأما أنه يقع قضاء عما عليها ويبرأ ذمتها عن الواجب فليس في الحديث دلالة على هذا-انتهى. قلت هذا التوجيه أيضاً سخيف جداً يدل على سخافته تمام حديث ابن عباس. قال صاحب فتح الملهم بعد ذكر التوجيه المذكور: هذا توجيه لطيف لولا ما ورد في حديث ابن عباس من التشبيه بقضاء الدين، ولا سيما قوله في رواية زيد بن أبي أنيسة عن الحكم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عند مسلم) قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته، أكان ذلك يؤدي عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك وهذا كالصريح في أن صومها عن أمها يؤدي ما على أمها من دين الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب. وأجاب المالكية عن حديث عائشة بأن عمل أهل المدينة بخلافه. وهذا مبني على أن تركهم العمل بالحديث حجة ودليل على نسخه وليس كذلك كما عرف في الأصول. واستدل القائلون بجواز الصيام عن الميت في النذر دون غيره، بأن حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس مقيد بالنذر كما تقدم، فيحمل عليه ويكون المراد بالصيام صيام النذر. وفيه أنه ليس بين الحديثين تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له. وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره فدين الله أحق أن يقضى قاله الحافظ: قال الشوكاني: وإنما قال إن حديث ابن عباس صورة مستقلة يعني أنه من التنصيص على بعض أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده كما تقرر في الأصول. واختلف في المراد بقوله "وليه" فقيل كل قريب سواء كان وارثاً أو عصبة أو غيرهما. وقيل: الوارث خاصة. وقيل: عصبة قال الحافظ: والأول أرجح والثاني قريب ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أمها. وقال الكرماني والنووي: الصحيح الأول واختلفوا أيضاً هل يختص ذلك بالولي لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل، فيقتصر على ما ورد فيه ويبقى الباقي على الأصل.

ص: 31