المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{الفصل الأول} 2245- (1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: ‌ ‌{الفصل الأول} 2245- (1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله

{الفصل الأول}

2245-

(1) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي إلى يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً)) .

ــ

2245-

قوله: (لكل نبي دعوة مستجابة) قال النووي: معناه إن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة، وهو على يقين من إجابتها. وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها، وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب، وذكر القاضي عياض أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته كما في الروايتين الأخيريتين يعني من روايات مسلم بلفظ: لكل نبي دعوة دعا بها في أمته، وبلفظ: لكل نبي دعوة دعاها لأمته. والمراد إن لكل منهم دعوة عامة مستجابة في حق الأمة إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم. وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب، ومنها ما لا يستجاب. وقيل معناه إن لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه كقول نوح {رب لا تذر على الأرض} [نوح: 26] وقول زكريا {فهب لي من لدنك ولياً يرثني} [مريم: 5] وقول سليمان {رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص35] حكاه ابن التين (فتجعل كل نبي دعوته) أي استعجل في دعوته المقطوع بإجابتها وإني اختبأت دعوتي) أي ادخرت دعوتي المقطوع بالإجابة وجعلتها خبيئة من الاختباء وهو الستر. ووقع في رواية للشيخين، وإني أريد أن اختبىء، وفي حديث أنس عند البخاري فجعلت دعوتي. قال الحافظ: وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤخرها ثم عزم ففعل ورجا وقوع ذلك فأعلمه الله به فجزم به (شفاعة لأمتي) أي أمة الإجابة يعني لأجل أن أصرفها لهم خاصة بعد العامة وفي جهة الشفاعة أو حال كونها شفاعة (إلى يوم القيامة) أي مؤخرة إلى ذلك اليوم وفي نسخة يوم القيامة على أنه ظرف للشفاعة قاله القاري. قلت: وفي صحيح مسلم يوم القيامة أي بدون إلى وكذا وقع في المصابيح، وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج11ص 122) فالظاهر إن ما وقع في أكثر نسخ المشكاة بذكر إلى غلط من النساخ فهي) أي الشفاعة (نائلة) أي واصلة حاصلة (إن شاء الله) قاله صلى الله عليه وسلم على جهة التبرك والامتثال لقوله تعالى:{ولا تقولن لشي إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23](من مات) في محل نصب على أنه مفعول به لنائلة (لا يشرك بالله) حال من فاعل مات (شيئاً) أي من الأشياء أو من الإشراك وهي أقسام. عدم دخول قوم النار. وتخفيف لبثهم فيها. وتعجيل دخولهم الجنة. ورفع درجات فيها. قال ابن بطال: في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها أيضاً دعاء عليهم بالهلاك، كما وقع لغيره ممن تقدم. وقال ابن الجوزي:

ص: 341

رواه مسلم وللبخاري أقصر منه.

2246-

(2) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني اتخذت عندك عهداً لن تخلفينه،

ــ

هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه ومن صحة نظره، لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين. وقال النووي: فيه كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم واعتناءه بالنظر في مصالحهم المهمة فأخر دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجتهم. وأما قوله فهي نائلة" الخ ففيه دليل لمذهب أهل الحق أهل السنة إن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لا يخلد في النار ولو مات مصراً على الكبائر، يعني ففيه رد على من أنكر ذلك، ويرى أن الشفاعة لرفع الدرجات وغيره، ولا شفاعة لأهل الكبائر بل هم مخلدون في النار (رواه مسلم) في أواخر الإيمان (وللبخاري أقصر منه) فقد رواه في أول الدعوات بلفظ: لكل نبي دعوة يدعوا بها، وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة، وفي باب المشيئة والإرادة من كتاب التوحيد بلفظ: لكل نبي دعوة فأريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة. وأخرجه مسلم مطولاً كما في المشكاة ومقتصراً أيضاً كما عند البخاري. وأخرجه أحمد في مواضع منها في (ج2ص275) ومنها في صحيفة همام بن منبه (ج2ص313) ومالك في أواخر الصلاة والترمذي في الدعوات وابن ماجه في ذكر الشفاعة والخطيب في تاريخ بغداد (ج3ص424، ج11ص 141) وفي الباب عن أنس عند الشيخين وجابر عند مسلم، وابن عباس ضمن حديث مطول عند أبي يعلى وأحمد (ج1ص281- 295) وعبد الله بن عمرو بن العاص ضمن حديث أيضاً عند أحمد (ج2ص222) وعبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني وعبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي عند الحاكم، والطبراني والبزار، وأبي سعيد عند أحمد والبزار وأبي يعلى والطبراني وأبي ذر عند البزار، وأبي موسى عند أحمد والطبراني وابن عمر عند الطبراني.

2246-

قوله: (اللهم إني اتخذت) وقع في رواية لمسلم في أول الحديث، اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عند الله الخ. وأخرج مسلم من حديث عائشة بيان سبب هذا الحديث قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشي لا أدري ما هو، فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت له: فقال أو ما علمت ما شارطت عليه ربي. قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً، وقوله "اتخذت" كذا في جميع النسخ بلفظ الماضي، وفي المصابيح اتخذ أي بصيغة المضارع كما في صحيح مسلم، وهكذا نقله الجزري (ج11ص330) نعم وقع في روايات أخرى لمسلم اتخذت أي بصيغة الماضي (عندك عهداً) أي أخذت منك وعداً أو أماناًَ (لن تخلفنيه) من الإخلاف لأن الكريم لا يخلف وعده قيل

ص: 342

فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته: شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك

يوم القيامة)) .

ــ

أصل الكلام إني طلبت منك حاجة اسعفني بها ولا تخيبني فيها، فوضع العهد موضع الحاجة مبالغة في كونها مقضية ووضع لن تخلفنيه موضع لا تخيبني. وقيل وضع العهد موضع الوعد مبالغة وإشعاراً بأنه وعد لا يتطرق إليه الخلف كالعهد ولذلك استعمل فيه الخلف لا النقض لزيادة التأكيد. وقيل أراد بالعهد الأمان، والمعنى أسألك أماناً لن تجعله خلاف ما أترقبه وأرتجيه بأن تجعل ما بدر مني مما يناسب ضعف البشرية إلى مؤمن من أذية أنحوها نحوه أو دعوة أدعوا بها عليه قربة تقربه بها إليك، فإنما أنا بشر أتكلم في الرضا والغضب فلا آمن أن أدعوا على مسلم فيستضر به، وهذه الرأفة التي أكرم الله بها وجهه حتى حظي بها المسيء فما ظنك بالمحسن، وإنما وضع الاتخاذ موضع السؤال تحقيقاً للرجاء بأنه حاصل إذ كان موعوداً بإجابة الدعاء، ولهذا قال لن تخلفنيه أحل العهد المسؤل محل الشيء الموعود. ثم أشار إلى أن وعد الله لا يتأتي فيه الخلف فإن الألوهية تنافيه (فإنما أنا بشر) تمهيد لمعذرته فيما يندر عنه صلوات الله وسلامه عليه، يعني فيصدر مني ما يصدر من البشر، فأغضب نادراً في بعض الأحيان بحكم البشرية (فأي المؤمنين) وفي رواية فأي رجل من المسلمين وهو بيان وتفصيل لما كان يلتمسه صلى الله عليه وسلم بقوله اتخذت عندك عهداً (آذيته) أي بأي نوع من أنواع الأذى (شتمته إلخ) بيان لقوله آذيته وتفصيل له، ولذا لم يعطف. ومن ثم أفرد الضمير في فاجعلها رداً إلى الأذية. (لعنته جلدته) أي ضربته. قال الطيبي: ذكر هذه الأمور أي أنواع الإيذاء الثلاثة على سبيل التعداد من غير عاطف كقولك واحد اثنان ثلاثة، وقابلها بما يقابلها من أنواع التعطف والألطاف متناسقة أي بإثبات العاطف ليجمعها بإزاء كل واحد من تلك الأمور على سبيل الاستقلال، وليس من باب اللف والنشر - انتهى. قلت: وقع في الروايات الأخرى ذكر هذه الأمور بلفظ: "أو" ففي رواية لمسلم فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة، وفي أخرى له فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها زكاة ورحمة، وفي حديث عائشة فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله زكاة وأجراً (فاجعلها) أي تلك الأذية التي صدرت بمقتضى ضعف البشرية. وقيل: أي الكلمات المفهمة شتماً أو نحو لعنة (له) أي لمن آذيته من المؤمنين (صلاة) أي رحمة ورأفة تخصه بها وإكراماً وتلطفاً وتعطفاً توصله به إلى المقامات العلية (وزكاة) أي طهارة له من الذنوب ونماء وبركة في الأعمال والأموال (وقربة تقربه) أي تجعل ذلك المؤمن مقرباً (بها) أي بتلك القربة أو بكل واحدة من الصلاة وأختيها (إليك يوم القيامة) أي ولا تعاقبه بها في العقبى. ووقع في حديث أنس عند مسلم تقييد المدعو عليه بأن يكون ليس لذلك بأهل، ولفظه إنما أنا بشر أرضى كما يرضي البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها

ص: 343

له طهوراً وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة، وفيه قصة لأم سليم. قال النووي: في الحديث بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم. ورواية أنس تبين المراد بباقي الروايات المطلقة وإنما يكون دعاءه عليه رحمة وكفارة وزكاة، ونحو ذلك إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وما كان مسلماً وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك رحمة لهم. قلت: وهذا هو الجواب عما استشكل بأنه لعن جماعة كثيرة منها المصور والعشار ومن ادعى إلى غير أبيه والمحلل والسارق وشارب الخمر وآكل الربا وغيرهم. فيلزم أن يكون لهم رحمة وطهوراً، فالمراد في الحديث من لم يكن أهلا لذلك ومن لعنه في حال غضبه على مقتضى ضعف البشرية، فمن فعل منهياً عنه فلا يدخل في ذلك. فإن قيل كيف يدعوا صلى الله عليه وسلم بدعوة على من ليس لها بأهل أو يسبه أو يلعنه أو نحو ذلك أجيب بأن المراد بقوله ليس لها بأهل عندك في باطن أمره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعائي عليه، يعني إن المراد ليس بأهل لذلك عند الله وفي باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بإمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك فكأنه يقول من كان باطن أمره عندك إنه ممن ترضي عنه فاجعل دعوتي التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهوراً وزكاة، وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلم كان متعبداً ومأموراً بالحكم بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله فإنه هو المتولي للسرائر. فإن قيل فما معنى قوله "وأغضب كما يغضب البشر" فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب لا أنها على مقتضى الشرع فيعود السؤال. فالجواب إنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير فيه بين أمرين عقوبة للجاني أحدهما هذا فعله والثاني تركه والزجر له بأمر آخر سوى ذلك فيكون الغضب لله تعالى حمله وبعثه على أحد الأمرين المخير فيهما وهو سبه أو لعنه أو جلده ونحو ذلك وليس ذلك خارجاً من حكم الشرع. ويحتمل أن يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلباً للاستجابة. وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال فقال: يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي، لكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم "عقري حلقي" و "تربت يمينك" وفي قصة أم سليم المذكورة في حديث أنس عند مسلم الذي أشرنا إليه "لا كبرت سنك" وفي حديث معاوية عند مسلم أيضاً "لا أشبع الله بطنه" ونحو ذلك لا يقصدون بشي من ذلك حقيقة الدعاء فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك الإجابة وأشفق من موافقة أمثالها القدر فعاهد ربه ورغب إليه وسأله أن يجعل ذلك القول رحمة وكفارة وقربة وطهوراً وأجراً. وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفشحاً ولا لعاناً ولا منتقماً لنفسه. قال الحافظ: وهذا الاحتمال الذي أشار عياض إلى

ص: 344

متفق عليه.

2247-

(3) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت،

ــ

ترجيحه حسن إلا أنه يرد عليه قوله جلدته فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه إذ لا يقع الجلد عن غير قصد، وقد ساق الجمع مساقاً واحداً إلا أن حمل على الجلدة الواحدة فيتجه. ويحتمل أن يقال إنه كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه وسلم في حال غضبه إلا الحق لكن غضبه الله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفة وترك الاغضاء والصفح، ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله وهو في الصحيح. قال الحافظ: فعلى هذا فمعنى قوله ليس لها بأهل أي من جهة تعين التعجيل قال. وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم، وهذا كله في حق المعين في زمنه واضح. وأما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم فما أظنه يشمله والله اعلم - انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الدعوات، ومسلم في الأدب واللفظ المذكور لمسلم، وأخرجه أيضاً أحمد (ج2ص243) وأبويعلى وقد جاء هذا الحديث من طرق مختلفة اللفظ باتفاق المعنى، فقد ورد عن عائشة وجابر وأنس عند مسلم وعن أبي سعيد عند أبي يعلى وسمرة بن جندب عند الطبراني وأبي الطفيل عامر بن واثلة عند الطبراني أيضاً وأنس وعائشة أيضاً عند أحمد بغير السياق الذي في صحيح مسلم.

2247-

قوله: (إذا دعا أحدكم) أي طلب من الله وسأله شيئاً (فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت إلخ) قال في المفاتيح: نهى عن قول إن شئت في الدعاء لأن هذا شك في قبول الدعاء، ولأن لفظ إن شئت إذا قلته لأحد معناه إني جعلت الخيرة إليك يعني لم يكن قبل قولك إن شئت مختاراً، بل لو لم تقل إن شئت كان يلزم عليه قبول الدعاء شاء أو لم يشأ فإذا قلت إن شئت جعلته مخيراً وهذا لا يجوز في حق الله سبحانه وتعالى فإنه لا حكم لأحد عليه وليس لأحد أن يكرهه بل هو فعال لما يريد. فكيف يجوز أن يقال له إن شئت بل يعزم السائل مسألته وليسأل من غير شك وتردد بل ليكن متيقناً في قبول الدعاء، فإن الله كريم لا بخل عنده وقدير لا يعجز عن شيء – انتهى. وقال الباجي: معنى الحديث لا يشترط مشيئة باللفظ، فإن ذلك أمر معلوم متيقن إنه لا يغفر إلا أن يشاء ولا يصح غير هذا، فلا معنى لاشتراط المشيئة لأنها إنما تشترط فيمن يصح منه أن يفعل دون أن يشاء بالإكراه وغيره مما تنزه الله سبحانه عنه. وقد بين ذلك صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث بقوله "فإنه لا مكره له" - انتهى. مع أنه يتضمن إيهام الاستغناء الغير اللائق بمقام الدعاء والسؤال فاللائق بالمقام تركه، والنهي للتحريم أو للتنزيه فيه خلاف. قال الحافظ قال ابن عبد البر: لا يجوز لأحد أن يقول اللهم أعطني إن شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا، لأنه كلام مستحيل لا وجه له، لأنه لا يفعل إلا ما شاءه وظاهره إنه

ص: 345

ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسئلته إنه يفعل ما يشاء، ولا مكره له)) .

ــ

حمل النهي على التحريم وهو الظاهر. وحمل النووي النهي في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى يؤيده حديث الاستخارة. قال وقال الداودي: لا يقل إن شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير. قلت: وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا للاستثناء لا يكره وهو جيد – انتهى. (ارحمني إن شئت ارزقني إن شئت) أي ونحو ذلك فالمذكور كله أمثلة (وليعزم) بكسر الزاء (مسئلته) أي ليطلب جازماً من غير شك وتردد، والمراد بالمسألة الدعاء. وقد وقع في رواية لأحمد ومسلم الدعاء، يقال عزم الأمر وعليه عقد ضميره على فعله وصمم عليه وعزم الرجل جدّ في الأمر. قال الجزري: عزمت على الأمر إذا عقدت قلبك عليه وجددت في فعله، والعزم الجد والقطع، على فعل الشيء ونفي التردد عنه، والمعنى لا تكن في دعائك متردداً بل أجزم المسألة – انتهى. وقال غيره: عزم المسألة الشدة في طلبها، والجزم بها من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها، يعني هو أن يجزم بوقوع مطلوبة ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى. وقيل هو حسن الظن بالله تعالى في الإجابة. وقال الداودي: ليعزم المسألة أي يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير. قلت: وأخرج الطبراني في الدعاء قال الحافظ: بسند رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعاً (إن الله يحب الملحين في الدعاء) قال ابن بطال: في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعوا كريماً: وقال ابن عيينة: لا يمنعن أحداً الدعاء ما يعلم في نفسه يعني من التقصير فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال {رب أنظرني إلى يوم يبعثون} [الأعراف: 14](إنه يفعل ما يشاء) استئناف فيه معنى التعليل، وفي رواية لمسلم فإن الله صانع ما شاء (ولا مكره) بكسر الراء وفي حديث أنس عند الشيخين لا مستكره من الاستكراه، وهما بمعنى وقوله "ولا مكره" كذا وقع في أكثر النسخ بذكر العاطف، وفي بعضها لا مكره أي بحذفه، وهكذا في البخاري وكذا في المصابيح وجامع الأصول (له) أي لله على الفعل أو لا يقدر أحد أن يكرهه على فعل أمر أراد تركه ولا حكم لأحد عليه بل يفعل ما يشاء فلا معنى لقوله "إن شئت" لأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة فلا حاجة إلى التقييد به مع أنه موهم لعدم الاعتناء بوقوع ذلك الفعل أو لاستعظامه على الفاعل على المتعارف بين الناس. وقال الحافظ: المراد أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتي إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه. وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة. وقيل: المعنى أي سبب المنع إن فيه صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه والأول أولى – انتهى. وقد تقدم إن للدعاء شروطاً وآداباً كثيرة، وقد ذكر في هذا الحديث ما هو من أهم آدابه وأفرده بالذكر

ص: 346

رواه البخاري.

2248-

(4) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)) . رواه مسلم.

2249-

(5) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة،

ــ

اهتماماً بشأنه (رواه البخاري) في باب المشيئة والإرادة من كتاب التوحيد إلا أنه ليس فيه قوله إذا دعا أحدكم بل أول الحديث لا يقل أحدكم "اللهم اغفر لي الخ" وأخرجه في الدعوات مختصراً بلفظ: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسئلة فإنه لا مكره له، وأخرج مسلم نحوه وكذا أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة، وفي الباب عن أنس عند أحمد والشيخين والنسائي وأبي سعيد عند ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد.

2248-

قوله: (إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت) أي مثلا (ولكن ليعزم) أي ليجزم بالمسئلة (وليعظم) بالتشديد (الرغبة) أي الميل فيه بالإلحاح. قال الحافظ: معنى قوله "ليعظم الرغبة" أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والإلحاح فيه، ويحتمل أن يراد به الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير ويؤيده ما في آخر هذه الرواية، فإن الله لا يتعاظمه شيء – انتهى. (فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه) الضمير المنصوب في "أعطاه" يرجع إلى شيء يعني لا يعظم عليه إعطاء شيء بل جميع الموجودات في أمره يسير وهو على كل شيء قدير، يقال تعاظم زيداً هذا الأمر أي كبر وعظم عليه وعسر عليه (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً البخاري في الأدب المفرد وابن حبان وأبوعوانة.

2249-

قوله: (يستجاب) بصيغة المجهول من الاستجابة بمعنى الإجابة. قال الشاعر: فلم يستجبه عند ذاك مجيب (للعبد) أي بعد شروط الإجابة وقوله "يستجاب" كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة من المشكاة وكذا في المصابيح، ولمسلم لا يزال يستجاب، وهكذا نقله الجزري في جامع الأصول والحافظ والقسطلاني في شرحيهما (ما) ظرف ليستجاب بمعنى المدة أي مدة كونه (لم يدع بإثم) أي بمعصية مثل أن يقول اللهم قدرني على قتل فلان وهو مسلم ليس مستوجباً للقتل، أو اللهم ارزقني الخمر أو الفلانة وهي محرمة عليه ويريد زناها. (أو قطيعة رحم) أي بالقطع بينه وبين أقاربه مثل أن يقول اللهم بعد بيني وبين أبي وأمي أو أخي وما أشبه ذلك فهو تخصيص بعد تعميم. قال الجزري: القطيعة الهجر والصّد والرحم والأقارب والأهلون، والمراد أن

ص: 347

ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال! قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت. فلم أر

يستجاب لي،

ــ

لا يصل أهله ويبرّهم ويحسن إليهم (ما لم يستعجل) وفي رواية ما لم يعجل بفتح التحتية، والجيم بينهما عين ساكنة من سمع يعني يقبل دعاءه بشرط أن لا يستعجل. قال الطيبي: الظاهر ذكر العاطف في قوله "ما لم يستعجل" لكنه ترك تنبيها على استقلال كل من القيدين أي يستجاب ما لم يدع بإثم يستجاب ما لم يستعجل (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يقول) أي الدعي (قد دعوت وقد دعوت) أي مرة بعد أخرى يعني مرات كثيرة فتكرار "دعوت" للاستمرار أي دعوت مراراً كثيراً (فلم أر يستجاب لي) قال القاري: أي لم أر آثار استجابة دعائي وهو إما استبطاء أو إظهار يأس وكلاهما مذموم، أما الأول فلأن الإجابة لها وقت معين كما ورد إن بين دعاء موسى وهارون على فرعون وبين الإجابة أربعين سنة. وأما القنوط فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون مع أن الإجابة على أنواع: منها تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب ومنها وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره ومنها دفع شر بدله أو إعطاء خير آخر خير من مطلوبه ومنها ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه – انتهى. قلت: المراد بالاستجابة في الحديث وفي قوله تعالى: {ادعواني استجب لكم} [غافر: 60] وقوله {أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186] ما هو أعم من تحصيل المطلوب بعينه، أو ما يقوم مقامه ويزيد عليه، فكل داع يستجاب له بشروط الإجابة لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه. وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه ما على الأرض مسلم يدعوا بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه السوء مثلها، ولأحمد من حديث أبي هريرة إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له، وسيأتي حديث أبي سعيد في الفصل الثالث ما من مسلم يدعوا بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها وإلى ذلك أشار القاري، وأشار إليه أيضاً ابن الجوزي بقوله اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلاً أو آجلاً، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض، وفي رواية للشيخين وغيرهما يستجاب لأحدكم (أي يجاب دعاء كل واحد منكم إذا سم الجنس المضاف يفيد العموم على الأصح) ما لم يعجل بقول (بيان لقوله يعجل) دعوت فلم يستجب لي (بضم المثناة التحتية وفتح الجيم) قال الباجي: قوله "يستجاب لأحدكم" الخ يحتمل معنيين أن يكون بمعنى الإخبار عن وجوب وقوع الإجابة. والثاني: الإخبار عن

ص: 348

فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)) . رواه مسلم.

2250-

(6) وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوة المرء المسلم لأخيه،

ــ

جواز وقوعها فإذا كانت بمعنى الإخبار عن الوجوب فالإجابة تكون لأحد الثلاثة أشياء إما أن يعجل ما سأل فيه وإما أن يكفر عنه به، وإما أن يدخر له فإذا قال دعوت فلم يستجب لي بطل وجوب أحد هذه الثلاثة الأشياء وعري الدعاء من جميعها. وإذا كان بمعنى جواز الإجابة فالإجابة تكون حينئذ بفعل ما دعا به خاصة، ويمنع من ذلك قول الداعي قد دعوت فلم يستجب لي لأن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين والسخط – انتهى. (فيستحسر) أي ينقطح ويمل ويفتر وهو بمهملات استفعال من حسر إذا أعي وتعب وانقطع عن الشي. وقال الجزري: الاستحسار الاستنكاف عن السؤال وأصله من حسر الطرف إذا كل وضعف نظره يعني أن الداعي إذا تأخرت إجابته تضجر ومل فترك الدعاء واستنكف – انتهى. (عند ذلك) أي عندْ رؤيته عدم الاستجابة في الحال (ويدع) بفتح الدال المهلة (الدعاء) أي يتركه مطلقاً أو ذلك الدعاء. قال المظهري: من كان له ملالة من الدعاء لا يقبل دعاءه، لأن الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقتها فإن لكل شيء وقتا مقدارا في الأزل فما لم يأت وقته لا يكون ذلك الشي، وإما لأنه لم يقدر في الأزل قبول دعاءه في الدنيا وإذا لم يقبل دعاءه يعطيه الله في الآخرة من الثواب عوضه، وإما أن يؤخر قبول دعاءه ليلح ويبالغ في الدعاء فإن الله تعالى يحب الإلحاح في الدعاء مع ما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار، ومن يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له فلا ينبغي أن يترك الدعاء. وقال ابن بطال: المعنى إنه يسأم فيترك الدعاء كالمانّ بدعاءه أو إنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء. وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء وهو أنه يلازم الطلب ويديم الدعاء ولا يستبطىء الإجابة ولا ييأس منها، لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار حتى قال بعض السلف لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أحرم الإجابة وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر الآتي في الفصل الثاني من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة – الحديث. (رواه مسلم) وأخرج أيضاً مالك والبخاري والترمذي وأبوداود وابن ماجه نحوه مختصراً ومطولاً بألفاظ، وفي الباب عن أنس عند أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني، وفيه أبوهلال الراسبي وهو ثقة، وفيه خلاف وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح، وعن عبادة الصامت أخرجه الطبراني في الأوسط، وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد.

2250-

قوله: (دعوة المرء المسلم) أي الشخص الشامل للرجل والمرأة (لأخيه) في الدين أي المسلم

ص: 349

بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك مؤكل، كلما دعا لأخيه بخير. قال الملك المؤكل به: آمين، ولك بمثل)) . رواه مسلم.

2251-

(7) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم،

ــ

(بظهر الغيب) أي في غيبة المدعو له وفي السر. قال القاري: الظهر مقحم للتأكيد أي في غيبة المدعو له عنه وإن كان حاضراً معه بأن دعا له بقلبه حينئذ أو بلسانه ولم يسمعه. (مستجابة) يعني إذا دعا مسلم لمسلم بخير في غيبة أي بحيث لا يشعر ولو كان حاضراً في المجلس يستجاب دعاءه، لأن هذا الدعاء أبلغ في الإخلاص لله تعالى، وليس للرياء ولا لطمع عوض وما كان كذلك يكون مقبولاً. قال الطيبي: موضع بظهر الغيب نصب على الحال من المضاف إليه، لأن الدعوة مصدر أضيف إلى فاعله، ويجوز أن يكون ظرفاً للمصدر وقوله "مستجابة" خبر لها (عند رأسه) أي الداعي (ملك) جملة مستأنفة مبينة لسبب استجابة دعا الشخص بالغيب. وتخلف الإجابة لعائق من عدم أكل الحلال أو عدم صدق نية مثلاً (مؤكل) أي بتأمين دعاءه أو بالدعاء له عند دعاءه لأخيه (كلما دعا لأخيه بخير) أي أو دفع شر (آمين) أي استجب له يا رب دعاءه لأخيه فقوله (ولك) فيه التفات أو استجباب الله دعاءك في حق أخيك ولك أيها الداعي (بمثل) بكسر الميم وإسكان المثلثة وتنوين اللام يقال هو مثله ومثيله بزيادة الياء أي عديلة سواء يعني ولك مثل ما دعوت به لأخيك، قال الطيبي: الباء زائدة في المبتدأ كما في بحسبك درهم – انتهى. قال النووي: في هذا الحديث فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجميع المسلمين، فالظاهر حصولها أيضاً وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها (رواه مسلم) في الدعوات، وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص195) وأبوداود في أواخر الصلاة وابن ماجه في الحج، والبخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة وأبوعوانة وابن حبان، وفي الباب عن أنس أخرجه البزار، وعن أم كرز أخرجه أبوبكر في الغيلانيات وعن أبي هريرة أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق.

2251-

قوله: (لا تدعوا) أي دعاء سوء (على أنفسكم) أي بالهلاك والويل ونحو ذلك عند التضجر في مصيبة المرض أو الموت مثلا (ولا تدعوا على أولادكم) أي بالعمى واللعن ونحو ذلك وقد كثرت وغلبت هذه البلية في النساء فإنهن يدعون على أولادهن عند الضجر والملال (ولا تدعوا على أموالكم) قال القاري: أي من العبيد والإماء بالموت وغيره. قلت: زاد في رواية أبي داود ولا تدعوا على خدمكم قبل قوله "ولا تدعوا على

ص: 350