المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم)) - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم))

لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم)) . رواه مسلم، وذكر حديث ابن عباس:((اتق دعوة المظلوم)) . في كتاب الزكاة.

{الفصل الثاني}

2252-

(8) عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة.

ــ

أموالكم" فالظاهر إن المراد بالأموال في رواية مسلم ما هو الأعم من العبيد والإماء (لا توافقوا) نهى للداعي أي وعلة للنهي أي لا تدعوا على من ذكر لئلا توافقوا (من الله ساعة) أي ساعة إجابة (يسأل) أي الله (فيها عطاء) بالنصب على أنه مفعول ثان. قال القاري: وفي نسخة يعني من المشكاة بالرفع على أنه نائب الفاعل ليسأل – انتهى. وفي رواية أبي داود لا توافقوا من الله ساعة نيل فيها عطاء. قال المظهر: العطاء ما يعطي من خير أو شر وأكثر استعمال العطاء يكون في الخير والمعنى ههنا يسئل فيها مسئلة (فيستجيب) بالرفع عطفاً على يسئل أو التقدير فهو يستجيب (لكم) يعني لا تدعوا دعاء سوء على ما ذكر مخافة أن يصادف دعوتكم ساعة إجابة فيستجاب دعاءكم السوء ثم تندموا على ما دعوتم ولا ينفعكم الندامة يعني لا تدعوا إلا بخير. وقيل "فيستجيب" منصوب لأنه جواب "لا توافقوا" قال الطيبي: جواب النهي من قبيل لا تدن من الأسد فيأكلك على مذهب أي مذهب الكسائي ويحتمل أن يكون مرفوعا أي فهو يستجيب (رواه مسلم) في أثناء حديث جابر الطويل في آخر صحيحه، وأخرجه أيضاً أبوداود في أواخر الصلاة، وفي الباب عن أم سلمة بلفظ: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، وقد تقدم في باب ما يقال عند من حضره الموت (ج1ص449) .

(وذكر حديث ابن عباس إتق) أي احذر (دعوة المظلوم) أي لا تظلم أحداً بأن تأخذ منه شيئاً ظلماً أو تمنع أحداً حقه تعدياً أو تتكلم في عرضه افتراء حتى لا يدعوا عليك، وتمام الحديث فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. (في كتاب الزكاة) في أوله لكونه في ضمن حديث طويل هناك فأسقطه للتكرار ونبه عليه لا لكون الحديث أنسب بذلك الكتاب حتى يرد السؤال والجواب.

2253-

قوله: (الدعاء هو العبادة) هذه الصفة المقتضية للحصر من جهة تعريف المسند إليه ومن جهة تعريف المسند ومن جهة ضمير الفصل تقتضي أن الدعاء هو أعلى أنواع العبادة وأرفعها وأشرفها، وإلى هذا أشار بقوله الدعاء مخ العبادة. قال الطيبي: معنى الحديث أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذا الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له، وما شرعت العبادات إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار وينصر هذا

ص: 351

ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}

ــ

التأويل ما بعد الآية المتلوة {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم} [غافر: 6] داخرين حيث عبر عن عدم الافتقار والتذلل والخضوع بالاستكبار، ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان. وقيل: لا وجه لحمل العبادة على المعنى اللغوي ولا فائدة فيه والأقرب أن يقال أن العبادة سواء كانت دعاء أم غيره لا يخلو أن يقصد بها استدعاء رضوان الله تعالى واستدفاع سخطه أو يقصد بها غرض دنيوي محض كالتوسعة في الرزق ليتنعم والشفاء من المرض ليتخلص من الألم وعلى كل فذلك القصد يصح أن يسمى دعاء، لأنه دعاء قلبي وإذا اعتبرنا العبادات الشرعية سوى الدعاء وجدنا الشارع، قد شرع الدعاء في كل منهما بما يوافق ذلك القصد فصار الدعاء عبارة عن الأمرين، السؤال باللسان والقصد بالجنان، لأن الدعاء باللسان إنما هو ترجمة لذلك القصد فإذا صح هذا فإننا إذا أفرزنا الدعاء من العبادة وهو القصد القلبي وترجمته اللسانية لم يبق من العبادة إلا صورتها. ولا شك أن القصد القلبي مع الترجمة عنه أكرم على الله تعالى وأشرف من صورة العبادة مجردة عن ذلك، ولهذا صح إن الدعاء مخ العبادة، وهو معنى قوله إن الدعاء هو العبادة على وزان قوله الحج عرفة وقد يتوسع في هذا فيقال إن صورة العبادة كالصوم دعاء بالحال، وبهذا يصح إن العبادات كلها دعاء. وقال ميرك: أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغة ومعناه إن الدعاء معظم العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة أي معظم أركان الحج الوقوف بعرفة) . قال القاري في شرح الحصن بعد نقل كلام ميرك: والأظهر أن الحصر حقيقي لا ادعائي فإن إظهار العبد العجز، والاحتياج عن نفسه والاعتراف بأن الله تعالى قادر على إجابته سواء استجاب له أو لم يستجب كريم غني لا بخل له ولا فقر ولا احتياج له إلى شيء حتى يدخر لنفسه ويمنعه من عباده هو عين العبادة بل مخها – انتهى. (ثم قرأ وقال ربكم ادعوني استجب لكم) ذكر الآية بعد الحديث على وجه البيان لأن في الآية الأمر بالدعاء والقيام بحكم الأمر هو العبادة. قال القاري: قيل استدل بالآية على أن الدعاء عبادة لأنه مأمور به والمأمور به عبادة. وقال القاضي البيضاوي: لما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستحق أن تسمى عبادة من حيث أنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله تعالى معرض عمن سواه لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط، والمسبب على السبب وما كان كذلك كان أتم العبادات وأكملها، ويقرب منه قوله مخ العبادة أي خالصها. وقيل الاستدلال بالآية بتمامها وذلك لأن أول الكلام مسوق للدعاء، فالمناسب به أن يقول: إن الذين يستكبرون عن دعائي، فإطلاق العبادة في موضع الدعاء ويدل على أن الدعاء عبادة. قال الحافظ: هذه الآية ظاهرة في ترجيح الدعاء على

ص: 352

رواه أحمد، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه.

2253-

(9) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء مخ العبادة)) . رواه الترمذي.

2254-

(10) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أكرم

ــ

التفويض وأجاب عنها من ذهب إلى أن الأفضل ترك الدعاء والاستسلام للقضاء بأن آخرها دل على أن المراد بالدعاء (أي في الآية) العبادة لقوله: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} واستدلوا بحديث النعمان يعني الذي نحن في شرحه. وأجاب الجمهور أي الذين قالوا بترجيح الدعاء على التفويض بأن الدعاء من أعظم العبادة فهو كالحديث الآخر الحج عرفة أي معظم الحج وركنه الأكبر، ويؤيده حديث الدعاء مخ العبادة، وقد تواردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب في الدعاء والحث عليه. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره، وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط إن الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا فالوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكباراً، ومن فعل ذلك كفراً، وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور، وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه – انتهى. قلت: الأمر في الآية للاستحباب والوعيد ليس على ترك الدعاء مطلقاً بل على تركه استكباراً (رواه أحمد)(ج4ص267، 271، 276)(والترمذي) في تفسير سورتي البقرة والمؤمن وفي الدعوات. وقال: هذا حديث حسن صحيح. (وأبوداود) في أواخر الصلاة وسكت عنه. ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره (والنسائي) في الكبرى (وابن ماجه) في الدعاء وأخرجه أيضاً البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة في مصنفه وابن حبان في صحيحه، والحاكم (ج1ص491) والطبراني في كتاب الدعاء. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وأخرجه أبويعلى من حديث البراء كما في الكنز.

2253-

قوله: (الدعاء مخ العبادة) المخ بالضم نقي العظيم والدماغ وشحمة العين وخالص كل شي، والمعنى إن الدعاء لب العبادة وخالصها، وذلك لأن الداعي إنما يدعوا الله عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص ولا عبادة فوقهما، قال ابن العربي: وبالمخ تكون القوة للأعضاء فكذا الدعاء مخ العبادة به تتقوى عبادة العابدين فإنه روح العبادة (رواه الترمذي) في الدعوات. وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة – انتهى. وابن لهيعة فيه مقال مشهور، وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة مرفوعاً أشرف العبادة الدعاء.

2254-

قوله: (ليس شيء أكرم) بالنصب على أنه خبر ليس أي أكثر كرامة أي شرفاً يعني أعلى قدراً

ص: 353

على الله من الدعاء)) . رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

2255-

(11) وعن سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرد القضاء

ــ

وأرفع درجة. وقيل أي أفضل وأشرف (على الله) أي عند الله (من الدعاء) أي من حسن السؤال والطلب لأن فيه إظهار الفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله وقدرته والمعنى ليس شيء من أنواع العبادات القولية أكرم عند الله من الدعاء لأن شرف كل شيء يعتبر في بابه فلا يرد أن الصلاة أفضل العبادات البدنية، ولا يتوهم أنه مناف لقوله تعالى:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] وقيل: الأظهر أن الدعاء أفضل من جميع الأذكار والطاعات وقيل: المراد بقوله أكرم أسرع قبولاً وأنفع تأثيراً. وقيل يمكن أن يراد بالدعاء الدعاء إلى الله تعالى فيكون المعنى أكرم الأعمال هو الهداية إلى الله تعالى التي هي وظيفة الرسل والعلماء النائبين عنهم، وهذا معنى صحيح ولا يظهر فيه إشكال فتأمل (رواه الترمذي وابن ماجه) في الدعوات وأخرجه أيضاً أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وفي التاريخ وابن حبان والحاكم (ج1ص490) (وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي. قال الشوكاني: وإنما لم يصححه الترمذي لأن في إسناده عمران بن داور القطان ضعفه النسائي وأبوداود ومشاة أحمد. وقال ابن القطان: رواته كلهم ثقات إلا عمران، وفيه خلاف - انتهى. قلت: عمران هذا قال البخاري فيه: إنه صدوق يهم، ووثقه عفان والعجلي. وقال الساجي والحاكم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث وضعفه أبوداود والنسائي. وقال ابن معين: ليس بالقوي. وقوله هذا حديث حسن غريب كذا وقع في النسخ المطبوعة في الهند من المشكاة وفي النسخة التي على هامش المرقاة، وهكذا نقله الشوكاني في تحفة الذاكرين وليس في نسخ الترمذي الموجودة عندنا لفظ حسن، وكذا لم يقع في متن المرقاة ولم يذكره البغوي أيضاً والحديث لا ينزل عن درجة الحسن.

2255-

قوله: (لا يرد القضاء) بالنصب على المفعولية (إلا الدعاء) قال القاري أخذاً عن التوربشتي: القضاء هو الأمر المقدر. وتأويل الحديث إنه إن أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه، فإذا وفق للدعاء دفعه الله عنه فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقي عنه يوضحه، قوله صلى الله عليه وسلم في "الرقى" هو من قدر الله، وقد أمر بالتداوي والدعاء مع أن المقدور كائن لخفاءه على الناس وجوداً وعدماً. ولما بلغ عمر الشام وقيل له إن بها طاعونا رجع. فقال أبوعبيدة: أتفر من القضاء يا أمير المؤمنين؟ فقال لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم! نفر من قضاء الله أو أراد برد القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر حتى كأنه لم ينزل يؤيده قوله في الحديث الآتي إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل - انتهى. وقيل هكذا كله تكلف وحقيقة المعنى إن المراد بالقضاء

ص: 354

إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)) . رواه الترمذي.

ــ

القضاء الذي علق رده بالدعاء وجعل الدعاء سبباً لرده، فإن القضاء لا ينافي السبب والمسبب، فمن جملة القضاء أن يكون شيء سبباً لحصول شيء أو يكون سبباً لرده فالدعاء ورد البلاء به من قدر الله تعالى فقد يقضى بشي على عبده قضاء مقيداً بأن لا يدعوه، فإن دعاءه اندفع عنه فالدعاء كالترس والبلاء كالسهم (ولا يزيد في العمر) بضم الميم وتسكن (إلا البر) بكسر الباء وهو الإحسان والطاعة. والظاهر إنه يزاد حقيقة قال تعالى:{وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} [فاطر: 11] وقال: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد: 39] والمعنى أنه لو لم يكن باراً لقصر عمره من القدر الذي كان إذا بر، والتفاوت إنما يظهر في التقدير المعلق لا فيما يعلم الله تعالى إن الأمر يصير إليه فإن ذلك لا يقبل التغيير، ولا يخفي ما بين الحصرين المستفادين من الجملتين من التناقض فيجب حمل القدر أي المقدر في الجملة الأولى على غير العمر فليتأمل ذكر في الكشاف إنه لا يطول عمر الإنسان ولا يقصر إلا في كتاب، وصورته أن يكتب في اللوح إن لم يحج فلان أو يغز فعمره أربعون سنة وإن حج وغزا فعمره ستون سنة فإذا جمع بينهما فبلغ الستين فقد عمر وإذا أفرد أحدهما فلم يتجاوز به الأربعين فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون، وذكر نحوه في معالم التنزيل وقيل معناه إذا بر لا يضيع عمره فكأنه زاد وقيل قدر أعمال البر سبباً لطول العمر كما قدر الدعاء سبباً لرد البلاء، فالبر على الوالدين وبقية الأرحام يزيد في العمر، إما بمعنى أنه يبارك له في عمره فييسر له في الزمن القليل من الأعمال الصالحة ما لا يتيسر لغيره من العمل الكثير فالزيادة مجازية لأنه يستحيل في الآجال الزيادة الحقيقية. قال الطيبي: اعلم أن الله تعالى إذا علم أن زيداً يموت سنة خمس مائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها فاستحال أن تكون الآجال التي عليها علم الله تزيد أو تنقص فتعين تأويل الزيادة إنها النسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكل بقبض الأرواح وأمره بالقبض بعد آجال محدودة فإنه تعالى بعد أن يأمره بذلك أو يثبت في اللوح المحفوظ ينقص منه أو يزيد على ما سبق علمه في كل شيء وهو بمعنى قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} وعلى ما ذكر يحمل قوله عزوجل {ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده} [الأنعام: 2] فالإشارة بالأجل الأول إلى ما في اللوح المحفوظ، وما عند ملك الموت وأعوانه، وبالأجل الثاني إلى ما في قوله تعالى:{وعنده أم الكتاب} وقوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34] والحاصل أن القضاء المعلق يتغير. وأما القضاء المبرم فلا يبدل ولا يغير - انتهى. (رواه الترمذي) في القدر. وقال: حديث حسن غريب. قال الشوكاني: وصححه ابن حبان ولم يصححه الترمذي لأن في إسناده أبا مودود البصري واسمه فضة بكسر أوله وتشديد المعجمة. قال أبوحاتم: ضعيف. قلت: فضة أبومودود بصري مشهور بكنيته.

ص: 355

2256-

(12) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)) . رواه الترمذي.

2257-

(13) ورواه أحمد عن معاذ بن جبل، قال

ــ

قال الحافظ في التقريب: فيه لين. قال الشوكاني: وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير والضياء في المختارة، ومثله حديث ثوبان الذي أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك (ج1ص493) وابن حبان في صحيحه لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه - انتهى. قلت: حديث ثوبان أخرجه أيضاً ابن ماجه في السنة والفتن. قال في الزوائد: سألت شيخنا أبا الفضل القرافي عن هذا الحديث فقال: حسن. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي.

2256-

قوله: (إن الدعاء ينفع مما نزل) أي من بلاء نزل بالرفع إن كان معلقاً وبالصبر إن كان محكماً فيسهل عليه تحمل ما نزل به فيصبره أو يرضيه به حتى لا يكون في نزوله متمنياً خلاف ما كان بل يتلذذ بالبلاء كما يتلذذ أهل الدنيا بالنعماء (ومما لم ينزل) أي بأن يصرفه عنه ويدفعه منه أو يمده قبل النزول بتأييد من عنده يخف معه أعباء ذلك إذ أنزل به (فعليكم) أي إذا كان هذا شأن الدعاء فالزموا (عباد الله) أي يا عباد الله (بالدعاء) لأنه من لوازم العبودية التي هي القيام بحق الربوبية (رواه الترمذي) في الدعوات، وكذا الحاكم (ج1ص493) كلاهما من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي وهو ضعيف في الحديث قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه – انتهى. والحديث قال الحافظ في الفتح. في سنده: لين. وسكت عنه الحاكم. وقال الذهبي في مختصره: قلت عبد الرحمن واه، وقال المنذري في الترغيب: هو ذاهب الحديث.

2257-

قوله: (ورواه أحمد)(ج5ص234)(عن معاذ بن جبل) وكذا الطبراني كلاهما من طريق إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي عن شهر بن حوشب عن معاذ بلفظ: لن ينفع حذر من قدر ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم بالدعاء عباد الله. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10ص146) شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة - انتهى. قلت: ورواه أيضاً البزار عن معاذ بن جبل، وفيه إبراهيم بن خيثم وهو متروك، ورواه البزار أيضاً والطبراني في الأوسط والحاكم (ج1ص492) عن عائشة. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي بأن زكريا ابن منظور أحد رجاله مجمع على ضعفه. وقال الهيثمي (ج7ص209، ج10ص146) : زكريا بن منظور وثقه

ص: 356

وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

2258-

(14) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يدعوا بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)) . رواه الترمذي.

2259-

(15) وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العباد انتظار الفرج)) .

ــ

أحمد بن صالح المصري وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات (وقال الترمذي هذا) أي حديث ابن عمر (غريب) ومع غرابته فهو ضعيف كما تقدم.

2258-

قوله: (إلا آتاه الله ما سأل) أي إن جرى في الأزل تقدير إعطاءه ما سأل (أو كف عنه من السوء مثله) أي دفع عنه من البلاء عوضا مما منع قدر مسئوله إن لم يجر التقدير. قال الطيبي: فإن قلت كيف مثل جلب النفع بدفع الضرر وما وجه التشبيه. قلت: الوجه ما هو السائل مفتقر إليه وما هو ليس مستغني عنه. وقال ابن حجر: أي يدفع الله عنه سوأ تكون الراحة في دفعه بقدر الراحة التي تحصل له لو أعطى ذلك المسئول فالمثلية بإعتبار الراحة في دفع ذلك. وجلب هذا (ما لم يدع بإثم) أي بمعصية (أو قطيعة رحم) تخصيص بعد تعميم (رواه الترمذي) لم يحكم الترمذي عليه بشي من الصحة أو الضعف وفي سنده ابن لهيعة وفي الباب عن عبادة بن الصامت. أخرجه الترمذي وصححه هو والحافظ في الفتح، ونسبه المنذري والحافظ للحاكم أيضاً، وعن أبي سعيد أخرجه أحمد، وسيأتي في الفصل الثالث وعن أبي هريرة أخرجه أحمد. قال المنذري: بإسناد لا بأس به والترمذي والحاكم وقال صحيح الإسناد.

2259-

قوله: (وعن ابن مسعود) كذا في جميع النسخ الحاضرة عندنا، وهكذا وقع في الترغيب للمنذري والجامع الصغير وكنز العمال. قال القاري: وفي نسخة يعني من المشكاة أبي مسعود بالياء بدل النون - انتهى. وهكذا وقع في جامع الأصول للجزري (ج5ص19) وهو غلط من الناسخ والصواب ابن مسعود فإن الحديث من مسند عبد الله بن مسعود كما وقع مصرحاً بذلك في جامع الترمذي وهكذا ذكره الحافظ في الفتح (سلوا الله من فضله) أي بعض فضله فإن فضله واسع وليس هناك مانع (فإن الله يحب أن يسأل) أي من فضله. وقال الطيبي: أي لا يمنعكم شيء من السؤال فإن الله يحب أن يسأل من فضله لأن خزائنه ملأي لا تغضيها نفقة سحاء الليل والنهار فلما حث على السؤال هذا الحث البليغ وعلم أن بعضهم يمتنع من الدعاء لاستبطاء الإجابة قال (وأفضل العبادة انتظار الفرج) أي إذا سألتم وأبطئت عنكم الإجابة فلا تضجروا، لأن انتظار الفرج من أفضل

ص: 357

رواه الترمذي. وقال: هذا حديث غريب.

2260-

(16) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه)) . رواه الترمذي.

ــ

العبادة، والفرج بفتحتين بالفارسية كشايس، يقال فرج الله الغم عنه أي كشفه وأذهبه. قال القاري: انتظار الفرج أي ارتقاب ذهاب البلاء والحزن بالصبر وترك الشكاية إلى غيره تعالى، وكونه أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً ابن مردوية وابن أبي الدنيا كلهم من طريق حماد بن واقد عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله (وقال: هذا حديث غريب) ليست هذه الجملة في نسخ الترمذي الموجودة عندنا بل فيها بعد تمام الحديث "هكذا روي حماد بن واقد هذا الحديث وحماد بن واقد ليس بالحافظ وروى أبونعيم (الفضل بن دكين) هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح" انتهى كلام الترمذي. قلت: حماد بن واقد العيشي أبوعمرو الصفار البصري قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته: قال ابن معين: ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبوزرعة: لين الحديث. له عند الترمذي حديث واحد وهو في انتظار الفرج وأعله – انتهى مختصراً. وإنما رجح الترمذي حديث أبي نعيم لأن أبا نعيم وهو الفضل بن دكين ثقة ثبت. وأما حماد بن واقد فضعيف كما عرفت آنفا والرجل المبهم في طريق أبي نعيم يحتمل أن يكون صحابياً ويحتمل أن يكون تابعياً، وعلى الثاني يكون هذا الطريق مرسلا، وفي الباب عن أنس بلفظ: إن أفضل العبادة انتظار الفرج أخرجه البزار. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10ص147) وفيه من لم أعرفه.

2260-

قوله: (من لم يسأل الله يغضب عليه) لأن ترك السؤال تكبر واستغناء وهذا لا يجوز للعبد ولنعم ما قيل:

الله يغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يسأل يغضب

وقال الطيبي: وذلك لأن الله يحب أن يسئل من فضله فمن لم يسأل الله يبغضه، والمبغوض مغضوب عليه – انتهى. قال الحافظ: ويؤيده حديث ابن مسعود رفعه سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسئل أخرجه الترمذي، وفي الحديث دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات وأعظم المفروضات لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والبزار والحاكم (ج1ص491) وابن أبي شيبة كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي عن أبي هريرة، وهذا الخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبوزرعة، وظن الحافظ ابن كثير أنه

ص: 358

2261-

(17) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سأل الله شيئاً - يعني أحب إليه - من أن يسأل العافية)) . رواه الترمذي.

ــ

أبوصالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال، فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بأن أبا صالح هو الخوزي وقع في رواية البزار والحاكم عن أبي صالح الخوزي سمعت أبا هريرة كذا في الفتح (ج26ص19، 20) .

2261-

قوله: (من الفتح) بصيغة المفعول (له منكم باب الدعاء) أي بأن وفق لأن يدعوا الله كثيراً مع وجود شرائطه وحصول آدابه (فتحت له أبواب الرحمة) يعني أنه يجاب لمسئوله تارة ويدفع عنه مثله من السوء أخرى كما في رواية ابن أبي شيبة فتحت له أبواب الإجابة، وفي رواية الحاكم فتحت له أبواب الجنة ورواية الكتاب أعم وأشمل (وما سأل) بصيغة المجهول (الله) بالرفع نائب الفاعل (شيئاً) وفي رواية الحاكم ولا يسأل الله عبد شيئاً (يعني أحب إليه) كذا في جميع النسخ الحاضرة، وهكذا في المصابيح وجامع الترمذي وهكذا نقله المنذري في الترغيب أي بزيادة لفظة يعني قبل أحب ولا توجد هذه اللفظة في جامع الأصول والحصن والكنز وتحفة الذاكرين وليست أيضاً في رواية الحاكم. قال الطيبي: أحب إليه تقييد للمطلق بيعني وفي الحقيقة صفة شيئاً – انتهى. قلت قوله يعني من كلام بعض الرواة وذكر ذلك لأنه لم يحفظ ولم يستحضر لفظ الحديث بعد قوله شيئا فرواه بالمعنى فما بعد يعني نقل ورواية بالمعنى و "شيئاً" مفعول مطلق وأحب إليه صفته وإن في قوله (من أن يسأل العافية) مصدرية، والمعنى ما سئل الله سؤالا أحب إليه من سؤال العافية، ويجوز أن يكون "شيئا" مفعولا به أي ما سئل الله مسؤلا أحب إليه من العافية وزيد أن يسئل اهتماما بشأن المسؤل وللإيذان بأن الأحب إليه سؤال العافية لا ذاتها. قال الطيبي إنما كانت العافية أحب لأنها لفظة جامعه لخير الدارين من الصحة في الدنيا والسلامة فيها. وفي الآخرة. لأن العافية أن يسلم من الأسقام والبلايا وهي الصحة ضد المرض – انتهى. وقيل: المراد بالعافية السلامة عن جميع الآفات الظاهرة والباطنة في الدنيا والآخرة (رواه الترمذي) وكذا الحاكم (ج1ص498) كلاهما من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المليكي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الترمذي: حديث غريب، والمليكي ضعيف في الحديث. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بأن المليكي ضعيف. وقال المنذري: هو ذاهب الحديث. وقال الحافظ في سنده: لين. وقد صححه مع ذلك الحاكم.

ص: 359

2262-

(18) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء)) . رواه الترمذي. وقال: هذا حديث غريب.

2263-

(19) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء

ــ

2262-

قوله: (من سره) أي أعجبه وأوقعه في الفرح والسرور (أن يستجيب الله له عند الشدائد) جمع الشديدة وهي الحادثة الشاقة. وقال الجزري: الشديدة كل ما يمر بالإنسان من مصائب الدنيا، وفي الترمذي زيادة، والكرب بضم الكاف وفتح الراء جمع الكربة، وهي الغم الذي يأخذ بالنفس لشدته (فليكثر) أمر من الإكثار (الدعاء في الرخاء) بفتح الراء والخاء المعجمة ممدود أي في حالة الصحة والفراغ والعافية. قال الجزري: الرخاء السعة في العيش وطيبة وهو ضد الشدة – انتهى. والمعنى فليلازم الدعاء في حال الصحة والرفاهية والسلامة من المحن، فإن من شيمة المؤمن الحازم أن يريش أسهم قبل أن يرمي ويلتجىء إلى الله قبل مس الاضطرار إليه بخلاف الكافر والفاجر كما قال الله تعالى:{وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إلى خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل} الآية [الزمر: 8] وقال {وإذا مس الإنسان ضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} [يونس:12](رواه الترمذي) وكذا الحاكم (ج1ص544) وقال حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قال المنذري في الترغيب: ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان وقال في كل منهما صحيح الإسناد.

2263-

قوله: (وأنتم موقنون بالإجابة) المراد ملزومه أي ادعوا الله والحال إنكم ملتبسون بالصفات التي هي سبب في الإجابة. قال التوربشتي: أي كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون فيها الإجابة وذلك إتيان المعروف واجتناب المنكر وغير ذلك من مرعاة أركان الدعاء وآدابه حتى تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الردأ، والمراد ادعوه معتقدين لوقوع الإجابة لأن الداعي إذا لم يكن متحققاً في الرجاء لم يكن رجاءه صادقاً وإذا لم يكن الرجاء صادقاً لم يكن الدعاء خالصاً والداعي مخلصاً فإن الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق الفرع إلا بتحقق الأصل. وقيل: لا بد من اجتماع المعنيين إذ كل منهما مطلوب لرجاء الإجابة، وقال المظهر: المعنى ليكن الداعي ربه على يقين بأن الله تعالى يجيبه لأن رد الدعاء إما لعجز في إجابته أو لعدم كرم في المدعو أو لعدم علم المدعو بدعاء الداعي وهذه الأشياء منتفية عن الله تعالى فإن الله جل جلاله عالم كريم قادر لا مانع له من الإجابة، فإذا علم الداعي إنه لا مانع لله في إجابة الدعاء فليكن موقناً بالإجابة. فإن قيل قد قلتم إن الداعي ليكن موقنا بالإجابة واليقين إنما يكون إذا لم يكن الخلاف في ذلك الأمر، ونحن قد نرى بعض الدعاء يستجاب وبعضها لا يستجاب

ص: 360

من قلب غافل لاه)) . رواه الترمذي. وقال: هذا حديث غريب.

2264-

(20) وعن مالك بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها)) .

ــ

فكيف يكون للداعي يقين. قلنا: الداعي لا يكون محروماً عن إجابة الدعاء البتة لأنه يعطي ما يسأل وإن لم يكن إجابته مقدراً في الأزل لا يستجاب دعاءه فيما يسأل ولكن يدفع عنه السوء مثل ما يسأل كما جاء في الحديث أو يعطي عوض ما يسأل يوم القيامة من الثواب والدرجة، لأن الدعاء عبادة ومن عمل عبادة لا يجعل محروماً من الثواب – انتهى. (من قلب غافل) بالإضافة وتركها أي معرض عن الله أو عما يسأله (لاه) من اللهو أي لاعب بما سأله أو مشتغل بغير الله وهذا عمدة آداب الدعاء ولهذا خص بالذكر (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً الحاكم (ج1ص493) وفي سندهما صالح بن بشير بن وداع البصري القاص الزاهد المعروف بالمرى بضم الميم وتشديد الراء وهو ضعيف. (وقال هذا حديث غريب) وقال الحاكم: حديث مستقيم الإسناد تفرد به صالح المرى وهو أحد زهاد أهل البصرة. قال المنذري: لا شك في زهده لكن تركه أبوداود والنسائي – انتهى. قلت: وقال البخاري منكر الحديث. وضعفه الجمهور. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القلوب أوعية وبعضها أوعي من بعض فإذا سألتم الله عزوجل أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاءه عن ظهر قلب غافل. أخرجه أحمد (ج2ص177) وحسن المنذري والهيثمي إسناده، ويؤيده ما روى الطبراني من حديث ابن عمر بنحو ذلك. قال الهيثمي (ج10ص148) بعد ذكره: وفيه بشير بن ميمون الواسطي وهو مجمع على ضعفه.

2264-

قوله: (وعن مالك بن يسار) بفتح الياء السكوني بفتح السين. قال في التقريب: صحابي قليل الحديث - انتهى. وقال سلمان بن عبد الحميد: شيخ أبي داود لمالك بن يسار عندنا صحبة. قال المنذري في مختصر السنن والحافظ في الإصابة: وفي نسخة من السنن "ما" لمالك بزيادة "ما" النافية وقال أبوالقاسم البغوي: لا اعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث ولا أدري له صحبة أو، لا – انتهى. وقال المصنف: قد اختلف في صحبته. (إذا سألتم الله) شيئاً من جلب نفع (فاسألوه ببطون أكفكم) جمع الكف أي مع رفعها إلى السماء (ولا تسألوه بظهورها) قال ابن حجر: لأن اللائق لطالب شيء يناله أن يمد كفه إلى المطلوب ويبسطها متضرعاً ليملأها من عطاءه الكثير المؤذن به رفع اليدين إليه جميعاً، أما من سأل رفع شيء وقع به من البلاء فالسنة أن يرفع إلى السماء ظهر كفيه إتباعاً له عليه الصلاة والسلام وحكمته التفاؤل في الأول بحصول المأمول، وفي الثاني بدفع المحظور - انتهى.

ص: 361

2265-

(21) وفي رواية ابن عباس، قال:((سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم)) . رواه أبوداود.

ــ

قلت يدل على هذا الفرق ما ذكرنا في (ج2ص394) من حديث السائب بن خلاد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سأل جعل باطن كفيه إليه وإذ استعاذ جعل ظاهرهما إليه أخرجه أحمد وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال مشهور. وقيل: جعل ظهر الكف فوق بطنها مخصوص بالاستسقاء كقلب الرداء. واستدل لذلك بما تقدم في الاستسقاء من حديث أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء رواه مسلم وفيه إنه ليس فيه ما يدل على اختصاص ذلك بالاستسقاء وفي الباب عن أبي بكرة أخرجه الطبراني: قال الهيثمي (ج10ص169) ورجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقة.

2265-

قوله: (وفي رواية ابن عباس إلخ) أي زاد في حديث ابن عباس بعد قوله بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم" (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (سلوا الله ببطون أكفكم) لأن هذه هيئة السائل الطالب المنتظر للأخذ إذ مادة من طلب شيئاً من غيره أن يمده يده إليه ليضع ما يعطيه له فيها (فإذا فرغتم) أي من الدعاء (فامسحوا بها) أي بأكفكم (وجوهكم) فإنها تنزل عليها آثار الرحمة فتصل بركتها إليها. قال في اللمعات: أي تبركاً بما فاض من أنوار الإجابة وإيصالها إلى الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأقربها أولى – انتهى. وفيه استحباب مسح اليدين بالوجه عقب الدعاء. واتفقوا على ذلك خارج الصلاة. وإما في الصلاة فقال البيهقي (ج2ص212) بعد رواية أثر عمر في رفع اليدين في القنوت. أما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروي عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف (يشير إلى حديث ابن عباس) وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة وإما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس. فالأولى أن يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة - انتهى. (رواه أبوداود) في أواخر الصلاة. وحديث مالك بن يسار أخرجه البغوي وابن أبي عاصم وابن السكن والمعمري في اليوم والليلة وابن قانع كلهم من طريق ضمضم بن زرعة الحضرمي الشامي عن شريح بن عبيد عن أبي ظبية عن أبي بحرية عنه. وقد اقتصر أبوداود على ذكر كلام شيخه في مالك بن يسار. ونقل المنذري بعد ذكره اختلاف النسخة التي أشرنا إليه وكلام البغوي، ثم قال وفي إسناده إسماعيل بن عياش (راوي الحديث عن ضمضم) وقد تكلم فيه غير واحد وصحح بعضهم روايته عن الشاميين وفي إسناده أيضاً ضمضم بن زرعة الحضرمي وهو شامي وثقه يحيى بن معين – انتهى. وحديث ابن عباس رواه أبوداود من طريق عبد الله بن يعقوب بن

ص: 362

2266-

(22) وعن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً))

ــ

إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن عباس. قال أبوداود: روى هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق قائلها وهو ضعيف أيضاً - انتهى. قلت: عبد الله بن يعقوب بن إسحاق. قال الحافظ في التقريب في ترجمته: وهو مجهول الحال. وقال في مبهماته: عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمد بن كعب يقال هو أبوالمقدام هشام بن زياد. وقال في مبهمات التهذيب: عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس الحديث مشهور برواية المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب – انتهى. قلت: وأبوالمقدام هشام بن زياد ضعيف متروك. والحديث رواه ابن ماجه في الدعاء والحاكم (ج1ص536) من طريق صالح بن حسان عن محمد بن كعب، وصالح هذا ضعيف متروك وحديث ابن عباس وأخرجه أيضاً البيهقي في السنن الكبرى (ج2ص212) من طريق أبي داود ثم نقل كلام أبي داود المتقدم.

2266-

قوله: (إن ربكم) هذا لفظ أبي داود وللترمذي والبيهقي إن الله (حيي) بكسر الياء الأولى وتشديد الثانية فعيل من الحياء أي كثير الحياء ووصفه تعالى بالحياء يحمل على ما يليق له كسائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها (كريم) هو الذي يعطي من غير سؤال فكيف بعده. وقيل: الكريم هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاءه وهو الكريم المطلق (يستحي) عينه ولامه حرفاً علة (من عبده إذا رفع يديه إليه) ولفظ الترمذي والبيهقي يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه (أن يردهما صفراً) بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء أي خاليتين فارغتين يقال صفر الشيء بكسر الفاء أي خلا، والمصدر الصفر بالتحريك ولا يدخلون فيه تاء التأنيث بل يستعملونه على صيغته هذه في المذكر والمؤنث والتثنية والجمع، وزاد في رواية الترمذي والبيهقي خائبتين من الخيبة وهو الحرمان وفي الحديث دلالة على استحباب رفع اليدين في الدعاء ويكونان مضمومتين، لما روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه) ذكره ابن رسلان كذا في السراج المنير. وقال في هامش تحفة الذاكرين نقلاً عن عدة الحصن الحصين بعد ذكر حديث ابن عباس هذا وسنده ضعيف - انتهى. وقد ورد في رفع الأيدي عند الدعاء أحاديث كثيرة صحيحة صريحة كما ذكرها شيخنا في شرح الترمذي في باب ما يقول إذا سلم، والحافظ في الفتح في باب رفع الأيدي في الدعاء من كتاب الدعوات والجمع بين هذه الأحاديث وبين ما تقدم من حديث أنس إنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعاءه إلا في الاستسقاء رواه الشيخان بأن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع، قال الحافظ: ما حاصله إن الرفع

ص: 363

رواه الترمذي، وأبوداود، والبيهقي في "الدعوات الكبير"

2267-

(23) وعن عمر، قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه)) رواه الترمذي.

ــ

في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان حذو الوجه مثلاً وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك إنه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض أبطيه بل يجمع بأن تكون روية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره. وأما إن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء. قال المنذري: وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح – انتهى. (رواه الترمذي) في الدعوات (وأبوداود) في أواخر الصلاة (والبيهقي في الدعوات الكبير) وكذا في السنن الكبرى (ج2ص211) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص438) وابن ماجه وابن حبان والحاكم (ج1ص497- 535) قال الترمذي: حديث حسن غريب. وروى بعضهم ولم يرفعه. وقال البيهقي: رفعه جعفر بن ميمون بياع الأنماط عن أبي عثمان النهدي عن سلمان هكذا، ووفقه سليمان التيمي عن أبي عثمان في إحدى الروايتين عنه. قلت: رواه أحمد والحاكم موقوفاً ومرفوعاً وقال الحاكم: إسناد صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وسكت عنه أبوداود. وقال الحافظ في الفتح: سنده جيد. قال الحاكم: وله شاهد بإسناد صحيح من حديث أنس بن مالك ثم رواه نحو حديث سلمان. قال المنذري: في تصحيح سنده نظر. وقال الذهبي: عامر بن يساف (أحد رواة حديث أنس) ذو مناكير – انتهى. قلت: ونسب في الكنز (ج1ص169) حديث أنس إلى عبد الرزاق وأبي يعلى أيضاً.

2267-

قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء) قيل: حكمة الرفع إلى السماء إنها قبله الدعاء ومهبط الرزق والوحي وموضع الرحمة والبركة (لم يحطهما) بضم الحاء المهملة ونصب الطاء المشددة أي لم يضعهما حتى يمسح بهما وجهه) وذلك على طريق التيمن والتفاؤل فكأنه يشير إلى أن كفيه ملئتا من البركات السماوية والأنوار الإلهية فهو يفيض منها على وجه الذي هو أولى الأعضاء بالكرامة قاله التوربشتي وقال في السبل: في الحديث دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء. وقيل: وكأن المناسبة إنه تعالى لما كان لا يردهما صفراً فكان الرحمة أصابتهما فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقها بالتكريم - انتهى. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً الحاكم (ج1ص536) كلاهما من طريق حماد بن عيسى الجهني عن حنظلة بن أبي سفيان الجحمي عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى وقد تفرد به وهو قليل الحديث. وقد حدث عنه الناس وحنظلة

ص: 364

2268-

(24) وعن عائشة، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك)) . رواه أبوداود.

2269-

(25) وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب)) . رواه الترمذي وأبوداود.

ــ

ابن أبي سفيان ثقة وثقة يحيى القطان – انتهى. قلت: حماد هذا ضعيف ضعفه أبوحاتم وأبوداود والدارقطني. وقال مأكولاً: ضعفوا أحاديثه كذا في تهذيب التهذيب، والحديث سكت عنه الحاكم والذهبي. وقال النووي في الأذكار (ص294) في إسناده ضعف، وأما قول الحافظ عبد الحق إن الترمذي قال فيه إنه حديث صحيح فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي إنه صحيح بل قال حديث غريب - انتهى.

2268-

قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب) أي يحب (الجوامع من الدعاء) أي الجامعة لخير الدنيا والآخرة. وقيل: هي ما كان لفظه قليلاً ومعناه كثيراً شاملاً لأمور الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201] ومثل الدعاء بالعافية في الدنيا والآخرة وقيل: هي الجامعة للتحميد والصلاة وجميع آداب الدعاء. وقيل: هي ما يجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة (ويدع) أي يترك (ما سوى ذلك) أي من الأدعية في غالب الأحيان (رواه أبوداود) في آخر الصلاة وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه الحاكم (ج1ص539) وقال حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

2269-

قوله: (وعن عبد الله بن عمرو) بالواو (إن أسرع الدعاء إجابة) تمييز، وهذا لفظ أبي داود وللترمذي ما دعوة أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب (دعوة غائب لغائب) معناه في غيبة المدعو له أو في سره كأنه من وراء معرفته أو معرفة الناس. روى الخرائطي في مكارم الأخلاق عن يوسف بن أسباط قال مكثت دهراً وأنا أظن هذا الحديث إذا كان غائباً عن شخصه ثم نظرت فيه فإذا هو لو كان على المائدة وهو لا يسمع كان غائباً، وخص حالة الغيبة بالذكر للبعد عن الرياء والأغراض الفاسدة المنقصة من الأجر فإنه في حالة الغيبة يتمحض الإخلاص ويصح قصد وجه الله تعالى بذلك فيوافقه الملك فيدعو له بمثل ذلك ويؤمن على دعاءه كما تقدم دعاءه أقرب إلى الإجابة لأن الملك معصوم. وفي الحديث الحث على الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب. (رواه الترمذي) في البر والصلة (وأبو داود) في أواخر الصلاة كلاهما من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والإفريقي يضعف في الحديث – انتهى. وسكت عنه أبوداود ونقل المنذري كلام الترمذي وأقره. قلت:

ص: 365

2270-

(26) وعن عمر بن الخطاب، قال:((استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي، وقال: شركنا يا أخي! في دعائك ولا تنسنا. فقال كلمة ما يسرني إن لي بها الدنيا)) . رواه أبوداود والترمذي وانتهت روايته عند قوله: ولا تنسنا.

ــ

والحديث أخرجه أيضاً البخاري في الأدب المفرد والطبراني في الكبير، وفي الباب أحاديث كثيرة، منها حديث أبي الدرداء، وقد تقدم، ومنها حديث عمران بن حصين أخرجه البزار، ومنها حديث ابن عباس الآتي في آخر الباب، ومنها حديث واثلة عند أبي نعيم في الحلية.

2270-

قوله: (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة) أي من المدينة. قال ابن حجر: في قضاء عمرة كان نذرها في الجاهلية ذكره القاري (فأذن لي) أي فيها (أشركنا) يحتمل نون العظمة وأن يريد نحن وأتباعنا (يا أخيّ) بالتصغير أو بدونه، والمراد بالتصغير الاختصاص بالتلطف والتعطف لا التحقير (في دعائك) في إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية بالتماس الدعاء ممن عرف له الهداية وحث للأمة على الرغبة في دعاء الصالحين وأهل العبادة وتنبيه لهم أن لا يخصوا أنفسهم بالدعاء ولا يشاركوا فيه أقاربهم وأحباءهم لا سيما في مظان الإجابة وتفخيم لشأن عمر وإرشادة بذكره في السامعين وإرشاد إلى ما يحمى دعاءه من الرد (ولا تنسنا) تأكيد أو أراد به في سائر أحواله (فقال) قال القاري: عطف على "قال أشركنا" لتعقيب المبين بالمبين أي قال عمر فقال بمعنى تكلم النبي صلى الله عليه وسلم (كلمة) وهي أشركنا أو يا أخي! بالإضافة إلى نفسه الشريفة أو لا تنسنا أو غير ما ذكر ولم يذكره توقياً عن التفاخر ونحوه من آفات النفوس (ما يسرني) بضم السين (إن لي بها الدنيا) الباء للبدلية و "ما" نافية وإن مع اسمه وخبره فاعل يسرني أي لا يعجبني ولا يفرحني كون جميع الدنيا لي بدلها قاله القاري. قلت: وفي رواية أحمد فقال عمر: ما أحب إن لي بها ما طلعت عليه الشمس لقوله يا أخي (رواه أبوداود) في أواخر الصلاة (والترمذي) في الدعوات وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص29)(ج2ص59) وابن ماجه في فضل دعاء الحاج من كتاب الحج ونسبة في التنقيح لأبي داود الطيالسي والبيهقي في الشعب أيضاً (وانتهت روايته) أي الترمذي وكذا رواية ابن ماجه (عند قوله ولا تنسنا) والحديث صححه الترمذي وسكت عنه أبوداود. قلت: في سنده عندهم عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي وهو ضعيف. كما ستعرف. فالحديث ضعيف الإسناد. قال المنذري بعد نقل تصحيح الترمذي: وفي إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة – انتهى. قلت: ضعفه ابن معين والنسائي

ص: 366

2271-

(27) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب! وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)) . رواه الترمذي.

ــ

وابن خراش وغيرهم. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ولا يحتج به. وقال ابن نمير وأبوحاتم والبخاري: منكر الحديث. وقال شعبة: كان عاصم لو قيل له: من بنى مسجد البصرة لقال فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الدارقطني: مديني يترك وهو مغفل. وقال ابن حبان: كان سيء الحفظ كثير الوهم فاحش الخطأ فترك من أجل كثرة خطأه كذا في تهذيب التهذيب.

2271-

قوله: (ثلاثة) أي أشخاص أو ثلاثة رجال (الصائم) أي منهم أو أحدهم الصائم (حين يفطر) لأنه بعد عبادة وحال تضرع ومسكنة (والإمام العادل) بين رعيته (ودعوة المظلوم) كان مقتضى الظاهر أن يقول، والمظلوم، ولعله لما كانت المظلومية ليست بذاتها مطلوبة عدل عنه قاله القاري. وقال الطيبي: أي دعوة الصائم ودعوة الإمام بدليل قوله ودعوة المظلوم، ويكون بدلا من دعوتهم وقوله "يرفعها" حال كذا قيل، والأولى أن يكون أي يرفعها خبراً لقوله ودعوة المظلوم وقطع هذا القسم عن أخويه لشدة الاعتناء بشأن دعوة المظلوم ولو فاجراً أو كافراً وينصر هذا الوجه عطف قوله ويقول الرب على قوله ويفتح فإنه لا يلائم الوجه الأول لأن ضمير يرفعها للدعوة حينئذ لا لدعوة المظلوم كما في الوجه الأول. قال القاري: والظاهر إن الضمير على الوجهين لدعوة المظلوم وإنما بولغ في حقها لأنه لما لحقته نار الظلم واحترقت أحشاءه خرج منه بالتضرع والانكسار وحصل له حاله الاضطرار فيقبل دعاءه كما قال تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} [النمل: 62](يرفعها الله فوق الغمام) أي تجاوز الغمام أي السحاب (ويفتح) أي الله (لها) أي لدعوته (أبواب السماء) بالنصب على أن يفتح مذكر معلوم وبالرفع على أنه مؤنث مجهول. قيل: رفعها فوق الغمام وفتح أبواب السماء لها كناية عن سرعة القبول والوصول إلى مصعد الإجابة (لأنصرنك) بفتح الكاف أي أيها المظلوم (ولو بعد حين) الحين يستعمل لمطلق الوقت ولستة أشهر ولأربعين سنة، والمعنى لا أضيع حقك ولا أرد دعائك ولو مضي زمان طويل لأني حليم لا أعجل عقوبة العباد لعلهم يرجعون عن الظلم والذنوب إلى إرضاء الخصوم والتوبة، وفيه إيماء إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمله (رواه الترمذي) في موضعين الأول في باب صفة الجنة ونعيمها من طريق حمزة الزيات عن زياد الطائي عن أبي هريرة. وقال بعد روايته: هذا حديث ليس إسناده بذلك القوى، وليس هو عندي بمتصل – انتهى. قلت: زياد الطائي. قال الذهبي في الميزان: فيه

ص: 367

2272-

(28) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات. لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم)) . رواه الترمذي، وأبوداود، وابن ماجه.

ــ

لا يعرف. وقال الحافظ في التقريب: مجهول أرسل عن أبي هريرة، والثاني في الدعوات في باب بعد باب أي الكلام أحب إلى الله من طريق سعدان القمي وهو صدوق عن أبي مجاهد سعد الطائي وهو لا بأس به عن أبي مدلة بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام وهو مقبول عن أبي هريرة: قال الترمذي، حديث حسن. ونسبه السيوطي في الجامع الصغير لأحمد أيضاً والشوكاني في تحفة الذاكرين لابن خزيمة وابن حبان أيضاً.

2272-

قوله: (ثلاث دعوات) مبتدأ خبره (مستجابات) قال الطيبي: الحديث السابق ثلاثة، وفي هذا ثلاث دعوات، لأن الكلام على الأول في شأن الداعي وتحرية في طريق الاستجابة وما هي منوطة به من الصوم والعدل بخلاف الوالد والمسافر إذ ليس عليهما الاجتهاد في العمل. (لا شك فيهن) أي في استجابتهن وهو أكد من حديث لا ترد. وإنما أكد به لالتجاء هؤلاء الثلاثة إلى الله تعالى بصدق الطلب ورقة القلب وانكسار الخاطر قاله القاري. (في دعوة الوالد) أي لولده أو عليه ولم يذكر الوالدة لأن حقها أكد فدعاءها أولى بالإجابة وقوله "دعوة الوالد" هذه رواية أبي داود، وكذا وقع في رواية لأحمد ولفظ الترمذي "دعوة الوالد على ولده" وهكذا وقع في أكثر روايات أحمد وفي رواية الأدب المفرد "دعوة الوالدين على ولدهما" وفي رواية ابن ماجه "دعوة الوالد لولده" وكذا وقع في رواية أبي داود الطيالسي (ودعوة المسافر) يحتمل أن تكون دعوته لمن أحسن إليه وبالشر لمن آذاه وأساء إليه لأن دعاءه لا يخلو عن الرقة (ودعوة المظلوم) أي لمن ينصره ويعينه أو يسليه ويهون عليه أو على من ظلمه بأي نوع من أنواع الظلم. وقال السندي: قوله "دعوة المظلوم" أي في حق الظالم وأثر الاستجابة قد لا يظهر في الحال لكون المجيب تعالى حكيماً –انتهى. قال التوربشتي: اختص هؤلاء الثلاثة بإجابة الدعوة لانقطاعهم إلى الله لصدق الطلب ورقة القلب وانكسار البال ورثاثة الحال. أما المسافر فلأنه منقطع عن الوطن المألوف مفارق عما كان يستأنس به مستشعر في سفره من طوارق الحدثان فلا يخلو ساعتئذ عن الرقة والرجوع إلى الله بالباطن. وأما المظلوم فإنه منقلب إلى ربه على صفة الاضطرار. وأما الوالد فإنه يدعو لولده على نعت الحنو والرقة وإيثار الولد على نفسه بما يستطيع فيخلص في دعاءه مبلغ جهده. (رواه الترمذي) في باب دعاء الوالدين في أوائل البر والصلة وفي باب دعوة المسافر من أبواب الدعوات. وقال: حديث حسن. (وأبوداود) في أواخر الصلاة وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره (وابن ماجه) في الدعاء وأخرجه أيضاً أحمد في مواضع، والبخاري في الأدب المفرد وأبوداود الطيالسي، وفي الباب عن عقبة بن عامر الجهني عند الطبراني بإسناد جيد.

ص: 368