الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب صيام التطوع
{الفصل الأول}
2056-
(1) عن عائشة، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصوم حتى نقول: لا يفطر ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط، إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان.
ــ
(باب صيام التطوع)
2056-
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم) أي النفل متتابعاً (حتى نقول لا يفطر) أي ينتهي صومه إلى غاية نقول أنه لا يفطر في هذا الشهر (ويفطر) أي يستمر على الإفطار (حتى نقول لا يصوم) أي ينتهي إفطاره إلى غاية نقول أنه لا يصوم من هذا الشهر، وذلك لأن الأعمال التي يتطوع بها ليست منوطة بأوقات معلومة. وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها قاله العيني. وقال الباجي: وإنما كان كذلك. والله أعلم. لأن هذا أفضل الصوم وأشده لمن استطاع عليه. وقال الغزالي في الأحياء: الفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله فقد يقتضى حاله دوام الصوم، وقد يقتضى دوام الفطر، وقد يقتضى مزج الإفطار بالصوم وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه. وذلك لا يوجب ترتيباً مستمراً ولذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات-انتهى. قال الأمير اليماني: في الحديث دليل على أن صومه صلى الله عليه وسلم لم يكن مختصاً بشهر دون شهر، وإنه كان صلى الله عليه وسلم يسرد الصيام أحياناً ويسرد الفطر أحياناً، ولعله كان يفعل ما يقتضيه الحال من تجرده عن الأشغال فيتابع الصوم ومن عكس ذلك فيتابع الإفطار-انتهى. ولا يعارض هذا ما روى عن عائشة عند البخاري وغيره كان عمله ديمة، لأن المراد بذلك ما اتخذه راتباً لا مطلق النفل والله تعالى أعلم (وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام شهر قط إلا رمضان) إنما لم يستكمل شهراً غير رمضان لئلا يظن وجوبه (وما رأيته) صلى الله عليه وسلم (في شهر أكثر) بالنصب ثاني مفعول رأيت والضمير "في"(منه) له عليه الصلاة والسلام (صياماً) تمييز (في شعبان) سمي بذلك لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وهذا أولى من الذي قبله. وقيل: فيه غير ذلك والجار متعلق بصياماً، والمعنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور سوى رمضان، وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه كذا ذكره الطيبي.
وقيل: قوله في شهر يعني به غير شعبان وهو حال من المستكن في أكثر، وفي شعبان حال من المجرور في منه، العائدة إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما رأيته كائناً في غير شعبان أكثر صياماً منه كائناً في شعبان مثل زيد قائماً أحسن منه قاعداً. أو كلاهما ظرف أكثر الأول باعتبار الزيادة والثاني باعتبار أصل المعنى، ولا تعلق له برؤيته وإلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه باعتبار حالة واحدة كذا في المرقاة. وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخص شعبان بالصوم أكثر من غيره. واختلف في وجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم. فقيل كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان يدل على هذا ما رواه الطبراني عن عائشة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان، وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف. وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان كما أخرجه للترمذي من حديث أنس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان، قال شعبان لتعظيم رمضان، وفيه صدقة بن موسى. قال الترمذي: هو عندهم ليس بذاك التقوى. قال الحافظ: ويعارضه حديث أبي هريرة أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم. وقيل وجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان وهذا عكس ما تقدم في الحكمة في كونهن يؤخرن قضاء رمضان إلى شعبان، لأنه ورد فيه إن ذلك لكونهن يشتغلن معه صلى الله عليه وسلم عن الصوم. وقيل الحكمة في ذلك أنه يعقبه رمضان وصومه مفترض وكان يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع بذلك في أيام رمضان. قال الحافظ: والأولى في ذلك ما جاء في حديث أصح مما مضى، أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال قلت: يا رسول الله! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم- انتهى. قيل: ويحتمل أنه كان يكثر من صومه لهذه الحكم كلها. قلت: والمراد برفع الأعمال في حديث أسامة الرفع الخاص لا الرفع العام الذي يكون صباحاً ومساءً، أو المراد الرفع الإجمالي لا التفصيلي. قال في المواهب وشرحه:(بين صلى الله عليه وسلم وجه صيامه لشعبان دون غيره من الشهور بقوله إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتتفه) أحاط به (شهران عظيمان الشهر الحرام) رجب (وشهر الصيام إشتغل الناس بهما فصار مغفولاً عنه) مع رفع الأعمال فيه إلى الله (وكثير من الناس يظن أن صيام أفضل من صيامه) أي شعبان (لأنه) أي رجب (شهر حرام وليس كذلك)
فقد روى ابن وهب بسنده عن عائشة قالت ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ناس يصومون شهر رجب فقال فأين هم من شعبان (وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها إن تكون) أي الطاعة (أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه، ومنها إنه أشق على النفوس لأن النفوس تناسي بما تشاهد من أحوال بني الجنس فإذا كثرت يقظة الناس وطاعتهم سهلت الطاعات، وإذ أكثرت، الغفلات وأهلها نأسي بهم عموم الناس فيشق على النفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدي بهم) وأفضل العمل أشقة، ومنها أن المنفرد بالطاعة بين الغافلين قد يرفع به البلاء عن الناس. وقد روى في صيامه صلى الله عليه وسلم شعبان معنى آخر وهو أنه ننسخ فيه الآجال) أي تنقل وتفرد أسماء من يموت في تلك الليلة إلى مثلها من العام القابل عن أسماء من لم يمت من أم الكتاب فيكتب في صحيفة، ويسلم إلى ملك الموت (فروى) عند أبي يعلى والخطيب وغيرهما (بإسناد فيه ضعف عن عائشة قالت كان أكثر صيام النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! أرى أكثر صيامك في شعبان) وفي رواية أرى أحب الشهر إليك أن تصومه شعبان. (قال أن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت أسماء من يقبض فأحب أن لا ينسخ إسمي إلا وأنا صائم (وفي رواية أبي يعلى إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم أي يأتيني كتابة أجلي، وفيه إن كتابته في زمن عبادة يرجى لصاحبها الموت على الخير وإن من أولى تلك العبادة الصوم، لأنه يروض النفوس وينور الباطن ويفرغ القلب للحضور مع الله (وقد روى مرسلاً) عن التابعي بدون ذكر عائشة (وقيل إنه أصح) من وصله بذكرها (وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر وهو إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صيامه على مشقة وكلفة بل يكون قد تمرن الصيام وأعتاده، ووجد بصيام شعبان قبل رمضان حلاوة الصوم ولذته، فيدخل في رمضان بقوة ونشاط-انتهى. وأجاب النووي عن كونه لم يكثر من الصوم في المحرم مع قوله إن أفضل الصيام ما يقع فيه بأنه يحتمل أن يكون ما علم ذلك إلا في آخر عمره فلم يتمكن من كثرة الصوم في المحرم، أو اتفق له فيه من الاعذار بالسفر والمرض، مثلاً ما منعه من كثرة الصوم فيه. وأما حديث أنس المتقدم عند الترمذي فهو ضعيف كما سبق، فلا يقاوم حديث أفضيلة المحرم المخرج في صحيح مسلم. وقال ابن رجب في اللطائف بعد ذكر فضل صوم شعبان ما ملخصه: أفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان قبله وبعد، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من صوم رمضان بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فليتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة للفرائض. وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده فكما إن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ويكون قوله:"أفضل الصيام بعد رمضان المحرم" محمولاً على التطوع المطلق بالصيام-انتهى. فتأمل. وسيأتي شيء من الكلام في ذلك في شرح الحديث الرابع من هذا الباب هذا، وزاد في رواية يحيى بن كثير في حديث الباب عند البخاري فإنه يصوم شعبان كله.
واستشكل هذا مع قوله في رواية الباب ما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان. وأجيب بأن رواية الباب مفسرة لرواية يحيى بن أبي كثير، ومبينة بأن المراد بكله غالبه أي يصوم شعبان بحيث يصح أن يقال فيه أنه يصوم كله لغاية قلة المتروك، بحيث يمكن أن لا يعتد به من غاية قلته. وقيل كان يصوم شعبان كله تارة أي في سنة ويصوم معظمه أخرى أي في سنة أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان. وقيل المراد بقولها كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثناءه طورا، فلا يخلى شيئاً منه من صيام، لكن في أكثر من سنة. قال السندي: معنى كله أنه لا يخص أوله بالصيام أو وسطه أو آخره بل يعم أطرافه، وإن كان بلا اتصال الصيام بعضه ببعض وتعقبه في المصابيح بأن الثلاثة كلها ضعيفة، فأما الأول فلأن إطلاق الكل على الأكثر مع الإتيان به توكيد غير معهود انتهى. وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره. قال الترمذي: كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله إن رواية الباب مفسرة لرواية يحيى بن أبي كثير ومبينة لها، وإن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال. واستبعده أيضاً فقال كل تأكيد لإرادة الشمول ورفع التجوز من احتمال البعض فتفسيره بالبعض مناف له-انتهى. قال الزرقاني في شرح المواهب: لكن الاستبعاد لا يمنع الوقوع، لأن الحديث يفسر بعضه بعضاً لا سيما والمخرج متحد وهو عائشة وهي من الفصحاء. وقد نقله ابن المبارك عن العرب ومن حفظ حجة. قال في المصابيح: وأما الثاني فلأن قولها كان يصوم شعبان كله يقتضى تكرار الفعل وإن ذلك عادة له على ما هو المعروف في مثل هذه العبارة-انتهى. واختلف في دلالة كان على التكرار، وصحح ابن الحاجب أنها تقتضيه قال، وهذا استفدناه من قولهم كان حاتم يقري الضعيف، وصحح الإمام فخر الدين في المحصول أنها لا تقتضيه لا لغة ولا عرفا. وقال النووي في شرح مسلم أنه المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين. وذكر ابن دقيق العيد أنها تقتضيه عرفا-انتهى. قال في المصابيح: وأما الثالث فلأن أسماء الشهور إذا ذكرت غير مضاف إليها لفظ "شهر" كان العمل عاما لجميعها لا تقول سرت المحرم وقد سرت بعضاً منه، ولا تقول صمت رمضان، وإنما صمت بعضه فإن أضفت الشهر إليه لم يلزم التعميم، هذا مذهب سيبويه وتبعه عليه غير واحد. قال الصفار: ولم يخالف في ذلك إلا الزجاج. ويمكن أن يقال إن قولها وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان، لا ينفي صيامه لجميعه، فإن المراد أكثرية صيامه فيه على صيامه في غيره من الشهور التي لم يفرض فيها الصوم، وذلك صادق بصومه كله، لأنه إذا صامه جميعه صدق أن الصوم الذي أوقعه فيه أكثر من الصوم الذي أوقعه في غيره ضرورة إنه لم يصم غيره مما عدا رمضان كاملاً.
وفي رواية، قالت:(كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً) متفق عليه.
ــ
وأما قولها لم يستكمل صيام شهر إلا رمضان فيحمل على الحذف أي إلا رمضان وشعبان. بدليل قولها في الطريق الأخرى، فإنه يصوم شعبان كله، وحذف المعطوف والعاطف جميعا ليس بعزيز في كلامهم، ففي التنزيل لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أي ومن انفق بعده. ويمكن الجمع بطريق أخرى وهي أن يكون قولها وكان يصوم شعبان كله محمولا على حذف أداة الاستثناء والمستثنى، أي إلا قليلاً منه، ويدل عليه حديث عبد الرزاق بلفظ. ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما منه في شعبان. فإنه كان يصومه إلا قليلاً: وقيل في الجمع إن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله. وقيل بالعكس ولا يخفي ما في ذلك. وقال الباجي: يحتمل أن تريد بقولها ما استكمل صيام شهر قط غير رمضان أنه استكمله على وجه التعيين والتخصيص له، وما روى أنه كان يصوم شعبان كله لم يكن على وجه التعيين له، وقد روى عن عبد الله بن شقيق قلت لعائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً معلوما سوى رمضان قالت لا، والله، إن صام شهراً معلوما سوى رمضان حتى مضى لوجهه الحديث. فقولها شهراً معلوما يقتضى أن يكون معلوما بصومه وهذا لا يمنع أن يكون صامه على غير هذا الوجه-انتهى. قال الحافظ: والأول (من وجوه الجمع الثلاثة الأول) هو الصواب، ويؤيده رواية عبد الله ابن شقيق عن عائشة عند مسلم، وسعد بن هشام عنها عند النسائي ولفظه، ولا صام شهراً كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان، وهو مثل حديث عبد الله عند البخاري، قال ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان-انتهى. واختاره النووي كما سيأتي وابن القيم كما في الهدي. ومال الطيبي إلى الوجه الثاني وقال القاري: وهو أقرب لظاهر اللفظ. وقال العيني بعد الكلام: في الوجه الأول من وجوه الجمع، والأحسن أن يقال فيه أنه باعتبار عامين فأكثر فكان يصومه كله في بعض السنين وكان يصوم أكثره في بعض السنين-انتهى. قال الحافظ: ولا تعارض بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني. فإن الجمع بينهما ظاهر بأن يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده. وقد تقدم إن أحاديث النهي عن التقدم مقيدة بقوله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون رجل يصوم يوماً، وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان. (وفي رواية) أي لمسلم فإنه قد تفرد بها، وأخرجها أيضاً النسائي وابن ماجه والبيهقي (كان يصوم شعبان كله) أي غالبه ولذلك ذكرت قولها كان يصوم شعبان إلا قليلاً تفسيراً له (كان) كذا في أكثر النسخ، وهكذا وقع في صحيح مسلم وسنن ابن ماجه والبيهقي والمحلى (ج7ص14) لابن حزم وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج7ص207) قال القاري: وفي نسخة وكان-انتهى.
2057-
(2) وعن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: ((أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً كله، قالت: ما علمته صام شهراً كله إلا رمضان، ولا أفطره كله حتى يصوم منه، حتى مضى لسبيله)) رواه مسلم.
2058-
(3) وعن عمران بن حصين، (عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سأله، أو سأل رجلاً
ــ
والظاهر أنه خطأ من الناسخ (يصوم شعبان إلا قليلا) قال النووي: الثاني تفسير للأول وبيان إن قولها كله أي غالبه-انتهى. وقال الحافظ: هذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره أنه كان لا يصوم من السنة شهراً تاما إلا شعبان يصله برمضان أي كان يصوم معظمه-انتهى. وقيل: كان يصوم كله أي في أول الأمر. وقولها كان يصوم شعبان إلا قليلا" اخبار عن آخر الأمر. وقيل: المراد أنه كان يصومه كله في سنة وأكثره في سنة أخرى (متفق عليه) واللفظ لمسلم، وأخرجه أحمد ومالك وأبوداود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن حزم (ج7ص14) وأخرجه الترمذي مختصرا.
2057-
قوله: (ما علمته صام شهراً كله إلا رمضان) وفي رواية ما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان، وهذا يؤيد قول من تأول قول عائشة كان يصوم شعبان كله بأن المراد معظمه وغالبه (ولا أفطره) أي شهراً (كله) تأكيد له (حتى يصوم منه) أي بعضه (حتى مضى لسبيله) وفي رواية حتى مضى لوجهه، وهو كناية عن الموت حتى مات. قال القاري: واللام في "لسبيله" مثلها في قولك لقيته لثلاث بقين من الشهر، تريد مستقبلا الثلاث، أي كان حاله ما ذكر إلى أن مات. قال الطيبي: حتى الأولى بمعنى كي كقولك سرت حتى أدخل البلد بالنصب إذا كان دخولك مترقبا لما يوجد كأنك قلت: سرت كي أدخلها، وكان منقضيا إلا أنه في حكم المستقبل من حيث أنه في وقت وجود السير المفعول من أجله كان مترقباً وتحريره، إن حتى "الأولى" غاية عدم الصوم باستمرار الإفطار، استعقب للصوم، والثانية غاية لعدم علمه بالحالتين من الصيام والإفطار والاستمرار هو مستفاد من النفي الداخل على الماضي. والحديث وارد على هذا لأنه عليه الصلاة والسلام حين عزم أن لا يصوم الشهر كله كان مترقباً أن يصوم بعضه، "وحتى الثانية" غاية لما تقدمه من الجمل كلها-انتهى. وفي الحديث أنه يستحب أن لا يخلى شهراً من صيام (رواه مسلم) وأخرجه النسائي والترمذي.
2058-
قوله: (أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (سأله) أي عمران (أو سأل رجلاً) قال الحافظ: هذا شك من مطرف، أي راوي الحديث عن عمران، فإن ثابتا رواه عنه بنحوه على الشك أيضاً، أخرجه مسلم،
وعمران يسمع، فقال: يا أبا فلان! أما صمت من سرر شعبان. قال: لا قال: فإذا أفطرت فصم يومين) متفق عليه.
ــ
وأخرجه من وجهين آخرين عن مطرف بدون شك على الإبهام أنه قال لرجل، زاد أبوعوانة في مستخرجه من أصحابه، ورواه أحمد من طريق سليمان التيمي به قال لعمران بغير شك-انتهى. (وعمران يسمع) جملة حالية (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا فلان) قال الحافظ: كذا في نسخة من رواية أبي ذر للبخاري بأداة الكنية وللأكثر يا فلان بإسقاطها (أما) الهمزة للاستفهام "وما" نافية (صمت من سرر شعبان) بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها والراء مفتوحة في الجميع، جمع سرة بضم السين وتشديد الراء، قال النووي: ضبطوا السرر بفتح السين وكسرها، وحكى القاضي ضمها، قال: وهو جمع سرة، ويقال أيضاً سَرار وسِرار بفتح السين وكسرها، ذكره ابن السكيت وغيره. قال الفراء: والفتح أفصح وكله من الاستسرار. واختلف في تفسيره، والمشهور أن المراد به هنا آخر الشهر وهو قول الجمهور من أهل اللغة والغريب. فالحديث وسمي بذلك لاستسرار القمر يعني استتاره فيه وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين، وهذا موافق لما ترجم له البخاري بقوله باب الصوم آخر الشهر واستشكل بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة السابق لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين وأجيب بأن الرجل كان معتادا لصيام سرر الشهر أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضاءه. قال المجد ابن تيمية في المنتقى: يحمل حديث السرر على أن الرجل كانت له عادة بصيام الشهر أو قد نذره. وقال الزين المنير: يحتمل أن يكون الرجل كانت له عادة بصيام آخر الشهر فلما سمع نهيه صلى الله عليه وسلم أن يتقدم أحد رمضان بصوم يوم أو يومين ولم يبلغه الاستثناء بقوله. إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم فليصم ترك صيام ما كان اعتاده من ذلك، فأمره بقضاءها لتستمر محافظته على ما وظف على نفسه من العبادة، لأن أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه قال: وأطلق البخاري في ترجمته الشهر وإن كان المذكور في الحديث شهراً مقيدا وهو شهر شعبان إشارة منه إلى أن ذلك لا يختص بشعبان بل يؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف، فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين لقوله فيه إلا رجل كان يصومه فليصمه-انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج2ص96) هذان الحديثان متعارضان في الظاهر، ووجه الجمع أن يكون حديث السرر إنما هو شيء كان الرجل قد أوجبه على نفسه بنذره فأمره بالوفاء أو كان ذلك عادة قد اعتادها في صيام أواخر الشهور فتركه لاستقبال الشهر فاستحب له صلى الله عليه وسلم أن يقضيه. وأما المنهي عنه في حديث ابن عباس وأبي هريرة فهو أن يبتدئ المرء متبرعاً به من غير إيجاب نذر ولا عادة قد كان تعودها فيما مضى-انتهى. وكذا قال المازري والقرطبي وغيرهما.
وقالت طائفة سرر الشهر أوله، وبه قال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز فيما حكاه أبوداود وتعقب بأنه لا يصح أن يفسر سرر الشهر وسراره بأوله، لأن أول الشهر يشتهر فيه الهلال، ويرى من أول الليل، ولذلك سمي الشهر شهراً لاشتهاره وظهوره عند دخوله فتسمية ليالي الاشتهار ليالي السرار قلب اللغة والعرف وقد أنكر العلماء ما رواه أبوداود عن الأوزاعي، منهم الخطابي حيث قال أنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطاً في النقل ولا أعرف له وجها في اللغة. ثم حكى عن الأوزاعي بسنده مثل قول الجمهور ثم قال وهذا هو الصواب. وقال البيهقي (ج4ص211) وروى غير أبي داود عن الأوزاعي أنه قال سره آخره وهو الصحيح. وقيل: سرر الشهر وسطه ورجحه بعضهم ووجهه بأن السرر جمع سرة، وسرة الشيء وسطه، وسرار كل شيء وسطه وأفضله، وسرارة الوادي وسطه وخياره. وقال ابن السكيت: سرار الأرض أكرمها ووسطها، ويؤيده ما ورد من استحباب صوم أيام البيض وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب. بل ورد فيه نهي خاص وهو آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان. ورجحه النووي بأن مسلماً أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض وهي وسط الشهر. قال الحافظ: لكن لم أر في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره وهو سرة بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ: سرار، وأخرجه من طرق عن سليمان التيمي في بعضها سرر وفي بعضها سرار، وهذا يدل على أن المراد آخر الشهر-انتهى، وتقدم وجه الجمع بين هذا وبين النهي عن صوم آخر شعبان أي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين. وروى أبوداود من طريقه البيهقي عن معاوية مرفوعا صوموا الشهر وسره. قال في النهاية: أراد صوموا أول الشهر وآخره يعني أول كل شهر وآخره والمقصود بيان الإباحة. قال الخطابي: والعرب تسمى الهلال الشهر تقول رأيت الشهر أي الهلال. قال الشاعر:
والشهر مثل قلامة الظفر
أي الهلال. وقيل: المراد بالشهر شعبان أي صوموا شعبان ثم أكد بقوله وسره بأن آخر شعبان أولى بالصيام وقيل: المراد بالشهر رمضان وبسره آخر شعبان، وإضافته إلى رمضان للاتصال والخطاب لمن تعود (قال لا) أي قال الرجل ما صمته (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا أفطرت) أي من رمضان كما في أحمد ومسلم أي فرغت من رمضان (فصم يومين) بعد العيد عوضاً عن سرر شعبان، ففي رواية لأحمد ومسلم فصم يومين مكانه، أي مكان سرر شعبان، وفيه مشروعية قضاء التطوع، وقد يؤخذ منه قضاء الفرض بطريق الأولى خلافاً لمن منع ذلك (متفق عليه) واللفظ للبخاري وأخرجه أحمد (ج4ص428- 432- 434- 439- 442- 444- 446) وأبوداود والدارمي والبيهقي (ج4ص210) .
2059-
(4) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) رواه مسلم.
ــ
2059-
قوله: (أفضل الصيام بعد رمضان) وفي رواية الترمذي بعد صيام شهر رمضان (شهر الله) أي صيام شهر الله، والإضافة إلى الله للتشريف والتعظيم. وقال العراقي في شرح الترمذي: لما كان المحرم من الأشهر الحرم التي حرم فيها القتال، وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص، ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهر الله المحرم-انتهى. (المحرم) بالرفع صفة المضاف. قال الطيبي: أراد بصيام شهر الله صيام يوم عاشوراء-انتهى. فيكون من باب ذكر الكل وإرادة البعض، لكن الظاهر أن المراد جميع شهر المحرم وتمامه. ويؤيده ما رواه الترمذي والدارمي عن النعمان بن سعد عن علي قال سأله رجل، فقال أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان فقال له، ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلاً سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا قاعد عنده فقال يا رسول الله! أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان قال إن كنت صائماً بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله-الحديث. قال السندي: في حاشية أبي داود وابن ماجه، بعد الإشارة إلى حديث علي هذا يفيد أن المراد تمام الشهر-انتهى. وحديث الباب صريح إن شهر المحرم أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرم بوجهين. أحدهما لعله إنما علم فضله في آخر حياته والثاني: لعله كان يعرض فيه إعذار من سفر أو مرض أو غيرهما تمنع من إكثار الصوم فيه. وقال بعض الشافعية والحنابلة: أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شعبان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على صومه أو صوم أكثره فحملوا قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد رمضان المحرم على التطوع المطلق ولا يخفى ما فيه (وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) قال النووي: فيه دليل لما اتفق العلماء عليه إن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار، وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه على أن صلاة الليل أفضل من سنن الرواتب. وقال أكثر العلماء: الرواتب أفضل لأنها تشبه الفرائض، والأول أقوى وأوفق للحديث والله تعالى أعلم. قال الطيبي: ولعمري إن صلاة التهجد لو لم يكن فيها فضل سوى قوله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداًَ} [الإسراء: 79] وقوله {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} إلى قوله {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 16، 17] وغيرهما من الآيات لكفاه مزية-انتهى. وتأول الحديث من ذهب إلى أفضلية الرواتب بأنه إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب التي قبل الفرض وبعده. قالوا: وقوله "بعد الفريضة" أي وتوابعها من السنن المؤكدة. وقال بعضهم: المراد صلاة الليل أفضل من الرواتب من حيثية المشقة والكلفة، والبعد من الرياء والسمعة مطلقاً. والراجح عندي: ما ذهب إليه أبوإسحاق المروزي لموافقته لنص حديث الباب (رواه مسلم) في الصيام وأخرجه أحمد والترمذي في أواخر الصلاة وفي الصيام والنسائي في قيام الليل وأبوداود وابن ماجه والدارمي والبيهقي (ج4ص291) في الصيام.
2060-
(5) وعن ابن عباس، قال:((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان)) متفق عليه.
ــ
2060-
قوله: (يتحرى) من التحري أي يقصد قاله الحافظ. وقال العيني: التحري المبالغة في طلب الشيء (صيام يوم) قال القاري: منصوب بنزع الخافض أي ما رأيته يبالغ في الطلب ويجتهد في صيام يوم-انتهى. وفي رواية أحمد (ص222) والنسائي ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يتحرى فضله على الأيام. قال السندي: أي يراه ويعتقده. وعند أحمد (ج1ص367) ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم يبتغي فضله على غيره (فضله على غيره) أي وصيام شهر فضله على غيره بتشديد الضاد المعجمة جملة في موضع جر صفة ليوم (إلا هذا اليوم) أي صيامه (يوم عاشوراء) بدل أو منصوب بتقدير أعنى وهو اليوم العاشر من المحرم (وهذا الشهر) بالنصب عطف على قوله هذا اليوم وهذا من اللف التقديري، لأن المعطوف لم يدخل في لفظ المستثنى منه إلا بتقدير، وصيام شهر فضله على غيره كما مر، أو يعتبر في الشهر أيامه يوماً، فيوما موصوفا بهذا الوصف، وحينئذٍ فلا يحتاج إلى تقدير وصيام شهر. قال الطيبي: قوله "فضله" بتشديد الضاد. قيل: بدل من يتحرى، والحمل على الصفة أولى لأن هذا اليوم مستثنى، ولا بد من مستثنى منه، وليس ههنا إلا قوله يوم وهو نكرة في سياق النفي يفيد العموم، والمعنى ما رأيته عليه الصلاة والسلام يتحرى في صيام يوم من الأيام صفته أنه مفضل على غيره إلا صيام هذا اليوم، فإنه كان يتحرى في تفضيل صيامه ما لم يتحر في تفضيل غيره، وهذا الشهر عطف على هذا اليوم، ولا يستقيم إلا بالتأويل إما أن يقدر في المستثنى منه فصيام شهر فضله على غيره، وهو من اللف التقديري، وإما أن يعتبر في الشهر أيامه يوماً فيوماً موصوفا بهذا الوصف-انتهى. قلت: اللفظ المذكور هنا للبخاري. ولفظ مسلم سئل ابن عباس عن صيام يوم عاشوراء فقال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهراً إلا هذا الشهر يعني رمضان (يعني شهر رمضان) تفسير من الراوي عن ابن عباس. قال الحافظ: وكان ابن عباس اقتصر على قوله وهذا الشهر، وأشار بذلك إلى شيء مذكور كأنه تقدم ذكر رمضان وذكر عاشوراء أو كانت المقالة في أحد الزمانين وذكر الآخر، فلهذا قال الراوي عنه يعني رمضان أو أخذه الراوي من جهة الحصر في أن لا شهر يصام إلا رمضان لما تقدم له عن ابن عباس أنه كان يقول: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهراً كاملاً إلا رمضان-انتهى. وهذا من باب الترقي أو تقديم عاشوراء للاهتمام به أو لتقدمه في أصل وجوب الصوم أو لكونه من أول السنة. وإنما جمع ابن عباس بينهما وإن كان أحدهما واجباً والآخر مندوبا لإشتراكهما في حصول الثواب لأن معنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
2061-
(6) وعنه، قال: ((حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء.
ــ
قال الشوكاني: هذا الحديث يقتضي أن يوم عاشوراء أفضل الأيام للصيام بعد رمضان، ولكن ابن عباس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرد علم غيره. وقد تقدم أن أفضل الصوم بعد رمضان على الإطلاق صوم المحرم، وسيأتي إن صوم عرفة يكفر سنتين وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة وظاهره إن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء (متفق عليه) واللفظ للبخاري وأخرجه أحمد (ج1ص222، 313، 367) والنسائي والبيهقي (ج4ص286) .
2061-
قوله: (حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في المدينة موافقة لموسى عليه السلام وكان يصومه أيضاً في الجاهلية قبل الهجرة موافقة لقريش فإنهم كانوا يصومونه تعظيماً له وكانوا يكسون فيه الكعبة (يوم عاشوراء) أي اليوم العاشر من المحرم. قال في القاموس: العاشوراء والعشوراء ويقصران، والعاشور عاشر أو تاسعه-انتهى. والأول هو قول الخليل وغيره، والاشتقاق يدل عليه، وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى الثاني، وفي المصنف عن الضحاك عاشوراء اليوم التاسع قيل: لأنه مأخوذ من العشر بالكسر في أوراد الإبل، تقول العرب وردت الإبل عشراً، إذا وردت اليوم التاسع فالعشر عندهم تسعة أيام، وذلك لأنهم يحسبون في الاظماء يوم الورد فإذا وردت يوماً وقامت في الرعي يومين، ثم وردت في اليوم الثالث قالوا وردت رِبعا، وإنما هو اليوم الثالث في الاظماء وإن رعت ثلاثا، وفي الرابع وردت قالوا وردت خمسا لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي، وأول اليوم الذي ترد فيه بعده وعلى هذا القول يكون التاسع عاشوراء. قال النووي: ما ذهب إليه الجمهور هو ظاهر الأحاديث، ومقتضى اللفظ. وأما تقدير أخذه من الاظماء فبعد. وقال الحافظ: اختلف أهل الشرع في تعيينه أي مصداقه وإشقاقه فقال الأكثر هو اليوم العاشر. قال القرطبي: عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها فإذا قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الإسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علما على اليوم العاشر، وذكر أبومنصور الجواليقى أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا، وضاروراء وساروراء ودالولاء من الضار والسار والدال، وعلى هذا فيوم عاشوراء هو العاشر وهذا قول الخليل وغيره. وقال الزين بن المنير الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول فاليوم مضاف لليلة الماضية، وعلى الثاني هو مضاف لليلة الآتية،.
وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذاً من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام، ثم أوردوها في التاسع، قالوا وردنا عشراً بكسر العين وكذلك إلى الثلاثة. وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج إنتهيت إلى ابن عباس فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء، قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً، قلت أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه قال نعم، وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع لكن قال الزين بن المنير قوله (أي في رواية البيهقي) إذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائماً يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائماً بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة. قال الحافظ: ويقوي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضاً من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبل ذلك، فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك-انتهى. قلت وقع في رواية الترمذي أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه. وللبيهقي أخبرني عن صيام عاشوراء أي يوم هو ووقع في رواية الترمذي، وكذا البيهقي ثم أصبح من يوم التاسع صائماً، وفيه تنبيه على أن من أراد صوم عاشوراء ابتدأ من يوم التاسع، ولا ينبغي أن يقتصر على صوم العاشر فقط. وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على ذلك، فقد روى الطحاوي والبيهقي عنه قال خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر، فقد تبين بهذا مراد ابن عباس من رواية مسلم، وإلى هذا الجواب نحا البيهقي حيث قال بعد رواية حديث الحكم بن الأعرج (ج4:ص287) وكان ابن عباس رضي الله عنه أراد صوم التاسع مع العاشر وأراد بقوله في الجواب، نعم ما روى من عزمه صلى الله عليه وسلم على صومه، والذي يبين هذا ما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود، وما روينا من طريق سفيان عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده يوم عاشوراء، وما روينا من طريق هشيم عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً-انتهى ملخصاً. وقال الشوكاني: الأولى أني يقال أن ابن عباس أرشد السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع، ولم يجب عليه بتعين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر، لأن ذلك مما لا يسئل عنه ولا يتعلق بالسؤال عنه فائدة، فابن عباس لما فهم من السائل إن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع، وقوله "نعم" بعد قول السائل أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم، بمعنى نعم هكذا كان يصوم، لو بقي لأنه قد أخبرنا بذلك. ولا بد من هذا لأنه صلى الله عليه وسلم مات قبل صوم التاسع-انتهى. وقال ابن القيم في الهدي (ج1:ص72) لم يجعل ابن عباس عاشوراء هو اليوم التاسع،
وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومن التاسع)) . رواه مسلم.
ــ
بل قائل للسائل صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل إن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه، كذلك بأن يكون حمل فعله على الأمر وعزمه عليه في المستقبل. ويدل على ذلك أنه هو الذي روى صوموا يوماً قبله ويوماً بعده. وهو الذي روى أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر. وكل هذه الآثار يصدق بعضها بعضاً ويؤيد بعضها بعضاً. فمراتب صومه ثلاثة، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر. وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك أفراد العاشر وحده. وأما أفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع-انتهى. قلت وهكذا جعل الشوكاني والحافظ والشيخ عبد الحق الدهلوي مراتب صوم عاشوراء ثلاثة، وجعلوا صوم العاشر وقبله يوماً وبعده يوماً أكمل المراتب وأفضلها. قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: الأفضل أن يصوم العاشر ويوماً قبله ويوماً بعده، وقد جاء ذلك في حديث أحمد-انتهى. قلت: يريد بذلك ما أشار إليه ابن القيم من حديث ابن عباس المرفوع بلفظ: صوموا يوماً قبله ويوماً بعده، لكن الذي وقع في مسند الإمام أحمد (ج1:ص241) طبعة الحلبي صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً أي بحرف أو، لا بالواو، وهكذا وقع في طبعة دار المعارف بشرح الشيخ أحمد شاكر (ج4:ص21) وكذا نقله الحافظ في الفتح كما سيأتي، وكذا وقع عند البيهقي (ج4:ص287) من رواية علي بن محمد المقرئي عن الحسن بن محمد عن يوسف بن يعقوب القاضي عن أبي الربيع عن هشيم عن ابن أبي ليلى، وكذا رواه الطحاوي (ج1:ص338) من وجه آخر وذكر الهيثمي (ج3:ص188) بلفظ: صوموا يوماً قبله ويوماً بعده وعزاه إلى أحمد والبزرا، وهكذا ذكره المجد في المنتقى وابن القيم في الهدي والقاري في المرقاة، وكذا وقع عند البيهقي من رواية ابن عبدان عن أحمد بن عبيد الصفار عن إسماعيل بن إسحاق عن مسدد عن هشيم. وقال القاري: وظاهر أن الواو بمعنى "أو" لأن المخالفة تحصل بأحدهما-انتهى. فالاستدلال برواية أحمد على كون الصوم في التاسع والحادي عشر مع العاشر أي الجمع بين الثلاثة فيه نظر، وعندي مراتب صوم عاشوراء الثلاث هكذا أدناها أن يصوم العاشر فقط، وفوقه أن يصوم الحادي عشر معه وفوقه أن يصوم التاسع والعاشر، وإنما جعلت هذه فوق الموتيتين الأوليين لكثرة الأحاديث فيها والله تعالى أعلم (وأمر بصيامه) أي أصحابه تطوعاً بعد نسخ وجوبه. وقال القاري: أمر بصيامه أي أولاً بالوجوب ثم بعد النسخ بالندب فلما كانت السنة العاشرة من الهجرة (قالوا يا رسول الله!) أي يوم عاشوراء يوم (يعظمه) كذا في جميع النسخ من المشكاة، والذي في صحيح مسلم تعظمه بالتأنيث، وكذا نقله المجد بن تيمية في المنتقى والجزري في جامع الأصول والزيلعي في نصب الراية، وكذا وقع في رواية البيهقي (اليهود والنصارى) أي وقد أمرنا بمخالفتهم فكيف نوافقهم على تعظيمه بالصوم فيه،
وقد استشكل ذكر النصارى بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون المذكور في حديث ابن عباس الآتي في الفصل الثالث يختص بموسى واليهود، وأجيب باحتمام أن يكون عيسى كان يصومه، وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى لأن كثيراً منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} [آل عمران:50] ويقال إن أكثر الأحكام الفرعية إنما تتلقاها النصارى من التوراة (لئن بقيت) أي في الدنيا أو لئن عشت (إلى قابل) أي إلى عام قابل وهو السنة الآتية (لأصومن التاسع) وفي رواية فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى لأصومن التاسع مع العاشر لأجل مخالفة أهل الكتاب. قال الحافظ في الفتح: ما هم به صلى الله عليه وسلم من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما إحتياطاً وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، وهذا كان في آخر الأمر وقد كان صلى الله عليه وسلم يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم أولا وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوما بعده خلافاً لهم. ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر-انتهى. وقال الرافعي في صوم التاسع معنيان منقولان عن ابن عباس أحدهما، الإحتياط فإنه ربما وقع في الهلال غلط فيظن العاشر التاسع، وثانيهما، مخالفة اليهود فإنهم لا يصومون إلا يوماً واحداً، فعلى هذا لو لم يصم التاسع استحب له صوم الحادي عشر-انتهى. قال الحافظ في التلخيص (199) والمعنيان كما قال عن ابن عباس منقولان، وكذا القياس الذي ذكره، منقول عنه بل مرفوع من روايته. وقد روى البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال كان ابن عباس يصوم عاشوراء يومين ويوالي بينهما مخافة أن يفوته فهذا المعنى الأول. وأما المعنى الثاني، فقال الشافعي أنا سفيان أنه سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول سمعت ابن عباس يقول: صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود. وفي رواية للبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو بعده كما تقدم، وفي رواية له صوموا عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً-انتهى. وقال بعض أهل العلم: قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين إما بنقل العاشر إلى التاسع أو بصيامهما معاً، وقوله "لئن بقيت لأصومن التاسع" يحتمل الأمرين فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الإحتياط صوم اليومين معاً-انتهى. ورجح ابن القيم المعنى الذي ذكره الحافظ في الفتح إحتمالاً قال: هو أصوب إن شاء الله تعالى،
2062-
(7) وعن أم الفضل بنت الحارث، ((إن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة، فشربه)) متفق عليه.
ــ
ومجموع أحاديث ابن عباس عليها تدل وتبين صحة هذا المعنى والله أعلم (رواه مسلم) أعلم أن الحديث رواه مسلم من طريقين سياق الأولى مطول والأخرى مختصر، وحذف المصنف تبعاً للبغوي عجز الطريق الأولى، وجعل مكانه لفظه الطريق الثاني، وكان الأولى له أن يذكر سياق الطريق الأولى بتمامه ثم يقول، وفي رواية لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع، والرواية الأولى رواها أيضاً أبوداود والبيهقي (ج4:ص287) والرواية الأخرى المختصرة أخرجها أحمد (ج1:ص2240236-242) وكذا البيهقي والطحاوي (ج1:ص338) .
2062-
قوله: (وعن أم الفضل) اسمها لبابة وهي امرأة العباس وأخت ميمونة أم المؤمنين (إن ناساً) أي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (تماروا) أي اختلفوا كما في رواية، أوشكوا كما في رواية أخرى، وقع عند الدارقطني في الموطآت اختلف ناس من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم (عند ها يوم عرفة) أي بعرفات (في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذلك اليوم (فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم) قال الحافظ: قوله "في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفاً عندهم معتاداً لهم في الحضر، وكان من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافر أو قد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلاً عن النفل (فأرسلت) بلفظ: المتكلم والغيبة، وفي رواية البخاري في الصيام على ما في بعض النسخ، فأرسلت أم الفضل فتتعين الغيبة. وفي حديث كريب عن ميمونة عند البخاري إن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب (وفي رواية مسلم فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبن) وهو واقف في الموقف فشرب منه، والناس ينظرون، وهذا صريح في أن ميمونة هي المرسلة، فيحتمل التعدد، ويحتمل أنهما أرسلنا معاً، فنسب ذلك إلى كل منهما، لأنهما كانتا أختين، وتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها في ذلك لكشف الحال في ذلك، ويحتمل العكس. ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل، لكن روى النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك، ويقوي ذلك أنه كان ممن جاء عنه أنه أرسل إما أمه وإما خالته كذا في الفتح (إليه) صلى الله عليه وسلم (بقدح لين) لعلمها بمحبته عليه الصلاة والسلام له حيث يقوم مقام الأكل والشرب ولذا كان إذا أكل طعاماً قال اللهم بارك لي فيه وأطعمني خيراً منه، وإذا كان لبناً قال اللهم بارك لي فيه وزدني منه،
أو لمناسبة الزمان والمكان، قاله القاري. قال الباجي: أرادت أن تختبر بذلك صومه وتعلم الصحيح من قول المختلفين وهذا وجه صحيح في معرفة أحد القسمين، وهو أن يشربه، فيعلم بذلك فطره. وأما لو امتنع من شربه فليس في ذلك دليل على صومه لجواز أن يمتنع من ذلك لشبع، وروى وغير ذلك، ولعله أن يكون في رده ما يدل على صومه أو يتسبب به إلى سؤاله (وهو واقف) أي راكب (على بعيره بعرفة) وفي المستخرج لأبي نعيم وهو يخطب الناس بعرفة، والحديث نص في أنه صلى الله عليه وسلم كان بعرفة على بعير، وكذا وقع في حديث خالد بن العداء، وحديث نبيط عند أبي داود. وهذا يخالف ما في حديث جابر الطويل عند مسلم وغيره حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس. وأجيب بأن البعير يطلق على الأنثى أيضاً. قال في مجمع البحار: البعير، يقع على الذكر والأنثى. وقال الراغب: يقع على الذكر والأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما. وقال في القاموس: البعير، الجمل البازل. أو الجذع، وقد يكون للأنثى، فالمراد بالبعير في حديث الباب. وكذا في حديثي خالد ونبيط هي الناقة لا الجمل. وأما ما وقع عند أحمد والنسائي في حديث نبيط من لفظ الجمل فهي رواية شاذة، أو أطلق لفظ الجمل على الناقة على طريق الشذوذ. وقد بوب عليه النسائي بلفظ. الخطبة بعرفة على الناقة أو يقال أنه رآه من بعيد فظنها جملاً فروى على ما ظنه، والصواب أنه كان على ناقته القصواء حين وقف في الموقف، وخطب كما وقع في حديث جابر. واستدل به على أن الوقوف على ظهر الدواب مباح، وإن النهى الوارد في ذلك بقوله إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر-الحديث. أخرجه أبوداود من حديث أبي هريرة مرفوعاً، محمول على ما إذا حصل للدابة مشقة، أو أن هذا الموضع مستثنى عما نهى عنه. قال الخطابي: قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم خطب على راحلته فدل ذلك على أن الوقوف عليها لا لمعنى يوجبه بأن يستوطنه الإنسان ويتخذه مقعداً فيتعب الدابة ويضربها من غير طائل-انتهى. واختلف أهل العلم في أيهما أفضل الركوب أو تركه بعرفة، فذهب الجمهور إلى أن الأفضل الركوب لكونه صلى الله عليه وسلم وقف راكباً. ومن حيث النظر فإن في الركوب عوناً على الإجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب حينئذٍ كما ذكروا مثله في الفطر. وذهب آخرون إلى أن استحباب الركوب يختص بمن يحتاج الناس إلى التعليم منه، وعن الشافعي قول إنهما سواء كذا في الفتح (فشربه) زاد في حديث ميمون، والناس ينظرون إليه ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن عباس عن أمه أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة. قال الباجي: وشرب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف ليبين للناس فطره ولعله قد علم بتمارى أصحابه في ذلك الوقت فأراد تبين الشرع، وإيضاح الحق ورفع اللبس صلى الله عليه وسلم. ومقتضى حديث الباب وكذا حديث ميمونة إن صوم يوم عرفة غير مستحب لكن في حديث أبي قتادة الآتي إن صومه يكفر سنة آتية وسنة ماضية.
فالجمع بينه وبين حديثهما أن يحمل حديث أبي قتادة على غير الحاج، أو على من لم يضعفه صيامه عن الذكر والدعاء المطلوب للحاج كما سيأتي تفصيل ذلك. قال الزرقاني: فطر يوم عرفة للحاج أفضل من صومه لأنه الذي أختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه، وللتقوى على حمل الحج، ولما فيه من العون على الإجتهاد في الدعاء والتضرع المطلوب في ذلك الموضع، ولذا قال الجمهور يستحب فطره للحاج، وإن كان قوياً، ثم اختلفوا هل صومه مكروه وصححه المالكية أو خلاف الأولى وصححه الشافعية، وتعقب بأن فعله المجرد لا يدل على عدم استحباب صومه إذ قد يتركه لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ. وأجيب بأنه قد روى أبوداود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم عن أبي هريرة قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفة. وأخذ بظاهره قوم منهم يحيى بن سعيد الأنصاري فقال: يجب فطره للحاج، والجمهور على استحبابه حتى قال عطاء كل من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم-انتهى. وقال الحافظ: روى عن ابن الزبير وأسامة بن زيد وعائشة أنهم كانوا يصومونه أي بعرفة، وكان ذلك يعجب الحسن، ويحكيه عن عثمان وعن قتادة مذهب آخر قال لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم، واختاره الخطابي والمتولى من الشافعية-انتهى. قلت: قال الخطابي في المعالم (ج2:ص131) بعد ذكر حديث أبي هريرة في النهى عن الصوم بعرفة ما لفظه: هذا نهى إستحباب لا نهى إيجاب، وإنما نهى المحرم عن ذلك خوفاً عليه أني يضعف عن الدعاء والإبتهال في ذلك المقام، فأما من وجد قوة ولا يخاف معها ضعفاً فصوم ذلك اليوم أفضل له إن شاء الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة قبلها وسنة بعدها-انتهى. وقال ابن قدامة (ج3:ص176) أكثر أهل العلم يستحبون الفطر يوم عرفة بعرفة وكانت عائشة وابن الزبير يصومانه. وقال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء. وقال عطاء: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، لأن كراهة صومه إنما هي معللة بالضعف عن الدعاء. فإذا قوى عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة، ولنا ما روى عن أم الفضل يعني حديث الباب. وقال ابن عمر: حججت مع النبي فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه، أخرجه الترمذي وحسنه. وروى أبوداود عن أبي هريرة النهى عنه، ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف فكان تركه أفضل-انتهى. وسيأتي شيء من الكلام في هذه المسألة في شرح حديث أبي هريرة في الفصل الثاني وقد ذكر لفطره صلى الله عليه وسلم بعرفة عدة حكم. منها أنه أقوى على الدعاء، ومنها إن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم فكيف بنفله، ومنها إن ذلك اليوم كان يوم الجمعة وقد نهى عن أفراده بالصوم، فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيداً لنهيه عن تخصيصه بالصوم وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم جمعة.
2063-
(8) وعن عائشة، قالت:((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط)) رواه مسلم.
ــ
قال الحافظ: ويبعد هذا سياق أول الحديث، ومنها أنه يوم عيد لأهل الموقف لإجتماعهم فيه كإجتماع الناس يوم العيد، وهذا الإجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الآفاق ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعاً يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، ومعلوم إن كونه عيداً هو لأهل ذلك المجمع لإجتماعهم فيه وفي الحديث من الفوائد إن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة، وفيه التحليل على الإطلاع على الحكم بغير سؤال وفيه فطنة أم الفضل لإستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال، لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة (متفق عليه) واللفظ لمسلم، والحديث أخرجه البخاري في الحج والصيام والأشربة، ومسلم في الصيام وأخرجه أيضاً أحمد (ج6:ص338-339-340) ومالك في الحج وأبوداود في الصيام والبيهقي (ج4:ص283) .
2063-
قوله: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط) وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر وفي رواية ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام العشر قط يعني العشر الأول من ذي الحجة، وهذا بظاهره يخالف ما تقدم في باب الأضحية من فضيلة مطلق العمل المتضمن للصيام في عشر ذي الحجة، ومن فضيلة خصوص للصيام فيها، وما في حديث أبي قتادة الذي يليه من استحباب الصوم في التاسع منها، وهو يوم عرفة. وما في حديث حفصة في الفصل الثالث من عدم تركه صلى الله عليه وسلم صيام العشر، وما في حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة-الحديث. أخرجه أحمد وأبوداود والنسائي والجواب عنه إن المراد من قولها لم يصم العشر أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائماً فيها ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، وإذا تعارض النفي والإثبات فالإثبات أولى بالقبول. قال البيهقي: بعد رواية حديث هنيدة وحديث عائشة ما لفظه، والمثبت أولى من النافي، مع ما مضى من حديث ابن عباس في فضيلة العمل الصالح في عشر ذي الحجة. وقيل المراد نفي جميع العشر وفيها يوم العيد وهذا لا ينافي صوم بعضها وقيل يحتمل أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل في بعض الأحيان وهو يحب أن يعمله خشية أن يظن وجوبه (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود وابن ماجه والبيهقي (ج4:ص285) .
2064-
(9) وعن أبي قتادة، ((أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما رأى عمر غضبه، قال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه.
ــ
2064-
قوله: (إن رجلاً أتى) لم أقف على إسمه، وفي رواية البيهقي إن أعرابياً وقوله: إن رجلاً أتى، هكذا هو في جميع النسخ من المشكاة وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج7:ص221) وهكذا وقع في بعض النسخ من صحيح مسلم، ووقع في أكثر النسخ منه "رجل أتى" قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ أي من صحيح مسلم عن أبي قتادة "رجل أتى" وعلى هذا يقرأ رجل بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الشأن والأمر رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وقد أصلح في بعض النسخ "إن رجلاً أتى" وكان موجب هذا الإصلاح جهالة انتظام الأول، وهو منتظم كما ذكرته فلا يجوز تغييره والله أعلم. (فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ظهر أثر الغضب على وجهه (من قوله) أي من قول الرجل وسؤاله، يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ما أراد إظهار ما خفى من عبادته بنفسه، فكره لذلك سؤاله، أو أنه خاف على السائل في أن يتكلف في الإقتداء، بحيث لا يبقى له الإخلاص في النية، أو أنه يعجز بعد ذلك. قال الخطابي: يشبه أن يكون غضبه صلى الله عليه وسلم من مسألته إياه عن صومه كراهة أن يقتدي به السائل في صومه فيتكلفه ثم يعجز عنه فعلاً أو يسأمه ويمله بقلبه، فيكون صياماً عن غير إخلاص وقد كان صلى الله عليه وسلم يواصل وهو محرم على أمته، وقد كان صلى الله عليه وسلم يترك بعض النوافل خوفاً من أن يفرض على أمته إذا فعلوه إقتداء به كما ترك القيام في شهر رمضان بعد أن قام بهم ليلة أو ليلتين، ثم لم يخرج إليهم-انتهى. وقال النووي: سبب غضبه أنه كره مسألته لأنه خشي من جوابه مفسدة وهي أنه ربما يعتقد السائل وجوبه أو يستقله أو يقتصر عليه وكان يقتضى حاله أكثر منه. وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بمصالح المسلمين، وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين عليه، ولئلا يقتدي به كل أحد فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم، وكان حق السائل أن يقول كم أصوم أو كيف أصوم، فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما يقتضيه حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم-انتهى. (فلما رأى عمر (بن الخطاب (غضبه) صلى الله عليه وسلم على السائل، وخاف أن يكون سؤاله سبباً لأذيته صلى الله عليه وسلم فيدخل تحت قوله تعالى:{إن الذين يؤذون الله ورسوله} [الأحزاب:57](قال) أي أدباً وإكراماً له صلى الله عليه وسلم وشفقة على السائل واعتذاراً منه واسترضاء (رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً) المنصوبات الثلاث تمييزات، ويمكن أن تكون حالات مؤكدة (نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله) ذكر غضب الله تزيين للكلام وتعيين بأن غضبه تعالى يوافق غضبه عليه الصلاة والسلام قاله القاري (يردد) أي يكرر (كيف من)
فقال عمر: يا رسول الله! كيف من يصوم الدهر كله، لا صام ولا أفطر، قال ويطبق ذلك أحد؟
ــ
أي حال من (يصوم الدهر كله) أي هل هو محمود أو مذموم، أنظر حسن الأدب حيث بدأه بالتعظيم ثم سأله على وجه التعميم، ولذا قيل حسن السؤال نصف العلم (لا صام ولا أفطر) قال الخطابي في المعالم (ج2:ص129) معناه لم يصم ولم يفطر. وقد يوضع "لا" بمعنى "لم" كقوله تعالى {فلا صدق ولا صلى} [القيامة:31] أي لم يصدق. ولم يصل وقد يحتمل أن يكون معناه الدعاء عليه كراهة فصنيعه وزجراً له عن ذلك (لكونه مظنة لتفويت الحقوق الواجبة) وقال الجزري في النهاية: قوله "لا صام ولا أفطر" أي لم يصم ولم يفطر وهو إحباط لأجره على صومه حيث خالف السنة. وقيل: هو دعاء عليه كراهية لصنيعه. وقال التوربشتي: فسر هذا من وجهين أحدهما، على معنى الدعاء عليه زجراً له على صنيعه والآخر على سبيل الإخبار، والمعنى لم يكابد سورة الجوع وحر الظمأ لاعتياده الصوم حتى خف عليه، ولم يفتقر إلى الصبر على الجهد الذي يتعلق به الثواب، فصار كأنه لم يصم-انتهى. وحيث أنه لم ينل راحة المفطرين ولذتهم فكأنه لم يفطر (أو قال لم يصم ولم يفطر) وفي رواية "أو" ما صام وما أفطر، قال الحافظ بعد ذكر رواية الباب: هو شك من أحد رواته، ومقتضاه أنهما بمعنى واحد. والمعنى بالنفي أنه لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك. وقال الشوكاني في السيل الجرار: حديث لا صام من صام الأبد في الصحيحين في حديث عبد الله بن عمرو، وكذلك حديث لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر في حديث أبي قتادة معناهما أنه لما خالف الهدى النبوى الذي رغب فيه صلى الله عليه وسلم كان بمنزلة من لم يصم صوماً مشروعاً يؤجر عليه ولا أفطر فطراً ينتفع به. ويؤيد أن هذا المعنى هو المراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو، وقد كان أراد أن يصوم الدهر فقال له صم من كل شهر ثلاثة أيام فقال، إني أقوى من ذلك فلم يزل يرفعني حتى قام صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود. فقلت: إني أطبق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك؟ هكذا في الصحيحين وغيرهما من حديثه. وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال للثلاثة الذين قال أحدهم أنه يصوم ولا يفطر. وقال الثاني أنه يقوم الليل ولا ينام. وقال الثالث أنه لا يأتي النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. فهذا الحديث الصحيح يدل على أن صيام الدهر من المرغوب عن سننه رسول الله صلى الله عليه وسلم فليستحق فاعله ما رتبه عليه من الوعيد بقوله فمن رغب عن سنتي فليس مني. وقد أخرج أحمد وأبوداود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أخبره أنه يصوم الدهر من أمرك أن تعذب نفسك-انتهى كلام الشوكاني:
قلت اختلف العلماء في صيام الدهر فذهب إسحاق وأهل الظاهر إلى كراهته مطلقا، أي وإن أفطر الأيام الخمسة المنهي عنها، وهي رواية عن أحمد. قال الأثرم: قيل وأهل لأبي عبد الله يعني الإمام أحمد، فسر مسدد قول أبي موسى من صام الدهر ضيقت عليه جهنم، أي فلا يدخلها فضحك وقال من قال هذا؟ فأين حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك، وما فيه من الأحاديث كذا في المغنى (ج3ص67) وقال ابن حزم: لا يحل صوم الدهر أصلاً يعني أنه يحرم، وإلى الكراهة مطلقاً ذهب ابن العربي من المالكية فقال قوله "لا صام من صام الأبد"(في حديث عبد الله بن عمرو) إن كان معناه الدعاء فياويح من أصحابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه الخير فياويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم وإذا لم يصم شرعاً لم يكتب له الثواب، لوجوب صدق قوله صلى الله عليه وسلم لأنه نفي عنه الصوم، وقد نفي عنه الفضل كما تقدم، فكيف يطلب الفضل فيما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وإلى الكراهة ذهب أيضاً ابن قدامة كما سيأتي، وابن القيم كما في الهدي (ج1ص174) والحنفية كما في مراقي الفلاح حيث قال يكره صوم الدهر لأنه يضعفه أو يصير طبعا له، ومبني العبادة على خلاف العادة-انتهى. وهكذا في البرهان وفتح القدير وغيرهما. وقال في البدائع قال بعض الفقهاء: من صام سائر الأيام وأفطر يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق لا يدخل تحت النهي، ورد عليه أبويوسف فقال: ليس هذا عندي كما قال والله أعلم. هذا قد صام الدهر كأنه أشار إلى أن النهي عن صوم الدهر ليس لمكان صوم هذه الأيام بل لما يضعفه عن الفرائض والواجبات ويقعده عن الكسب، ويؤدي إلى التبتل المنهي عنه والله أعلم-انتهى. واستدل للكراهة والمنع بقوله صلى الله عليه وسلم "لا صام ولا أفطر" وقد تقدم وجه الاستدلال به في كلام الشوكاني وابن العربي والجزري وغيرهم. وقد روى مثل هذا مرفوعا عن جماعة من الصحابة، منهم عبد الله ابن الشيخر عند أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وعمران بن حصين عند النسائي والحاكم، وابن عمر عند النسائي واستدل أيضاً لذلك بقصة عبد الله بن عمرو التي أشار إليها الشوكاني. قال ابن التين: استدل على كراهة صوم الدهر من هذه القصة من أوجه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على صوم نصف الدهر، وأمره بأن يصوم ويفطر وقوله: لا أفضل من ذلك" ودعاءه على من صام الأبد-انتهى. وبحديث أنس الذي أشار إليه الشوكاني مع وجه الاستدلال منه. وبحديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قيل: للنبي صلى الله عليه وسلم رجل يصوم الدهر، قال وددت أنه لم يطعم الدهر شيئا-الحديث. أخرجه النسائي. قال السندي: أي وددت أنه ما أكل ليلا ولا نهارا حتى مات جوعا، والمقصود بيان كراهة عمله وأنه مذموم العمل حتى يتمنى له الموت بالجوع. وبحديث أبي موسى رفعه من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه، أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي (ج4ص300) وابن أبي شيبة والبزار ولفظ ابن حبان والبزار والبيهقي ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين، وأخرجه أيضاً الطبراني. قال الهيثمي (ج3ص193) رجاله رجال الصحيح.
قال الحافظ: ظاهره أنها تضيق عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها، ورغبته عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم واعتقاده إن غير سنته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد فيكون حراماً-انتهى. وقال ابن التركماني: ظاهر هذا لا الحديث يقتضى المنع من صوم الدهر. وقد أورده ابن أبي شيبة في باب من كره صوم الدهر. واستدل به ابن حزم على المنع، وقال إنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهي عن صومه. وقال ابن حبان: ذكر الإخبار عن نفي جواز سرد المسلم صوم الدهر وذكر هذا الحديث-انتهى. واستدل للمنع أيضاً بما روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي عمر والشيباني: قال بلغ عمر رجلاً يصوم الدهر فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول كل يا دهري قال ابن حزم: قد صح عن عمر تحريم صيام الدهر كما رويناه فذكر هذا الأثر ثم قال، هذا في غاية الصحة عنه فصح أن تحريم صوم الدهر كان من مذهبه ولو كان عنده مباحاً لما ضرب فيه ولا أمر بالفطر-انتهى. وبما روى ابن أبي شيبة أيضاً من طريق أبي إسحاق إن عبد الرحمن بن أبي نُعيم كان يصوم الدهر، فقال عمرو بن ميمون لو رآى هذا أصحاب محمد لرجموه. وبما روى الطبراني عن عمرو بن سلمة قال سئل ابن مسعود عن صوم الدهر فكرهه. قال الهيثمي: إسناده حسن وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوى عليه ولم يفوت فيه حقا وأفطر الأيام المنهية عنها، وإلى ذلك ذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد في رواية: قال مالك في الموطأ: أنه سمع أهل العلم يقولون لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وذلك أحب ما سمعت إلى في ذلك-انتهى. وصرح الزرقاني وغيره من المالكية باستحبابه بالشروط المذكورة. قال النووي: مذهب الشافعي وأصحابه إن سرد الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقاً فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه-انتهى. وقال ابن قدامة (ج3ص167) قال أبوالخطاب: إنما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق لأن أحمد قال، إذا يومي العيدين وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس. وروى نحو هذا عن مالك وهو قول الشافعي لأن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم منهم أبوطلحة. قال ابن قدامة: والذي يقوى عندي إن صوم الدهر مكروه وإن لم يصم هذه الأيام فإن صامها فقد فعل محرما، وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضعف وشبه التبتل المنهي عنه، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو إنك تصوم الدهر وتقوم الليل فقلت نعم، قال إنك إذا فعلت ذلك هجمت له عينك ونفهت له النفس لا صام من صام الدهر-الحديث. واحتج الجمهور على الاستحباب بما وقع في حديث حمزة بن عمرو عند مسلم أنه قال، يا رسول الله! إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر فقال إن شئت فصم فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام ولو كان مكروها لم يقره وأجيب عن هذا أولا بأن سؤال حمزة إنما كان عن صوم الفرض في السفر لا عن صوم الدهر كما سبق.
وثانيا، بأن سرد الصوم لا يستلزم صوم الدهر لأن التتابع يصدق بدون صوم الدهر، بل المراد إني أكثر الصوم وكان هو كثير الصوم كما ورد في بعض الروايات، ويؤيد عدم الاستلزام ما أخرجه أحمد من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم مع ما ثبت أنه لم يصم الدهر، وإنه لم يصم شهراً كاملاً إلا رمضان، وبهذا يجاب عما روى عن عمر وعائشة إنهما كانا يسردان الصوم. واحتجوا أيضاً بما وقع في بعض طرق حديث عبد الله بن عمرو الآتي صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر: وقوله في حديث أبي أيوب الآتي من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر قالوا، والمشبه به يكون أفضل من المشبه فدل ذلك على أن صوم الدهر أفضل من هذه المشبهات فيكون مستحبا وهو المطلوب. وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضى جوازه فضلا عن استحبابه. وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما. ومن المعلوم إن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه كذا ذكره الحافظ. وقد بسط هذا الجواب ابن القيم في الهدي فأجاد. وأجاب الجمهور عن حديث لا صام من صام الأبد، وحديث لا صام ولا أفطر بأجوبة. أحدها أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين وأيام التشريق. وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد قال جوابا لمن سأله عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر وهو يؤذن بأنه ما أجر ولا إثم، ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المحرمة يكون قد فعل مستحبا وحراما، وأيضا فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع غير قابلة للصوم شرعاً، فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض، فلم تدخل في السؤال عند من علم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله "لا صام ولا أفطر" لمن لم يعلم تحريمها، كذا ذكره الحافظ في الفتح وهو ملخص كلام ابن القيم في الهدي. وقد تعقب ابن دقيق العيد تأويل الجمهور هذا بوجه آخر من شاء الوقوف عليه رجع إلى شرح العمدة (ج2ص236- 237) الثاني إنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقاً، قالوا ويؤيده أن النهي كان خطابا لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة قالوا، فنهي ابن عمر ولعلمه بأنه سيعجز عنه ويضعف وأقر حمزة لعلمه بقدرته بلا ضرر. وفيه إن هذا التأويل أيضاً مردود لما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم في أنس من رغب عن سنتي فليس مني، ويرده أيضاً قوله لا أفضل من ذلك، ويرده أيضاً ورود قوله "لا صام ولا أفطر" وقوله: لا صام من صام الأبد عن غير واحد من الصحابة سوى عبد الله بن عمرو كما تقدم، ويرده أيضاً حديث أبي موسى المتقدم.
وكل ذلك يدل على أن هذا الحكم ليس خاصا بابن عمرو بل هو عام لجميع المسلمين وأما أقراره لحمزة على سرد الصوم فلا حجة فيه كما سبق. الثالث إن معنى لا صام أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره فيكون خبرا، لا دعاء. وتعقبه الطيبي بأنه مخالف لسياق الحديث ألا تراه كيف نهاه أولا عن صيام الدهر كله ثم حثه على صوم داود، والأولى أن يكون خبرا عن أنه لم يمتثل أمر الشرع أو دعاء كما تقدم. وأجابوا عن حديث أبي موسى المتقدم ذكره بأن معناه ضيقت عليه فلا يدخلها، فعلى هذا تكون على بمعنى عن، أي ضيقت عنه، وهذا التأويل حكاه الأثرم عن مُسَدَّد، وحكى رده عن أحمد كما سبق. وقال ابن خزيمة: سألت المزني عن هذا الحديث. فقال: يشبه أن يكون معناه ضيقت عنه فلا يدخلها ولا يشبه أن يكون على ظاهره، لأن من ازداد عملاً وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلنه كرامة. ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالي. فقالوا له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة. وتعقب بأنه ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا بل رب عمل صالح إذا ازداد منه بعداً كالصلاة في الأوقات المكروهة، وأيضا لو كان المراد ما ذكروه لقال ضيقت عنه. وأما التضييق عليه فلا يكون إلا وهو فيها. قال ابن حزم (ج7ص16) بعد ذكر التأويل المذكور ما لفظه: هذه لكنه وكذب. أما اللكنة فإنه لو أراد هذا فقال ضيقت عنه ولم يقل عليه. وأما الكذب فإنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهي عن صومه-انتهى. فالصواب أجراء الحديث على ظاهره والقول بكراهة صيام الدهر مطلقاً أو منعه. قال الشوكاني في السيل الجرار بعد ذكر حديث أبي موسى: هذا وعيد ظاهر، وتأويله بما يخلف هذا المعنى تعسف وتكلف، والعجب ذهاب الجمهور إلى استحباب صوم الدهر وهو مخالف للهدى النبوي، وهو أيضاً أمر لم يكن عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد، وهو أيضاً من المرغوب عن سنة رسول الله صلى اله عليه وسلم، ومن رغب عن سنته فليس منه كما تقدم، وهو أيضاً من التعسير والتشديد المخالف لما استقرت عليه هذه الشريعة المطهرة. قال الله تعالى:{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185] وقال صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وقال: أمرت بالشريعة السمحة السهلة، فالحاصل إن صوم الدهر إذا لم يكن محرماً تحريماً بحتافاقل أحواله أن يكون مكروها كراهة شديدة هذا لمن لا يضعف به الصوم من شيء من الواجبات، أما من كان يضعف بالصوم عن بعض الواجبات الشرعية فلا شك في تحريمه من هذه الحيثية بمجردها من غير نظر إلى ما قدمنا من الأدلة-انتهى.
قال: كيف من يصوم يوماً ويفطر يوما؟ قال: "ذلك صوم داود" قال: كيف من يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طُوِّقت ذلك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله.
ــ
واختلف المجيزون لصيام الدهر بالشرط المتقدم هل هو أفضل أو صيام يوم وإفطار يوم أفضل، فذهب جماعة منهم إلى أن صوم الدهر أفضل. واستدلوا على ذلك بأنه أكثر عملاً فيكون أكثر أجرا، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن زيادة الأجر بزيادة العمل ههنا معارضة باقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى، فالأولى التفويض إلى حكم الشارع، وقد حكم بأن صوم يوم، وإفطار يوم أفضل الصيام، هذا معنى كلامه محصلا. وذهب جماعة منهم المتولي من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل، وهو ظاهر الحديث بل صريحه وارجع للبسط والتفصيل إلى الفتح وشرح العمدة (ويطيق ذلك أحد) بحذف حرف الإنكار، وقد ثبت في رواية أبي داود والنسائي، ووقع في رواية لمسلم، ومن يطيق ذلك وكأنه كرهه لأنه مما يعجز عنه في الغالب فلا يرغب فيه في دين سهل سمح، وهو عطف على محذوف أي أتقول ذلك ويطيق ذلك أحد (قال ذلك صوم داود) أي وصوم داود أفضل الصيام وأحبه إلى الله وكأنه تركه لتقرير ذلك مرارا (وددت) بكسر الدال أي أحببت (إني طوقت) بتشديد الواو على بناء المفعول أي جعلني الله مطيقا (ذلك) أي الصيام المذكور يعني تمنيت أن يجعل ذلك داخلا في قدرتي وكان قادرا، ولكن خاف فوات حقوق نساءه فإن إدامة الصوم يخل بحظوظهن منه إلا فكان يطيق أكثر منه فإنه كان يواصل وعلى هذا معنى قوله "وددت إني طوقت" أي مع أداء حقوق النساء. قال الخطابي: يحتمل أن يكون إنما خاف العجز عن ذلك للحقوق التي تلزمه لنساءه لأن ذلك يخل بحظوظهن منه لا لضعف جبلته عن احتمال الصيام أو قلة صبره عن الطعام في هذه المدة-انتهى. وقيل: معناه وددت إن أمتي تطيقه لأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيقه وأكثر منه وكان يواصل، ويقول إني لست كأحدكم إني أبيت، يطعمني ربي ويسقيني. قال النووي: ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية ليت إن الله قوانا لذلك أو يقال إنما قاله لحقوق نسائه وغيرهن من المسلمين المتعلقين والقاصدين إليه-انتهى. وقيل: يمكن أن يكون الإطعام والسقي من الرب تبارك وتعالى مختصاً بصوم الوصال دون غيره من الصيام (ثلاث من كل شهر) أي صوم الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر، قيل هو أيام البيض، وقيل أي ثلاث كان وأيام البيض أولى، وثلاث بحذف التاء ولو قال ثلاثة بالهاء لكان صحيحاً لأن المعدود المميز إذا كان غير مذكور لفظا جاز تذكير مميزه وتأنيثه، يقال صمنا ستاً وستة وخمساً وخمسة. وإنما يلزم إثبات الهاء مع المذكر إذا كان مذكورا لفظا. وحذفها من المؤنث إذا كان كذلك وهذه قاعدة مسلوكة صرح بها أهل اللغة وأئمة الإعراب كذا في النيل. وقال القاري: حذف التاء منها نظرا إلى لفظ المميز فإنه مؤنث.
وقيل: بحذف المعدود. وقيل: كان الظاهر أن يقال ثلاثة لأنه عبارة عن الأيام أي صيام ثلاثة أيام، ولكنهم يعتبرون في مثل ذلك الليالي والأيام داخلة معها. قال صاحب الكشاف: تقول صمت عشرا ولو قلت عشرة لخرجت من كلامهم-انتهى. (رمضان إلى رمضان) أي وصوم رمضان من كل سنة منتهيا إلى رمضان (فهذا صيام الدهر كله) أي حكما لقوله تعالى {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وهذا إنما هو في غير رمضان، وإنما ذكر رمضان لدفع توهم دخوله في كل شهر. ومن المعلوم إن صوم رمضان فرض فلا بد منه، والمعنى إن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر في الفضيلة واكتساب الأجر لكنه من غير تضعيف على حد {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] تعدل ثلث القرآن. وقيل: المعنى عن كل واحد من صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ومن صوم رمضان كل واحد منهما صيام الدهر. أما صيام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنه صام الشهر، ومن صام ثلاثة أيام من شهور السنة فقد صام السنة فهذا صيام الدهر، وأما صيام رمضان إلى رمضان فيحتمل أن يكون المراد إن صيام رمضان مع ست من شوال صيام الدهر كما وقع في حديث أبي أيوب الآتي، أو يقال إن صيام رمضان من حيث كونه صوم فرض يزيد على النفل فيكون صيامه مساويا لصيام الدهر بل زايدا عليه، ويقال أنه أخبر أولا بأن صيام رمضان مع ست من شوال صيام الدهر. ثم أخبر بأن صيام رمضان فقط بدون صوم ست من شوال يساوي صيام الدهر في الأجر والثواب كذا قيل، ولا يخفى ما فيه. ووقع في رواية من حديث عبد الله ابن عمرو الآتي صم من كل شهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر. قال ابن دقيق العيد هو مأول عندهم على أنه مثل أصل صيام الدهر من غير تضعيف للحسنات، فإن ذلك التضعيف مرتب على الفعل الحسى الواقع في الخارج والحامل على هذا التأويل، إن القواعد تقتضى إن المقدر لا يكون كالمحقق، وإن الأجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح أو المشقة فكيف يستوي من فعل الشيء بمن قدر فعله له فلأجل ذلك قيل إن المراد أصل الفعل في التقدير لا الفعل المرتب عليه التضعيف في التحقيق-انتهى. ثم قوله "ثلاث" قيل إنه مبتدأ خبره قوله "فهذا صيام الدهر" والفاء زائدة أو ما دل عليه هذه الجملة. وقال الطيبي: أدخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وذلك إن ثلاث مبتدأ، ومن كل شهر صفة، أي صوم ثلاثة أيام يصومها الرجل من كل شهر صيام الدهر كله-انتهى. وقيل: الأولى أن يكون ثلاث خبر مبتدأ محذوف أي الأولى والأليق ثلاث من كل شهر، وقوله "فهذا" تعليل له. وذكر إلى رمضان إفادة لدوام الصوم واستمراره وإيماء إلى أن الصوم كأنه متصل مستمر دائما كما أشار إليه بقوله "فهذا صيام الدهر كله" قلت: وقع في رواية للنسائي "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله" وهذا يؤيد كون "ثلاث" مبتدأ وكون قوله "فهذا صيام الدهر" خبرا له (صيام يوم عرفة أحتسب على الله) أي أرجو منه.
صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) رواه مسلم.
2065-
(10) وعنه، قال:((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الاثنين. فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل عليّ)) رواه مسلم.
ــ
قال في النهاية: الاحتساب في الأعمال الصالحة هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو فيها. قال الطيبي كان الأصل أن يقال أرجو من الله أن يكفر فوضع موضعه أحتسب وعداه بعلى الذي للوجوب على سبيل الوعد مبالغة لحصول الثواب كذا في المرقاة. (أن يكفر) أي الله أو الصيام (السنة التي قبله) أي ذنوبها (والسنة التي بعده) قال إمام الحرمين: والمكفر الصغائر. قال عياض: وهو مذهب أهل السنة والجماعة. وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو رحمة الله. وقال النووي: قالوا المراد بالذنوب الصغائر، وإن لم تكن الصغائر يرجى تخفيف الكبائر فإن لم تكن رفعت الدرجات-انتهى. قال في المفاتيح: أي يستر ويزيل ذنوب صائم ذلك اليوم ذنوبه التي اكتسبها في السنة الماضية والسنة الآتية. ومعنى تكفير السنة الآتية أن يحفظه الله من الذنوب أو يعطيه من الرحمة، والثواب بقدر ما يكون كفارة للسنة الماضية والقابلة. إذا جاءت واتفق له فيها ذنوب-انتهى. وقال الشوكاني: المراد يكفره بعد وقوعه أو المراد أنه يلطف به فلا يأتي بذنب فيها بسبب صيامه ذلك اليوم، وظاهر الحديث أنه يستحب صوم يوم عرفة مطلقا، وظاهر حديث أبي هريرة الآتي في الفصل الثاني أنه لا يجوز صومه بعرفات، فيجمع بينهما بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجاً. وقد تقدم الكلام في هذا فتذكر (وصيام عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) قيل: وجه فضيلة صوم يوم عرفة ومزيته على صوم عاشوراء، إن صوم يوم عرفة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وصوم عاشوراء من شريعة موسى عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث: ظاهره إن صيام يوم عرفة أفضل من صوم عاشوراء وقد قيل في الحكمة في ذلك إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل-انتهى. وقيل: لأن يوم عرفة تجمع فضيلة العشر إلى فضيلة اليوم ويشتركان في كونهما شهر حرام، والله أعلم بحقيقة الحكمة في ذلك (رواه مسلم) وأخرجه أحمد (ج5ص297، 311) وأبوداود والبيهقي (ج4ص286، 300) وأخرجه أحمد (ج5ص296، 304، 307، 308) والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصراً ومفرقاً.
2065-
قوله: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الاثنين) وفي بعض النسخ من صحيح مسلم "صوم يوم الاثنين" قال القاري: وهو أي الاثنين بهمزة الوصل. وإنما نبهت عليه وإن كان ظاهراً، لأن كثيرا من أهل الفضل يقرؤنه بقطع الوصل ولا يعرف الفصل بين الوقف والوصل بل ولا يدري كيفية الإبتداء،
2066-
(11) وعن معاذة العدوية، أنها سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. فقلت لها؟ من أي أيام الشهر كان يصوم؟
ــ
ثم السؤال يحتمل احتمالين أن يكون من كثرة صيامه عليه السلام فيه، وأن يكون من مطلق الصيام وخصوص فضله من بين الأيام (فقال فيه ولدت وفيه أنزل) أي الوحي (على) أي فأصوم شكراً لهاتين النعمتين. قال القاري: يعني حصل لي فيه بدأ الكمال الصوري وطلوع الصبح المعنوي المقصود والباطني والتفضل الابتدائي والانتهائي، فوقت يكون منشأ للنعم الدنيوية والأخروية حقيق بأن يوجد فيه الطاعة الظاهرية فيجب شكره تعالى عليّ والقيام بالصيام لديّ لما أولى من تمام النعمة إليّ. وقال الطيبي اختياراً للاحتمال الثاني: أي فيه وجود نبيكم وفيه نزول كتابكم وثبوت نبوته فأي يوم أولى بالصوم منه فاقتصر على العلة أي سئل عن فضيلته لأنه لا مقال في صيامه فهو من الأسلوب الحكيم-انتهى. وفيه أن الظاهر إن السؤال عن العلة فيطابق الجواب السؤال. وعلى تقدير أن يكون السؤال عن نفس الصوم فالمعنى هل فيه فضل، فحينئذٍ ما ذكره أيضاً فصل الخطاب لا من الأسلوب الحكيم في الحوادث. قلت: وقع في رواية للبيهقي قال أي عمر أرأيت من صام يوم الاثنين، قال ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزلت علي فيه النبوة، وهذا يؤيد أن السؤال كان عن نفس الصوم فيه لا عن كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم فيه وقال في شرح المواهب: والمتبادر أن السؤال عن فضيلته فالجواب طبق السؤال إذ لا يليق سؤال الصحابي عن جواز صيامه، لا سيما إن رأى أو علم أنه صلى الله عليه وسلم صامه. وحاصل التنزل أنه لا بد من تقدير مضاف وهو إما فضل وإما جواز إذ لا معنى للسؤال عن نفس الصوم، فدل الجواب على أن التقدير فضل-انتهى. وفي الحديث دلالة على أن الزمان قد يتشرف بما يقع فيه وكذا المكان وعلى أنه يستحب صوم يوم الاثنين، وأنه ينبغي تعظيم اليوم الذي أحدث الله فيه على عبده نعمة بصومه والتقرب فيه. وقد ورد في حديث أبي هريرة الآتي تعليل صومه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين والخميس، بأنه يوم تعرض فيه الأعمال، وأنه يحب أن يعرض عمله وهو صائم، ولا منافاة بين التعليلين. (رواه مسلم) في الصوم وأخرجه أحمد (ج5ص297، 299) وأبوداود والبيهقي (ج4ص286، 300) والحاكم (ج2ص602) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وهذا يدل على أنهما ظنا أن الحديث ليس في واحد من الصحيحين مع أنه رواه مسلم في صحيحه من طرق.
2066-
قوله: (أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت نعم) أي وهذا أقل ما كان يقتصر عليه (من أي أيام الشهر كان يصوم)
قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم. رواه مسلم.
2067-
(12) وعن أبي أيوب الأنصاري، أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر. رواه مسلم.
ــ
أي هذه الثلاثة من أولها أو أوسطها أو آخرها متصلة أو منفصلة (لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم) أي لم يكن يهتم للتعيين بل كان يصومها بحسب ما يقتضي رأيه الشريف وبهذا جمع البيهقي بين الأحاديث الأخر المعينة المختلفة التعيين، كحديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام، وحديث عائشة أنه كان يصوم من الشهر السبت، والأحد، والاثنين-الحديث. وحديث ابن عباس أنه كان لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر، وحديث حفصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين، والخميس، والاثنين من الجمعة الأخرى. أخرجه أبوداود والنسائي. قال البيهقي: فكل من رآه فعل نوعا ذكره، وعائشة رأت جميع ذلك وغيره فأطلقت في حديث الباب. قال بعضهم: ولعله صلى الله عليه وسلم لم يواظب على ثلاثة معينة لئلا يظن تعيينها. قال الحافظ: والذي يظهر أن الذي أمر به وحث عليه ووصى به أولى من غيره. وأما هو فلعله كان يعرض له ما يشغله عن مراعاة ذلك أو كان يفعل ذلك لبيان الجواز وكل ذلك في حقه أفضل وتترجح البيض بكونها وسط الشيء أعدله، وسيأتي مزيد الكلام في هذا (رواه مسلم) وأخرجه الترمذي وأبوداود وابن ماجه والبيهقي (ج2ص295) .
2067-
قوله: (وعن أبي أيوب الأنصاري أنه حدثه) أي أن أبا أيوب حدث الراوي عنه وهو عمر بن ثابت بن الحارث الأنصاري الخزرجي المدني من ثقات التابعين. قال القاري: وفي نسخة "وعن عمر بن ثابت عن أبي أيوب" الخ، (ثم أتبعه) بهمزة قطع أي جعل عقبه في الصيام (ستا) أي ستة أيام وحذف الهاء لأن اسم العدد إذا لم يذكر مميزه جاز فيه الوجهان كما صرح به النحاة. وإنما يلزم إثبات الهاء في المذكر إذا ذكروه بلفظه وكذا حذفها في المؤنث إذا كان كذلك (من شوال) وهي يصدق على التوالي والتفريق (كان كصيام الدهر) وفي رواية الترمذي فذلك صيام الدهر. ولأبي داود فكأنما صام الدهر يعني إذا صام مدة عمره وإلا ففي أي سنة صام كان كصيام تلك السنة، وفي حديث ثوبان عند ابن ماجه وغيره كان تمام السنة، أي كان صومه تمام السنة إذا الستة بمنزلة شهرين بحساب {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وشهر رمضان بمنزلة عشرة أشهر. وقد جاء ذلك مصرحا عند النسائي من حديث ثوبان ولفظه جعل الله الحسنة بعشر أمثالها، فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة، ولابن خزيمة صيام شهر رمضان بعشرة اشهر، وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة.
وفي الحديث دليل بين على استحباب صوم ستة أيام من شوال، وهو مذهب الشافعي وأحمد وداود، وبه قال عامة المتأخرين من الحنفية. وقال مالك وأبوحنيفة: يكره صومها. قال في البحر الزائق: ومن المكروه صوم ستة من شوال عند أبي حنيفة متفرقا كان أو متتابعا، وعن أبي يوسف كراهته متتابعاً لا متفرقاً، لكن عامة المتأخرين لم يروا به بأساً-انتهى. وقال ابن الهمام: صوم ست من شوال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته، وعامة المشائخ لم يروا به بأساً-انتهى. قال السندي: ولعل القائل بالكراهة يؤول هذا الحديث بأن المراد هو كصوم الدهر في الكراهة، فقد جاء لا صيام لمن صام الأبد ونحوه، مما يفيد كراهة صوم الدهر، لكن هذا التأويل مردود بما ورد في صوم ثلاث من كل شهر أنه صوم الدهر ونحوه. والظاهر أن صوم الدهر تحقيقاً مكروه، وما ليس بصوم الدهر إذا ورد فيه أنه صوم الدهر فهو محبوب-انتهى. قلت: واستدل للكراهة بأنه ربما ظن وجوبها. قال ابن الهمام: وجه الكراهة أنه قد يفضى إلى اعتقاد لزومها من العوام لكثرة المداومة-انتهى. وأجيب بأنه لا معنى لهذا التعليل بعد ثبوت النص بذلك وورود السنة الصحيحة الصريحة فيه، وأيضاً يلزم مثل هذا في سائر أنواع الصوم المندوب المرغب فيها ولا قائل به. قال النووي: قولهم قد يظن وجوبهن تقتضي بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب. واستدل مالك بما قال في الموطأ من أنه لم ير أحداً من أهل العلم يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وإن أهل العلم يكرهون ذلك. ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بسنة ثابتة لم يكن تركهم دليلا ترد به السنة. قال النووي: إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم وما أحسن ما قاله ابن عبد البر أنه لم يبلغ مالكاً هذا الحديث. وقيل: لعله لم يصح هذا الحديث عنده. قال ابن رشد: وهو الأظهر. قلت: الحديث صحيح جداً. قال الشيخ الجزري: حديث أبي أيوب هذا لا يشك في صحته ولا يلتفت إلى كون الترمذي جعله حسناً ولم يصححه (على ما في بعض النسخ) . وقوله في سعد بن سعيد راوية عن عمر بن ثابت، وقد جمع الحافظ أبومحمد عبد المؤمن بن خلف المياطي طرقه، وأسنده عن قريب ثلاثين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد أكثرهم ثقات حفاظ، وتابع سعداً في روايته أخواه عبدربه ويحيى وصفوان بن سليم وغيرهم. ورواه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أبوهريرة وجابر وثوبان والبراء بن عازب وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أجمعين كذا حكاه القاري عن الجزري. ثم نقل تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة عن يارك وسنذكره أيضاً إن شاء الله. واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرقة أو متوالية، ومن صامها عقب العيد متصلاً أو في أثناء الشهر، وفي جامع الترمذي عن ابن المبارك أنه اختار أن يكون ستة أيام من أول شوال، وقد روى عنه أنه قال إن صام ستة أيام من شوال متفرقا فهو جائز. وقال النووي قال أصحابنا: والأفضل إن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أواخرها عن أوائل الشهر إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة، لأنه يصدق أنه اتبعه ستا من شوال-انتهى.
2068-
(13) وعن أبي سعيد الخدري، قال:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر)) . متفق عليه.
ــ
وقال ابن قدامة (ج3ص173) لا فرق بين كونها متتابعة أو مفرقة في أول الشهر، أو في آخره لأن الحديث ورد بها مطلقاً من غير تقييد، ولأن فضيلتها لكونها تصير مع الشهر ستة وثلاثين يوما، والحسنة بعشر أمثالها فيكون ذلك كثلاثمائة وستين يوماً وهو السنة كلها، فإذا وجد ذلك في كل سنة صار كصيام الدهر كله، وهذا المعنى يحصل مع التفريق-انتهى. قال في حجة الله: والسِّرٌّ في مشروعيتها أنها بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة تكمل فائدتها بالنسبة إلى أمزجة لم تتامّ فائدتها بهم. وإنما خص في بيان فضله التشبه بصوم الدهر، لأن من القواعد المقررة أن الحسنة بعشر أمثالها وبهذه الستة يتم الحساب. تنبيه ادعى بعض الحنفية إن ما روى عن أبي حنيفة من كراهة صوم ستة من شوال هو غير رواية الأصول أو إن مراده بذلك أن يصوم الفطر وخمسة بعده، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة. قال في الدار المختار: الإتباع المكروه، أن يصوم الفطر وخمسة بعده، فلو أفطر الفطر لم يكره بل يستحب ويسن-انتهى. وكذا قال صاحب البدائع. قال ابن عابدين بعد البسط: في نصوص أصحاب الحنفية في عدم الكراهة ما لفظه، وتمام ذلك في رسالة "تحريم الأقوال في صوم الست من شوال" للعلامة قاسم، وقد رد فيها على ما في منظومه التباني وشرحها من عزوة الكراهة مطلقاً إلى أبي حنيفة وأنه الأصح بأنه على غير رواية الأصول وأنه صحح ما لم يسبقه أحد إلى تصحيحه وأنه صحح الضعيف وعمد إلى تعطيل ما فيه الثواب الجزيل بدعوى كاذبة بلا دليل، ثم ساق كثيراً من نصوص كتب المذهب فراجعها-انتهى. وهذا يدل على أن الراجح عند الحنفية على ما ادعاه العلامة قاسم وغيره هو عدم الكراهة بل استحبابه. وما حكى عنهم خلاف ذلك فهو إما مرجوح وخلاف رواية، الأصول أو مؤول بصوم يوم الفطر كما قال صاحب البدائع وصاحب الدار المختار وغيرهما. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وصححه، وأبوداود وابن ماجه والدارمي والبيهقي (ج4ص292) والطبراني، وفي الباب عن ثوبان عند أحمد والنسائي في الكبرى وابن ماجه والدارمي والبزار وابن خزيمة وابن حبان، وعن جابر عند أحمد وعبد بن حميد والبزار والطبراني في الأوسط وعن أبي هريرة عند البزار وأبي نعيم والطبراني، وعن ابن عباس عند الطبراني أيضاً، وعن البراء بن عازب عند الدارقطني، وعن ابن عمر عند الطبراني من أحب الوقوف على ألفاظها وحال أسانيدها رجع إلى التلخيص (ص199) والترغيب (ج2ص27) ومجمع الزوائد (ج3ص183، 184) .
2068-
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي نهي تحريم (عن صوم يوم الفطر) وهو أول يوم من شوال (والنحر) أي وعن صوم يوم النحر. قال الطيبي: هذا الحديث مروي من حيث المعنى والذي يتلوه مروي من حيث اللفظ وما نص عليه.
قال: ولعل العدول عن قوله نهى عن صوم العيدين إلى ذكر الفطر والنحر للأشعار بأن علة الحرمة هي الوصف بكونه يوم فطر ويوم نحر والصيام ينافيهما-انتهى. قلت: روى مسلم من حديث عمر أنه صلى العيد ثم انصرف فخطب الناس فقال إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه نسككم، وفائدة وصنف اليومين على ما قيل: الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهو الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرب يذبحه ليؤكل منه ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك، لأنه يستلزم النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل. والمراد بالنسك هنا الذبيحة المتقرب بها قطعاً. والحديث دليل على تحريم صوم هذين اليومين، لأن أصل النهي التحريم، وإليه ذهب العلماء كافة. قال ابن قدامة (ج3ص163) أجمعه أهل العلم على أن صومي العيدين منهي عنه محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة، ذلك لما روى أبوعبيد مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فجاء فصلى ثم انصرف فخطب الناس. فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم فطر ويوم أضحى، وعن أبي سعيد مثله متفق عليهما، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه-انتهى. وكذا حكى الإجماع على هذا النووي والحافظ والزرقاني والعيني وابن رشد وغيرهم. وههنا مسئلتان اختلف الأئمة فيهما إحداهما أن ينذر صوم الفطر والنحر متعمداً لعينهما. فقال مالك والشافعي: لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاءهما، وإليه ذهب أحمد في الصحيح عنه. قال ابن قدامة. إن قال لله عليَّ صوم يوم العيد فهذا نذر معصية على ناذره الكفارة لا غير، نقلها حنبل عن أحمد وفيه رواية أخرى إن عليه القضاء مع الكفارة، والأولى هي الصحيحة قاله القاضي. لأن هذا نذر معصية فلم يوجب قضاءها كسائر المعاصي وفارق المسألة التي قبلها (وهي المسألة الثانية التي سنذكرها) لأنه لم يقصد بنذره المعصية. وإنما وقع اتفاقا وههنا تعمدها بالنذر فلم ينعقد نذره، ويدخل في قوله عليه الصلاة والسلام لا نذر في معصية، ويتخرج إلا يلزمه شيء بناء على نذر المعصية-انتهى. والمسألة الثانية أن ينذر صوم يوم فيوافق العيد. قال النووي: أما الذي نذر صوم يوم الاثنين مثلا فوافق يوم العيد فلا يجوز له صيام يوم العيد بالإجماع، وهل يلزمه قضاءه فيه خلاف للعلماء؟ وفيه للشافعي قولان: أصحهما لا يحب قضاءه، لأن لفظه لم يتناول القضاء. وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصولين-انتهى. واختلفت الرواية فيه أيضاً عن مالك. قال العيني قال مالك: لو نذر صوم يوم فوافق يوم فطر أو يوم نحر يقضيه في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه وهو قول الأوزاعي.
وقال الحافظ: وعن مالك في رواية يقضي إن نوى القضاء وإلا فلا. وقال الأبي في الإكمال: اختلف قول مالك وأصحابه إذا لم يقصد تعيينهما، وإنما نذر نذراً اشتمل عليهما أو نذر يوم يقدم فلان فقدم يوم عيد هل يقضي أو لا يقضي، أو يقضي إلا أن ينوي أن لا يقضي أو لا يقضي إلا أن ينوي أن يقضي-انتهى. وقال في المدونة: قلت لمالك: فرمضان ويوم الفطر وأيام النحر الثلاثة كيف يصنع فيها، وإنما نذر سنة بعينها أعليه قضاء أم ليس عليه قضاءها إذا كانت لا يصلح الصيام فيها؟ فقال أولا لا قضاء عليه إلا أن يكون نوى أن يصومهن قال، ثم سئل عن ذي الحجة من نذر صيامه أترى عليه أن يقضي أيام الذبح؟ فقال: نعم عليه القضاء، إلا أن يكون نوى حين نذر أن لا قضاء عليه-انتهى. وقال ابن قدامة (ج9ص21، 22) من نذر أن يصوم يوم يقدم فلان، فإن نذره صحيح، فإن قدم يوم فطر أو أضحى. فاختلفت الرواية عن أحمد فيه فعنه لا يصومه ويقضي ويكفر، نقله عن أحمد جماعة وهو قول أكثر أصحابنا، ومذهب الحكم وحماد. والرواية الثانية يقضي ولا كفارة عليه وهو قول الحسن والأوزاعي وأبي عبيد وقتادة وأبي ثور وأحد قولي الشافعي، فإنه فاته الصوم الواجب بالنذر فلزمه قضاءه ولم تلزمه كفارة لأن الشرع منعه من صومه فهو كالمكره وعن أحمد رواية ثالثة إن صامه صح صومه، وهو مذهب أبي حنيفة لأنه وفي بما نذر ويتخرج أن يكفر من غير قضاء لأنه وافق يوماً صومه حرام فكان موجبه الكفارة كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها ويتخرج أن لا يلزمه شيء من كفارة ولا قضاء بناء على من نذر المعصية، وهذا قول مالك والشافعي في أحد قوليه بناء على نذر المعصية-انتهى. وقد ظهر بهذا أن مذهب الحنابلة في هذه المسألة هو انعقاد النذر وصحته، ووجوب القضاء مع الكفارة. وأما أبوحنيفة فذكر العيني (ج11ص109، 110) ثلاث روايات عنه. إحداها صحة النذر في المسئلتين ووجوب القضاء، والثانية عدم صحة النذر مطلقاً وعدم وجوب القضاء، وهي رواية أبي يوسف وابن المبارك عنه. والثالثة: إن نذر صوم يوم النحر لا يصح، وإن نذر صوم غد وهو يوم النحر صح وهي رواية الحسن عنه، وظاهر الرواية هي الرواية الأولى أي صحة النذر مطلقاً من غير فرق بين أن يذكر المنهي عنه صريحاً كيوم النحر مثلا أو تبعاً كصوم غد، فإذا هو يوم النحر. قال في الهداية: إذا قال لله عليّ صوم يوم النحر، أفطر وقضى، فهذا النذر صحيح عندنا خلافاً لزفر والشافعي، هما يقولان: أنه نذر بما هو معصية لورود النهي عن صوم هذه الأيام، ولنا أنه نذر بصوم مشروع (لأن الدليل الدال على مشروعية الصوم لا يفصل بين يوم ويوم، فكان من حيث حقيقته حسناً مشروعا والنذر بما هو مشروع جائز) والنهي لغيره وهو ترك إجابة دعوة الله (لأن الناس أضياف الله في هذه الأيام) فيصح نذره لكنه يفطر احترازاً عن المعصية المجاوزة ثم يقضي إسقاطا للواجب وإن صام فيه يخرج عن العهدة مع الحرمة لأنه أداه كما التزمه-انتهى. وقال في الدار المختار: ولو نذر صوم الأيام المنهية أو صوم هذه السنة صح مطلقاً على المختار، وفرقوا النذر والشروع فيها، بأن نفس الشروع معصية، ونفس النذر طاعة فصح-انتهى.
قال العيني: والأصل عندنا أن النهي لا ينفي مشروعية الأصل وعلى هذا الأصل مشى أصحابنا فيما ذهبوا إليه، ويؤيد هذا ما رواه البخاري عن زياد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: نذر رجل صوم الاثنين فوافق يوم عيد. فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم. قال ابن عبد الملك: لو كان صومه ممنوعا منه لعينه ما توقف ابن عمر في الفتيا-انتهى. قلت أمر ابن عمر رضي الله عنه في التورع عن بتّ الحكم، ولا سيما عند تعارض الأدلة مشهور، ويحتمل أن يكون ابن عمر أشار إلى قاعدة إن الأمر والنهي إذا التقيا في محل واحداً أيهما يقدم والراجح يقدم النهي، فكأنه قال لا تصم، وقيل: نبه ابن عمر على أن الوفاء بالنذر عام. والمنع من صوم العيد خاص، فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام. وتعقب هذا بأن النهي عن صوم يوم العيد أيضاً عموم للمخاطبين، ولكل عيد فلا يكون من قضاء الخاص على العام. وقال الداودي: المفهوم من كلام ابن عمر تقديم النهي، لأنه قد روى أمر من نذر أن يمشي في الحج بالركوب، فلو كان يجب الوفاء به لم يأمره بالركوب-انتهى. قال الحافظ: وأصل الخلاف في هذه المسألة أن النهي هل يقتضي صحة المنهي عنه قال الأكثر لا، وعن محمد بن الحسن نعم، واحتج بأنه لا يقال للأعمى لا يبصر، لأنه تحصيل الحاصل. فدل على أن صوم يوم العيد ممكن، وإذا أمكن ثبت الصحة، وأجيب بأن الإمكان المذكور عقلي والنزاع في الشرعي والمنهي عنه شرعاً غير ممكن فعله شرعاً، ومن حجج المانعين أن النفل المطلق إذا نهى عن فعله لم ينعقد، لأن المنهي مطلوب الترك سواء كان للتحريم أو التنزيه، والنفل مطلوب الفعل، فلا يجتمع الضدان، والفرق بينه وبين الأمر ذي الوجهين كالصلاة في الدار المغصوبة (أي على القول بصحتها وإلا فقد ذهب أحمد في أشهر القولين عنه إلى عدم صحتها كما في المغنى (ج2ص74) وروضة الناظر (ج1ص127) أن النهي عن الإقامة المغصوبة ليست لذات الصلاة بل للإقامة وطلب الفعل لذات العبادة بخلاف صوم يوم النحر مثلا، فإن النهي فيه لذات الصوم فافترقا-انتهى. وفي آخر كلام الحافظ نظر فتأمل وارجع لبسط الكلام في مسألة النهي إلى كتب الأصول كأصول البزدوي مع شرحه كشف الأسرار، وإلى إرشاد الفحول وغيرهما. والراجح عندي في المسألة الأولى هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد من عدم انعقاد النذر وعدم صحته، لأنه نذر معصية. والنذر إنما يكون في الطاعة دون المعصية فلا ينعقد هذا النذر، ولا يصح، كما لا يصح من الحائض لو نذرت أن تصوم أيام حيضها، ولم يأمر الله تعالى قط بالوفاء بنذر معصية فلا يلزم قضاءه. وقد وقع في رواية لمسلم لا يصلح الصيام في يومين يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان، وهذا كالنص على بطلان صوم العيدين، وإن يومي العيد ليسا بمحل للصوم شرعاً، لأن حقيقة ذلك الخبر، فهو يحمل على حقيقته ما لم يصرف عنها صارف فاقتضي ذلك إخباراً من النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذين اليومين لا يصلح فيهما الصيام،
2069-
(14) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا صوم في يومين الفطر والأضحى)) . متفق عليه.
2070-
(15) وعن نبيشة الهذلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق، أيام أكل وشرب وذكر الله)) رواه مسلم.
ــ
فلو بقي صائماً مع إيقاعه الإمساك فيهما لكان قد صلح الصيام فيهما من وجه، فثبت بذلك ما وقع من الإمساك ولو بنية الصوم من العبد في اليومين المذكورين فليس بصيام عند الشرع، ليكون مخبره خبراً موجوداً في سائر ما أخبر به، وهذا كله يبطل القول بصحة نذر صوم العيد وأجزاءه لو صام. وأما المسألة الثانية فالأشبه فيهما أن ينعقد نذره ويصح ويجب قضاءه، لأنه نذر نذراً يمكن الوفاء به غالباً ولم يقصد بنذره المعصية. وإنما وقع اتفاقا فينعقد كما لو وافق غير يوم العيد، ولا يجوز أن يصوم يوم العيد لأن الشرع حرم صومه فأشبه زمن الحيض ولزمه القضاء، لأنه نذر منعقد وقد فاته الصيام بالعذر (متفق عليه) واللفظ للبخاري في الصيام، والحديث أخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود وابن ماجه والبيهقي (ج4ص297) .
2069-
قوله: (لا صوم) أي جائز (الفطر والأضحى) بدل أي أنهما غير قابلين للصوم لحرمته فيهما فلا يصح نذر صومهما وكذا حكم أيام التشريق كما سيأتي بيانه، وخصهما بالذكر لكونهما الأصل، وأيام التشريق من توابع الأضحى (متفق عليه) واللفظ للبخاري في الصلاة وفي الحج وفي الصوم، وأخرجه بهذا اللفظ الدارمي.
2070-
قوله: (وعن نبيشة) بضم النون وفتح الموحدة بعدها ياء ساكنة فشين معجمة فهاء (الهذلي) بضم الهاء وفتح الذال هو نبيشة بن عبد الله بن عمرو بن عتاب بن الحارث بن نصير بن حصن وقيل: في نسبه غير ذلك. ويقال له: نبيشة الخير، ويكنى أبا طريف صحابي قليل الحديث. قال ابن عبد البر: سكن البصرة، ويقال أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أساري فقال يا رسول الله! إما أن تفاديهم وإما أن تمن عليهم، فقال أمرت بخير أنت نبيشة الخير (أيام التشريق) وهي ثلاثة أيم بعد يوم النحر وهذا قول ابن عمر وأكثر العلماء منهم الأئمة الأربعة وأتباعهم. وروى عن ابن عباس وعطاء أنها أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وسماها عطاء أيام التشريق، والأول أظهر. ويدل عليه ما رواه الطحاوي (ج1ص429) عن أنس ابن مالك قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر، وأخرجه أبويعلى بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم خمسة أيام من السنة يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق.
وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تنشر وتبسط في الشمس لتجف. وقيل: لأن الهدى والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس أي تطلع. وقيل: لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس أول يوم منها فصارت هذه الأيام تبعا ليوم النحر، وهذا يعضد قول من يقول يوم النحر منها. وقيل: التشريق التكبير دبر كل صلاة. (أيام أكل وشرب) وكذا يوم النحر يوم أكل وشرب بل هو الأصل والبقية أتباعه (وذكر الله) بالجر وهذا إشارة إلى قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203] يعني أنهاكم عن صومها وآمركم بذكر الله فيها صيانة عن التلهي والتشهي كالبهائم. قال الاشرف: وإنما عقب الأكل والشرب بذكر الله لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى في هذه الأيام حق الله تعالى-انتهى. وهل يلتحق أيام التشريق بيوم النحر في حرمة الصيام كما تلتحق به في النحر وغيره من أعمال الحج، أو يجوز صيامها مطلقاً أو للمتمتع خاصة أوله ولمن هو في معناه؟ وفي كل ذلك اختلاف للعلماء. وقد استدل بحديث نبيشة على النهي عن صوم أيام التشريق، وقد ورد النهي عن ذلك صريحا. من حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد (ج1ص169، 174) والطحاوي (ج1ص428) والبزار، وفيه عند أحمد والطحاوي محمد بن أبي حميد المدني وهو ضعيف. ومن حديث يونس بن شداد رواه عبد الله بن أحمد (ج4ص77) والبزار، وفيه سعيد بن بشير وهو ثقة ولكنه اختلط. ومن حديث حبيبة بنت شريق عند أحمد (ج1ص92) والنسائي والطبراني في الأوسط والطحاوي (ج1ص429) ومن حديث أنس وقد تقدم. ومن حديث ابن عباس عند الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف. ومن حديث أبي هريرة عند الطحاوي (ج1ص428) والبزار، وفي سند البزار عبد الله بن سعيد المقبري وهو ضعيف قاله الهيثمي. ومن حديث معمر بن عبد الله العدوي عند الطحاوي (ج1ص429) والطبراني في الكبير. ومن حديث عمرو بن العاص عند أبي داود وابن المنذر والدارمي والبيهقي (ج4ص297) والطحاوي (ج1ص428) وابن حزم (ج7ص28) وصححه ابن خزيمة والحاكم. ومن حديث ابن عمر عند أحمد (ج2ص39) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. ومن حديث أسامة الهذلي عند الطبراني في الأوسط وسنده ضعيف. ومن حديث عمر بن خلدة الزرقي عن أمه أبي يعلى وعبد بن حميد وإسحاق بن راهويه والطحاوي (ج1ص429) وابن أبي شيبة، وفيه موسى بن عبيدة الربذى وهو ضعيف. ومن حديث عقبة بن عامر عند الترمذي وأبي داود والنسائي وابن حبان والحاكم والبزار. ومن حديث مسعود ابن الحكم الزرقي عن أمه عند الطحاوي (ج1ص429) ومن حديث أم الحارث بنت عياش عند الطبراني في الكبير بإسناد ضعيف. ومن حديث عبد الله بن حذافة عند الدارقطني والطبراني وفيه الواقدي. ومن حديث مسعود بن الحكم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند الطحاوي (ج1ص429) وقد ذهب إلى منع الصوم في هذه الأيام وتحريمه مطلقاً جماعة من السلف منهم علي ابن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص والحسن وعطاء وهو قول الشافعي في الجديد وعليه العمل والفتوى عند أصحابه وهو قول الليث بن سعد وابن عليه وأبي حنيفة وابن المنذر وهي رواية عن أحمد.
وإليه ذهب ابن حزم، وهؤلاء قالوا: لا يجوز صيامها مطلقا، وإنها ليست قابلة للصوم لا للمتمتع الذي لم يجد الهدى ولا لغيره، وجعلوا هذه الأحاديث مخصصة لقوله تعالى:{ثلاثة أيام في الحج} [البقرة: 196] لأن الآية عامة فيما قبل يوم النحر وما بعده، والأحاديث المذكورة خاصة بأيام التشريق وإن كان فيها عموم بالنظر إلى الحج وغيره، فيرجح خصوصها لكونه مقصوداً بالدلالة على أنها ليست محلا للصوم، وإن ذاتها بإعتبار ما هي غير مؤهلة له كأنها منافية للصوم. وقال الطحاوي بعد أن أخرج أحاديث النهي عن ستة عشر صحابيا: فلما ثبت بهذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن صيام أيام التشريق، وكان نهيه عن ذلك بمعنى، والحاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون، ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارناً دخل المتمتعون والقارنون في ذلك-انتهى. وذهب جماعة إلى جواز الصيام فيها مطلقاً، وبه قال أبوإسحاق المروزي من الشافعية والأسود بن يزيد. وحكاه ابن عبد البر في التمهيد عن بعض أهل العلم، وحكاه ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة. قال ابن قدامة (ج3ص64) بعد حكاية هذا القول عن الأسود بن يزيد وابن الزبير وأبي طلحة ما لفظه: والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره-انتهى. وقيل: يمكن أنهم حملوا النهي على التنزيه. قال الأمير اليماني: وهو قول لا ينهض عليه دليل. وقال الشوكاني: أحاديث الباب جميعها ترد عليه. وذهب إلى منعه إلا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم الثلاث في أيام العشر وهو قول عائشة وابن عمر وعروة بن الزبير وإسحاق بن راهويه وعبيد بن عمير والزهري، وهو قول مالك والشافعي في القديم، وأحمد في الرواية المشهورة عنه. قال الزركشي الحنبلي: وهي التي ذهب إليها أحمد أخيراً. قال في المبهج: وهي الصحيحة وهو مختار البخاري فإنه ذكر في باب صيام أيام التشريق حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك ولم يورد غيره، واستدل لهذا القول بقوله تعالى:{فصيام ثلاثة أيام في الحج} وبحديث عائشة وابن عمر الآتي وسيأتي الجواب عنه. وذهب آخرون ومنهم الأوزاعي إلى أنه يصومها المتمتع ومن تعذر عليه الهدي من المحصر والقارن لعوم الآية، ولما روى البخاري وغيره عن عائشة وابن عمر قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فإنه أفاد أن صوم أيام التشريق جائز رخصة لمن لم يجد الهدي وكان متمتعاً أو قارناً أو محصراً لإطلاق الحديث، بناء على أن الفاعل قوله يرخص المجهول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه مرفوع حكماً، وإن لم يضيفاه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الحاكم أبوعبد الله في نحوه.
وقال النووي في شرح المهذب وهو القوي يعني من حيث المعنى وهو ظاهر استعمال كثير من المحدثين، واعتمده الشيخان في صحيحيهما وأكثر منه البخاري. وقال التاج بن السبكي: أنه الأظهر وإليه ذهب الإمام فخر الدين. قلت: وقد ورد التصريح بالفاعل في رواية للدارقطني والطحاوي إلا أن في إسنادها يحيى بن سلام، وقد ضعفه الدارقطني والطحاوي ولفظها عند الدارقطني، رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق، ولم يذكر الطحاوي طريق عائشة ولفظها عنده من رواية ابن عمر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المتمتع: إذا لم يجد الهدي ولم يصم في العشر أنه يصوم أيام التشريق، وهذا كما ترى قد خص المتمتع بذلك فلا يكون حجة لأهل هذا القول وأما الآية وحديث عائشة وابن عمر عند البخاري. فأجاب المانعون عنه مطلقاً بأنا لا نسلم إن أيام التشريق من أيام الحج. ولو سلمنا فهي مخصوصة بأحاديث النهي كما سبق، قال الجصاص: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صوم يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق في أخبار متواترة مستفيضة. واتفق الفقهاء على استعمالها وأنه غير جائز لأحد أن يصوم هذه الأيام عن غير صوم المتعة لا من فرض ولا من نفل فلم يجز صومها عن المتعة لعموم النهي عن الجميع. ولما اتفقوا على أنه لا يجوز أن يصوم يوم النحر وهو من أيام الحج للنهي الوارد فيه كذلك لا يجوز الصوم أيام منى ولما لم يجز أن يصومهن عن قضاء رمضان لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة:184] وكان الحظر المذكور في هذه الأخبار قاضيا على إطلاق الآية موجبا لتخصيص القضاء في غيرها، وجب أن يكون ذلك حكم صوم التمتع وأن يكون قوله تعالى {فصيام ثلاثة أيام في الحج} [البقرة: 196] في غير هذه الأيام قال الجصاص: وأيضا لما قال {فصيام ثلاثة أيام في الحج} ولم يكن صوم هذه الأيام في الحج، لأن الحج فائت في هذا الوقت لم يجز أن يصومها فإن قيل لما قال {فصيام ثلاثة أيام في الحج} وهذه من أيام الحج وجب أن يجوز صومهن فيها، قيل له: لا يجب ذلك من وجوه، أحدها أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم هذه الأيام قاض عليه ومخصص له كما خص قوله تعالى:{فعدة من أيام أخر} نهيه عن صيام هذه الأيام. والثاني أنه لو كان جائزاً لأنه من أيام الحج لوجب أن يكون صوم يوم النحر أجوز لأنه أخص بأفعال الحج من هذه الأيام. والثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم خص يوم عرفة بالحج بقوله الحج عرفة فقوله: {فصيام ثلاثة أيام في الحج} يقتضي أن يكون آخرها يوم عرفة. والرابع أنه روى أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة، وروى أنه يوم النحر: وقد اتفقوا أنه لا يصوم يوم النحر مع أنه يوم الحج، فما لم يسم يوم الحج من الأيام المنهي عن صومها أحرى أن لا يصوم فيها، وأيضاً فإن الذي يبقى بعد يوم النحر إنما هو من توابع الحج، وهو رمي الجمار فلا إعتبار به في ذلك فليس هو إذاً من أيام الحج فلا يكون صومها صوماً في الحج-انتهى. قال المانعون: وحديث عائشة وابن عمر موقوف لأنهما لم يضيفاه إلى الزمن النبوي فيكون موقوفاً على ما جزم به ابن الصلاح في نحوه مما لم يضف،
2071-
(16) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو بعده)) متفق عليه.
ــ
والمعنى حينئذٍ لم يرخص من له مقام الفتوى، ويؤيد ذلك ما روى عنهما موقوفاً عليهما على سبيل الجزم، وروى أيضاً من فعل أبي بكر وفتيا لعلي رضي الله عنه. وقال الطحاوي (ج1ص430) قولهما ذلك يجوز أن يكونا عنيا بهذه الرخصة ما قال الله عزوجل في كتابه {فصيام ثلاثة أيام في الحج} فعدا أيام التشريق من أيام الحج فقالا: رخص للحاج المتمتع والمحصر في صوم أيام التشريق لهذه الآية، ولأن هذه الأيام عندهما من أيام الحج وخفي عليهما ما كان من توقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بعده على أن هذه الأيام ليست بداخلة فيما أباح الله صومه من ذلك-انتهى. هذا وقد جعل الشوكاني القول بجوازه للمتمتع أقوى المذاهب ورجححه أيضاً الحافظ، وذكر شيخنا في شرح الترمذي كلام الشوكاني وسكت عليه. والراجح عندي هو المنع مطلقا، لأحاديث النهي وهي مخصصة للآية، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة للمتمتع صريحاً بسند صحيح. وأما حديث ابن عمر وعائشة عند البخاري ففي كونه مرفوعا كلام والله تعالى أعلم (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص75، 76) والنسائي في الكبرى والطحاوي (ج1ص428) والبيهقي (ج4ص297) وفي الباب عن جماعة من الصحابة غير من تقدم ذكرهم منهم عليّ عند أحمد (ج1ص76) والطحاوي وبشر بن سحم عند النسائي والطحاوي والبيهقي وابن حزم وعبد الله بن عمر وعند البزار، وزيد بن خالد عند أبي يعلى وكعب بن مالك عند أحمد، ومسلم وحمزة ابن عمر والأسلمي عند الطبراني، وعائشة عند الطحاوي وأم الفضل عند الطحاوي، وقد بسط العيني والطحاوي والحافظ في التلخيص (ص191) والهيثمي طرق هذه الأحاديث.
2071-
قوله: (لا يصوم) كذا في جميع النسخ، وهكذا وقع في المصابيح وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج7ص237) عن مسلم بلفظ النفي: والمراد به النهي والذي في صحيح مسلم لا يصم بلفظ النهي وكذا نقله الحافظ في الفتح والبيهقي في السنن (ج4ص302) ولفظ البخاري لا يصوم. قال الحافظ: كذا للأكثر وهو بلفظ النفي والمراد به النهي، وفي رواية الكشميهني لا يصومن بلفظ النهي المؤكد (أحدكم يوم الجمعة) أي مفرداً (إلا أن يصوم قبله) أي يوماً (أو يصوم بعده) أي يوماً كما في رواية النسائي وللبخاري إلا يوماً قبله أو بعده، أي إلا أن يصوم يوماً قبله، أو يصوم يوماً بعده، وللإسماعيلي إلا أن تصوموا يوماً قبله أو بعده و"أو" لمنع الخلو، والمعنى انه يكفي صوم أحدهما ولو صامهما جاز أيضاً والحديث دليل على تحريم النفل بصوم يوم الجمعة منفرداً، وعلى جواز صوم يومها لمن صام قبله أو بعده، فلو أفرده بالصوم وجب فطره كما يفيده،
ما أخرجه أحمد وأبوداود من حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها في يوم جمعة وهي صائمة. فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تصومين غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري، والأصل في الأمر الوجوب، والرواية تدل على جواز صومه لمن اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة أو، له عادة بصوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوم الجمعة. واختلف الأئمة في إفراد يوم الجمعة بالصيام فذهب ابن حزم إلى تحريمه لظواهر الأحاديث الواردة في النهي عن تخصيصه بالصوم، ونقله أبوالطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية وكأنه أخذه من قول ابن المنذر ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد وزاد يوم الجمعة الأمر بفطر من أراد أفراده بالصوم، فهذا يشعر بأنه يرى بتحريمه. ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر. قال ابن حزم: لا نعلم لهم مخالفاً من الصحابة. وذهب الجمهور ومنهم الشافعي وأحمد وأبويوسف وبعض الحنفية إلى أن النهي فيها للتنزيه. وقال مالك وأبوحنيفة ومحمد: بالإباحة مطلقاً من غير كراهة، ذكره العيني وابن قدامة والحافظ وابن الهمام. قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه، ومن يقتدي به نهي عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه. قال النووي: السنة مقدمة على ما رآه مالك وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة فيتعين القول به، ومالك معذور. فإنه لم يبلغه، قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكاً هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه-انتهى. قلت: ونص فروع المالكية كالشرح الكبير للدردير وغيره أنه يندب إفراد يوم الجمعة بالصوم، وبه قال عامة الحنفية. وقال بعضهم: بالكراهة كما في البدايع والنهر والبحر والدر المختار وحاشية رد المختار. قال عبد الوهاب المالكي: يوم الجمعة يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده، وردّ بأن هذا قياس فاسد الإعتبار لأنه منصوب في مقابلة النصوص الصحيحة. قال الحافظ والمشهور عند الشافعية وجهان أحدهما ونقله المزني عن الشافعي أنه لا يكره إلا لمن أضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه من الصلاة والدعاء والذكر. قلت: وإليه ذهب البيهقي والماوردي وابن الصباغ والعمراني. والثاني وهو الذي صححه المتأخرون كقول الجمهور. قلت: وبه جزم الرافعي والنووي في الروضة. وقال في شرح مسلم: أنه قال به جمهور أصحاب الشافعي وممن صححه من المالكية ابن العربي إذ قال وبكراهته بقول الشافعي وهو الصحيح. واستدل لمن قال بندبه عما سيأتي من حديث ابن مسعود، وفيه قلما كان يفطر يوم الجمعة، وبما رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطراً يوم الجمعة قط.
وبما رواه أيضاً من حديث ابن عباس قال: ما رأيته مفطراً يوم جمعة قط، وفي سندهما ليث بن أبي سليم. وقد تقدم الكلام فيه. وأما حديث ابن مسعود فقال الحافظ في الفتح: ليس فيه حجة، لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها ولا يضاد ذلك كراهة أفراده بالصوم، جمعاً بين الحديثين. وقال في التلخيص (ص199) قال ابن عبد البر: لا مخالفة بينه وبين أحاديث النهي، فإنه محمول على أنه كان يصله بيوم الخميس. وقال العيني: لا دلالة في حديث ابن مسعود وما في معناه أنه صلى الله عليه وسلم صام يوم الجمعة وحده فنهيه عن صوم يوم الجمعة في أحاديث النهي يدل على أن صومه يوم الجمعة لم يكن في يوم الجمعة وحده بل إنما كان بيوم قبله أو بيوم بعده، وذلك لأنه لا يجوز أن يحمل فعله على مخالفة أمره إلا بنص صحيح صريح فحينئذٍ يكون نسخا أو تخصيصاً وكل واحد منهما منتف-انتهى. وقال ابن القيم يتعين حمل حديث ابن مسعود إن كان صحيحا على صومه مع ما قبله أو بعده. قلت وأرجح الأقوال عندي: قول من ذهب إلى تحريم إفراد يوم الجمعة بالصيام لما قد صح النهي عنه، والأصل في النهي التحريم والله تعالى أعلم. واختلف في وجه تحريم تخصيصه بالصوم. قال الشاه ولي الله: السر فيه. أي في النهي عن شيئان، أحدهما سد التعمق، لأن الشارع لما خصه أي من بين الأيام بطاعات وبين فضله، كان مظنة أن يتعمق المتعمقون فيلحقون بها صوم ذلك اليوم أي ابتداعا من عند أنفسهم فمنعوا سد اللباب. قال وثانيهما تحقيق معنى العيد فإن العيد يشعر بالفرح واستيفاء اللذة، والسر في جعله عيدا أن يتصور عندهم أنها من الاجتماعات التي يرغبون فيها من طبائعهم من غير قسر-انتهى. وقال الحافظ: اختلف في سبب النهي عن إفراده على أقوال أحدها لكونه يوم عيد، والعيد لا يصام ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا يوم جعله الله عيدا، وروى النسائي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا صيام يوم عيد. واستشكل التعليل بذلك بوقوع الإذن من الشارع بصومه مع غيره. وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة، ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري بالصوم. ثانيها لئلا يضعف عن إقامة وظائف الجمعة من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها وهذا اختاره النووي. وتعقب ببقاء المعنى المذكور مع صوم غيره معه. وأجاب بأنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه قال الحافظ: وفيه نظر فإن الجبر لا ينحصر في الصوم، بل يحصل بجميع أفعال الخير فيلزم منه جواز إفراده لمن عمل فيه خيرا كثيرا يقوم مقام صيام يوم قبله أو بعده كمن اعتق فيه رقبة مثلا ولا قائل بذلك، وأيضاً فكان النهي يختص بمن يخشى عليه الضعف، لا من يتحقق القوة ويمكن الجواب عن هذا بأن المظنة أقيمت مقام المئنة كما في جواز الفطر في السفر لمن لم يشق عليه.
2072-
(17) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)) رواه مسلم.
ــ
ثالثها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت قال الحافظ: وهو منتقض بثبوت تعظيمه بغير الصيام، وأيضا فاليهود لا يعظمون السبت بالصيام فلو كان الملحوظ ترك موافقتهم لتحتم صومه، لأنهم يصومونه، وقد روى النسائي وأبوداود وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من الأيام السبت والأحد وكان يقول أنهما يوماً عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم. رابعها خوف اعتقاد وجوبه. قال الحافظ: وهو منتقض بصوم الاثنين والخميس وسيأتي ذكر ما ورد فيهما. خامسها خشية أن يفرض عليهم كما خشي صلى الله عليه وسلم من قيامهم الليل ذلك. قال المهلب: وهو منتقض بإجازة صومه مع غيره، وبأنه لو كان كذلك لجاز بعده صلى الله عليه وسلم لارتفاع السبب. سادسها مخالفة النصارى لأنه يجب عليهم صومه، ونحن مأمورون بمخالفتهم. قال الحافظ: وهو ضعيف ولم يبين وجه الضعف قال. وأقوى الأقوال وأولاها بالصواب أولها، وورد فيه صريحاً حديثان، أحدهما رواه أحمد (ج2ص203) وابن خزيمة والبخاري في التاريخ الكبير والبزار والحاكم (ج1ص437) من طريق عامر بن لدين عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده. والثاني رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن عليَّ قال من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس، ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر-انتهى. (متفق عليه) واللفظ لمسلم وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم (ج1ص437) والبيهقي (ج4ص302) وفي الباب عن جابر عند الشيخين والنسائي وابن ماجه وعن ابن عباس عند أحمد وعن بشير بن الخصاصية عند أحمد والطبراني وعن جنادة الأزدي عند أحمد والنسائي والحاكم، وعن أبي الدرداء عند النسائي والطبراني وعن عبد الله بن عمرو، عند النسائي وعن جويرية عند أحمد والبخاري وأبي داود.
2072-
قوله: (لا تختصوا) من الاختصاص (ليلة الجمعة)"ليلة" منصوب على أنه مفعول به. قال الطيبي: الاختصاص لازم ومتعد، وفي الحديث متعد. قال المالكي: المشهور في اختص أن يكون موافقاً لخص في التعدي إلى مفعول وبذلك جاء قوله تعالى: {يختص برحمته من يشاء} [البقرة: 105] وقول عمر بن عبد العزيز ولا يختص قوما، وقد يكون اختص مطاوع خص فلا يتعدى كقولك خصصتك بالشيء فاختصصت به-انتهى.
2073-
(18) وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) متفق عليه.
ــ
(بقيام) قال ابن حجر: أي بصلاة والظاهر أن القيام أعم في المعنى المراد (من بين الليالي) فيه دليل على تحريم تخصيص ليلة الجمعة بعبادة بصلاة وتلاوة غير معتادة إلا ما ورد به النص الصحيح كقراءة سورة الكهف، فإنه ورد تخصيص ليلة الجمعة بقراءتها، وقد دل هذا بعمومه على عدم مشروعية صلاة الرغائب في أول ليلة الجمعة من رجب. قال النووي: في هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي، وهذا متفق على كراهته، واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة، من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها منكرات ظاهرة. وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفسية في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها، ودلالة قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر-انتهى. (ولا تختصوا) كذا في جميع النسخ وهكذا في المصابيح والمنتقى للمجد بن تيمية والسنن للبيهقي، والذي في صحيح مسلم ولا تخصوا. قال النووي: هكذا وقع في الأصول "لا تختصوا ليلة الجمعة ولا تخصوا يوم الجمعة" بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد وبحذفها في الثاني وهما صحيحان-انتهى. وذكره المنذري في الترغيب والجزري في جامع الأصول (ج7ص237) والحافظ في الفتح: وفي بلوغ المرام بحذف التاء في الموضعين (يوم الجمعة) مفعول به كقوله ويوم شهدناه (بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم) تقديره إلا أن يكون يوم الجمعة واقعا في يوم صوم (يصومه أحدكم) أي من نذر أو ورد وعادة، والظاهر أن الاستثناء من ليلة الجمعة كذلك، ولعل ترك ذكره للمقايسة قاله القاري. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً النسائي والبيهقي (ج4ص302) .
2073-
قوله: (من صام يوماً في سبيل الله) قال في النهاية: سبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه-انتهى. قيل: المراد به ههنا مجرد إخلاص النية أي من صام يوماً ابتغاء لوجه الله تعالى، وذلك لئلا يعارض أولوية الفطر في الجهاد عن الصوم لأنه يضعف عن اللقاء وقيل: المراد به الغزو والجهاد أي من صام يوماً حال كونه غازياً. قلت: والثاني هو المتبادر، ويؤيده ما في فوائد أبي الطاهر الذهلي من طريق عبد الله بن عبد العزيز الليثي عن المقبري عن أبي هريرة بلفظ: ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يوماً في سبيل الله-الحديث.
وحينئذٍ فالأولوية المذكورة محمولة على من يضعفه الصوم عن الجهاد. أما من لم يضعفه فالصوم في حقه أفضل لأنه يجمع بين الفضيلتين. قال ابن دقيق العيد: العرف الأكثر استعماله في الجهاد، فإن حمل عليه كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين. قال: ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت، والمراد من صام قاصداً وجه الله، والأول أقرب، ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى، لأن الصائم يضعف عن اللقاء، لأن الفضل المذكور محمول على من لم يخش ضعفا، ولا سيما من اعتاد به فصار ذلك من الأمور النسبية فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين (بعد الله) بتشديد العين هذا لفظ البخاري وفي مسلم باعد أي من المباعدة (وجهه) أي ذاته كلها (عن النار سبعين خريفاً) أي مقدار مسافة سبعين عاماً يعني أنها مسافة لا تقع إلا بسير سبعين عاماً، وهو كناية عن حصول البعد العظيم. قال في النهاية: الخريف الزمان المعروف ما بين الصيف والشتاء، ويراد به السنة، لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، فإذا انقضى الخريف انقضى السنة. قال الطيبي: وإنما خص بالذكر دون سائر الفصول لأنه زمان بلوغ حصول الثمار وحصاد الزرع وسعة العيش. وقال الحافظ: الخريف، زمان معلوم من السنة، والمراد به هنا العام وتخصيص الخريف بالذكر دون بقية الفصول الصيف والشتاء والربيع، لأن الخريف أزكى الفصول لكونه يجنى فيه الثمار-انتهى. وعند أبي يعلى من طريق زبان بن فائد عن معاذ بن أنس بعد من النار مائة عام سير المضمر الجواد، وعند الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد لا بأس به عن عمرو بن عبسة بعدت منه النار مسيرة مائة عام، ورواه في الكبير من حديث أبي أمامة إلا أنه قال فيه بعد الله وجهه عن النار مسيرة مائة عام ركض الفرس الجواد المضمر، ورواه النسائي من حديث عقبة لم يقل فيه ركض الفرس إلى آخره وفي كامل ابن عدي عن أنس تباعدت منه جهنم خمسمائة عام، وفي حديث أبي أمامة عند الترمذي جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض. وفي حديث سلامة بن قيصر عند الطبراني في الكبير كبعد غراب طار، وهو فرخ حتى مات هرما. قيل: ظاهر هذه الأحاديث التعارض، وأجيب بأن الاعتماد على رواية سبعين فإنها أصح الروايات لاتفاق الشيخين عليها فما في الصحيح أولى، أو أن الله تعالى أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بالأدنى ثم بما بعده على التدريج أو أن ذلك بحسب إختلاف أحوال الصائمين في كمال الصوم ونقصانه، أو ورد ذكر السبعين لإرادة التكثير أو المراد بالتبعيد كما قال النووي وغيره المعافاة عن النار وسلامته من عذابها، لا البعد بهذه المسافة. وفي الحديث دلالة على فضيلة الصوم في الجهاد ما لم يضعف بسببه عن قتال عدوه وكأن فضيلة ذلك لأنه جمع بين جهاد نفسه في طعامه وشرابه وشهوته وجهاد عدوه (متفق عليه) واللفظ للبخاري أخرجه في الجهاد وأخرجه مسلم في الصوم، وفي رواية له ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً، وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي في الجهاد والنسائي وابن ماجه والبيهقي في الصوم.
2074-
(19) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الله! ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله! قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، لا صام من صام الدهر،
ــ
2074-
قوله: (ألم أخبر) بضم الهمزة وسكون المعجمة وفتح الموحدة مبنياً للمفعول، وهمزة "ألم" للاستفهام ولكنه خرج عن الاستفهام الحقيقي، فمعنا هنا حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده ثبوته والذي أخبره هو والده عمرو بن العاص كما يدل عليه رواية البخاري في فضائل القرآن (إنك تصوم النهار) أي ولا تفطر، وفي رواية تصوم الدهر (وتقوم الليل) أي جميعه ولا تنام وفي رواية وتقرأ القرآن كل ليلة (فقلت: بلى يا رسول الله!) زاد مسلم ولم أرد بذلك إلا الخير، وفي رواية للبخاري أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أقول، والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ماعشت، وللنسائي من طريق أبي سلمة. قال: قال لي عبد الله بن عمرو: يا ابن أخي، إني قد كنت أجمعت على أن أجتهد إجتهاداً شديداً حتى قلت: لأصومن الدهر ولأقرأن القرآن في كل ليلة (قال فلا تفعل) زاد في رواية للبخاري، فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين (أي غارت ودخلت في نقرتها من الضعف) ونفهت له النفس (أي أعيت وتعبت وكلت) وزاد في رواية ابن خزيمة إن لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك. (صم) أي في بعض الأيام (وأفطر) بهمزة قطع أي في بعضها (وقم ونم) بفتح النون أي أجمع بين القيام والنوم في الليل (فإن لجسدك عليك حقاً) بأن ترعاه وترفق به ولا تضره حتى تقعد عن القيام بالفرائض ونحوها، وقد ذم الله قوماً أكثروا من العبادة، ثم تركوا بقوله:{ورهبانية ابتدعوها} إلى قوله: {فما رعوها حق رعايتها} [الحديد:27](وإن لعينك) بالأفراد، وفي رواية لعينيك بالتثنية (عليك حقاً) في الموطأ فإذا سرد الزوج الصوم ووالى قيام الليل ضعف عن حقها أي فلا ينبغي لأحد أن يجهد بنفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحقها من جماع واكتساب (وإن لزورك) بفتح الزاي وسكون الواو أي لضيفك، والزور في الأصل مصدر وضع موضع الإسم، كصوم في موضع صائم، ونوم في موضع نائم، وعدل في موضع عادل، والواحد والاثنان والثلاثة والمذكورة والمؤنث في ذلك بلفظ واحد: يقول هذا رجل زور، ورجلان زور، وقوم زور، وامرأة زور، ويحتمل أن يكون زور، جمع زائر، كركب جمع راكب، وتجر جمع تاجر (عليك حقاً) أي في البسط والمؤانسة وغيرهما فيفطر لأجله إيناساً له وبسطاً،
صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله. صم كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في كل شهر.
ــ
وفيه إن رب المنزل إذا نزل به ضعيف يفطر لأجله. وقال القاري: أي وتعجز بالصيام والقيام عن حسن معاشرته، والقيام بخدمته ومجالسته إما لضعف البدن أو لقوة سوء الخلق-انتهى. وزاد مسلم "وإن لولدك عليك حقاً" أي ومن حق الأولاد الرفق بهم والانفاق عليهم وشبه ذلك من التأديب والتعليم، وزاد النسائي وإنه عسى أن يطول بك عمر، وفيه إشارة إلى ما وقع لعبد الله بن عمرو بعد ذلك من الكبر والضعف والعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن دقيق العيد: كره جماعة قيام كل الليل لرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على من أراده، ولما يتعلق به من الاجحاف بوظائف عديدة وفعله جماعة من المتعبدين من السلف وغيرهم، ولعلهم حملوا الرد على طلب الرفق بالخلق لا غير، وهذا الاستدلال على الكراهة بالرد المذكور عليه سؤال هو أنه يقال إن الرد لمجموع أمرين، وهو صيام النهار وقيام الليل، فلا يلزمه ترتبه على أحدهما-انتهى. وقال النووي: نهيه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل كله هو على إطلاقه غير مختص بعبد الله بن عمرو بل قال أصحابنا: يكره صلاة كل الليل دائماً لكل أحد، لأن صلاة الليل كله لا بد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق، فإنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نام نوماً ينجبره سهره وفوت بعض الحقوق بخلاف من يصلي بعض الليل، فإنه يستغنى بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوت به حق، وكذا من قام ليلة كاملة كليلة العيد أو غيرها لا دائماً لا كراهة فيه لعدم الضرر والله أعلم (لا صام من صام الدهر) يحتمل أن يكون خبرا وأن يكون دعاء كما مر، والأول هو الأظهر وقد تقدم البسط في مسألة صوم الدهر في شرح حديث أبي قتادة (صوم ثلاثة أيام من كل شهر) مبتدأ خبره (صوم الدهر) لأن الحسنة بعشر أمثالها (كله) بالجر تأكيد للدهر، وفيه دليل على استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. واختلف في تعيينها من الشهر اختلافاً في تعيين الأحب والأفضل لا غير، وليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك (صم) أي أنت بالخصوص ومن هو في المعنى مثلك، وبهذا يندفع توهم التكرار المستفاد مما قبله قاله القاري. قلت: وقع في رواية بعد قوله "صم وأفطر وقم ونم" صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، وهذا يدل أيضاً على هذا ما وقع في رواية أخرى بعد قوله "وإن لزورك عليك حقاً" وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإذا ذلك صيام الدهر كله (كل شهر) منصوب بنزع الخافض أي من كل شهر (ثلاثة أيام) ظرف قيل هي أيام البيض وقيل غير ذلك (واقرأ القرآن) أي جميعه (في كل شهر) أي مرة
قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم، أفضل الصوم صوم داود: صيام يوم، وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة، ولا ترد على ذلك)) متفق عليه.
ــ
(إني أطيق أكثر من ذلك) أي مما ذكر صيام الثلاثة وختم الشهر (قال: صم أفضل الصوم صوم داود) نصبه على البدل أو البيان أو بتقدير أعنى، ويجوز رفعه دون جره لفساد المعنى (صيام يوم وإفطار يوم) برفعهما على أنهما خبر مبتدأ محذوف هو هو. قال القاري: وفي نسخة بالنصب، وهو ظاهر، وزاد في رواية "ولا تزد عليه " وفي أخرى "قلت إني أطيق أفضل من ذلك" فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أفضل من ذلك. وفي الرواية المذكورة هنا اختصار فإن للبخاري في الأدب "فصم من كل جمعة ثلاثة أيام" وفي رواية له. في الصوم "فصم يوماً وأفطر يومين" وفي أخرى له أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام. قلت: يا رسول الله! قال خمساً. قلت: يا رسول الله! قال سبعا. ً قلت: يا رسول الله! قال تسعاً. قلت: يا رسول الله! قال: إحدى عشرة. وفي رواية لمسلم "صم يوماً" يعني من كل عشر أيام ولك أجر ما بقي. قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال صم يومين ولك أجر ما بقي. قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي. قال إني أطيق أكثر من ذلك قال صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي. قال إني أطيق أكثر من ذلك قال صم صوم داود. وهذا يقتضى أنه صلى الله عليه وسلم أمره بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ثم بستة ثم بتسعة ثم باثني عشر ثم بخمسة عشر فالظاهر من مجموع الروايات الواردة في الباب أنه أمره بالاقتصار على ثلاثة أيام من كل شهر فلما قال أنه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتدريج إلى أنه وصله إلى خمسة عشر يوماً فذكر بعض الرواة عنه ما لم يذكر الآخر، ويدل على ذلك رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمر وعند أبي داود فلم يزل يناقصني وأناقصه. ووقع للنسائي في رواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة صم الاثنين والخميس من كل جمعة وهو فرد من أفراد ما تقدم ذكره. وقد استشكل قوله "صم من كل عشرة أيام ولك أجر ما بقي" مع قوله "صم من كل عشرة أيام يومين ولك أجر ما بقي" الخ. لأنه يقتضى الزيادة في العمل والنقص في الأجر وبذلك ترجم له النسائي وأجيب بأن المراد لك أجر ما بقي بالنسبة إلى التضعيف قال عياض قال بعضهم معنى "صم يوماً ولك أجر ما بقي" أي من العشرة وقوله صم يومين ولك أجر ما بقي" أي من العشرين وفي الثلاثة ما بقي من الشهر وحمله على ذلك استبعاد كثرة العمل وقلة الأجر. وتعقبه عياض بأن الأجر إنما اتحد في كل ذلك لأنه كان نيته أن يصوم جميع الشهر فلما منعه صلى الله عليه وسلم من ذلك إبقاء عليه لما ذكر بقي أجر نيته على حاله، سواء صام منه قليلاً أو كثيراً كما تأولوه في حديث نية المؤمن خير من عمله أي إن أجره في نيته أكثر من أجر عمله لامتداد نيته بما لا يقدر على عمله-انتهى. والحديث المذكور ضعيف، وهو في مسند الشهاب والتأويل المذكور لا بأس به. ويحتمل أيضاً إجراء الحديث على ظاهره، والسبب فيه إنه كلما ازداد من الصوم إزداد من المشقة الحاصلة بسببه المقتضية لتفويت بعض الأجر الحاصل من العبادات التي قد يفوتها مشقة الصوم فينقص الأجر بإعتبار ذلك على أن قوله في نفس الخبر
"صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي" يرد الحمل الأول فإنه يلزم منه على سياق التأويل المذكور أن يكون التقدير ولك أجر أربعين. وقد قيده في نفس الحديث بالشهر، والشهر لا يكون أربعين. وكذلك قوله في رواية أخرى للنسائي بلفظ: صم من كل عشرة أيام يوماً ولك أجر تلك التسعة ثم قال فيه من كل تسعة أيام يوماً ولك أجر تلك الثمانية، ثم قال من كل ثمانية أيام يوماً ولك أجر السبعة، فلم يزل حتى قال صم يوماً وأفطر يوماً. وله من طريق آخر بلفظ: صم يوماً ولك أجر عشرة. قلت: زدني قال صم يومين لك أجر تسعة. قلت: زدني قال صم ثلاثة ولك أجر ثمانية، فهذا يدفع في صدر ذلك التأويل الأول كذا في الفتح (واقرأ) أي كل القرآن. قال القسطلاني: أي ما نزل منه إذ ذاك وما سينزل (في كل سبع ليال مرة) أي مرة من الختم (ولا تزد على ذلك) أي على ما ذكر من الصوم والختم، أو المراد لا تزد على ما ذكر من السبع. قال الحافظ: أي لا تغير الحال المذكورة إلى حالة أخرى فأطلق الزيادة، والمراد النقص والزيادة هنا بطريق التدلى أي لا تقرأه في أقل من سبع، ولمسلم قال اقرأ القرآن في كل شهر قال، قلت: يا نبي الله! إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في كل عشرين. قال قلت: يا نبي الله! إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في كل عشر، قلت: يا نبي الله! إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في سبع. ولا تزد على ذلك. ولأبي داود والترمذي والنسائي من طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو. أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن قال: في أربعين يوماً، ثم قال: في شهر ثم قال: في عشرين، ثم قال: في خمس عشرة، ثم قال: في عشرة، ثم قال: في سبع، ثم لم ينزل عن سبع. قال الحافظ: وهذا إن كان محفوظاً احتمل في الجمع بينه وبين رواية أبي فروة الآتية تعدد القصة، فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر، وفي ذلك تأكيداً، ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق. وفي مسند الدارمي من طريق أبي فروة عروة بن الحارث الجهني عن عبد الله بن عمرو قال قلت يا رسول الله! في كم أختم القرآن. قال: أختمه في شهر، قلت: إني أطيق قال أختمه في خمس وعشرين، قلت: إني أطيق قال أختمه في عشرين، قلت: إني أطيق قال أختمه في خمس عشرة، قلت: إني أطيق قال أختمه في خمس، قلت: إني أطيق قال لا. وفي رواية هشيم عن مغيرة وحصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمر. وعند أحمد (ج2:ص158) قال فأقرأه في كل شهر قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال فأقرأه في كل عشرة أيام، قلت إني أجدني أقوى من ذلك، قال أحدهما إما حصين وإما مغيرة. وقال فأقرأه في كل ثلاث. وفي رواية للبخاري في الصوم قال إقرأ القرآن في كل شهر، قال أي عبد الله إني مصححاً من طريق يزيد ابن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً، لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث. ولفظ ابن ماجه لم يفقه الخ. قال السندي: إخبار بأنه لا يحصل الفهم والفقه المقصود من قراءة القرآن فيما دون ثلاث أو دعاء بأن لا يعطيه الله تعالى الفهم،
وعلى التقديرين فظاهر الحديث كراهة الختم فيما دون ثلاث-انتهى. وعند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود إقرؤا القرآن في سبع ولا تقرؤه في أقل من ثلاث، ولأبي عبيد في فضائل القرآن من طريق عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث، وهذا اختيار أحمد كما في المغني (ج2:ص174) وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه، وثبت عن كثير من السلف إنهم قرأوا القرآن في دون ذلك. قال الحافظ: وكأن النهى عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الأمر في جميع ما مر في الحديث ليس للوجوب، وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق، وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل. وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم أن يقرأ القرآن. في أقل من ثلاث. وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة. قال والاختيار إن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبير، واستخراج المعاني. وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة. قلت: والراجح عندنا هو ما ذهب إليه أحمد أنه يكره أن يقرأه في اقل من ثلاث لما مر من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو، عند أبي داود والترمذي، ومن حديث ابن مسعود عند سعيد بن منصور ومن حديث عائشة عند أبي عبيده فهذه الأحاديث ظاهرة في التقدير والتحديد، فالصواب أن يتوقف عندها ولا يلتفت إلى ما يخالف ظاهرها من أقوال العلماء وعملهم والله تعالى أعلم. تنبيه المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه ولا يرد على هذا أن القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة، وذلك قل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله، لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الإطلاق، وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول ليتني لو قبلت الرخصة، ولا شك أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخراً إلى ما نزل أولاً فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه، ووقعت الإشارة إلى أن ما نزل بعد ذلك يوزع بقسطه قاله الحافظ:(متفق عليه) أخرجه البخاري في التهجد والصوم والأنبياء وفضائل القرآن والنكاح والأدب والاستيذان، ومسلم في الصوم بألفاظ متقاربة، والسياق المذكور ههنا ليس لأحد منهما ولا لغيرهما ممن خرجه من الأئمة كما لا يخفى على من نظر في طرق هذا الحديث وألفاظه. وأخرجه أحمد اثنتين وعشرين مرة مطولاً ومختصراً، وأبوداود والنسائي والبيهقي في الصوم، وقد أطال النسائي في تخريجه طرقه، قال الحافظ في الفتح: رواه جماعة من الكوفيين والبصريين والشاميين عن عبد الله بن عمرو مطولاً ومختصراً. فمنهم من اقتصر على قصة الصلاة، ومنهم من اقتصر على قصة الصيام، ومنهم من ساق القصة كلها، ولم أره من رواية أحد من المصريين عنه مع كثرة روايتهم عنه.