الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{الفصل الأول}
2316-
(1) عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الكلام أربع: سبحان الله،
ــ
2316-
قوله: (أفضل الكلام) أي كلام البشر، أما كلام الله تعالى فهو أفضل مطلقاً، وأما الاشتغال فهو بالقرآن أفضل إلا بالذكر في وقت مخصوص فهو أفضل من الاشتغال بالقرآن، فالكلام في مقامين نفس الكلام والاشتغال، أي صرف الوقت. قال النووي: هذا (الحديث وما أشبهه) محمول على كلام الآدمي وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق. فأما المأثور في وقت أو حال أو نحو ذلك فالاشتغال به أفضل – انتهى. وقال القاري: أفضل الكلام أربع أي أفضل كلام البشر، لأن الرابعة لم توجد في القرآن ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه، ولقوله عليه الصلاة والسلام هي أفضل الكلام بعد القرآن وهي من القرآن أي غالبها يعني إن الثلاثة الأول وإن وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه فقوله هي من القرآن مبني على التغليب. قلت: أراد القاري بقوله عليه الصلاة والسلام ما رواه أحمد (ج5ص20) عن سمرة بلفظ: أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهي من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت – الحديث. وقيل: معنى هي من القرآن أي متفرقة فيه لا مجتمعة لورود "سبحان الله حين تمسون ولمجيء الحمد لله كثيراً" ولقوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] وأما قوله الله أكبر فغير موجود بهذا المبنى لكنه بحسب المعنى مستفاد من قوله تعالى: {وكبره تكبيراً} [الإسراء: 111] ومن قوله {وربك فكبر} [المدثر: 3] ومأخوذ من قوله {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] ومن قوله: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72] والحاصل إن المجموع بهذا الترتيب ليس من القرآن ولذا قال الجزري: أي كل منها جاءت في القرآن – انتهى. قال القاري: ويحتمل أي قوله أفضل الكلام في حديث الباب أن يتناول كلام الله أيضاً فإنها موجودة فيه لفظاً، إلا الرابعة فإنها موجودة معنى وأفضليتها مطلقاً لأنها هي الجامعة لمعاني التنزيه والتوحيد وأقسام الثناء والتحميد وكل كلمة منها معدودة من كلام الله وهذا ظاهر معنى ما ورد هي من القرآن أي كلها – انتهى. (سبحان الله) سبحان اسم مصدر وهو التسبيح. وقيل: بل سبحان مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي وهو من الأسماء اللازمة للإضافة وقد يفرد وإذا أفرد منع الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون كقوله:
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر
وجاء منوناً كقوله:
سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد
والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) .
ــ
فقيل صرف ضرورة، وقيل هو بمنزلة قبل وبعد إن نوى تعريفه بقي على حاله وإن نكر أعرب منصرفاً وهذا البيت يساعد على كونه مصدر إلا اسم مصدر لوروده منصرفاً، ولقائل القول الأول أن يجيب بأن هذا نكرة لا معرفة وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية والناصب له فعل مقدر لا يجوز إظهار تقديره سبحت الله سبحاناً كسبحت الله تسبيحاً فهو واقع موقع المصدر. وعن الكسائي أنه منادى تقديره يا سبحانك ومنعه جمهور النحويين وهو مضاف إلى المفعول، أي سبحت الله، ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والأول هو المشهور (والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) قال المناوي: وإنما كانت هذه الكلمات الأربع أفضل الكلام لأنها تتضمن تنزيهه تعالى عن كل ما يستحيل عليه ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كماله وإنفراده لوحدانيته واختصاصه بعظمته وقدمه المفهومين من أكبريته. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أسماء الله الحسنى التي سمي بها نفسه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مندرجة في أربع كلمات هن الباقيات الصالحات. الكلمة الأولى: قوله سبحان الله ومعناها في كلام العرب التنزيه والسلب، فهي مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله تعالى وصفاته فما كان من أسمائه سلباً فهو مندرج تحت هذه الكلمة كالقدوس، وهو الطاهر من كل عيب والسلام وهو الذي سلم من كل آفة. الكلمة الثانية: قوله الحمد لله وهي مشتملة على ضروب الكمال لذاته وصفاته فما كان من أسمائه متضمناً للإثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرج تحت الكلمة الثانية، فقد نفينا بقولنا سبحان الله كل عيب عقلناه، وكل نقص فهمناه وأثبتنا بالحمد لله كل كمال عرفناه، وكل جلال أدركناه، ووراء ما نفيناه وأثبتناه شأن عظيم قد غاب عنا وجهلناه فنحققه من جهة الإجمال بقولنا الله أكبر، وهي الكلمة الثالثة: بمعنى أنه أجل مما نفيناه، وأثبتناه، وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فما كان من أسماءه متضمن المدح فوق ما عرفناه وأدكناه كالأعلى والمتعالي، فهو مندرج تحت قولنا الله أكبر، فإذا كان في الوجود من هذا شأنه نفينا أن يكون في الوجود من يشاكله أو يناظره فحققنا ذلك بقولنا لا إله إلا الله وهي الكلمة الرابعة: فإن الألوهية ترجع إلى استحقاق العبودية ولا يستحق العبودية إلا من اتصف بجميع ما ذكرناه فما كان من أسماءه متضمناً للجميع على الإجمال كالواحد الأحد ذي الجلال والإكرام فهو مندرج تحت قولنا لا إله إلا الله. وإنما استحق العبودية لما وجب له من أوصاف الجمال ونعوت الكمال الذي لا يصفه الواصفون ولا يعده العادون كذا ذكره السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (ج5ص86، 87) وفي الحديث إن أفضل الكلام هذه الكلمات الأربع، وظاهره يعارض ما سيأتي من حديث أبي ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكلام أفضل؟ فقال: سبحان وبحمده. وما سيأتي في الفصل الثاني من حديث جابر أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأيضاً حديث أبي ذر هذا يدل
وفي رواية: ((أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت)) .
ــ
على أفضلية التسبيح مطلقاً وهو مخالف لحديث جابر، فإنه يدل على أفضلية التهليل مطلقاً: وقد جمع القرطبي بما حاصله إن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله، فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم أحب الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر: ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفى، لأن حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه – انتهى. وقيل: يحتمل أن يجمع بأن تكون "من" مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله، وفي قوله أفضل الكلام وكذا في قوله الآتي أحب الكلام بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى. قلت: ويؤيد ذلك ما وقع في رواية أحمد (ج5ص11) أربع من أطيب الكلام وهن من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين (ص243) تحت رواية سمرة: أحب الكلام إلى الله أربع الخ. في الحديث دليل على أن هذه الأربع الكلمات أحب إلى الله تعالى، ولا ينافيه ما سيأتي من أن سبحان الله وبحمده أحب الكلام إلى الله، لأن التسبيح والتحميد هن من جملة هذه الأربع المذكورة هنا (وفي رواية أحب الكلام إلى الله أربع) أي أربع كلمات (سبحان الله) أي اعتقد تنزهه عن كل ما لا يليق بجمال ذاته وكمال صفاته وهذا بمنزلة التخلية ولذا أردفه بما يدل على أنه المتصف بالأسماء الحسنى والصفات العلى المستحق لإظهار الشكر وإبداء الثناء وهو بمنزلة التحلية ولذا قال (والحمد لله) ثم أشار إلى أنه متوحد في صفاته السلبية ونعوته الثبوتية فقال (ولا إله إلا الله) ثم أو ما إلى أنه لا يتصور كنه كبريائه وعظمة إزاره وردائه بقوله (والله أكبر) ثم قال (لا يضرك بأيهن) أي بأي الكلمات (بدأت) أي لا يضرك أيها الآتي بهن في حيازة ثوابهن لأن كلا منها مستقل فيما قصد بها من بيان جلال الله وكماله، ولكن الترتيب المذكورة أفضل وأكمل للمناسبة الظاهرة من تقديم التنزيه وإثبات التحميد ثم الجمع بينهما بكلمة التوحيد المشتملة على التسبيح والتحميد ثم الختم بكون سبحانه أكبر من أن يعرف حقيقة تسبيحه وتحميده. قال ابن الملك: يعني بدأت بسبحان الله أو بالحمد لله أو بلا إله إلا الله أو بالله أكبر جاز، وهذا يدل على أن كل جملة منها مستقلة لا يجب ذكرها على نظمها المذكور لكن مراعاتها أولى، لأن المتدرج في المعارف يعرفه أولاً بنعوت جلاله التي تنزه ذاته عما يوجب نقصاً، ثم بصفات كماله وهي صفاته الثبوتية التي بها يستحق الحمد، ثم يعلم أن من هذا صفته لا مماثل له ولا يستحق الألوهية غيره فيكشف له من ذلك إنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه – انتهى. قال الشوكاني: واعلم أن هذه "الواو" الواقعة بين هذه الكلمات هي واقعة لعطف بعضها على بعض كسائر الأمور المتعاطفة فهل يكون
رواه مسلم.
2317-
(2) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)) . رواه مسلم.
2318-
(3) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال سبحان الله
ــ
الذكر بها بغير واو فيقول الذاكر سبحان الله الحمد لله لا إله إلا الله الله أكبر، أو يكون الذكر بها مع الواو فيقول الذاكر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، والظاهر الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأنهم يقولون كذا وكذا فالمقول هو المذكور من دون حرف العطف كسائر التعليمات الواردة عنه صلى الله عليه وسلم – انتهى (رواه مسلم) فيه نظر فإن الرواية الأولى ليست في صحيح مسلم. إنما روي مسلم الرواية الثانية فقط في باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة من كتاب الآداب. وأما الرواية الأولى فأخرجها ابن ماجه في فضل التسبيح ونسبها في التنقيح لابن أبي شيبة وابن حبان أيضاً وأخرجها أحمد (ج5ص20) وزاد "بعد القرآن وهي من القرآن" ورواها أيضاً أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح والرواية الثانية أخرجها أيضاً أحمد (ج5ص10، 21) ونسبها في الكنز والتنقيح لابن أبي شيبة وابن حبان والطبراني في الكبير وابن شاهين في الترغيب والنسائي في اليوم والليلة أيضاً.
2317-
قوله: (أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) أي من الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها. وقيل: هو كناية عن المخلوقات كلها. قال ابن العربي: أطلق المفاضلة بين قول هذه الكلمات وبين ما طلعت عليه الشمس ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى، ثم يزيد أحدهما على الآخر وأجاب بما حاصله أن أفعل قد يراد به أصل الفعل لا المفاضلة كقوله تعالى:{خير مستقراً وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] ولا مفاضلة بين الجنة والنار أو إن الخطاب واقع على ما استقر في نفس أكثر الناس فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شيء مثلها وإنها المقصود فأخبر بأنها عنده خير مما تظنون أنه لا شيء مثله أو لا شيء أفضل منه. وقيل: يحتمل أن يكون المراد إن هذه الكلمات أحب إلي من أن يكون لي الدنيا فأتصدق بها، والحاصل إن الثواب المترتب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدق بجميع الدنيا لو فرض أنه ملكها (رواه مسلم) في الدعوات وكذا الترمذي وذكره الجزري في الحصن ونسبه لمسلم والترمذي والنسائي وابن أبي شيبة وأبي عوانة.
2318-
قوله: (سبحان الله) منصوب على المصدرية بفعل محذوف أي أسبح الله سبحاناً يعني أنزهه من
وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) . متفق عليه.
ــ
كل نقص (وبحمده) قال القاري: الباء للمقارنة والواو زائدة أي أسبحه تسبيحاً مقروناً بحمده أو متعلق بمحذوف عطف الجملة على الأخرى معناه، أسبح الله وأبتدىء بحمده أو أثنى بثناءه. وقال العيني: الواو فيه للحال تقديره أسبح الله متلبساً بحمدى له من أجل توفيقه لي بالتسبيح (في يوم) قال الطيبي: أي في يوم مطلق لم يعلم في أي وقت من أوقاته فلا يقيد بشي منها. وقال المظهر: ظاهر الإطلاق يشعر بأنه يحصل هذا الأجر المذكور لمن قال ذلك مائة مرة سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخر النهار لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار، وزاد في الحديث الآتي من قال حين يصبح وحين يمسي، ويأتي في ذلك ما ذكره صاحب المظهر من أن الأفضل أن يقول ذلك متوالياً في أول النهار وفي أول الليل (حطت) بصيغة المجهول أي وضعت ومحيت (خطاياه) أي غفرت ذنوبه. قال القاري: أي الصغيرة ويحتمل الكبيرة. وقال العيني: أي من حقوق الله لأن حقوق الناس لا تنحط إلا باسترضاء الخصوم. وقال الباجي: يريد أن يكون كفارة له كقوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئآت} [هود: 114](وإن كانت مثل زبد البحر) الزبد بفتحتين ما يعلو الماء ونحوه عند هيجانه من الرغوة، ومعناه بالفارسية كفك آب وشير وسيم وجزآن، والمراد به الكناية عن المبالغة في الكثرة. قال الطيبي: وهذا وأمثاله كنايات يعبر بها عن الكثرة عرفاً. قال عياض: قوله "حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" مع قوله في التهليل (في حديث أبي هريرة الآتي وهو تاسع أحاديث الباب) محيت عنه مائة سيئة قد يشعر بأفضلية التسبيح على التهليل يعني لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة، وقد قال في حديث التهليل ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به. فيحتمل أن يجمع بينهما بأن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة كتب الحسنات ومحو السيئات ثم ما جعل مع ذلك من فضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائداً على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا، لأنه قد ثبت أن من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار، وقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير جميع الخطايا عموماً بعد حصر ما عدد منها خصوصاً، مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة، ومع ما فيه من زيادة مائة درجة، وكونه حرزاً من الشيطان. ويؤيده ما سيأتي في حديث جابر أن أفضل الذكر لا إله إلا الله مع الحديث الآخر إنه أفضل ما قلته أنا والنبييون قبلي. وقيل إنه الاسم الأعظم وهي كلمة التوحيد والإخلاص كذا ذكره الحافظ والنووي (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد (ج2ص302) ومالك في أواخر الصلاة والترمذي وابن ماجه وأبوعوانة ونسبه في التنقيح للنسائي وابن حبان أيضاً.
2319-
(4) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه)) . متفق عليه.
2320-
(5) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان
ــ
2319-
قوله: (من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة) قال القاري: أي فيهما بأن يأتي ببعضها في هذا وببعضها في هذا أو في كل واحد منهما وهو الأظهر (لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء) أي القائل (به) وهو قول المائة المذكورة (إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه) قال في اللمعات: لا بد من تمحل في بيان معناه بأن يقال تقديره لم يأت أحد بمساو ولا جاء بأفضل مما جاء إلا أحد، قال مثل ما قال فإنه أتى بمثله أو أحد زاد عليه فإنه أتى بأفضل منه والله أعلم. وقال القاري: وأجيب عن الإعتراض المشهور بأن الاستثناء منقطع أو كلمة أو بمعنى الواو. قال الطيبي: أي يكون ما جاء به أفضل من كل ما جاء به غيره إلا مما جاء به من قال مثله أو زاد عليه. قيل: الاستثناء منقطع والتقدير لم يأت أحد بأفضل مما جاء به لكن رجل قال مثل ما قاله فإنه يأتي بمساواته فلا يستقيم أن يكون متصلاً إلا على تأويل نحو قوله:
وبلدة ليس بها أنيس
وقيل بتقدير لم يأت أحد بمثل ما جاء به أو بأفضل مما جاء به الخ والاستثناء متصل كذا في المرقاة. فإن قلت: كيف يجوز الزيادة وقد قالوا إن تحديدات الشرع في الإعداد لا يجوز التجاوز عنها؟ قلنا: لما صرح في الحديث بجواز الزيادة علم أنه ليس من ذلك القبيل كإعداد الركعات ونحوها فعدم جواز الزيادة في الإعداد ليس كلياً، أو المراد زاد عليه من أعمال الخير فافهم كذا في اللمعات (متفق عليه) فيه نظر فإن الحديث لم يخرجه البخاري. وقد ذكره المنذري في تلخيص السنن والجزري في الحصن والنابلسي في ذخائر المواريث ولم ينسبه أحد منهم للبخاري. وقال المناوي في الكشف كما في تنقيح الرواة: رواه مسلم والترمذي كلاهما في الدعوات، وصححه الترمذي وأبوداود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة ولم يخرجه البخاري – انتهى. قلت: أخرجه الترمذي وكذا ابن السني في اليوم والليلة (ص27) بلفظ الكتاب. وأما أبوداود فأخرجه في الأدب بلفظ: من قال حين يصبح سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة وإذا أمسى كذلك، لم يواف أحد من الخلائق بمثل ما وافى. قال المنذري: وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي بنحوه أتم منه ونسب الجزري لفظ التسبيح المذكور في أبي داود للحاكم وابن حبان وأبي عوانة أيضاً والله أعلم.
2320-
قوله: (كلمتان) أي كلامان يعني جملتان مفيدتان، والكلمة تطلق على الكلام كما يقال كلمة
خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان،
ــ
الإخلاص وكلمة الشهادة، وقال السندي: المراد بالكلمة اللغوية أو العرفية لا النحوية – انتهى. وهو خبر مقدم وما بعده صفة بعد صفة، والمبتدأ سبحان الله إلى آخره، والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ، فإن من جملة الأسباب المقتضية لتقديم المسند تشويق السامع إلى المسند إليه كما نص عليه أهل المعاني فكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه، لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقاً إلى المسند إليه فيكون أوقع في النفس وأدخل في القبول لأن الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب، ولا يخفي أن هذا متحقق في هذا الحديث بل هو أحسن من المثال الذي أوردوه بكثير وهو قول الشاعر:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحى وأبوإسحاق والقمر
قال السندي: الظاهر إن قوله "كلمتان" خبر لقوله "سبحان الله" الخ قدم على المبتدأ لتشويق السامع إليه، وذلك لأن كلمتان نكرة وسبحان الله الخ معرفة، لأنه أريد به نفسه، واللفظ إذا أريد به نفسه يكون معرفة حقيقة عند من قال بوضع الألفاظ لأنفسها وحكماً عند من ينفيه، والمعرفة لا تكون خبر النكرة عند غالب النحاة – انتهى. وبعضهم جعل "كلمتان" مبتدأ و"سبحان الله" الخ الخبر، لأن سبحان لازم الإضافة إلى مفرد فجرى مجرى الظروف والظروف لا تقع إلا خبراً ورجحه الكمال بن الهمام قال، لأنه مؤخر لفظاً والأصل عدم مخالفة وضع الشيء محله بلا موجب، ولأن سبحان الله الخ محط الفائدة بنفسه بخلاف كلمتان فإنه إنما يكون محطاً للفائدة بواسطة وصفه بالخفة على اللسان والثقل في الميزان والمحبة للرحمن. ألا ترى أن جعل كلمتان الخبر غير بين لأنه ليس متعلق الغرض الإخبار منه صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله إلى آخره إنهما كلمتان بل بملاحظة وصف الخبر بما تقدم، أعني خفيفتان ثقيلتان حبيبتان فكان اعتبار سبحان الله إلى آخره خبراً أولى – انتهى. وللنظر في بعضه مجال فتأمل (خفيفتان على اللسان) أي تجريان عليه بالسهولة للين حروفهما فالنطق بهما سريع وذلك لأنه ليس فيهما من حروف الشدة المعروفة عند أهل العربية وهي الهمزة والباء الموحدة والتاء المثناة الفوقية والجيم والدال والطاء المهملتان والقاف والكاف ولا من حروف الاستعلاء أيضاً وهي الخاء المعجمة والصاد والضاد والطاء والظاء والغين المعجمة والقاف سوى حرفين الباء الموحدة والظاء المعجمة، ومما يستثقل أيضاً من الحروف الثاء المثلثة والشين المعجمة وليستا فيهما، ثم إن الأفعال أثقل من الأسماء وليس فيهما فعل، وفي الأسماء أيضاً ما يستثقل كالذي لا ينصرف وليس فيهما شيء من ذلك، وقد اجتمعت فيهما حروف اللين الثلاثة الألف والواو والياء وبالجملة الحروف السهلة الخفيفة أكثر من العكس (ثقيلتان في الميزان) حقيقة. قال الحافظ: وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب، قال السندي: خفتهما سهولتهما على اللسان لقلة حروفهما وحسن نظمهما واشتمالهما على الاسم الجليل الذي يذعن الطباع في ذكره كأنهما في ذلك كالحمل الخفيف الذي يسهل حمله وثقلهما
حبيبتان إلى الرحمن،
ــ
في الميزان لعظم لفظهما قدراً عند الله. وقال الطيبي: الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات، ولا يشق عليه فحذف ذكر المشبه به وأبقى شيئاً من لوازمه وهو الخفة. وأما الثقل فعلى حقيقته عند أهل السنة لأن الأعمال تتجسم عند الميزان، والميزان هو الذي يوزن به في القيامة أعمال العباد وفي كيفيته أقوال، والأصح إنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة. وقيل توزن صحائف الأعمال، وأما الأعمال فإنها أعراض والأعراض يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها فلا توصف بثقل ولا خفة ويقويه حديث البطاقة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه. وفيه فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة – انتهى. وقيل: تجعل الأعمال في أجسام فتصير أعمال الطائعين في صورة حسنة وأعمال المسيئين في صورة قبيحة، ثم توزن. قال الحافظ: والصحيح إن الأعمال هي التي توزن، وقد أخرج أبوداود والترمذي وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعاً ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن. قلت القول باستحالة وزن الأعمال معللاً بأنها لا تقوم بأنفسها بل تفنى سخيف جداً بل هو باطل قد أبطله أصحاب العلوم الطبيعية اليوم، وحققوا أن الأقوال لا تفنى بل تكون باقية في الخلاء يمكن اختطافها وهم بصدد اختراع آلات ميكانية يسهل بها القبض عليها. وفي الحديث إشارة إلى أن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفوس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان فلا ينبغي التفريط فيه. وقد روي في الآثار أن عيسى عليه السلام سأل ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخف، فقال لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت سرارتها فلذلك خفت عليكم فلا يحملنك على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة (حبيبتان إلى الرحمن) كذا وقع بتقديم خفيفتان وتأخير حبيبتان عند البخاري في الدعوات وفي الإيمان والنذور، وكذا عند أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان. ووقع في التوحيد عند البخاري بتقديم حبيبتان وتأخير ثقيلتان، وهي تثنية حبيبة بمعنى محبوبة، لأن فيهما المدح بالصفات السلبية التي يدل عليها التنزيه وبالصفات الثبوتية التي يدل عليها الحمد، وقال السندي: معنى "حبيبتان إلى الرحمن" إنهما موصوفتان بكثرة المحبوبية عنده تعالى تفيده الأحاديث الأخر مثل أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وإلا جميع الذكر محبوب عنده تعالى. وقيل: المراد محبوبية قائلهما ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم وخص الرحمن من الأسماء الحسنى، لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل ويجوز أن يقال اختصاص ذلك لإقامة السحج أعنى الفواصل وهي من محسنات الكلام على ما عرف في علم البديع، وإنما نهي عن السجع ما كان متكلفاً أو متضمناً لباطل كسجع الكهان لا ما جاء عن غير قصد أو تضمن حقاً. قال الكرماني: فإن قيل فعيل بمعنى مفعول
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) . متفق عليه.
2321-
(6) وعن سعد بن أبي وقاص، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ((أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة. قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة)) .
ــ
يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولا سيما إذا كان موصوفه معه نحو رجل قتيل وامرأة قتيل، فلم عدل عن التذكير إلى التأنيث، فالجواب عن ذلك جائز لا واجب وأيضاً فهو أي وجوب ذلك في المفرد لا المثنى أو أنثهما لمناسبة الخفيفة والثقليلة لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة. وقيل هذه التاء لنقل اللفظ عن الوصفية إلى الاسمية (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) هكذا وقع عند البخاري في الإيمان والنذور وفي التوحيد بتقديم سبحان الله وبحمده على سبحان الله العظيم، وكذا وقع عند أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه، ووقع عند البخاري في الدعوات بتقديم سبحان الله العظيم على سبحان الله وبحمده، وكذلك وقع عند الترمذي. قال السندي:"الواو" في وبحمده للحال بتقدير وأنا متلبس بحمده. وقيل للعطف أي أنزهه وأتلبس بحمده. وقيل زائدة أي أسبحه متلبساً بحمده. وفي الحديث الاعتناء بشأن التسبيح أكثر من التحميد لكثرة المخالفين فيه، وذلك من جهة تكريره بقوله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. وقد جاءت السنة به عل أنواع شتى كما في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن والمسانيد والجوامع والمعاجم. (متفق عليه) أخرجه البخاري في الدعوات وفي الإيمان والنذور وفي التوحيد في باب قول الله {ونضع الموازين القسط} [الأنبياء:47] وهو آخر حديث في صحيح البخاري وأخرجه مسلم في الدعوات ورواه أيضاً أحمد (ج2ص232) والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان وابن أبي شيبة.
2321-
قوله: (أيعجز) بكسر الجيم (أن يكسب) أي يحصل (فيكتب) كذا بالتذكير في جميع النسخ، وهكذا وقع في المصابيح وفي جامع الأصول والحصن وتحفة الذاكرين، ووقع في صحيح مسلم فتكتب بالتأنيث وكذا نقله المنذري في الترغيب (له ألف حسنة) لأن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها وهو أقل المضاعفة الموعودة في القرآن بقوله {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء} [الأنعام: 16] (أو يحط) أي يوضع (عنه ألف خطيئة) لقوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود: 114] وفيه إشعار بأن الحسنات المتضاعفة تمحو السيئات. قال النووي: هكذا هو في عامة نسخ صحيح مسلم أو يحط "بأو" وفي بعضها "ويحط" بالواو. قلت: وكذا وقع بالواو بغير ألف عند أحمد (ج1ص174) والترمذي والنسائي وابن حبان فعلى الرواية الأولى
رواه مسلم. وفي كتابه في جميع الروايات عن موسى الجهني أو يحط: قال أبوبكر البرقاني: ورواه شعبة
ــ
يكون أجر القائل بذلك أن يكتب له ألف حسنة أو تحط عنه ألف سيئة أي يحصل أحد الأمرين. وعلى الرواية الثانية أنه يجمع له بين الأمرين فيكتب له ألف حسنة وتحط عنه ألف خطيئة وسيأتي مزيد الكلام في ذلك (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص174، 180، 185) والترمذي والنسائي وابن حبان ونسبه في تنقيح الرواة لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبي نعيم أيضاً (وفي كتابه) أي في كتاب مسلم (في جميع الروايات عن موسى الجهني أو يحط) أي بالألف وموسى هذا هو موسى بن عبد الله، ويقال ابن عبد الرحمن الجهني أبوسلمة، ويقال أبوعبد الله الكوفي روى عن زيد بن وهب ومصعب بن سعد ومجاهد ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، وعنه شعبة والثوري وعبد الله بن نمير والقطان ويعلى بن عبيد وآخرون. قال الحافظ: ثقة عابد. قلت: وثقة القطان وأحمد وابن معين والنسائي والعجلي وابن سعد وغيرهم، وعن يعلى بن عبيد قال كان بالكوفة أربعة من رؤساء الناس ونبلائهم وذكره منهم، وعن مسعر قال ما رأيت موسى الجهني إلا وهو في اليوم الآتي خير منه في اليوم الماضي مات سنة أربع وأربعين ومائة (قال أبوبكر البرقاني) بكسر الباء الموحدة وفتحها وبالقاف والنون هو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبوبكر أحمد بن محمد بن أحمد ابن غالب الخوارزمي البرقاني الشافعي شيخ بغداد، سمع من أبي العباس بن حمدان وغيره ببلده خوارزم، ومن أبي بكر الإسماعيلي بحرجان، ومن أبي عمرو بن حمدان بنيسابور، ومن أبي بكر بن أبي الحديد بدمشق. ومن عبد الغني الأسدي وابن النحاس بمصر، ومن أبي على الصواف وأبي بكر بن الهيثم وطبقتهم ببغداد. وحدث عنه أبوبكر البيهقي والخطيب وأبوإسحاق الشيرازي الفقيه وأبوعبد الله الصوري وآخرون، وصنف التصانيف وخرج على الصحيحين. قال الخطيب البغدادي: كان ثقة ورعاً ثبتاً لم نرى في شيوخنا أثبت منه عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية كثير صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، قال ولم يقطع التصنيف حتى مات. وسمعت محمد بن يحيى الكرماني يقول: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني، ولد سنة ثلاث وثلاثين. وقيل: سنة ست وثلاثين وثلامائة ومات ببغداد في أول رجب سنة خمس وعشرين وأربع مائة كذا في تذكرة الحفاظ (ورواه شعبة) هو شعبة بن حجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم أبوبسطام الواسطي ثم البصري ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابداً مات سنة ستين ومائة، كذا في التقريب وقد بسط في ترجمته في تهذيب التهذيب (ج4ص338- 346) وفي التذكير (ج1ص174- 177) وفي الجرح والتعديل (ج2ق1ص369
وأبوعوانة ويحيى بن سعيد القطان عن موسى، فقالوا: ويحط بغير ألف هكذا في كتاب الحميدي.
2322-
(7) وعن أبي ذر، قال سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكلام أفضل. ((قال ما اصطفى الله
ــ
370) (وأبوعوانة) هو الوضاح بتشديد المعجمة ثم حاء مهملة ابن عبد الله اليشكري بالمعجمة الواسطي البزار مولى يزيد بن عطاء أبوعوانة الحافظ مشهور بكنيته ثقة ثبت قاله في التقريب. وقال ابن عبد البر: اجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة فيما حدث من كتابه، وقال إذا حدث من حفظه ربما غلط، مات في ربيع الأول سنة خمس أو ست وسبعين ومائة بالبصرة، وارجع للبسط في ترجمته إلى تهذيب التهذيب (ج11ص116- 119) والتذكرة (ج1ص213- 215) والجرح والتعديل (ج4ق2ص40- 41) (ويحيى بن سعيد القطان) تقدم ترجمته في جزء الأول (ص94) من هذا الشرح (عن موسى) أي المذكور الذي رواه مسلم من جهته (فقالوا) بصيغة الجمع والضمير لشعبة وصاحبيه (ويحط بغير ألف) أي بالواو. وقال الشوكاني بعد ذكر كلام البرقاني: هذا ورواية هؤلاء الثلاثة الحفاظ حجة على رواية غيرهم. قلت: رواية شعبة عند أحمد (ج1ص174) وأما رواية أبي عوانة فلم أقف عليها ولعلها عند النسائي أو ابن حبان. وأما رواية يحيى القطان فهي عند الترمذي بالواو وعند أحمد (ج1ص180) بأو أي بالألف ووافقه على ذلك عبد الله بن نمير عند مسلم، وأحمد (ج1ص185) ويعلى بن عبيد عند أحمد (ج1ص185) قال عبد الله بن أحمد بعد رواية يحيى: بأو أي بالألف قال أبي. وقال ابن نمير أيضاً: أو يحط ويعلى أيضاً أو يحط، وعلم من هذا أنه اتفق شعبة وأبوعوانة على الرواية بالواو وابن نمير، ويعلى على الرواية بالألف. واختلفت رواية يحيى فروى عنه محمد بن بشار عند الترمذي بالواو، والإمام أحمد بالألف، ولم يظهر لي وجه ترجيح أحديهما على الأخرى، ولعل الجمع بينهما أولى من الترجيح. قال القاري في المرقاة: قد تأتي الواو بمعنى أو فلا منافاة بين الروايتين وكأن المعنى إن من قالها يكتب له ألف حسنة إن لم يكن عليه خطيئة وإن كانت فيحط بعض ويكتب بعض، ويمكن أن تكون أو بمعنى الواو أو بمعنى بل فحينئذ يجمع له بينهما وفضل الله أوسع من ذلك – انتهى. وقال في شرح الحصن: أو هنا للتنويع في اختلاف الحالة فالكتابة للمتقي والحط للمخطي أو بمعنى الوار الموضوعة للجمع كما يدل قوله ويحط (هكذا) المشار إليه قوله وفي كتابه إلى آخره (في كتاب الحميدي) وهو الجمع بين الصحيحين يعني الجامع بين البخاري ومسلم جمعاً وأفرادا: وقد ذكر كلام الحميدي هذا النووي في شرح مسلم وفي الأذكار، والمنذري في الترغيب، والشوكاني في تحفة الذاكرين وتقدم ترجمة الحميدي ووصف كتابه في الجزء الأول (ص16- 17) .
2322-
قوله: (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكلام) أي من جملة الأذكار (أفضل قال ما اصطفى الله)
لملائكته، سبحان الله وبحمده)) . رواه مسلم.
2323-
(8) وعن جويرية،
ــ
كذا في جميع النسخ من المشكاة وهكذا في المصابيح، وكذا نقله الجزري في جامع الأصول والمنذري في الترغيب. ووقع في بعض نسخ صحيح مسلم ما اصطفاه الله وكذا نقله الحافظ في الفتح وهكذا وقع عند أحمد (ج5ص148)(لملائكته) أي الذي اختاره من الذكر لملائكته وأمرهم بالمداومة عليه ومواظبته لغاية فضله فليس في هذا الحديث ما يدل على حصره فاندفع ما قيل أنه يعلم منه أن الملائكة يتكلمون بهذه الكلمة لا غير، وقد ثبت منهم كلمات أخر من الأذكار والتسبيحات والدعوات وليس هذا محل بسطها (سبحان الله وبحمده) قال الطيبي: فيه تلميح إلى قوله تعالى حكاية عن الملائكة {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] ويمكن أن يكون سبحان الله وبحمده مختصراً من الكلمات الأربع سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر لما سبق أن سبحان الله تنزيه لذاته عما لا يليق بجلاله وتقديس لصفاته من النقائص فيندرج فيه معنى لا إله إلا الله وقوله: "بحمده" صريح في معنى الحمد لله، لأن الإضافة فيه بمعنى اللام في الحمد. ويستلزم ذلك معنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والأفضال لله ومن الله وليس من غيره شيء من ذلك فلا يكون أحد أكبر منه. فإن قلت يلزم من هذا أن يكون التسبيح أفضل من التهليل؟ قلت: لا يلزم ذلك إذ التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له، ولأن نفي الإلهية في قول لا إله نفي لمضمنها من الخالقية والرازقية والإثابة والمعاقبة وقوله "إلا الله" إثبات لذلك ويلزم منه نفي ما يضاد الإلهية ويخالفها من النقائص، ومنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد، يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل لأن التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه. قال فإذا اجتمعنا دخلاً في أسلوب الطرد والعكس – انتهى كلام الطيبي وتقدم شيء من الكلام في ذلك في شرح حديث سمرة بن جندب (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص148) ونسبه في الحصن لأبي عوانة أيضاً، وفي رواية لمسلم قال أبوذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ قلت: يا رسول الله! أخبرني بأحب الكلام إلى الله. فقال أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده. وأخرجها أيضاً أحمد (ج5ص161) والنسائي وابن أبي شيبة كما في الحصن وأخرجها الترمذي والحاكم (ج1ص501) وابن حبان وأبوعوانة أيضاً إلا أنهم قالوا سبحان ربي وبحمده.
2323-
قوله: (وعن جويرية) تصغير جارية وهي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية من بني المصطلق أم المؤمنين، كان اسمها برة فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جويرية فصارت علما لها، فلهذا لا ينصرف. سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس أو ست، وكانت تحت
((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندنا بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة. قال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها. قالت: نعم! قال لنبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت
ــ
مسافع بن صفوان المصطلقي، وقد قتل في هذه الغزوة وكانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له فكاتبته على نفسها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه على كتابتها، فقالت: يا رسول الله! أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي وجئتك أستعينك، فقال لها: هل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله! قال أقضى كتابتك وأتزوجك قالت نعم! قال قد فعلت فبلغ الناس أنه قد تزوجها فقالوا إصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق الله بها مائة أهل بيت من بني المصطلق. قالت عائشة: فما أعلم امرأة أعظم بركة منها على قومها. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى جويرية فجاء أبوها فقال إن ابنتي لا تسبى مثلها فخل سبيلها، فقال أرأيت إن خيرتها أليس قد أحسنت قال بلى! فأتاها أبوها فذكر لها ذلك فقالت قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: هذا مرسل صحيح الإسناد وماتت سنة خمسين على الصحيح. قال الخزرجي: لها أحاديث انفرد البخاري بحديثين ومسلم بمثلهما (بكرة) بضم الموحدة أي أول النهار (حين صلى الصبح) أي أراد صلاة الصبح يعني أراد أن يصلي فرض الصبح (وهي) أي جويرية (في مسجدها) بفتح الجيم ويكسر أي موضع صلاتها والجملة حالية (ثم رجع) إليها (بعد أن أضحى) أي دخل في الضحوة وهي ارتفاع النهار (وهي جالسة) أي في موضعها ففي رواية أبي داود فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مصلاها ورجع وهي في مصلاها. وفي رواية أحمد والترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها بكرة وهي في المسجد تدعو، ثم مر بها قريباً من نصف النهار. ولابن ماجه مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الغداة أو بعد ما صلى الغداة وهي تذكر الله فرجع حين ارتفع النهار، أو قال انتصف وهي كذلك، وفي الأدب المفرد ثم رجع إليها بعد ما تعالى النهار وهي في مجلسها (ما زلت) بكسر التاء خطاب لجويرية على تقدير الاستفهام أي ثبت في مكانك وما زالت (على الحال) هو مما يجوز تذكيره وتأنيثه ولذا قال (التي فارقتك عليها) أي من الجلوس على ذكر الله تعالى. وفي رواية أبي داود لم تزالي في مصلاك هذا وفي الأدب المفرد ما زالت في مجلسك (لقد قلت بعدك) أي بعد أن خرجت من عندك أو بعد ما فارقتك (أربع كلمات) نصبة على المصدر أي تكلمت بعد مفارقتك أربع كلمات (لو وزنت) بصيغة المجهول أي قوبلت (بما قلت) أي بجميع ما قلت من الذكر
منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته)) .
ــ
من أول النهار إلى هذا الوقت (منذ) بضم الميم وقد تكسر (اليوم) بالجر على ما هو المختار "ومنذ" على هذا حرف جر بمعنى "من" أو في أي من ابتداء النهار أو في الوقت المذكور، ويجوز رفع اليوم وتفصيله في المغنى لابن هشام (ج2ص21- 22) وفي القاموس (لوزنتهن) بفتح الزاء والنون أي ساوتهن في الوزن. يقال هذا يزن درهماً أي يساويه أو غلبتهن في الوزن، يقال وازنه فوزن إذا غلب عليه وزاد في الوزن، وقال القاضي أي لرجحت تلك الكلمات على جميع أذكارك وزادت عليهن في الأجر والثواب والضمير راجع إلى ما باعتبار المعنى (عدد خلقه) هو وما عطف عليه منصوبات بنزع الخافض ويقدر المقدار في الثلاثة الأخيرة أي بعدد جميع مخلوقاته وبمقدار رضا ذاته الشريفة أي بمقدار يكون سبباً لرضاه تعالى أو بمقدار يرضي به لذاته، ويختاره فهو مثل ما جاء وبملأ ما شئت من شيء بعد، وفيه إطلاق النفس عليه تعالى من غير مشاكلة، وبمقدار ثقل عرشه، وبمقدار زيادة كلماته أي بمقدار يساويهما يساوي العرش وزنا والكلمات عدداً. وقيل: نصب الكل على الظرفية بتقدير قدر أي قدر عدد مخلوقاته وقدر رضاه الخ. وقيل: نصب هذه الألفاظ على المصدرية أي أعد تسبيحه المقرون بحمده عدد خلقه وأقدر مقدار ما يرضى لنفسه وزنة عرشه ومقدار كلماته (وزنة عرشه) أي قدر وزن عرشه ولا يعلم وزنة إلا الله (ومداد كلماته) بكسر الميم. قيل: معناه مثلها في العدد، وقيل مثلها في عدم النفاد، وقيل مثلها في الكثرة. والمداد مصدر مثل المدد وهو الزيادة والكثرة. وقال في النهاية: أي مثل عددها. وقيل قدر ما يوازيها في الكثرة عيار كيل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير. وهذا تمثيل يراد به التقريب لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن، وإنما يدخل في العدد. والمداد مصدر كالمدد يقال مددت الشيء مداً ومداداً وهو ما يكثر به ويزاد انتهى. قال العلماء: واستعماله هنا مجاز لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعد ولا غيره، والمراد المبالغة به في الكثرة لأنه ذكر أولاً ما يحصره العدد الكثير من عدد الخلق، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك وعبر عنه بهذا أي ما لا يحصيه عد كما لا تحصى كلمات الله تعالى. ذكره النووي وقال في اللمعات: وهذا ادعاء ومبالغة في تكثيرها كأنه تكلم بهذا المقدار فلا يتجه أن يقال إنه ما معنى أسبحه بهذا المقدار سواء كان خبراً أو إنشاء وهو لم يسبح إلا واحد – انتهى. وقال السندي: فإن قلت كيف يصح تقييد التسبيح بالعدد للذكور مع أن التسبيح هو التنزيه عن جميع ما لا يليق بجنابه الأقدس وهو أمر واحد في ذاته لا يقبل التعدد، وباعتبار صدوره عن المتكلم لا يمكن اعتباراً هذا العدد فيه، لأن المتكلم لا يقدر عليه، ولو فرض قدرته عليه أيضاً لما صح تعلق هذا العدد بالتسبيح إلا بعد أن صدر منه بهذا العدد أو عزم على ذلك. وأما بمجرد أنه قال مرة سبحان الله لا يحصل منه هذا العدد. قلت: لعل التقييد بملاحظة استحقاق ذاته الأقدس
رواه مسلم.
2324-
(9) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل
ــ
الأطهر أن يصدر من المتكلم التسبيح بهذا العدد، فالحاصل أن العدد ثابت لقول المتكلم لكن لا بالنظر إلى الوقوع بل بالنظر إلى الاستحقاق أي بالنظر إلى أنه تحقق منه التسبيح بهذا العدد بل باعتبار أنه تعالى حقيق بأن يقول المتكلم التسبيح في حقه بهذا العدد والله تعالى أعلم. وفي الحديث دليل على فضل هذه الكلمات، وإن من قال سبحان الله عدد كذا وزنة كذا الخ يدرك فضيلة ذلك القدر وفضل الله يمن به على من يشاء من عباده. قال الشوكاني: ولا يتجه أن يقال إن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ إلى مثل ذلك العدد، فإن هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليه تخفيفاً لهم وتكثيراً لأجورهم من دون تعب ولا نصب فلله الحمد. وقد ورد ما يقوى هذا في كثير من الأحاديث (رواه مسلم) في الدعوات وكذا الترمذي وابن ماجه وأخرجه النسائي في الصلاة (ج6ص325- 430) وابن سعد في الطبقات (ج8ص84- 85) ونسبه الجزري في الحصن لابن أبي شيبة أيضاً. واعلم أن الحديث رواه مسلم عن ابن عباس عن جويرية وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه فالحديث عندهم من مسند جويرية. وأما أبوداود فرواه عن ابن عباس قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عند جويرية الخ، وهكذا وقع عند أبي عوانة. وهذا بظاهره يدل على أن الحديث من مسانيد ابن عباس، ورواه أحمد في مسنده على النحوين ذكره أولا في مسند ابن عباس (ج1ص258- 353) ثم ذكره في مسند جويرية (ج6ص325- 430) ورواه البخاري في الأدب المفرد أولا عن ابن عباس عن جويرية، ثم رواه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عند جويرية ولم يسق لفظه، نعم زاد ولم يقل أي سفيان عن جويرية إلا مرة واحدة، والراجح عندنا أن الحديث من مسند جويرية رواه عنها ابن عباس، ووقع في رواية أبي داود ومن وافقه الحذف من ابن عباس أو ممن دونه والله تعالى أعلم.
2324-
قوله: (لا إله إلا الله) اختلف في تقديره على أقوال ذكر بعضها الزرقاني في شرح الموطأ (وحده لا شريك له) وحده حال مؤولة بمنفرداً لأن الحال لا تكون معرفة ولا شريك له حال ثانية مؤكدة لمعنى الأولى (له الملك) بضم الميم (في يوم مائة مرة) مجتمعة أو متفرقة (كانت) أي هذه الكلمة أو التهليلة، وفي رواية كان بالتذكير أي القول المذكور (له) أي للقائل بها (عدل) بفتح العين بمعنى المثل والنظير. قال
عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه)) .
ــ
ابن التين: قرأناه بفتح العين. قال الفراء: العدل بالفتح ما عدل الشيء من غير جنسه وبالكسر المثل كذا في الفتح. وقال في المجمع: عدل ذلك مثله فإذا كسر العين فهو زنته أي هو بفتح عين بمعنى مثله بكسر الميم، وبكسر عين بمعنى زنة ذلك أي موازنة قدراً، أو حديث عدل عشر رقاب بالفتح أي مثلها. وفي النهاية العدل بالكسر والفتح بمعنى المثل، وقيل بالفتح ما عادله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل بالعكس. (عشر) بسكون الشين (رقاب) أي مثل ثواب إعتاق عشر، رقاب جمع رقبة بمعنى العنق في الأصل فجعلت كناية عن جميع ذات الإنسان تسمية للشي ببعضه أي يضاعف ثوابها حتى يصير مثل أصل ثواب الإعتاق المذكور (وكتبت) أي ثبتث (مائة حسنة) بالرفع (ومحيت) أي أزيلت (عنه مائة سيئة) قال الطيبي: جعل في هذا الحديث التهليل ماحياً من السيئات مقداراً معلوماً، وفي حديث التسبيح ماحياً لها مقدار زبد البحر فيلزم أن يكون التسبيح أفضل. وقد قال في حديث التهليل لم يأت أحد بأفضل مما جاء به، أجاب القاضي عياض أن التهليل المذكور في هذا الحديث أفضل لأن جزاءه مشتمل على محو السيئات وعلى عتق عشر رقاب وعلى إثبات مائة حسنة والحرز من الشيطان (حرزا) بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبالزاي أي حصناً. وقال المظهر: أي حفظاً ومنعاً (يومه) بالنصب على الظرفية (ذلك) أي في ذلك اليوم الذي قالها فيه (حتى يمسي) وفي رواية ابن ماجه سائر يومه إلى الليل أي بقية يومه أو كله. قال القاري: ظاهر التقابل إنه إذا قال في الليل كانت له حرزاً منه ليلة ذلك حتى يصبح، فيحتمل أن يكون اختصاراً من الراوي أو ترك لوضوح المقابلة وتخصيص النهار لأنه أحوج فيه إلى الحفظ – انتهى. قلت قال الحافظ في الفتح: قوله "وكانت له حرزا من الشيطان" في رواية عبد الله سعيد (عند ابن السني ص26) وحفظ يومه حتى يمسي وزاد من قال مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك، ومثل ذلك في طرق أخرى يأتي التنبيه عليها بعد – انتهى. قال النووي: ظاهر إطلاق الحديث أنه يحصل هذا الأجر المذكور في الحديث لمن قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره، وكذا في أول الليل ليكون حرزاً له في جميع ليلة. (ولم يأت أحد) أي يوم القيامة (بأفضل مما جاء به) أي بأي عمل كان من الحسنات (إلا رجل عمل أكثر منه) استثناء منقطع أي لكن أحد عمل أكثر مما عمل فإنه يزيد عليه أو متصل بتأويل. قال ابن عبد البر: فيه تنبيه على أن المائة غاية في الذكر وأنه قل من يزيد عليه. وقال إلا أحد لئلا يظن أن الزيادة على
متفق عليه.
2325-
(10) وعن أبي موسى الأشعري، قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس؟ أربعوا على أنفسكم.
ــ
ذلك ممنوعة كتكرار العمل في الوضوء، ويحتمل أن يريد أنه لا يأتي أحد من سائر أبواب البر بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل من هذا الباب أكثر مما عمله، ونحوه قول القاضي عياض ذكر المائة دليل على أنها غاية للثواب المذكور، وقوله إلا أحد يحتمل أن يريد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه لئلا يظن أنه من الحدود التي نهى عن اعتدائها وأنه لا فضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن المحدودة وإعداد الطهارة، ويحتمل أن تراد الزيادة من غير هذا الجنس من الذكر وغيره أي إلا أن يزيد أحد عملاً آخر من الأعمال الصالحة – انتهى. وقال النووي: فيه دليل أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ويكون له ثواب آخر على الزيادة وليس هذا من الحدود التي نهى عن إعدائها ومجاوزة إعدادها وإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة سواء كانت من التهليل أو من غيره أو منه ومن غيره وهذا الاحتمال أظهر والله أعلم – انتهى. (متفق عليه) أخرجه البخاري في صفة إبليس من بدأ الخلق وفي الدعوات، ومسلم فيه وأخرجه أيضاً أحمد (ج2ص202) ومالك في أواخر الصلاة والترمذي والنسائي وابن ماجه في الدعوات وأبوعوانة وابن أبي شيبة.
2325-
قوله: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) وفي رواية في غزاة، وهذه الغزوة غزوة خيبر كما وقع التصريح بذلك في رواية البخاري في باب غزوة خيبر من كتاب المغازي (فجعل الناس يجهرون بالتكبير) أي يبالغون في الجهر ورفع الصوت بالتكبير كلما صعدوا ثنية وعلوا شرفاً، والمراد بالتكبير قول لا إله إلا الله والله أكبر، ففي رواية البخاري التي أشرنا إليها لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله (أربعوا) بهمزة وصل مكسورة ثم موحدة مفتوحة (على أنفسكم) أي أرفقوا بها بخفض أصواتكم ولا تجهدوا على أنفسكم يعني لا تبالغوا في الجهر أو أعطفوا على أنفسكم بالرفق بها والكف من الشدة عليها. قال ابن السكيت ربع الرجل يربع إذا رفق وكف. وقال القاري: أي أرفقوا بها وأمسكوا عن الجهر الذي يضركم، وفيه إشارة إلى أنهم بالغوا في الجهر ورفع الصوت
إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، أنكم تدعون سميعاً بصيراً، وهو معكم، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، قال أبوموسى: وأنا خلفه أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله في نفسي،
ــ
فلا يلزم منه المنع من الجهر مطلقاً، لأن النهي للتيسير والإرفاق لا لكون الجهر غير مشروع (إنكم) استيناف فيه معنى التعليل (لا تدعون أصم ولا غائباً) قال الكرماني: فإن قلت المناسب ولا أعمى قلت الأعمى غائب عن الإحساس بالمبصر والغائب كالأعمى في عدم رؤيته ذلك المبصر فنفي لازمه ليكون أبلغ وأعم وزاد قريباً (أي في رواية أخرى) إذ رب سامع وباصر لا يسمع ولا يبصر لبعده عن المحسوس فأثبت القرب ليتبين المقتضى وعدم المانع ولم يرد بالقرب قرب المسافة بل القرب بالعلم. وقال الحافظ: ومناسبة الغائب ظاهرة من أجل النهي عن رفع الصوت (إنكم) تأكيد وقيل هو كالتعليل لقوله لا تدعون أصم (سميعاً بصيراً) كذا وقع في رواية البخاري في باب الدعاء إذا علا عقبة من كتاب الدعوات وفي كتاب القدر، ووقع عنده في المغازي سميعاً قريباً وهكذا عند مسلم، ووقع في التوحيد عند البخاري سميعاً بصيراً قريباً. قال في اللمعات: وجه زيادة قوله بصيراً مع أنه لا حاجة إليه لمناسبة قوله سميعاً فإنهما مذكوران معاً في أكثر المواضع، أو لإرادة أنه لا حاجة لكم إلى الجهر ورفع الصوت فإنه يسمع من غير جهر ورفع صوت ومع ذلك يبصركم ويعلم حالكم من صوركم وهيئاتكم فأفهم. وقال الطيبي: فائدة زيادة قوله بصيراً إن السميع البصير أشد إدراكاً وأكمل إحساساً من السميع الأعمى. وقال ابن حجر: سميعاً مقابل لقوله أصم وبصيراً أتى به لأنه ملازم للسميع في الذكر لما بينهما من التناسب في الإدراك (وهو معكم) أي بالعلم والقدرة والإحاطة عموماً والفضل والرحمة خصوصاً. قال القاري: أي حاضر بالعلم والإطلاع على حالكم أين ما كنتم سواء أعلنتم أو أخفيتم وهو بظاهره مقابل لقوله "ولا غائباً" ثم زاد في تحقيق هذه المعية المعنوية الدالة على غاية الشرف والعظمة بقوله (والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) هذه الجملة انفرد بها مسلم لم يذكرها البخاري وهذا تمثيل وتقريب إلى الفهم وإلا فهو أقرب من حبل الوريد. قال النووي: قوله "هو معكم" أي بالعلم والإحاطة وقوله "والذي تدعونه أقرب" الخ هو بمعنى ما سبق وحاصله إنه مجاز كقوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] أي نحن أقرب إليه بالعلم من حبل وريده، لا يخفى علينا شيء من خفياته فكأن ذاته قريبة منه، وحاصله إنه تجوز بقرب الذات عن قرب العلم. ونقل الذهبي في كتاب العلو عن الإمام أبي الحسن الأشعري أنه قال إن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال:{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} (في نفسي) متعلق بأقول أي بلساني سراً من غير ارتفاع صوتي وقوله "في نفسي" تفرد به البخاري وهو عنده في الدعوات وفي التوحيد، ووقع عنده في المغازي وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -