المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(4) باب صوم المسافر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(5) باب القضاء

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(6) باب صيام التطوع

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(7) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(8) باب ليلة القدر

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(9) باب الإعتكاف

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(8) كتاب فضائل القرآن

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

-

- ‌(9) كتاب الدعوات

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(1) باب ذكر الله عزوجل والتقرب إليه

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(2) باب أسماء الله تعالى

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

- ‌(3) باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌{الفصل الأول}

- ‌{الفصل الثاني}

- ‌{الفصل الثالث}

الفصل: لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة

لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات)) . رواه مسلم.

{الفصل الثاني}

2292-

(10) وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم؟ وأرفعها في درجاتكم؟ وخير لكم من إنفاق الذهب والورق؟

ــ

فيه (لصافحتكم الملائكة) قيل: أي علانية وإلا فكون الملائكة يصافحون أهل الذكر حاصل. وقال ابن حجر: أي عياناً في سائر الأحوال (على فرشكم وفي طرقكم) قال الطيبي: المراد الدوام (ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) أي ساعة كذا وساعة كذا يعني ساعة في الحضور تؤدون فيها حقوق ربكم، وساعة في الغيبة والفتور تقضون فيها حظوظ أنفسكم لينتظم بذلك أمر الدين والمعاش وفي كل منهما رحمة على العباد. قال في المفاتيح: أي لا يكون الرجل منافقاً بأن يكون في وقت على غاية الحضور وصفاء القلب وفي الذكر وفي وقت لا يكون بهذه الصفة، بل لا بأس بأن يكون ساعة في الذكر وساعة في الاستراحة والنوم والزراعة ومعاشرة النساء والأولاد وغير ذلك من المباحات (ثلاث مرات) أي قال ذلك ثلاث مرات وهو يحتمل أن يكون قوله "ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" أو قوله "ساعة وساعة" ويحتمل أن يكون المراد تثليث لفظ ساعة أي ساعة في الحضور في الذكر وساعة في حق النفس خاصة وساعة في العاقبة واختار الطيبي الثاني (رواه مسلم) في التوبة وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص178) والترمذي وابن ماجه في الزهد.

2292-

قوله: (ألا أنبئكم) وفي رواية ألا أخبركم وقوله "ألا" يحتمل أن يكون للتنبيه وأنبئكم استئناف بيان والأظهر أنه مركب "من" لا النافية واستفهام التقرير كما يدل عليه قولهم الآتي بلى (بخير أعمالكم) أي أفضلها لكم (وأزكاها) أي أنماها من حيث الثواب الذي يقابلها وأظهرها من حيث كمال ذاتها لا بالنظر إلى الثواب (عند مليككم) المليك بمعنى المالك للمبالغة. وقال في القاموس: الملك ككتف وأمير وصاحب ذو الملك (وأرفعها) أي أكثرها رفعة بمقتضى السببية (في درجاتكم) أي أكثرها رفعاً لمنازلكم في الجنة (وخير لكم من إنفاق الذهب والورق) بكسر الراء وتسكن أي الفضة أي من صرفهما في سبيل الله ابتغاء مرضاته. قال الطيبي: قوله و"خير" مجرور عطفاً على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم وأنفسكم في سبيل الله – انتهى. وقال ابن حجر: عطف على "خير أعمالكم" عطف خاص على عام، لأن الأول خير الأعمال مطلقاً، وهذا خير من بذل الأموال والأنفس، أو عطف مغاير بأن يراد بالأعمال الأعمال اللسانية فيكون ضد هذا يعني مغايرة، لأن بذل الأموال والنفوس من الأعمال الفعلية انتهى. وقال الشوكاني:

ص: 402

وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناكم؟ قالوا: بلى: قال: ذكر الله)) .

ــ

في تخصيص هذين العملين الفاضلين: (الإنفاق والجهاد) بالذكر أيضاً بعد تعميم جميع الأعمال زيادة تأكيداً لما دل عليه ألا أنبئكم بخير أعمالكم وما بعده من فضيلة الذكر على كل الأعمال ومبالغة في النداء بفضله عليها ودفع لما يظن من أن المراد بالأعمال ههنا غير ما هو متناة في الفضيلة وارتفاع الدرجة – وهو الجهاد والصدقة بما هو محبب إلى قلوب العباد فوق كل نوع من أنواع المال وهو الذهب والفضة (وخير لكم من أن تلقوا عدوكم) أي للجهاد والعدو يطلق على الجمع ولذا جمع ضمير أعناقهم (فتضربوا أعناقهم) أي أعناق بعضهم (ويضربوا) أي بعضهم (أعناقكم) أي كلكم أو بعضكم يعني خير لكم من بذل الأموال والأنفس في سبيل الله بأن تجاهدوا الكفار (قالوا بلى) أي أخبرنا، وفي رواية أحمد وابن ماجه قالوا: وما ذاك يا رسول الله! (قال ذكر الله) أي هو ذكركم له سبحانه وإطلاق الذكر يشمل القليل والكثير مع المداومة وعدمها. وفي الحديث دليل على أن الذكر أفضل عند الله تعالى من جميع الأعمال التي يعملها العبد وإنه أكثرها نماء وبركة وأرفعها درجة وفي هذا ترغيب عظيم، فإنه يدخل تحت الأعمال كل عمل يعمله العبد كائناً ما كان. قال السندي: أحاديث أفضل الأعمال مختلفة، وقد ذكر العلماء في توفيقها وجوها من جملتها أن الاختلاف بالنظر إلى اختلاف أحوال المخاطبين، فمنهم من يكون الأفضل له الاشتغال بعمل، ومنهم من يكون الأفضل له الاشتغال بأخر يعني فمن كان مطيقاً للجهاد قوى الأثر فيه شجاعاً باسلاً يحصل به نفع الإسلام، فأفضل أعماله الجهاد، ومن كان كثير المال غنياً ينتفع الفقراء بماله فأفضل أعماله الصدقة، ومن كان غير متصف بأحد الصفتين المذكورتين فأفضل أعماله الذكر ونحوه. وقال الحافظ: المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى، وإن الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلاً من غير استحضار لذلك، وإن أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد، فمن اتفق له أنه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلاً فهو بلغ الغاية القصوى والعلم عند الله تعالى. وأجاب القاضي أبوبكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر الله عند صدقته أو صيامه مثلاً فليس عمله كاملاً فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية، ويشير إلى ذلك حديث نية المؤمن أبلغ من عمله. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده: هذا الحديث يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها فإذا الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف – انتهى. وقيل: لعل الخيرية والأرفعية في الذكر لأجل إن سائر العبادات من إنفاق الذهب والفضة ومن ملاقاة العدو، والمقاتلة معهم إنما هي وسائل ووسائط تتقرب العباد بها إلى الله تعالى. والذكر إنما هو المقصود الأسنى والمطلوب الأعلى كما قال الله تعالى

ص: 403

رواه مالك، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، إلا أن مالكاً وقفه على أبي الدرداء.

2293-

(11) وعن عبد الله بن بسر، قال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الناس خير؟ فقال: طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله

ــ

{وأقم الصلاة لذكرى} [طه:14] وقال {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] فالذكر لب العبادات. وقال في حجة الله (ج2ص54) الأفضلية تختلف بالاعتبار ولا أفضل من الذكر باعتبار تطلع النفس إلى الجبروت ولا سيما في نفوس زكية لا تحتاج إلى الرياضات وإنما تحتاج إلى مداومة التوجه هذا. وقد بسط الغزالي الكلام في ذلك في آخر الباب الأول من كتاب الأذكار من إحياء العلوم فارجع إليه (رواه مالك) في أواخر الصلاة (وأحمد)(ج5ص195) موصولاً ومنقطعاً وفي (ج6ص447) منقطعا (والترمذي) في الدعوات (وابن ماجه) في فضل الذكر، وأخرجه أيضاً الحاكم (ج1ص496) وابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان وابن شاهين في الترغيب في الذكر، وحسن إسناده المنذري والهيثمي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (إلا أن مالكا وقفه) بالتخفيف (على أبي الدرداء) يعني والباقون رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يضر لأن الحكم لمن وصل لا لمن وقف لأن مع الأول زيادة العلم بالوصل وزيادة الثقة مقبولة، ولأن هذا مما لا يقال من قبل الرأي فوقفه كرفع غيره قاله القاري. قلت: وفي سند الموطأ انقطاع أيضاً فإنه رواه مالك عن زياد بن أبي زياد إنه قال قال أبوالدرداء: ألا أخبركم الخ ورواه أحمد (ج5ص195) والترمذي وابن ماجه وغيرهم من طريق زياد ابن أبي زياد عن أبي بحرية عن أبي الدرداء، وفي الباب عن معاذ بن جبل عند أحمد. قال المنذري: بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعاً. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا أن زياد بن أبي زياد لم يدرك معاذاً وعن ابن عمر عند البيهقي في شعب الإيمان.

2293-

قوله: (طوبى) فعلى من الطيب (لمن طال عمره) بضمتين على ما هو الأفصح الوارد في كلامه سبحانه، وفي القاموس العمر بالفتح وبالضم وبضمتين الحياة (وحسن عمله) قال الطيبي: إن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر فينبغي أن يتجر فيما يربح فيه وكلما كان رأس ماله كثيراً كان الربح أكثر فمن انتفع من عمره بأن حسن عمله فقد فاز وأفلح، ومن أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسراناً مبيناً – انتهى. قال ابن حجر: طوبى فعلى من الطيب، والمراد بها الثناء عليه والدعاء له بطيب حاله في الدارين، وإلا ظهر أنه خبر لأنه في جواب أي الناس خير، ويمكن أن يكون المراد من طوبى الجنة أو شجرة في الجنة تعم أهلها وتشمل محلها. قال الطيبي: وكان من الظاهر أن يجاب من طال عمره وحسن عمله، فالجواب من الأسلوب الحكيم كأنه قال غير خاف إن خير الناس من طال عمره وحسن عمله بل الذي يهمك أن تدعوا له فتصيب من بركته – انتهى.

ص: 404

قال: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله)) . رواه أحمد والترمذي.

2294-

(12) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مررتم برياض الجنة

ــ

والأظهر أنه إخبار عن طيب حاله وحسن مآله فيكون متضمناً للجواب ببلاغة مقاله كذا في المرقاة. قلت: الرواية عند أحمد والترمذي بغير زيادة كلمة "طوبى" وكذا ذكرها الجزري بغير هذه الزيادة في جامع الأصول (ج12ص321) فالجواب في روايتهما على ما يقتضيه الظاهر (ولسانك) الواو للحالية (رطب) بفتح الراء وسكون الطاء أي قريب العهد أو متحرك طري (من ذكر الله) قال الطيبي: رطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه كما أن يبسه عبارة عن ضده ثم إن جريان اللسان عبارة عن مداومة الذكر فكأنه قيل خير الأعمال مداومة الذكر، فهو من أسلوب قوله تعالى:{ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 132] انتهى. وقيل: المقصود في الحديث الحث على الذكر القلبي والمداومة عليه، لكن لما كان الذكر اللساني دالاً عليه ومنبئاً عنه مثاباً عليه اكتفى بذكره إقامة للدال مقام المدلول. وأما إذا اجتمعا فهو أولى وأحرى (رواه أحمد والترمذي) فيه نظر فإن بين السياق الذي ذكره المصنف ههنا تبعاً للمصابيح وبين سياق أحمد والترمذي فرقاً بيناً، فإن الترمذي أخرج الفصل الأول فقط في باب ما جاء في طول العمر للمؤمن من كتاب الزهد بلفظ: إن أعرابياً قال يا رسول الله! من خير الناس قال من طال عمره وحسن عمله. وروى الفصل الثاني فقط بسنده الأول في فضل الذكر من الدعوات بالسياق الذي يأتي في الفصل الثالث من هذا الباب. وأما الإمام أحمد فروى الحديث بتمامه في موضعين الأول بلفظ: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان فقال أحدهما من خير الرجال يا محمد: قال من طال عمره وحسن عمله، وقال الآخر: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فباب نتمسك به جامع قال لا يزال لسانك رطباً بذكر الله، والثاني بلفظ: جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما أي الناس خير؟ قال من طال عمره وحسن عمله. وقال الآخر يا رسول الله: إن شرائع الإسلام فذكر مثل السياق الآتي في الفصل الثالث، ونسب هذا الحديث في تنقيح الرواة للبغوي في شرح السنة والله اعلم. والحديث قد حسنه الترمذي، وروى الجزء الأول أيضاً الطبراني في الكبير وأبونعيم في الحلية كما في الجامع الصغير. وروى نحوه أحمد ورجاله رجال الصحيح وابن حبان في صحيحه والبيهقي عن أبي هريرة والترمذي وصححه، وأحمد والدارمي والطبراني والحاكم: والبيهقي عن أبي بكرة وأبويعلى بإسناد حسن عن أنس والحاكم عن جابر. وقال صحيح على شرط الشيخين، وأما الجزء الثاني فسيأتي تخريجه في الفصل الثالث.

2294-

قوله: (إذا مررتم برياض الجنة) جمع روضة، وهي أرض مخضرة بأنواع النبات يقال لها

ص: 405

فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر)) . رواه الترمذي.

2295-

(13) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة

ــ

بالفارسية مرغزار أي بساتينها الموضوعة في الدنيا المورثة للجنات العالية في العقبى، والمراد بها مجالس الذكر ومواضعه فهو من باب تسمية الشيء باسم ما يؤل إليه أو بما يوصل إليه (فارتعوا) من رتع كمنع رتعاً ورتوعاً ورتاعاً بالكسر، أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة، أو هو الأكل والشرب رغداً أو في الريف أو بشره، وهو كناية عن أخذ الحظ الأوفر والنصيب الأوفى، يعني فافعلوا فيها ما يكون سبباً لحصولها من الأذكار لما جاء أن الجنة قيعان وغراسها أذكاره تعالى (حلق الذكر) أي هي حلق الذكر. قال في النهاية: الحلق بكسر الحاء وفتح اللام جمع الحلقة (بفتح الحاء وسكون اللام مثل قصعة وقصع) وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره. وقال في جامع الأصول: الحلقة بسكون اللام الشيء المستدير كحلقة الخاتم ونحوها، والمراد به الجماعة من الناس يكونون كذلك. وقال الجوهري: جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس. وحكى عن أبي عمر وإن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بالحق بالفتح. وقال ثعلب كلهم يجيزه على ضعفه. شبه في هذا الحديث مجالس الذكر وفي حديث ابن عباس عند الطبراني مجالس العلم برياض الجنة، وشبه الاشتغال بالأذكار واكتساب العلم وهو علم الكتاب والسنة وما يتوصل به إليهما برتع الحيوانات في أنواع النبات بجامع النفع قيل: هذا الحديث مطلق في المكان والذكر فيحمل على المقيد المذكور في باب المساجد والذكر هو سبحان الله والحمد لله الخ ذكره الطيبي، والأظهر حمله على العموم وذكر الفرد الأكمل بالخصوص لا ينافي عموم المنصوص. وقد تقدم شيء من الكلام في هذا في شرح حديث أبي هريرة في باب المساجد فعليك أن تراجعه (رواه الترمذي) في الدعوات وحسنه وأخرجه أيضاً أحمد والبيهقي في شعب الإيمان.

2295-

قوله: (كانت) أي القعدة (عليه) أي على القاعد (من الله) أي من جهة أمره وحكمه (ترة) بكسر التاء وتخفيف الراء أي حسرة والموتور الذي قتل له قتيل ولم يدرك بدمه وكذلك وتره حقه أي نقصه وكلا الأمرين معقب للحسرة، ومنه قوله تعالى:{لن يتركم أعمالكم} [محمد: 35] أي لن ينقصكم أعمالكم والهاء عوضا عن الواو المحذوفة مثل عدة. وقال الجزري: أصل الترة، النقص، ومعناها ههنا التبعة، يقال وترت الرجل ترة على وزن وعدته عدة. وقال النووي في الأذكار: معناه نقص وقيل: تبعه ويجوز أن يكون حسرة كما في الرواية الأخرى – انتهى. وهو منصوب على الخبرية وروى بالرفع على أن الكون تام (ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت) أي الاضطجاعة (من الله ترة) بالوجهين. قال الطيبي: كانت في الموضعين رويت على

ص: 406

رواه أبوداود.

2296-

(14) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة)) . رواه أحمد وأبوداود.

ــ

التأنيث في أبي داود وجامع الأصول وفي الحديثين اللذين يليانه على التذكير فيهما فعلى رواية التأنيث في كانت ورفع ترة ينبغي أن يؤول مرجع الضمير في كانت مؤنثاً إلى القعدة أو الاضطجاعة فيكون ترة مبتدأ والجار والمجرور أي عليه خبر، والجملة خبر كانت. وأما على رواية التذكير ونصب ترة كما هو في المصابيح فظاهر والجار متعلق بترة ويؤيد هذه الرواية الأحاديث الآتية بعد – انتهى. قال القاري: ويمكن أن يقال تأنيث كان لتأنيث الخبر وقال الجزري: يجوز رفع ترة ونصبها على أنه اسم كان وخبرها. قال القاري: ثم المراد يذكر المكانين استيعاب الأمكنة كذكر الزمانين بكرة وعشيا لاستيعاب الأزمنة يعني من فتر ساعة من الأزمنة وفي مكان من الأمكنة وفي حال من الأحوال من قيام وقعود واضطجاع كان عليه حسرة وندامة، لأنه ضيع عظيم ثواب الذكر كما ورد ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيه – الحديث. (أخرجه الطبراني والبيهقي عن معاذ) ثم في الحديث أتى "بلم" في الجملة الأولى و"بلا" في الجملة الثانية تفننا – انتهى. (رواه أبوداود) في الأدب وسكت عنه. قال المنذري في الترغيب: رواه أحمد وابن أبي الدنيا والنسائي وابن حبان في صحيحه بنحوه وعزاه في تلخيص السنن إلى النسائي. وقال في إسناده محمد بن عجلان وفيه مقال.

2296-

قوله: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار) أي ملئها في النتن والقذارة وذلك لغفلتهم عن الذكر ولأن المجلس لا يخلو عادة عن لغو الكلام وسقطه وعن الكلام في إعراض الناس. قال الطيبي: أي ما يقومون قياما إلا هذا القيام وضمن قاموا معي تجاوزوا وبعدوا فعدي بعن يعني لا يوجد عنهم قيام عن مجلسهم إلا كقيام المتفرقين عن أكل الجيفة التي هي غاية في القذر والنتن والجيفة جثة الميت المنتنة. قال ابن الملك: وتخصيص جيفة الحمار بالذكر لأنه أدون الجيف من بين الحيوانات التي تخالطنا وفي هذا التشبيه غاية التنفير عن ترك ذكر الله تعالى في المجالس، وإنه مما ينبغي لكل أحد أن لا يجلس في مجلس الغفلة ولا يلابس أهله. وإن يفر عنه كما يفر عن جيفة الحمار، فإن كل عاقل يفر عنها ولا يقعد عندها (وكان) أي ذلك المجلس (عليهم حسرة) أي ندامة يوم القيامة بسبب تفريطهم في ذكر الله في ذلك المجلس وذلك لما يظهر لهم في موقف الحساب من أجور العامرين لمجالسهم بذكر الله تعالى فيتحسرون على كل لحظة من أعمارهم لم يذكروا الله فيها. وحسرة روى بالنصب على أنه خبر "كان" وبالرفع على أنه اسم "كان" أو على أن كان تامة أي وقع عليهم حسرة (رواه أحمد وأبوداود) في الأدب وسكت عنه هو والمنذري. وقال النووي في الأذكار: إسناده صحيح وأخرجه أيضاً

ص: 407

2297-

(15) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم)) . رواه الترمذي.

2298-

(16) وعن أم حبيبة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله)) .

ــ

النسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص143) والحاكم (ج1ص492) وقال حديث على شرط مسلم.

2297-

قوله (ولم يصلوا على نبيهم) تخصيص بعد تعميم (إلا كان) أي ذلك المجلس (عليهم ترة فإن شاء عذبهم) أي بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة. وقال الطيبي: دل على أن المراد بالترة التبعة قال وقوله "فإن شاء عذبهم" من باب التشديد والتغليظ ويحتمل أن يصدر من أهل المجلس ما يوجب العقوبة من حصائد ألسنتهم (وإن شاء غفر لهم) أي كرماً منه وفضلاً ورحمة، وفيه إيماء بأنهم إذا ذكروا الله لم يعذبهم حتماً بل يغفر لهم جزماً (رواه الترمذي) من طريق سفيان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة، وقال حديث حسن. وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه – انتهى. وأخرجه الحاكم (ج1ص496) من طريق عمارة بن غزية عن صالح. وقال حديث صحيح الإسناد وصالح ليس بالساقط، وتعقبه الذهبي فقال صالح ضعيف. وقال الترغيب بعد ذكر تحسين الترمذي: ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي - انتهى. قلت: صالح مولى التوأمة صدوق اختلط بآخره لا بأس برواية القدماء عنه، ولقيه السفيانان بعد ما كبر وتغير وخرف كما في التهذيب والظاهر إن الترمذي حسنه لمتابعاته وشواهده، فقد ورد في كراهة القيام من المجلس قبل ذكر الله أحاديث ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (ج10ص79، 80) من شاء الوقوف عليها رجع إليه.

2298-

قوله: (كل كلام ابن آدم) كذا في جميع النسخ بزيادة كل وهكذا في المصابيح وجامع الأصول والترغيب، والذي في الترمذي وابن ماجه كلام ابن آدم أي بدون لفظ "كل" أو هكذا وقع في الوابل الصيب لابن القيم (عليه) أي ضرره ووباله عليه ولو كان مباحًا، فإن أقله تطويل الحساب وقد يجر إلى المكروه أو المحرم فيصير سبباً للعذاب، أو يورث الغفلة عن الذكر فيكون وسيلة إلى نقص الثواب. وقيل: معنى "عليه" أي يكتب عليه (لا له) أي ليس له نفع فيه أولا يكتب له ذكره تأكيداً (إلا أمر بمعروف) مما فيه نفع الغير من الأوامر الشرعية (أو نهي عن منكر) مما فيه موعظة الخلق من الأمور المنهية (أو ذكر الله) أي ما فيه رضا الله من الأذكار الإلهية. قال القاري: وظاهر الحديث أنه لا يظهر في الكلام نوع يباح للأنام اللهم إلا أن يحمل على المبالغة والتأكيد في الزجر عن القول الذي ليس بسديد وقد يقال إن قوله "لا له" تفسير لقوله "عليه" ولا شك أن

ص: 408

رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب.

2299-

(17) وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي)) . رواه الترمذي.

ــ

المباح ليس له نفع في العقبى أو يقال التقدير كل كلام ابن آدم حسرة عليه لا منفعة له فيه إلا المذكورات وأمثالها، فيوافق بقية الأحاديث المذكورة وهو مقتبس من قوله تعالى:{لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء: 114] وبه يرتفع اضطراب الشراح في أمر المباح – انتهى كلام القاري. (رواه الترمذي) في الزهد (وابن ماجه) في الفتن كلاهما من طريق محمد بن يزيد بن خنيس المكي عن سعيد بن حسان عن أم صالح بنت صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبية (وقال الترمذي: هذا حديث غريب) وفي بعض نسخ الترمذي حسن غريب ونسبه المنذري في الترغيب لابن أبي الدنيا أيضاً. وقال بعد ذكر كلام الترمذي: رواته ثقات وفي محمد بن يزيد كلام قريب لا يقدح وهو شيخ صالح – انتهى. قلت: وأم صالح بنت صالح. قال الحافظ في التقريب: إنها لا يعرف حالها.

2299-

قوله: (لا تكثروا) بضم التاء من الإكثار كذا وقع في جميع النسخ بصيغة الجمع، وهكذا في المصابيح وجامع الأصول وكذا نقله المنذري في الترغيب وعلي المتقي في الكنز والنووي في الرياض والذي في نسخ الترمذي الموجودة عندنا لا تكثر بصيغة الإفراد (الكلام بغير ذكر الله) فيه إشارة إلى أن بعض الكلام مباح وهو ما يعينه (فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة) بفتح القاف وسكون السين أي سبب قساوة (للقلب) وهي النبوّ عن سماع الحق والميل إلى مخالطة الخلق وقلة الخشية وعدم الخشوع والبكاء وكثرة الغفلة عن دار البقاء (وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي) أي صاحبه أو التقدير أبعد قلوب الناس القلب القاسي أو أبعد الناس من له القلب القاسي. قال الطيبي: ويمكن أن يعبر بالقلب عن الشخص لأنه به كما قيل المرأ بأصغريه أي بقلبه ولسانه، فلا يحتاج إذا إلى حذف الموصول مع بعض الصلة قال تعالى:{ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} الآية [البقرة: 74] وقال عزوجل: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} [الحديد: 16](رواه الترمذي) في الزهد وأخرجه أيضاً البيهقي وابن شاهين في الترغيب كما في الكنز. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن حاطب (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي والبيهقي. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

ص: 409

2300-

(18) وعن ثوبان، قال:((لما نزلت {والذين يكنزون الذهب والفضة} كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره: فقال بعض أصحابه: نزلت في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه))

ــ

2300-

قوله: (فقال بعض أصحابه نزلت في الذهب والفضة) أي ما نزلت أو نزلت هذه الآية في الذهب والفضة وعرفنا حكمها ومذمتهما (لو علمنا) لو للتمني (أي المال خير) مبتدأ وخبر والجملة سدت مسد المفعولين لعلمنا تعليقاً (فنتخذه) منصوب بإضمار أن بعد الفاء جواباً للتمني واللفظ المذكور للترمذي. ولفظ أحمد (ج5ص278) فقال بعض أصحابه قد نزل في الذهب والفضة ما نزل فلو أنا علمنا أي المال خير اتخذناه. قيل: السؤال وإن كان عن تعيين المال ظاهراً لكنهم أرادوا ما ينتفع به عند تراكم الحوائج فلذلك أجاب عنه بما أجاب ففيه شائبة عن الجواب عن أسلوب الحكيم (فقال أفضله) أي أفضل المال أو أفضل ما يتخذه الإنسان قنية (لسان ذاكر) أي بتحميد الله تعالى وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده وتلاوة القرآن (وقلب شاكر) أي على إنعامه وإحسانه (وزوجة مؤمنة) قال الطيبي: الضمير في أفضله راجع إلى المال على التأويل بالنافع أي لو علمنا أفضل الأشياء نفعاً فنقتنيه ولهذا السر استثنى الله من أتى الله بقلب سليم من قوله: {مال ولا بنون} [الشعراء: 88] والقلب إذا سلم من آفاته شكر الله تعالى، فسرى ذلك إلى لسانه فحمد الله وأثنى عليه، ولا يحصل ذلك إلا بفراغ القلب ومعاونة رفيق يعينه في طاعة الله – انتهى. ولهذا قال (تعينه على إيمانه) أي على دينه بأن تذكره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات وتمنعه من الزنا وسائر المحرمات قال السندي: عد المذكورات من المال المشاركتها للمال أي في ميل قلب المؤمن إليها وإنها أمور مطلوبة عنده، ثم عدها من أفضل الأموال لأن نفعها باق ونفع سائر الأموال زائل، وبالجملة فالجواب من أسلوب الحكيم للتنبيه على أن هم المؤمن ينبغي أن يتعلق بالآخرة فيسأل عما ينفعه، وإن أموال الدنيا كلها لا تخلو عن الشر – انتهى. قال القاري: ظاهر كلام الطيبي إن القلب مقدم على اللسان في نسخته فبنى عليه ما ذكر، وإلا فيقال إذا ذكر الله بلسانه سرى ذلك إلى جنانه فشكر على إحسانه فقدر الله تعالى له مؤنسة تعينه على إيمانه – انتهى. قلت: وقع في رواية ابن ماجه وكذا في رواية لأحمد بتقديم القلب على اللسان ولفظهما عن ثوبان. قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل. قالوا فأي المال نتخذ قال عمر أنا اعلم ذلك لكم قال فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره فقال يا رسول الله! أي المال نتخذ قال ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة

ص: 410