الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنذكر حديث ابن مسعود: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم في باب المعراج إن شاء الله تعالى.
{الفصل الثاني}
2153-
(25) عن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة تحت العرش يوم القيامة: القرآن يحاج العباد، له ظهر وبطن، والأمانة، والرحم تنادي:
ــ
ورواية الكتاب أخرجها الترمذي في الدعوات وأبوداود في الأدب وابن ماجه في الدعاء (وسنذكر حديث ابن مسعود لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم) وبعده على ما في المصابيح انتهى به إلى سدرة المنتهى فأعطى ثلاثاً أعطى الصلوات الخمس وخواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات (في باب المعراج) وهو إما لتكرره حوله إليه أو لكونه أنسب بذلك الباب والله أعلم.
2153-
قوله: (ثلاثة) أي أشياء تكون (تحت العرش) المراد أنها تجسم ويكون لها قرب مكانة عنده تعالى بحيث تشفع لمن قام بحدود القرآن كان سبباً لنجاته، وإلا كان سبباً لهلاكه. قال المناوي: قوله "ثلاثة تحت العرش" عبارة عن اختصاص الثلاثة من الله بمكان بحيث لا يضيع أجر من حافظ عليها ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها (القرآن يحاج العباد) أي يحاجج عن العباد العاملين دون غيرهم. وقال القاري: أي يخاصمهم فيما ضيعوه وأعرضوا عنه من أحكامه وحدوده أو يحاج لهم ويخاصم عنهم بسبب محافظتهم حقوقه كما تقدم يحاجان عن أصحابهما، وكما ورد القرآن حجة لك أو عليك فنصب العباد بنزع الخافض (له) أي للقرآن (ظهر وبطن) قيل: ظهره لفظه، وبطنه معناه، وقيل: ظهره ما ظهر تأويله وبطنه ما بطن تفسيره. وقيل: ظهره ما يظهر بيانه وبطنه ما احتيج إلى تفسيره. وقيل: ظهره تلاوته كما أنزل وبطنه التدبر له والتفكر فيه. وقيل: الظهر صورة القصة مما أخبر الله سبحانه من غضبه على قوم وعقابه إياهم فظاهر ذلك أخبار عنهم وباطنه عظة وتنبيه لمن يقرأ ويسمع من الأمة وهذا وجه حسن لولا اختصاصه ببعض دون بعض، فإن القرآن متناول لجملة التنزيل وفي حمل قوله له ظهر وبطن على هذا الوجه تعطيل لما عداه. وقيل: ظهره ما استوى المكلفون فيه من الإيمان به والعمل بمقتضاه وموجبه وبطنه ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد على حسب مراتبهم في الأفهام والعقول وتباين منازلهم في المعارف والعلوم، وإنما أردف قوله يحاج العباد بقوله له ظهر وبطن لينبه على أن كلا منهم إنما يطالب بقدر ما انتهى إليه من علم الكتاب وفهمه (والأمانة) وهي كل حق لله أو الخلق لزم أداءه وفسرت في قوله تعالى:{إنا عرضنا الأمانة} [الأحزاب: 72] بأنها الواجب من حقوق الله لأنه الأهم (والرحم) استعيرت للقرابة بين الناس (تنادي) بالتأنيث. قال في المرقاة: أي قرابة الرحم أو كل واحدة من
ألا من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)) . رواه في شرح السنة.
2154 -
(26) وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن إقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرأها))
ــ
الأمانة والرحم. وقيل: كل من الثلاثة- انتهى. وفي حاشية المشكاة عن الطيبي فالقرآن يحاج والأمانة كذا والرحم تنادي ولم يذكر للثاني ما هو له من البيان اعتماداً على الأول أو على الثاني أي والأمانة تحاج أو تنادي- انتهى. (ألا) حرف تنبيه (من وصلني وصله الله) أي بالرحمة (ومن قطعني قطعه الله) أي بالإعراض عنه وهو يحتمل إخباراً ودعاءاً. قال القاضي: إنما خص هذه الثلاثة بالذكر لأن ما يحاوله الإنسان إما أن يكون دائراً بينه وبين الله تعالى لا يتعلق بغيره، وإما أن يكون بينه وبين عامة الناس أو بينه وبين أقاربه وأهله، فالقرآن وصله إلى أداء حقوق الربوبية والأمانة تعم الناس، فإن دماءهم وأموالهم وأعراضهم وسائر حقوقهم أمانات فيما بينهم، فمن قام بها فقد أقام العدل ومن واصل الرحم وراعى الأقارب بدفع المخاوف والإحسان إليهم في أمور الدين والدنيا، فقد أدى حقها، وقدم القرآن لأن حقوق الله أعظم ولإشتماله على القيام بالأخيرين، وعقبه بالأمانة لأنها أعظم من الرحم ولإشتمالها على أداء حق الرحم، وصرح بالرحم مع اشتمال الأمرين الأولين محافظتها تنبيهاً على أنها أحق حقوق العباد بالحفظ كذا ذكره القاري. والحديث نقله السيوطي في الجامع الصغير عن الحكيم الترمذي، ومحمد بن نصر بلفظ: ثلاثة تحت العرش يوم القيامة، القرآن له ظهر وبطن يحاج العباد، والرحم تنادي صل وصلني واقطع من قطعني، والأمانة- انتهى. أي تنادي بأن أحفظ من حفظني واقطع من خان فِيّ (رواه) المصنف أي البغوي (في شرح السنة) قال الجزري: وفي إسناده كثير بن عبد الله وهو واهٍ ذكره القاري، وقد تقدم أن الحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه للحكيم الترمذي ومحمد بن نصر. قال العزيزي: بإسناد ضعيف.
2154-
قوله: (وعن عبد الله بن عمرو) بالواو (يقال) أي في الآخرة عند دخول الجنة (لصاحب القرآن) أي من يلازمه بالتلاوة والعمل (اقرأ وارتق) أمر من الإرتقاء أي اصعد، وفي رواية أحمد والترمذي اقرأ وارق، وهو أمر من رَقِيَ يرقي رقياً، أي إصعد إلى درجات الجنة وارتفع فيها يقال رقِيَ الجبلَ، وفيه وإليه رَقْياً ورُقيّاً أي صعد (ورتل) أي إقرأ بالترتيل ولا تستعجل في قراءتك (كما كنت ترتل في الدنيا) من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف (فإن منزلك) وفي رواية أحمد والترمذي، فإن منزلتك وكذا وقع في بعض النسخ من سنن أبي داود (عند آخر آية تقرأها) قال الخطابي في المعالم:(ج1ص289) قد جاء في الأثر إن عدد آي
رواه أحمد والترمذي، وأبو داود، والنسائي.
2155 -
(27) وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)) .
ــ
القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقاري إرق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءاً منها كان رقية في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة- انتهى. وقال التوربشتي: الصحبة الملازمة للشي إنساناً كان أو حيواناً، أو مكاناً أو زماناً ويكون بالبدن هو الأصل والأكثر، ويكون بالعناية والهمة وصاحب القرآن هو الملازم له بالهمة والعناية، ويكون ذلك تارة بالحفظ والتلاوة، وتارة بالتدبر له. والعمل به. فإن ذهبنا فيه إلى الأول فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض والمنزلة التي في الحديث هي ما يناله العبد من الكرامة على حسب منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير، وذلك لما عرفنا من أصل الدين إن العامل بكتاب الله المتدبر له أفضل من الحافظ والتالي له إذا لم ينل شأوه في العمل والتدبر، وقد كان في الصحابة من هو أحفظ لكتاب الله من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأكثر تلاوة منه وكان هو أفضلهم على الإطلاق لسبقه عليهم في العلم بالله وبكتابه وتدبره وعمله به. وإن ذهبنا إلى الثاني وهو أحق الوجهين وأتمهما، فالمراد من الدرجات التي يستحقها بالآيات سائرها. وحينئذٍ يقدر التلاوة في القيامة على مقدار العمل، فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد أقام ما يجب عليه فيها، واستكمال ذلك إنما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ثم الأمة بعده على مراتبهم ومنازلهم في الدين، كل منهم يقرأ على مقدار ملازمته إياه تدبراً وعملاً. وقد ورد في الحديث (رواه ابن مردوية والبيهقي عن عائشة) إن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، وفي هذا دليل على صحة ما ذهبنا إليه- انتهى. وقيل: المراد إن الترقي يكون دائماً فكما إن قراءته في حال الإختتام استدعت الإفتتاح الذي لا انقطاع له، كذلك هذه القراءة والترقي في المنازل التي لا تتناهى وهذه القراءة لهم كالتسبيح للملائكة لا تشغلهم من مستلذاتهم بل هي أعظم مستلذاتهم. (رواه أحمد)(ج2ص191)(والترمذي) وصححه (وأبوداود) وسكت عنه ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره (والنسائي) وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه كما في الترغيب والكنز، والحاكم (ج1ص553) وسكت عنه. وقال الذهبي: صحيح. والبيهقي (ج2ص53) وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبي سعيد بلفظ: يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة إقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شي معه، هذا لفظ ابن ماجه وقوله معه صريح في أن المراد بصاحب القرآن حافظ دون الملازم للقراءة في المصحف.
2155-
قوله: (إن الذي ليس في جوفه) أي قلبه (شي من القرآن كالبيت الخرب) بفتح الخاء المعجمة
رواه الترمذي، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
2156 -
(28) وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين)) .
ــ
وكسر الراء المهملة أي الخراب، لأن عمارة القلوب بإيمان وقراءة القرآن وزينة الباطن بالاعتقادات الحقة والتفكر في نعماء الله تعالى. وقال الطيبي: أطلق الجوف وأريد به القلب إطلاقاً لاسم المحل على الحال، وقد استعمل على حقيقته في قوله تعالى:{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} [الأحزاب: 33] واحتيج لذكره ليتم التشبيه له بالبيت الخرب بجامع إن القرآن إذا كان في الجوف يكون عامراً مزيناً بحسب قلة ما فيه وكثرته، وإذا خلى عما لا بد فيه من التصديق والاعتقاد الحق والتفكر في آلاء الله ومحبته وصفاته يكون كالبيت الخرب الخالي عما يعمره من الأثاث والتجمل- انتهى. قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا ما لفظه: وكأنه عدل عن ظاهر المقابلة المتبادر إلى الفهم، وإذا خلى عن القرآن لعدم ظهور إطلاق الخراب عليه- انتهى. (رواه الترمذي والدارمي) في فضائل القرآن وأخرجه أيضاً أحمد (ج1ص232) والحاكم (ج1ص554) كلهم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس (وقال الترمذي هذا حديث صحيح) وفي نسخ الترمذي الموجودة عندنا حديث حسن صحيح، والحديث صححه الحاكم أيضاً، وتعقبه الذهبي. فقال قابوس: لين. قلت: قابوس هذا كان ابن معين شديد الحط عليه على أنه وثقه في رواية، ووثقه أيضاً يعقوب بن سفيان. وقال ابن غدي: أرجو أنه لا بأس به وكذا قال العجلي وضعفه النسائي والدارقطني وأبوحاتم. وقال أحمد: ليس بذاك لم يكن من النقد الجيد. وقال ابن سعد: فيه ضعف ولا يحتج به. وقال ابن حبان كان روى الحفظ ينفرد عن أبيه بما لا أصل له فربما رفع المراسيل وأسند الموقوف- انتهى. وقال الحافظ في التقريب: فيه لين، والحديث عزاه في الكنز لابن منيع وابن الضريس والطبراني وابن مردوية والبيهقي وسعيد بن منصور أيضاً.
2156-
قوله: (من شغله القرآن) هذا لفظ الترمذي، وللدارمي من شغله قراءة القرآن (عن ذكري ومسألتي) وفي رواية الدارمي عن مسألتي وذكرى. قيل: المراد بالذكر والمسألة اللذان ليسا في القرآن كالدعوات بقرينة قوله وفضل كلام الله الخ (أعطيته أفضل ما أعطى) على صيغة المضارع المتكلم المعلوم الواحد أي أفضل ما أعطيته (السائلين) أي والذاكرين فهو من باب الاكتفاء والمراد بالسائلين الطالبون في ضمن الذكر أو الدعاء بلسان القال أو ببيان الحال. وقال في اللمعات: اكتفى بالسؤال لأن الذكر أيضاً سؤال تعريضاً، يعني من اشتغل بقراءة القرآن ولم يفرغ إلى الذكر والدعاء أعطاه الله مقصوده ومراده أحسن، وأكثر مما يعطي الذين يطلبون من
وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه)) رواه الترمذي، والدارمي، والبيهقي في شعب الإيمان. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
ــ
الله حوائجهم يعني لا يظن القاري إنه إذا لم يتطلب من الله حوائجه لا يعطيه، بل يعطيه أكمل الإعطاء فإنه من كان لله كان الله له. قال الشوكاني: في الحديث دليل على أن المشتغل بالقرآن تلاوة وتفكراً يجازيه الله أفضل جزاء ويثيبه بأعظم إثابة (وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) جملة استئنافية قائمة مقام العلة للجملة السابقة سواء يكون من تتمة كلام الله عزوجل، على أنه حينئذٍ فيه التفات أو على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر، لئلا يحتاج إلى ارتكاب الالتفات أو على أنه من كلام بعض الرواة على ما نقل عن البخاري أنه قال، هذا من كلام أبي سعيد الخدري الراوي أدرجه في الحديث، ولم يثبت رفعه لكن فيه نظر، فإن هذه الجملة بإنفرادها ذكرها السيوطي في الجامع الصغير برواية البيهقي وأبي يعلى عن أبي هريرة مرفوعاً، ولفظه فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرحمن على سائر خلقه، كذا قال القاري في شرح الحصن. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين:(ص262) هذه الكلمة لعلها خارجة مخرج التعليل لما تقدمها من أنه يعطي المشتغل بالقرآن أفضل ما يعطي الله السائلين، ووجه التعليل إنه لما كان كلام الرب سبحانه وتعالى فائقاً على كل كلام كان أجر المشتغل به فوق كل أجر، والحديث لولا أن فيه ضعفاً لكان دليلاً على أن الاشتغال بالتلاوة عن الذكر وعن الدعاء يكون لصاحبه هذا الأجر العظيم- انتهى. قلت: حديث أبي هريرة الذي ذكره السيوطي أخرجه أيضاً ابن عدي من رواية شهر بن حوشب عنه مرفوعاً. قال الحافظ: وفي إسناده عمر بن سعيد الأشج وهو ضعيف، وأخرجه ابن الضريس (وكذا الدارمي) من وجه آخر عن شهر بن حوشب مرسلاً، ورجاله لا بأس بهم، وأخرجه يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من حديث عمر بن الخطاب، وفي إسناده صفوان بن أبي الصهباء مختلف فيه، وأخرجه ابن الضريس أيضاً من طريق الجراح ابن الضحاك عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه خيركم من تعلم القرآن وعلمه، ثم قال: وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه. وذلك أنه منه، وحديث عثمان هذا تقدم بدون هذه الزيادة وقد بين العسكري إنها من قول أبي عبد الرحمن السلمي. وقال المصنف يعني البخاري: في خلق أفعال العباد. وقال أبوعبد الرحمن السلمي: فذكره وأشار في خلق أفعال العباد إلى أنه لا يصح مرفوعاً، وأخرجه العسكري أيضاً عن طاووس والحسن من قولهما- انتهى كلام الحافظ:(رواه الترمذي والدارمي) في فضائل القرآن (والبيهقي في شعب الإيمان) من طريق محمد بن الحسن الهمداني عن عمرو بن قيس عن عطية العوفي عن أبي سعيد (وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب) ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح وعزاه للترمذي، وقال رجاله ثقات إلا عطة العوفي ففيه ضعف-انتهى. قلت: ومحمد بن الحسن الهمداني أيضاً ضعيف ولم يخرج له
2157-
(29) وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) رواه الترمذي، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، غريب إسناداً.
ــ
من الستة إلا الترمذي وذكر الذهبي في الميزان هذا الحديث في ترجمة محمد بن الحسن هذا. ثم قال: حسنه الترمذي فلم يحسن، ونقل الحافظ كلام الذهبي هذا في تهذيبه وسكت عنه. وقال الصغاني: إنه موضوع كما في الفوائد المجموعة للشوكاني وتذكرة الموضوعات للفتنى، وعندي في الحكم بكونه موضوعاً نظر.
2157-
قوله: (من قرأ حرفاً) المراد بالحرف حرف البناء المعبر عنه بحرف الهجاء (من كتاب الله) أي القرآن (فله به) أي بسبب ذلك الحرف أو بدله (حسنة والحسنة بعشر أمثالها) أي مضاعفة بالعشر وهو أقل التضاعف الموعود بقوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 161]{والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261] والحرف يطلق على حرف الهجاء والمعاني والجملة المفيدة والكلمة المختلف في قراءتها وعلى مطلق الكلمة، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أقول الم حرف ألف حرف ولام حرف وميم حرف) قال الشوكاني: والحديث فيه التصريح بأن قاري القرآن له بكل حرف منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. ولما كان الحرف فيه يطلق على الكلمة المتركبة من حرف أوضح النبي صلى الله عليه وسلم، إن المراد هنا الحرف البسيط المنفرد لا الكلمة، وهذا أجر عظيم وثواب كبير ولله الحمد (رواه الترمذي) من طريق أيوب بن موسى عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود (والدارمي) فيه نظر، فإن الدارمي لم يروه مرفوعاً، بل رواه موقوفاً من طريق عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، قال: تعلموا هذا القرآن فإنكم تؤجرون بتلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول لكم بألم، ولكن بألف ولام وميم بكل حرف عشر حسنات (وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب إسناداً) أي لا متنا، تمييز عن نسبة غريب، وفي نسخ الترمذي حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد تقدم معنى الغريب والتنبيه على أنواع الغريب، وارجع إلى شرح الزرقاني على منظومة البيقونية (ص51) وشرح الألفية للسخاوي (ص345) وتدريب الراوي للسيوطي (ص192) قال الترمذي: ويروي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن مسعود رواه أبوالأحوص عن عبد الله بن مسعود، ورفعه بعضهم ووقفه بعضهم- انتهى. قلت: وقفه عطاء بن السائب عن أبي الأحوص كما تقدم، ورفعه صالح بن عمر عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عند الحاكم (ج1ص555) والطبراني. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بصالح
2158-
(30) وعن الحارث الأعور، قال: مررت في المسجد، فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي رضي الله عنه فأخبرته، فقال: أوَ قد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: ((أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون فتنة. قلت: ما المخرج منها يا رسول الله! قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخير ما بعدكم، وحكم ما بينكم،
ــ
ابن عمر وتعقبه الذهبي، فقال صالح ثقة خرج له مسلم، لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف- انتهى. قلت: وخالف الدارمي صالح بن عمر فرواه عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود موقوفاً.
2158-
قوله: (وعن الحارث الأعور) تابعي من أصحاب علي رضي الله عنه وقد سبق ترجمته (مررت في المسجد) وفي الدارمي، دخلت المسجد. قال الطيبي: في المسجد ظرف، والممرور به محذوف، يدل عليه قوله (فإذا الناس يخوضون في الأحاديث) أي أحاديث الناس وأباطيلهم من الأخبار والحكايات والقصص ويتركون تلاوة القرآن وما يقتضيه من الأذكار. والآثار والخوض أصله الشروع في الماء والمرور فيه، ويستعار للشروع في الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه نحو قوله تعالى:{ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} [الأنعام: 91](فأخبرته) أي الخبر كذا في جميع النسخ من المشكاة، وهكذا في جامع الأصول (ج9ص252) والذي في جامع الترمذي "فقلت يا أمير المؤمنين! ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث" وللدارمي "فقلت ألا ترى إن أناساً يخوضون في الأحاديث في المسجد" (أوَ قد فعلوها) قال الطيبي: أي ارتكبوا هذه الشنيعة وخاضوا في الأباطيل، فإن الهمزة والواو العاطفة يستدعيان فعلاً منكراً معطوفاً عليه، أي فعلوا هذه الفعلة الشنيعة وقال القاري: أي أتركوا القرآن وقد فعلوها أي وخاضوا في الأحاديث (أما) للتنبيه (ألا) للتنبيه أيضاً (إنها) الضمير للقصة (ستكون فتنة) أي عظيمة، وفي الدارمي ستكون فتن. قال ابن الملك: يريد بالفتنة ما وقع بين الصحابة، أو خروج التتار أو الدجال أو دابة الأرض- انتهى. قال القاري: وغير الأول لا يناسب المقام كما لا يخفى (قلت ما المخرج منها) بفتح الميم اسم ظرف، أو مصدر ميمي، أي ما طريق الخروج والخلاص من تلك الفتنة يا رسول الله! قال الطيبي: أي موضع الخروج أو السبب الذي يتوصل به إلى الخروج عن الفتنة (قال كتاب الله) أي طريق الخروج منها تمسك كتاب الله على تقدير مضاف (فيه نبأ ما قبلكم) أي من أحوال الأمم الماضية (وخبر ما بعدكم) وهي الأمور الآتية من أشراط الساعة وأحوال القيامة وفي العبارة تفنن (وحكم ما بينكم) بضم الحاء وسكون الكاف أي ما يقع بينكم من الوقائع والحوادث. قال القاري: أي حاكم ما وقع
هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به اللسنة،
ــ
أو يقع بينكم من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان والحلال والحرام وسائر شرائع الإسلام ومباني الأحكام (هو الفصل) كذا وقع في الدارمي، وهكذا في جامع الأصول، وعند الترمذي وهو الفصل أي الفاصل بين الحق والباطل أو المفصول والمميز فيه الخطأ والصواب، وما يترتب عليه الثواب والعذاب وصف بالمصدر مبالغة (ليس بالهزل) أي جد كله وحق جميعه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والهزل في الأصل القول المعرى عن المعنى المرضي، واشتقاقه من الهزال ضد السمن، والحديث مقتبس من قوله تعالى:{إنه لقول فصل وما هو بالهزل} [الطارق: 13- 14](من تركه) أي القرآن إيماناً وعملاً (من جبار) أي متكبر بين التارك بمن جبار ليدل على أن الحامل له على الترك إنما هو التجبر والحماقة. قال الطيبي: من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن مما يجب العمل به أو ترك قراءتها من التكبر كفر، ومن ترك عجزاً أو كسلاً أو ضعفاً مع اعتقاد تعظيمه فلا إثم عليه، أي بترك القراءة، ولكنه محروم ذكره القاري (قصمه) أي أهلكه أو كسر عنقه وأصل القصم الكسر والإبانة (ومن ابتغى الهدى) أي طلب الهداية من الضلالة (في غيره) من الكتب والعلوم التي غير مأخوذة منه ولا موافقة معه (أضله الله) أي عن طريق الهدى وأوقعه في سبيل الردى (وهو) أي القرآن (حبل الله المتين) أي المحكم القوي، والحبل مستعار للوصل، ولكل ما يتوصل به إلى شي أي الوسيلة القوية إلى معرفة ربه وسعادة قربه (وهو الذكر) أي ما يذكر به الحق تعالى أو ما يتذكر به الخلق أي يتعظ (الحكيم) أي ذو الحكمة (هو الذي لا تزيغ) بالتأنيث والتذكير أي لا تميل عن الحق (به) أي بإتباعه (الأهواء) أي الهواء إذا وافق هذا الهدى حفظ من الردى. وقيل: معناه لا يصير به مبتدعاً وضالاً، يعني لا يميل بسببه أهل الأهواء والآراء، وإنما زاغ من اتبع المتشابهات وترك المحكمات والأحاديث النبوية التي هي مبينة للمقاصد القرآنية. وقال الطيبي: أي لا يقدر أهل الأهواء على تبديله وتغييره وإمالته، وذلك إشارة إلى وقوع تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فالباء للتعدية. وقيل: الرواية من الإزاغة بمعنى الإمالة، والباء لتأكيد التعدية أي لا يميله الأهواء المضلة عن نهج الإستقامة إلى الأعوجاج وعدم الإقامة كفعل اليهود بالتوراة حين حرفوا الكلم عن مواضعه، لأنه تعالى تكفل بحفظه قال تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9](ولا تلتبس به الألسنة) أي لا تتعسر عليه ألسنة المؤمنين ولو كانوا من غير العرب قال تعالى: {فإنما يسرناه بلسانك} [الدخان: 58]{ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر:17] وقيل: لا يختلط به غير
ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا ينقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:{إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به} من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)) . رواه الترمذي، والدارمي.
ــ
بحيث يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالباطل فإن الله تعالى يحفظه أو يشتبه كلام الرب بكلام غيره لكونه كلاماً معصوماً دالاً على الإعجاز (ولا يشبع منه العلماء) أي لا يصلون إلى الإحاطة بكنهه حتى يقفوا عن طلبه وقوف من يشبع من مطعوم، بل كلما اطلعوا على شي من حقائقه اشتاقوا إلى آخر، أكثر من الأول، وهكذا فلا شبع ولا سآمة (ولا يخلق) بفتح الياء وضم اللام، وبضم الياء وكسر اللام من خلق الثوب إذا بلى وكذلك أخلق (عن كثرة الرد) أي لا تزول لذة قراءته وطراوة تلاوته واستماع أذكاره وأخباره من كثرة تكراره وترداده. قال القاري: و"عن" على بابها أي لا يصدر الخلق من كثرة تكراره كما هو شأن كلام غيره تعالى، وهذا أولى مما قاله ابن حجر من أن "عن" بمعنى "مع"- انتهى. قلت: قد وقع في بعض نسخ الترمذي "على" مكان "عن" وهو يؤيد ما قاله ابن حجر: (ولا ينقضي) بالتأنيث والتذكير (عجائبه) أي لا تنتهي لطائفة ودقائقه وغرائبه التي يتعجب منها. قيل: كالعطف التفسيري للقرينتين السابقتين ذكره الطيبي (هو الذي لم تنته الجن) أي لم يقفوا ولم يلبثوا (إذ سمعته) أي القرآن (حتى قالوا) أي لم يتوقفوا ولم يمكثوا وقت سماعهم له عنه بل اقبلوا عليه لما بهرهم من شأنه فبادروا إلى الإيمان على سبيل البداهة لحصول العلم الضروري وبالغوا في مدحه حتى قالوا (إنا سمعنا قرآناً عجباً) أي شأنه من حيثية جزالة المبني وغزارة المعنى (يهدي إلى الرشد) أي يدل على الصواب أو يهدي الله به الناس إلى طريق الحق (فآمنا به) أي بأنه من عند الله ويلزم منه الإيمان برسول الله (من قال به) أي من أخبر به (صدق) أي في خبره أو من قال قولاً ملتبساً به بأن يكون على قواعده ووفق قوانينه وضوابطه صدق (ومن عمل به) أي بما دل عليه (أجر) بضم الهمزة أي أثيب في عمله أجراً عظيماً وثواباً جسيماً، لأنه لا يحث إلا على مكارم الأخلاق والأعمال ومحاسن الآداب (ومن حكم به) أي بين الناس (عدل) أي في حكمه لأنه لا يكون إلا بالحق (ومن دعا إليه) أي من دعا الخلق إلى الإيمان به والعمل بموجبه (هدى إلى صراط مستقيم) روى مجهولاً أي من دعا الناس إلى القرآن وفق للهداية، وروى معروفاً كأن المعنى من دعا الناس إليه هداهم (رواه الترمذي والدارمي) من طريق حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث عن الحارث عن علي وأبوالمختار الطائي وابن أخي الحارث كلاهما
وقال الترمذي: هذا حديث إسناده مجهول، وفي الحارث مقال.
2159-
(31) وعن معاذ الجهني: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألبس والداه تاجاً يوم القيامة، ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا)) رواه أحمد وأبوداود.
ــ
مجهول، ورواه الدارمي أيضاً من طريق عمرو بن مرة عن أبي البختري عن الحارث (وقال الترمذي هذا حديث إسناده مجهول) الذي في الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول أي لجهالة أبي المختار الطائي وابن أخي الحارث (وفي الحارث) أي الراوي للحديث عن علي (مقال) أي مطعن والذي في الترمذي وفي حديث الحارث مقال- انتهى. وقال الصنعاني: هذا حديث موضوع كما في الفوائد المجموعة والتذكرة، وعندي في الحكم بكونه موضوعاً نظر فإن ما ذكروه من الكلام في هذا الحديث وفي الحارث الأعور لا يقتضي أن يكون الحديث موضوعاً وله شاهد ضعيف من حديث معاذ بن جبل عند الطبراني ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (ج7ص164) وقال وفيه عمرو بن واقد وهو متروك.
2159-
قوله: (وعن معاذ) بضم الميم ابن أنس (الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء (من قرأ القرآن) أي فأحكمه كما في رواية أي فاتقنه قاله القاري. وقال ابن حجر: أي حفظه عن ظهر قلب، وفي رواية أحمد من قرأ القرآن فأكمله (ضوءه أحسن) اختاره على أنور وأشرق إعلاماً بأن تشبيه التاج مع ما فيه من نفائس الجواهر بالشمس ليس بمجرد الإشراق والضوء بل مع رعاية من الزينة والحسن (من ضوء الشمس) حال كونها (في بيوت الدنيا) فيه تتميم صيانة من الإحراق وكلال النظر بسبب أشعتها كما أن قوله (لو كانت) أي الشمس على الفرض والتقدير (فيكم) أي في بيوتكم تتميم للمبالغة فإن الشمس مع ضوئها وحسنها لو كانت داخلة في بيوتنا كانت آنس وأتم مما لو كانت خارجة عنها. وقال الطيبي: أي في داخل بيوتكم. وقال ابن الملك: أي في بيت أحدكم. وعند أحمد في بيت من بيوت الدنيا لو كانت فيه (فما ظنكم) أي إذا كان هذا جزاء والديه لكونهما سبباً لوجوده (بالذي عمل بهذا) وفي رواية أحمد والحاكم عمل به. قال الطيبي: استقصار للظن عن كنه معرفة ما يعطي للقاري العامل به من الكرامة والملك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما أفادته "ما الاستفهامية المؤكدة لمعنى تحير الظان"(رواه أحمد)(ج3ص440)(وأبوداود) والحاكم (ج1ص567) كلهم من طريق زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه. وقد سكت عنه أبوداود. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد
2160-
(32) وعن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقى في النار ما احترق)) . رواه الدارمي.
ــ
وتعقبه الذهبي فقال قلت زبان ليس بالقوي. وقال المنذري: سهل بن معاذ ضعيف، ورواه عنه زبان ابن فائد وهو ضعيف أيضاً- انتهى.
2160 – قوله: (لو جعل القرآن في إهاب) أي جلد لم يدبغ، وقيل المراد به مطلق الجلد، إما على التجريد أو على أنه يطلق عليه وعلى ما لم يدبغ كما في القاموس (ثم ألقى في النار) قال الطيبي:"ثم" ليست لتراخي الزمان بل لتراخي الرتبة بين الجعل في الإهاب والإلقاء في النار، وإنهما أمران متنافيان لرتبة القرآن وإن الثاني أعظم من الأول. قال القاري: والأظهر أنها بمعنى الفاء (ما احترق) أي الإهاب ببركة القرآن. قيل: كان هذا في عصر صلى الله عليه وسلم لو ألقى المصحف في عهده في النار، لا تحركه النار وهذا كان معجزة له كسائر معجزاته. وقيل: معناه من كان القرآن في قبله لا تحرقه نار هكذا حكى عن أحمد بن حنبل وأبي عبيد. وقيل: هذا على سبيل الفرض. والتقدير مبالغة في بيان شرف القرآن وعظمته أي من شأنه ذلك على وتيرة قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} الآية [الحشر: 21] وقال التوربشتي: المعنى لو قدر أن يكون القرآن في إهاب ما مست النار ذلك الإهاب ببركة مجاورته للقرآن، فكيف بالمؤمن الذي تولى حفظه وقطع في تلاوته ليله ونهاره. والإهاب الجلد الذي لم يدبغ، وإنما ضرب المثل به والله أعلم، لأن الفساد إليه أسرع ولفح النار فيه أنفذ ليبسه وجفافه بخلاف المدبوغ للينة، وقد رأينا في الشاهد أن الجلد الذي لم يدبغ يفسده وهج الشمس بأدنى ساعة وتخرجه عن طبعه، ورأينا المدبوغ يقوى على ذلك للينة. والمراد بالنار المذكورة في الحديث نار الله الموقدة المميزة بين الحق والباطل التي لا تطعم إلا الجنس الذي بعد عن رحمة الله، دون النار التي تشاهد، فهي وإن كانت محرقة بأمر الله أو تقديره أيضاً فإنها مسلطة على الذرات القابلة للحرق لا ينفك عنه إلا في الأمر النادر الذي ينزع الله عنها الحرارة، كما كان من أمر خليل الرحمن صلوات الله عليه وسلامه والله أعلم- انتهى كلام التوربشتي. (رواه الدرامي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج4ص151- 155) وأبويعلى والطبراني من طريق ابن لهيعة عن مِشْرَع بن هاعان عن عقبة بن عامر وعزاه في الكنز (ج1ص477) للبيهقي في الشعب، وابن الضريس والحكيم الترمذي أيضاً، وله شواهد من حديث عصمة بن مالك عند الطبراني، وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف ومن حديث سهل بن سعد عند الطبراني أيضاً، وفيه عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان كما في الكنز (ج1ص461) .
2161-
(33) وعن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله. وحرم حرامه. أدخله الله الجنة. وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار)) . رواه أحمد. والترمذي، وابن ماجه، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحفص بن سليمان الراوي
ــ
2161-
قوله: (من قرأ القرآن فاستظهره) أي حفظه تقول قرأت القرآن عن ظهر قلبي أي قرأته من حفظي قاله الجزري. وقال في المفاتيح: استظهر إذا حفظ القرآن واستظهر إذا طلب المظاهرة، وهي المعاونة، واستظهر إذا احتاط في الأمر وبالغ في حفظه وإصلاحه، وهذه المعاني الثلثة جائزة في هذا الحديث، يعني من حفظ القرآن وطلب القوة والمعاونة في الدين واحتاط في حفظ حرمته واتباع أوامره ونواهيه والله اعلم- انتهى. واللفظ المذكور لأحمد والترمذي، وفي رواية لأحمد من تعلم القرآن فاستظهره وحفظه، ولابن ماجه من قرأ القرآن وحفظه. قال السندي: من قرأ القرآن أي غيباً ولو بالنظر وقوله "حفظه" أي بمراعاة بالعمل به والقيام بموجبه، أو المراد بالحفظ قراءته غيباً ولا يتركه، ويحتمل أن من داوم على قراءته حتى حفظه، وعلى الوجهين ينبغي أن يعتبر مع ذلك العمل به أيضاً إذ غير العامل يعد جاهلاً، ورواية الترمذي صريحة في اعتبار أنه يقرأ بالغيب وإتيانه به-انتهى. (فأحل حلاله وحرم حرامه) أي اعتقد حلاله حلالاً وحرامه حراماً، وليست هذه الكلمة عند أحمد وابن ماجه (أدخله الله الجنة) أي ابتداء وإلا فكل مؤمن يدخلها (وشفعه) بتشديد الفاء أي قبل شفاعته (كلهم) أي كل العشرة (قد وجبت له النار) أي بالذنوب لا بالكفر نعوذ بالله منه وأفراد الضمير للفظ الكل. قال الطيبي: فيه رد على من زعم أن الشفاعة إنما تكون في رفع المنزلة دون خط الوزر بناء على ما افتروه إن مرتكب الكبيرة يجب خلوده في النار، ولا يمكن العفو عنه والوجوب هنا على سبيل المواعدة (رواه أحمد)(ج1ص148- 149)(والترمذي) في فضائل القرآن (وابن ماجه) في السنة كلهم من طريق حفص بن سليمان عن كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة عن علي (والدارمي) كذا في جميع النسخ المطبوعة بالهند، وكذا وقع في النسخة التي على هامش المرقاة، ولم يقع في النسخ التي اعتمد عليها القاري في شرحه إلا في نسخة واحدة حيث قال بعد ذكر قول المصنف "رواه أحمد والترمذي وابن ماجه" ما لفظه، وفي نسخة صحيحة والدارمي- انتهى. والظاهر إن ما وقع في تلك النسخة وفي النسخ المطبوعة من زيادة "والدارمي" خطأ من الناسخ فإني لم أجد هذا الحديث في مسند الدارمي (وقال الترمذي: هذا حديث غريب) وبعده لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس له إسناد صحيح (وحفص بن سليمان الراوي) بإسكان الياء
ليس هو بالقوي، يضعف في الحديث.
2162 -
(34) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: ((كيف تقرأ في الصلاة؟ فقرأ أم القرآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبع من المثاني
ــ
(ليس هو بالقوي) ليست هذه الجملة في نسخ الترمذي الموجودة عندنا (يضعف) بالتشديد أي ينسب إلى الضعف (في الحديث) أي في رواية الحديث. قلت: حفص بن سليمان هذا هو حفص بن أبي داود الأسدي أبوعمر البزار الكوفي الغاضرى القاري صاحب عاصم بن أبي النجود وصاحب قرأة حفص المعروفة التي يقرأ لها الناس بمصر والهند. قال الحافظ في التقريب: متروك الحديث مع إمامته في القراءة- انتهى. وقال البخاري في الضعفاء تركوه، وقال مسلم وأحمد والنسائي وأبوحاتم: متروك الحديث. وقال ابن المديني وأبوزرعة وأبوحاتم: أيضاً ضعيف الحديث. وقال ابن خراش: كذاب متروك. وقال أبوأحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال يحيى بن سعيد عن شعبة: أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلم يروه وكان يأخذ كتب الناس فينسخها يعني أنه ينسخ كتباً لم يسمعها فيحدث بها كأنها من سماعه، ولذلك قال ابن معين: كان حفص وأبوبكر يعني ابن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم، وكان حفص أقرأ من أبي بكر وكان كذاباً، وكان أبوبكر صدوقاً- انتهى. وفي سنده أيضاً كثير بن زاذان وهو مجهول. قال ابن معين: لا نعرفه، وقال أبوزرعة وأبوحاتم: شيخ مجهول. فالحديث ضعيف جداً لضعف حفص القاري وجهالة كثير بن زاذان، وله شاهد ضعيف من حديث جابر رواه الطبراني في الأوسط ذكره الهيثمي (ج7ص162) وقال فيه جعفر بن الحارث وهو ضعيف.
2162-
قوله: (كيف تقرأ في الصلاة فقرأ أم القرآن) يعني الفاتحة وسميت بها لاحتوائها واشتمالها على ما في القرآن إجمالاً أو المراد بالأم الأصل فهي أصل قواعد القرآن ويدور عليها أحكام الإيمان. قال الطيبي: فإن قلت كيف طابق هذا جواباً عن السؤال بقوله " كيف تقرأ" لأنه سؤال عن حالة القراءة لأنفسها. قلت: يحتمل أن يقدر فقرأ القرآن مرتلاً ومجوداً أو يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام سأل عن حال ما يقرأه في الصلاة، أهي سورة جامعه حاوية لمعاني القرآن أم لا؟ فلذلك جاء بأم القرآن وخصها بالذكر أي هي جامعه لمعاني القرآن وأصل لها كذا في المرقاة. قلت: ويؤيد الاحتمال الثاني صدر الحديث الذي حذفه المصنف (ولا في الفرقان) أي في بقية القرآن (مثلها) بالرفع أي سورة مثلها (وإنها سبع) أي سبع آيات (من المثاني) أي هي المثاني
والقرآن العظيم الذي أعطيته)) . رواه الترمذي، وروى الدارمي من قوله: ما أنزلت ولم يذكر أبي بن كعب. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
2163-
(35) وعنه، قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا القرآن
ــ
"فمن" بيانية ويحتمل أن تكون تبعيضية (والقرآن العظيم) قيل: هو من إطلاق الكل على الجزء للمبالغة (الذي أعطيته) أي ولم يعطه نبي غيري (رواه الترمذي) أي من أوله إلى آخره في فضائل القرآن من طريق العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبي! وهو يصلي فالتفت أبي فلم يجبه وصلى أبي فخفف. ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام، ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال يا رسول الله! إني كنت في الصلاة قال، أفلم تجد فيما أوحى الله إلى أن {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم} [الأنفال: 24] قال بلى، ولا أعود إن شاء الله قال أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، قال نعم يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقرأ في الصلاة إلخ. قال الحافظ في الفتح: قد اختلف فيه على العلاء أخرجه الترمذي من طريق الدراوردي، والنسائي من طريق روح بن القاسم، وأحمد من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب فذكر- الحديث. وأخرجه الترمذي يعني في سورة الحجر وابن خزيمة والحاكم (ج1ص557) من طريق عبد الحميد ابن جعفر عن العلاء مثله لكن قال عن أبي هريرة عن أبي بن كعب رضي الله عنه، وأخرجه الحاكم (ج1ص558) من طريق شعبة عن العلاء نحوه لكن قال عن أبيه عن أبي بن كعب، ورجح الترمذي كونه من مسند أبي هريرة. وقد أخرجه الحاكم أيضاً (ج1ص558) من طريق الأعرج عن أبي هريرة إن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب، وهو مما يقوي ما رجحه الترمذي- انتهى كلام الحافظ بتغيير يسير. (وروى الدارمي) أي من طريق الدراوردي عن العلاء (ولم يذكر أبي بن كعب) أي قصته الكائنة في صدر الحديث.
2163-
قوله: (تعلموا القرآن) أي لفظه ومعناه قال أبومحمد الجويني: تعلم القرآن وتعليمه فرض كفاية لئلا ينقطع عدد التواتر فيه فلا يتطرق إليه تبديل وتحريف. قال الزركشي: وإذا لم يكن في البلد أو القرية من يتلو القرآن أثموا بأسرهم. قال ابن حجر: وفيه وقفة إذا المخاطب به جميع الأمة، فحيث كان فيهم عدد التواتر ممن يحفظ فلا إثم على أحد، نعم يتعين في عدد التوتر المذكور أن يكونوا متفرقين في بلاد الإسلام بحيث لو أراد
فاقرأوه، فإن مثل القرآن لمن تعلم فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكاً، تفوح ريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب، أوكي على مسك)) .
ــ
أحد أن يغير أو يحرف شيئاً منعوه- انتهى. وظاهر كلام الزركشي إن كل بلد لا بد فيه أن يكون ممن يتلو القرآن في الجملة، لأن تعلم بعض القرآن فرض عين على الكل، فإذا لم يوجد هناك أحد يقرأ أثموا جميعاً كذا في المرقاة (فاقرأوه) أي بعد التعلم لو عقيبة، وفي الترمذي واقرأوه أي بالواو، وكذا وقع في بعض نسخ المشكاة، وهكذا نقله المنذري في الترغيب، والجزري في جامع الأصول، والحصن وعلى المتقى في الكنز. قال الطيبي: الفاء في قوله "فاقرؤه" كما في قوله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود: 30] أي تعلموا القرآن وداوموا على تلاوته، والعمل بمقتضاه يدل عليه التعليل بقوله (فإن مثل القرآن لمن تعلم فقرأ) وفي الترمذي تعلمه فقرأه، وهكذا نقله في الترغيب والحصن (وقام به) أي داوم على قراءته وعمل به (كمثل جراب) بكسر الجيم وعاء معروف، وفي الصحاح والعامة تفتحها، وفي القاموس ولا يفتح أو هي لغية، وفي القسط من باب اللطف قول من قال لا تكسر القصعة ولا تفتح الجراب، وخص الجراب هنا بالذكر احتراماً لأنه من أوعية المسك. قال الطيبي: التقدير فإن ضرب المثل لأجل من تعلمه كضرب المثل للجراب، فمثل مبتدأ والمضاف محذوف، واللام "في لمن تعلم" متعلق بمحذوف، والخبر قوله "كمثل" على تقدير المضاف أيضاً، والتشبيه إما مفرد وإما مركب (محشو) بتشديد الواو كمدعو أي مملو (مسكاً) نصبه على التمييز (تفوح) وفي الترمذي يفوح بالتذكير، وكذا في الترغيب والكنز والحصن (ريحه) أي تظهر وتصل رائحته من فاح المسك يفوح فوحاً انتشرت رائحته ولا يقال في الكريهة أو عام (كل مكان) وفي الترمذي، في كل مكان. قال ابن الملك: يعني صدر القاري كجراب، والقرآن فيه كالمسك فإنه إذا قرأ وصلت بركته إلى تاليه وسامعيه. قال القاري: ولعل إطلاق المكان للمبالغة، ونظيره قوله تعالى:{تدمر كل شيء} [الأحقاف: 25]{وأوتينا من كل شيء} [النمل: 16] مع أن التدمير والإيتاء خاص (ومثل من تعلمه) بالرفع والنصب (فرقد) وفي الترمذي، فيرقد بصيغة المضارع، وهكذا في الترغيب والكنز والحصن وجامع الأصول أي ينام ويغفل عنه، ولا يشتغل به على الوجه المذكور لأنه من كان كذلك كأنه نائم، وذلك بقرينة مقابلته بقوله "فقرأ" وقام به. وقيل: رقد أي نام عن القيام بالقرآن في الليل وقام به أي في الليل (وهو) أي القرآن (في جوفه) أي في قلبه وهي جملة حالية (أوكي) بصيغة المجهول من أوكيت السقاء إذا ربطت فمه بالوكاء، والوكاء بالكسر الخيط الذي يشد به الأوعية (على مسك) المعنى أنه ملأه مسكاً وربط فمه على المسك أي لأجله يعني القرآن في صدره كالمسك في الجراب، فإن قرأ تصل البركة إلى بيته وإلى السامعين ويحصل منه استراحة
رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
2164 -
(36) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ {حم المؤمن} {إلى إليه المصير} وآية الكرسي حين يصبح بهما حتى يمسي، ومن قرأ بهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح)) رواه الترمذي، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
ــ
وثواب إلى حيث يصل إليه صوته، فهو كجراب مملو من مسك إذا فتح رأسه تصل رائحته المسك إلى كل مكان حوله. ومن تعلم القرآن ولم يقرأه لم تصل بركته منه لا إلى نفسه ولا إلى غيره فيكون كجراب مشدود رأسه، وفيه مسك فلا تصل رائحته إلى أحد (رواه الترمذي) في فضائل القرآن (والنسائي) في الكبرى (وابن ماجه) في السنة وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه كلهم من طريق عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة، والحديث رواه الترمذي مطولاً بذكر السبب وحسَّنه، وابن ماجه مختصراً. وصدر الحديث عند الترمذي. قال أبوهريرة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وهم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم، يعني ما معه من القرآن فأتى على رجل من أحدثهم سناً، فقال ما معك يا فلان: فقال معي كذا وكذا وسورة البقرة، فقال أمعك سورة البقرة؟ قال نعم! قال إذهب فأنت أميرهم، فقال رجل من أشرافهم والله ما منعني أن أتعلم البقرة إلا خشية أن لا أقوم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا القرآن- الحديث.
2164-
قوله: (من قرأ حم المؤمن) بفتح الميم وكسرها وجر المؤمن ونصبه قاله القاري. وفي رواية الدارمي فاتحه حم المؤمن أي من قرأ سورة حم التي يقال لها المؤمن (إلى إليه المصير) يعني {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} (وآية الكرسي) الواو لمطلق الجمع فيجوز تقديمها وتأخيرها، ويدل على ذلك تقديم آية الكرسي في رواية الدارمي وابن السني (حين يصبح) أي قبل صلاة الصبح أو بعدها وهو ظرف قرأ (حفظ بهما) أي بقراءتهما وبركتهما (حتى يمسي) أي يدخل الليل لأن الإمساء ضد الإصباح كما أن المساء ضد الصباح على ما في القاموس والصحاح، وفي رواية ابن السيني عصم ذلك اليوم من كل سوء، وللدارمي لم ير شيئاً يكرهه حتى يمسي (رواه الترمذي والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد وابن حبان كما في الحصن وابن السني (ص220) (وقال الترمذي هذا حديث غريب) تفرد به عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكه المدني عن زرارة بن مصعب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعبد الرحمن هذا ضعيف. قال البخاري وأحمد: منكر الحديث. وقال الترمذي: قد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة المليكي من قبل حفظه.
2165-
(37) وعن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا تقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها
ــ
2165-
قوله: (إن الله كتب كتاباً) أي أجرى القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به الإرادة (قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام) كنى به عن طول المدة وتمادى ما بين التقدير والخلق من الزمن، فلا ينافي عدم تحقق الأعوام قبل السماء، والمراد مجرد الكثرة، فلا ينافي ما روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر مرفوعاً كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، إذ المراد طول الأمد بين التقدير والخلق. وقيل وجه الجمع بين الحديثين إنه من الجنائز أن لا يكون كتابة الكوائن في اللوح المحفوظ دفعة واحدة، بل ثبتها الله فيه شيئاً فشيئاً فيكون كتابة هذا الكتاب في اللوح قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام والمقادير الأخر بخمسين ألف عام. قال الطيبي: كتابة مقادير الخلائق قبل خلقها بخمسين ألف سنة لا تنافي كتابة الكتاب المذكور بألفي عام لجواز اختلاف أوقات الكتابة في اللوح، ولجواز أن لا يراد به التحديد بل مجرد السبق الدال على الشرف- انتهى. وقيل يجوز أن يكون المقادير كلها مكتوباً قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام ويكون الكتاب المذكور أيضاً مثبتاً فيه إذ ذاك. ثم أمر الله تعالى ملائكته بأفراد كتابة هذا الكتاب على حدة في الزمان الذي بعده قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام تشريفاً وتكريماً، كما ينتخب ويفرد من الكتاب الكبير بعض أبوابه وفوائده وأنزل من هذا المفرد المنتخب الآيتين المذكورتين مختوماً بهما سورة البقرة. وقيل الكتابة بمعنى إظهار الكتابة والمراد إنه أظهر كتابة هذا الكتاب على طائفة من الملائكة. قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام. قال الطيبي: لعل الخلاصة أن الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات بخمسين ألف عام، ومن جملتها كتابة القرآن ثم خلق الله خلقاً من الملائكة وغيرهم فاظهر كتابة القرآن عليهم قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام. وخص من ذلك هاتان الآيتان وأنزلهما مختوماً بهما أولى الزهراوين (أنزل) أي الله تعالى (منه) أي من جملة ما في ذلك الكتاب المذكور (آيتين) هما آمن الرسول إلى آخره (ختم بهما سورة البقرة) أي جعلهما خاتمتها (ولا تقرآن في دار) أي في مكان من بيت وغيره (ثلاث ليال) أي في كل ليلة منها (فيقربها) بفتح الموحدة على أنه منصوب في جواب النفي. وقيل: بالرفع والراء مفتوحة لأن قرب المتعدي بالكسر، ومضارعه بالفتح بخلاف قرب اللازم، فإنه يضم فيهما. ففي القاموس قرب ككرم دني وقربه كسمع- انتهى. ومنه قوله تعالى:{ولا تقربوا الزنى} [الإسراء: 32]{ولا تقربوا مال اليتيم} [الأنفال:
الشيطان)) رواه الترمذي، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
2166 -
(38) وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
2167-
(39) وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل شي قلباً، وقلب القرآن (يس) ومن قرأ (يس) كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات)) رواه الترمذي، والدرامي.
ــ
153] ونحوهما (الشيطان) هذا لفظ الدارمي، وللترمذي شيطان أي فضلاً عن أن يدخلها فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى. قال الطيبي: أي توجد قراءة يعقبها قربان، يعني أن الفاء للتعقيب عطفاً على المنفي، والنفي سلط على المجموع. وقيل: يحتمل أن تكون للجمعية أي لا تجتمع القراءة وقرب الشيطان (رواه الترمذي والدارمي) وأخرجه أيضاً النسائي في اليوم والليلة، وابن حبان في صحيحه والحاكم (ج1ص562) إلا أن عنده ولا بقرآن في بيت فيقربه شيطان ثلاث ليال وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي (وقال الترمذي هذا حديث غريب) كذا في النسخ الحاضرة من المشكاة، وهكذا وقع في النسخ الحاضرة من جامع الترمذي، لكن قال المنذري في الترغيب والشوكاني في تحفة الذاكرين بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
2166-
قوله: (من قرأ ثلث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال) تقدم الكلام عليه (رواه الترمذي) في فضائل القرآن (وقال هذا حديث حسن صحيح) أصل الحديث عند مسلم كما سبق.
2167-
قوله: (وقلب القرآن يس) أي لبه وخالصه سورة يس. قال الطيبي: لاحتوائها مع قصرها على البراهين الساطعة والآيات القاطعة والعلوم المكنونة والمعاني الدقيقة والمواعيد الفائقة والزواجر البالغة. وقال الغزالي: إن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر فيها بأبلغ وجه، فكانت قلب القرآن لذلك واستحسن هذا الفخر الرازي. وقال في اللمعات: قلب الشيء زبدته وقد اشتملت هذه السورة الشريفة على زبدة مقاصد القرآن على وجه أتم وأكمل مع قصر نظمها وصغر حجمها، وذكر النسفي وجهاً آخر من شاء الوقوف عليه رجع إلى الإتقان والمرقاة (كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن) أي ثوابها (عشر مرات) أي من غيرها ولله تعالى أن يخص ما شاء من الأشياء بما أراد من مزيد الفضل كليلة القدر من الأزمنة والحرم من الأمكنة (رواه الترمذي والدارمي) وأخرجه أيضاً محمد بن نصر، والبيهقي في الشعب كلهم من طريق هارون أبي محمد عن
وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
2168 -
(40) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن
ــ
مقاتل بن حيان عن قتادة عن أنس، وهارون هذا مجهول. وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه أبوبكر البزار كما في تفسير الحافظ ابن كثير وعزاه في الكنز للبيهقي في الشعب (وقال الترمذي هذا حديث غريب) كذا في جميع النسخ من المشكاة، وكذا نقله المنذري في الترغيب والشوكاني في تحفة الذاكرين. ووقع في نسخ الترمذي الموجودة عندنا "هذا حديث حسن غريب" وقال بعد هذا لا نعرفه إلا من حديث حميد بن عبد الرحمن أي عن الحسن بن صالح عن هارون أبي محمد، قال وهارون أبومحمد شيخ مجهول.
2168-
قوله: (إن الله تعالى قرأ طه ويس) قال القاري: أي أظهر قراءتهما وبين ثواب تلاوتهما وقال ابن الملك: أي أفهمهما ملائكته وألهمهم معناهما. وقال ابن حجر: أمر بعضهم بقراءتهما على البقية إعلاماً لهم بشرفهما، ويحتمل بقاءه على ظاهره وأنه تعالى أسمعهم كلامه النفسي بهما إجلالاً لهما بذلك، وهذا الإسماع يسمى قراءة كما أن الكلام النفسي يسمى قرآناً حقيقة- انتهى كلام القاري. قلت: لا حاجة إلى تأويل الحديث، وصرفه عن ظاهره إلى ما ذكروه بل تبقيته وإمراره على ظاهره هو المتعين، فسورة طه ويس من القرآن، والقرآن كلام الله غير مخلوق، والله تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وكما شاء ليس كمثله شي، وحمل ذلك على الكلام النفسي والقول بأنه أسمعهم كلامه النفسي مما لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة، ولا من قول صحابي فحمله على ظاهره هو الصواب المتعين (قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام) الكلام فيه مثل الكلام في ما ذكر في حديث النعمان بن بشير من كتابة الكتاب قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام المخصوص منه بالإنزال الآيتان من آخر سورة البقرة (فلما سمعت الملائكة القرآن) ظاهر الحديث، إن الملائكة خلقوا قبل خلق السماوات والأرض بزمان كثير. قيل: المراد بالقرآن المصدر أي القراءة كما في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [القيامة: 17- 18] وقال أهل العربية: يقال قرأت الكتاب قراءة وقرآناً منه قول حسان:
ضحوا باشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
وقيل المراد به القرآن أي الكلام نفسه لا مسمى المصدر كما في قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] وفي قوله {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204] وغالب
قالت: طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجوف تحمل هذا، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا)) رواه الدرامي.
2169-
(41) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حم الدخان في ليلة،
ــ
ما يذكر لفظ القرآن إنما يراد به نفس الكلام لا يراد به التكلم بالكلام والقراءة به، وعلى هذا فإنما أطلق القرآن على طه ويس تفخيماً لشأنهما. وقيل: إنه يطلق حقيقة على البعض لأنه موضوع للمقدار المشترك بين الكل والأجزاء. وقيل: المراد القرآن كله فلما وجدوا فيه طه ويس قالوا (طوبى) فعلى من الطيب يعني الراحة والطيب حاصل (لأمة ينزل) بصيغة المجهول أو المعلوم (هذا) أي القرآن فإنه أقرب مذكور أو ما ذكر من طه ويس خصوصاً وهو ظاهر من السياق. وقيل: المراد بطوبي شجرة في الجنة في كل بيت من بيوت الجنة منها غصن (تحمل هذا) أي بالحفظ والمحافظة (تتكلم بهذا) أي تقرأه غيباً أو نظراً (رواه الدارمي) عن إبراهيم ابن المنذر عن إبراهيم بن المهاجر بن المسمار عن عمر بن حفص بن ذكران عن مولى الحرقة (عبد الرحمن بن يعقوب) عن أبي هريرة وإبراهيم بن المهاجر هذا ضعيف، وشيخه عمر بن حفص. قال أحمد: تركنا حديثه وحرقناه. وقال علي: ليس بثقة. وقال النسائي متروك. وقال الدارقطني: ضعيف. فالحديث ضعيف جداً، والحديث زاد نسبته في الكنز إلى ابن خزيمة وابن أبي عاصم والعقيلي في الضعفاء والطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل وابن مردوية والبيهقي في الشعب وغيره. وقال: قال العقيلي: فيه إبراهيم بن المهاجر بن مسمار منكر الحديث، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، ونقل عن ابن حبان أنه موضوع وتعقبه ابن حجر- انتهى. قلت قال الذهبي في الميزان:(ج1ص32) في ترجمة إبراهيم بن المهاجر بعد ذكر هذا الحديث: قال البخاري إنه منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وروى عن عثمان بن سعيد عن يحيى ليس به بأس وانفرد عنه بهذا الحديث إبراهيم بن المنذر الحزامي وقال الحافظ في اللسان: (ج1ص115) قال ابن حبان: في هذا الحديث إنه متن موضوع. وقال في الضعفاء إبراهيم بن المهاجر بن مسمار منكر الحديث جداً، لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد، وكان ابن معين عرض القول فيه- انتهى. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:(ج7ص56) بعد عزو الحديث إلى الطبراني، فيه إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، وضعفه البخاري بهذا الحديث ووثقه ابن معين.
2169-
قوله: (من قرأ حم الدخان في ليلة) أي ليلة كانت. وقال في الأزهار المراد بالليلة المبهمة ليلة الجمعة المبينة في الحديث الآتي، والدليل على ذلك قوله عليه السلام في الحديث الأول يعني هذا الحديث يستغفر له سبعون ألف ملك، وفي الحديث الثاني يعني الآتي غفر له، والظاهر إن هذا مبين- انتهى. قال شيخنا: ليس في قوله "ليلة"
أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وعمر بن أبي خثعم الراوي يضعف، وقال محمد- يعني البخاري- هو منكر الحديث.
2170 -
(42) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة غفر له)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب ضعيف.
ــ
في هذا الحديث إبهام حتى يقال إن قوله في ليلة الجمعة في الحديث الآتي مبين له فتفكر- انتهى. وقال في أشعة اللمعات: وقع في الحديث الثاني التخصيص بليلة الجمعة، وفي الحديث الأول التعميم فقراءتها في ليلة الجمعة أولى لتحصل الفضيلة المذكورة قطعاً (أصبح) أي دخل في الصباح أو صار بعد القراءة (يستغفر له سبعون ألف ملك) أي يطلبون له من الله المغفرة (رواه الترمذي) من طريق عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وأخرجه أيضاً محمد بن نصر في كتاب الصلاة والأصبهاني ورواه الدارقطني كما في اللآلي (ج1ص121) من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير قال وعمر يضع الحديث (وقال هذا حديث غريب) وبعده لا نعرفه إلا من هذا الوجه (وعمر بن أبي خثعم) بفتح خاء معجمة وسكون مثلثة وفتح مهملة هو عمر بن عبد الله بن أبي خثعم نسب ههنا إلى جده (الراوي) لهذا الحديث (يضعف) أي في الحديث قلت. قال أبوزرعة: هو واهي الحديث حدث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث لو كانت في خمسمائة حديث لأفسدتها. وقال ابن عدي: منكر الحديث. وبعض حديثه لا يتابع عليه (وقال محمد) أي ابن إسماعيل (يعني) أي يريد الترمذي بمحمد (البخاري) وهذا من كلام المصنف (هو) أي عمر ابن أبي خثعم (منكر الحديث) وقد تقدم في (ص152) في باب السنن وفضائلها من الجزء الثاني إن البخاري يطلق هذا اللفظ على من لا تحل الرواية عنه كما في التدريب (ص127) واعلم أن ابن الجوزي أورد هذا الحديث في موضوعاته، وقال إن عمر هذا هو عمر بن راشد تبع فيه ابن حبان. وقد رد ذلك الدارقطني فقال خلط أبوحاتم أي جعلها واحداً، وإنهما اثنان. وقال الذهبي: عمر ابن راشد غير عمر بن خثعم ذاك عمر بن عبد الله وهو صاحب حديث سورة الدخان- انتهى. قال السيوطي: ولم يجرح بكذب فلا يلزم أن يكون حديثه موضوعاً.
2170-
قوله: (غفر له) ذنوبه أي الصغائر (رواه الترمذي) من طريق زيد بن حباب عن هشام أبي المقدام عن الحسن عن أبي هريرة، وأخرجه أيضاً ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص218) وابن أبي داود والبيهقي وغيره كما في الآلي (ج1ص121، 122)(وقال هذا حديث غريب ضعيف) وفي بعض النسخ غريب
وهشام أبوالمقدام الراوي يضعف.
2171 -
(43) وعن العرباض بن سارية، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، يقول: إن فيهن آية خير من ألف آية)) . رواه الترمذي،
ــ
فقط، وفي بعضها "ضعيف" فقط والذي في الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه (وهشام أبوالمقدام الراوي يضعف) قال الحافظ في التقريب: هشام بن زياد بن أبي يزيد وهو هشام بن أبي هشام أبوالمقدام ويقال له أيضاً هشام بن أبي الوليد المدني متروك- انتهى. قلت: ضعفه عبد الله بن أحمد والنسائي وأبوزرعة وأبوحاتم والدارقطني وابن سعد والعجلي ويعقوب بن سفيان. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بثقة. وقال في موضع آخر: ضعيف ليس بشي: وقال البخاري: يتكلمون فيه. وقال أبوداود": غير ثقة. وقال النسائي وعلى بن الجنيد الأزدي: متروك الحديث. وقال النسائي: أيضاً ليس بثقة ومرة ليس بشي، ويقال أنه أخذ كتاب حفص المنقري عن الحسن، فروى عن الحسن وعنده عن الحسن أحاديث منكرة. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به، وترك ابن المبارك حديثه. وقال أبوبكر بن خزيمة لا يحتج بحديثه كذا في تهذيب التهذيب، قال الترمذي: ولم يسمع الحسن من أبي هريرة- انتهى. فالحديث ضعيف من وجهين. وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات. وقال باطل. فيه محمد بن زكريا (عند ابن أبي داود) وهو وضاع وتعقبه السيوطي فقال الحديث له طرق كثيرة عن أبي هريرة بعضها على شرط الصحيح أخرجه الترمذي والبيهقي في الشعب من عدة طرق.
2171-
قوله: (كان يقرأ المسبحات) بكسر الباء نسبة مجازية وهي السور التي في أوائلها سبحان أو سبح بالماضي أو يسبح أو سبح بالأمر، وهي سبعة {سبحان الذي أسرى بعبده} [الإسراء: 1] والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى (قبل أن يرقد) بضم القاف من نصر أي ينام (يقول) استئناف لبيان الحامل له على قراءة تلك السور كل ليلة قبل أن ينام (إن فيهن) أي في السور المسبحات (آية) أي عظيمة (خير) أي هي خير (من ألف آية) قيل: هي لو أنزلنا هذا القرآن وهذا مثل اسم الله الأعظم من بين سائر الأسماء في الفضيلة فعلى هذا "فيهن" أي في مجموعهن وعن الحافظ ابن كثير إنها {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3]- انتهى. قال القاري: والأظهر إنها هي الآية التي صدرت بالتسبيح "وفيهن" بمعنى جميعهن والخيرية لمعنى الصفة التنزيهية الملتزمة للنعوت الإثباتية. وقال الطيبي: أخفى الآية فيها كإخفاء ليلة القدر في الليالي وإخفاء ساعة الإجابة في يوم الجمعة محافظة على قراءة الكل لئلا تشذ تلك الآية (رواه الترمذي) في فضائل القرآن
وأبوداود. ورواه الدارمي عن خالد بن معدان مرسلاً. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
2172-
(44) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن سورة في القرآن، ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك)) رواه أحمد،
ــ
والدعوات (وأبوداود) في الأدب وأخرجه النسائي في الكبرى وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص219) كلهم من طريق بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن أبي بلال عن العرباض بن سارية (ورواه الدارمي) أي من طريق معاوية بن صالح عن بحير بن سعد (عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون العين وخفة الدال المهملتين الكلاعي أبوعبد الله الشامي الحمصي ثقة عابد يرسل كثيراً من أوساط التابعي. قال: أدركت سبعين رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مات سنة ثلاث ومائة، وقيل بعد ذلك. (مرسلاً) أي بحذف الصحابي (وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب) قال المنذري في مختصر السنن بعد نقل تحسين الترمذي: وفي إسناده بقية بن الوليد عن بحير بن سعد، وبقية فيه مقال وأخرجه النسائي من حديث معاوية بن صالح عن بحير بن سعد مرسلاً- انتهى. قلت: بقية كثير التدليس وروى هذا الحديث عن بحير بالعنعنة.
2172-
قوله: (إن سورة) أي عظمية (في القرآن) أي كائنة فيه، وفي الترمذي من القرآن (ثلاثون آية) خبر مبتدأ محذوف أي هي ثلاثون، والجملة صفة لاسم إن (شفعت) بالتخفيف خبر إن قاله الطيبي. وقيل: خبر إن هو "ثلاثون" وقوله "شفعت" خبر ثان (لرجل حتى غفر له) متعلق بشفعت وهو يحتمل أن يكون بمعنى المضِيّ في الخبر يعني كان رجل يقرؤها ويعظم قدرها، فلما مات شفعت له حتى دفع عنه عذابه. ويحتمل أن يكون الماضي بمعنى المستقبل أي تشفع لمن يقرؤها في القبر أو يوم القيامة كذا في المرقاة. وقال في اللمعات: إن حمل قوله "شفعت لرجل" على معنى المضي كما هو ظاهر كان إخباراً عن الغيب، وأن يجعل بمعنى تشفع (كما في قوله تعالى) :{ونادى أصحاب الجنة} [الأعراف: 44] كان تحريضاً على المواظبة عليها، ويحمل رجل على العموم كما في تمرة خير من جرادة (وهي تبارك الذي بيده الملك) أي إلى آخرها وفي سوق الكلام على الإبهام ثم التفسير تفخيم للسورة، إذ لو قيل: إن سورة تبارك شفعت لم تكن بهذه المنزلة. وقد استدل بهذا الحديث من قال البسملة ليست من السورة وآية تامة منها، لأن كونها ثلاثين آية إنما يصح على تقدير كونها آية تامة منها، والحال إنها ثلاثون من غير كونها آية تامة منها فهي إما ليست بآية منها كمذهب أبي حنيفة ومالك والأكثرين، وإما ليست بآية تامة بل هي جزء من الآية الأولى كرواية في مذهب الشافعي (رواه أحمد)(ج2ص298)
والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
2173 -
(45) وعن ابن عباس، قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر،
ــ
(والترمذي وأبوداود والنسائي) في الكبرى (وابن ماجه) في باب ثواب القرآن وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه والحاكم (ج1ص565) وابن الضريس وابن مردوية والبيهقي في شعب الإيمان. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد سقط لي في سماعي هذا الحرف، وهي سورة الملك ووافقه الذهبي على تصحيحه. واعلم أنه اختلف في اسم راوي هذا الحديث عباس الجشمي عن أبي هريرة أهو عباس بالموحدة والسين المهملة أم عياش بالياء التحتية والشين المعجمة، ورجح الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند (ج15ص128) بعد البحث عن ذلك أنه عياش بالتحتية والشين المعجمة. وقال بعد ذكر تخريج الحديث وتصحيحه: والعجب للحافظ المنذري لم يعترض في الترغيب على تحسين الترمذي وتصحيح ابن حبان، والحاكم، ولم يعقب عليهم. ثم جاء في تهذيب السنن بعد أن خرج الحديث وأشار إلى تحسين الترمذي فنقل شيئاً لا ندري من أين جاء به فقال "وقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير من رواية عياش الجشمي عن أبي هريرة كما أخرجه أبوداود ومن ذكر معه. وقال لم يذكر سماعاً عن أبي هريرة" يريد أن عياشاً الجشمي روى هذا الحديث عن أبي هريرة ولم يذكر فيه أنه سمعه من أبي هريرة، فهذا الكلام الذي نسبه للتاريخ الكبير لم نجده فيه (أي في ترجمة عباس الجشمي من باب عباس وترجمة عياش من باب عياش) ثم هو لم يترجم له في الصغير ولا ذكره في الضعفاء فلا ندري أنى له هذا الكلام عن البخاري؟ إلا أن يكون في الكبير في موضع آخر غير مظنته والله اعلم.
2173-
قوله: (ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه) بكسر الخاء المعجمة والمد أي خيمته. قال الطيبي: الخباء، أحد بيوت العرب من وبر أو صوف ولا يكون من شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة (على قبر) أي موضع قبر (وهو) أي الصحابي (لا يحسب) بفتح السين وكسرها أي لا يظن (أنه قبر) أي إن ذلك الموضع موضع قبر قد تقدم أن البناء والجلوس على القبور والمشي والوطأ عليها ممنوع، سواء كانت القبور ظاهرة بحدبتها أو مندرسة مستوية بالأرض بحيث لا يظهر لها أثر فقوله، وهو لا يحسب أنه قبر محمول على الاعتذار من ضرب الخباء على القبر، وأما عدم ذكر تقويض خيمته وتنحيه عن ذلك الموضع بعد العلم، فهو لا يستلزم عدم وقوعه في نفس الأمر. وأما من ذهب إلى جواز ذلك بعد إندراس القبور فحمل قوله "وهو لا يحسب" أنه قبر على مجرد بيان الحال، ولا يخفي ما فيه. وهذه القراءة المسموعة كالتسبيح للملائكة على وجه الالتذاذ لا على سبيل التكليف
فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك، حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب الله)) . رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
2174-
(46) وعن جابر، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ألم تنزيل، وتبارك الذي بيده الملك)) .
ــ
لتحصيل الأجر والثواب، فإن البرزخ أمر غيبي وليس بعالم التكليف. وأما قوله عليه السلام هي "المنجية" فمعناه إن تلاوة هذه السورة في الحياة الدنيا تكون سبباً لنجاة تاليها من عذاب القبر والله أعلم (فإذا) للمفاجأة (فيه) أي في ذلك المكان (إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها) وفي الترمذي فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أي صاحب الخيمة (فأخبره) أي بما سمعه، وفي الترمذي فقال يا رسول الله! ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها (فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي سورة الملك (المانعة) أي تمنع من عذاب القبر أو من المعاصي التي توجب عذاب القبر. وقال في المفاتيح: أي هذه السورة تمنع من قارئها العذاب (هي المنجية) يحتمل أن تكون مؤكدة لقوله هي المانعة وأن تكون مفسرة ومن ثمة عقبه بقوله "تنجيه من عذاب القبر"(من عذاب الله) كذا في جميع النسخ الحاضرة من المشكاة، وفي الترمذي من عذاب القبر، وهكذا نقله المنذري في الترغيب وابن القيم في كتاب الروح (ص128) والجزري في جامع الأصول (ج9ص365) والشوكاني في تحفة الذاكرين (ص272)(وقال هذا حديث غريب) في سنده يحيى بن عمرو بن مالك النكري بضم النون وهو ضعيف، ويقال إن حماد بن زيد كذبه كذا في التقريب فالحديث ضعيف، وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن مسعود ذكر أحاديثهم في الكنز (ج1ص517، 528، 526) .
2174-
قوله: (كان لا ينام حتى يقرأ ألم تنزيل) بالرفع على الحكاية وفي رواية حتى يقرأ تنزيل السجدة والمراد سورة السجدة (وتبارك الذي بيده الملك) أي سورة الملك. قال الطيبي: حتى غاية لا ينام ويحتمل أن يكون المعنى إذا دخل وقت النوم لا ينام حتى يقرأهما وأن يكون لا ينام مطلقاً حتى يقرأهما، والمعنى لم يكن من عادته النوم قبل القراءة فتقع القراءة قبل دخول وقت النوم أي وقت كان، ولو قيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهما بالليل لم يفد هذه الفائدة- انتهى. قال القاري: والفائدة هي إفادة القبلية ولا يشك إن الاحتمال الثاني
رواه أحمد، والترمذي، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. وكذا في شرح السنة، وفي المصابيح غريب.
2175-
2176- (47- 48) وعن ابن عباس، وأنس بن مالك، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا زلزلت تعدل نصف القرآن،
ــ
أظهر لعدم احتياجه إلى تقدير يفضي إلى تضييق (رواه أحمد)(ج3ص340)(والترمذي) في فضائل القرآن وفي الدعوات (والدارمي) وأخرجه أيضاً البخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن السني في اليوم والليلة (ص217) كلهم من حديث أبي الزبير عن جابر. وذكر السيوطي هذا الحديث في الدر. وقال أخرجه أبوعبيد في فضائله وأحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن مردوية (وقال الترمذي هذا حديث صحيح) كذا وقع في جميع النسخ من المشكاة لكن ليس في جامع الترمذي تصحيح هذا الحديث ولا تحسينه، بل كلام الترمذي يدل على أنه حديث مضطرب الإسناد ولذا قال المناوي بعد تخريجه وفيه اضطرب انتهى. قلت قال الترمذي: هكذا روى الثوري وغير واحد هذا الحديث عن ليث (بن أبي سليم) عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وروى زهير هذا الحديث عن أبي الزبير قال قلت له أسمعته من جابر قال لم أسمعه من جابر، إنما سمعته من صفوان أو ابن صفوان، وكأن زهيراً أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر. قال الترمذي: وقد روى شبابة عن مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر نحو حديث ليث- انتهى. قلت: روايته زهير أخرجه الحاكم (ج2ص412) قال حدثنا جعفر بن محمد نا الحارث بن أبي أسامة نا أبوالنصر نا أبوخيثمة زهير بن معاوية. قال: قلت: لأبي الزبير أسمعت إن جابراً يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ألم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك. فقال أبوالزبير: حدثنيه صفوان أو أبوصفوان هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه لأن مداره على حديث ليث بن أبي سليم عن أبي الزبير (وكذا) أي هو (في شرح السنة وفي المصابيح غريب) أي هو غريب. قال الطيبي: هذا لا ينافي كونه صحيحاً لأن الغريب قد يكون صحيحاً- انتهى. قلت: نعم الغرابة لا تنافي الصحة لكن في كون هذا الحديث صحيحاً نظر، لأن مداره على ليث بن أبي سليم ولا يبعد أن يكون صحيحاً لغيره أي لتعدد طرقه.
2175-
2176- قوله: (إذ زلزلت) أي سورة إذا زلزلت (تعدل) أي تساوي وتماثل (نصف القرآن إلخ) قيل: يحتمل إن سورة الزلزلة تعدل نصف القرآن لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة وهذه السورة تشمل على أحكام الآخرة كلها إجمالاً وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث
وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن)) رواه الترمذي.
ــ
الأخبار. وأما تسميتها في حديث أنس عند الترمذي وابن أبي شيبة وأبي الشيخ ربع القرآن، فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع، يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر فاقتضى هذا الحديث إن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن فهي ربع من وجه ونصف من وجه. وقال الطيبي: يحتمل أن يقال المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد. وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فيعادل من طريق المعنى نصفه، وما جاء إنها ربع القرآن فتقريره أن يقال القرآن يشتمل على تقرير التوحيد والنبوات وبيان أحكام المعاش وأحوال المعاد، وذلك إتمام أربعة. وهذه السورة إجمالاً مشتملة على القسم الأخير من الأربع، وقل يا أيها الكافرون محتوية على القسم الأول منها، لأن البراءة عن الشرك والتدين بدين الحق إثبات للتوحيد، فتكون كل واحدة منها كأنها ربع القرآن. وهذا تلخيص كلام التوربشتي. فإن قلت هلا حملوا المعادلة على التسوية في الثواب على المقدار المنصوص عليه؟ قلت: منعهم من ذلك لزوم فضل إذا زلزلت على سورة إخلاص والقول الجامع ما ذكره الشيخ التوربشتي من قوله "ونحن وإن سلكنا هذا المسلك بمبلغ علمنا نعتقد ونعترف إن بيان ذلك على الحقيقة إنما يتلقى من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم. فأما القول الذي نحن بصدده ونحوم حوله على مقدار فهمنا وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال- انتهى. (وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) لأن علوم القرآن. ثلاثة علم التوحيد، وعلم الشرائع والأحكام، وعلم الأخبار والقصص. وهذه السورة مشتملة على القسم الأول فكانت ثلاثاً بهذا الاعتبار، وقيل في بيان وجهه غير ذلك (وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن) قيل: السر في كون سورة الكافرون ربعاً، وسورة الإخلاص ثلاثاً، مع أن كلام منهما يسمى الإخلاص إن سورة الإخلاص اشتملت من صفات الله ما لم تشتمل عليه الكافرون، وأيضاً فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي إلهية ما سواه. وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره، والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس، فكان بين الرتبتين من التصريحتين والتلويحين ما بين الثلث والربع (رواه الترمذي) في فضائل القرآن واللفظ المذكور لحديث ابن عباس رواه الترمذي وكذا ابن الضريس ومحمد بن نصر والحاكم (ج1ص566) وأبوالشيخ والبيهقي في الشعب كلهم من رواية يمان بن المغيرة العنزي عن عطاء عن ابن عباس. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وتعقبه المناوي فقال ليس كذلك فإن مداره على يمان ويمان ضعيف. وقال الذهبي في تلخيصه بعد نقل تصحيح الحاكم: بل يمان ضعفوه. وقال الشوكاني بعد ذكر جروح الأئمة في يمان: فالعجب من الحاكم حيث صحح حديثه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه
2177-
(49) وعن معقل بن يسار، ((عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً. ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة)) .
ــ
إلا من حديث يمان بن المغيرة- انتهى. قلت قال البخاري وأبو حاتم عن يمان: هذا هو منكر الحديث يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك. وقال ابن معين: ليس حديثه بشي. وقال أبوزرعة وأبوحاتم: ضعيف الحديث. وأما ابن عدي فقال لا أرى به بأساً كذا في تهذيب التهذيب والميزان. وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي وكذا ابن مردوية والبيهقي من طريق الحسن بن سلم بن صالح العجلي عن ثابت البناني عنه بلفظ من قرأ إذا زلزلت عدلت له بنصف القرآن ومن قرأ قل يا أيها الكافرون عدلت له ربع القرآن ومن قرأ قل هو الله أحد عدلت له بثلث القرآن. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن سلم- انتهى. والحسن هذا مجهول. قال في تهذيب التهذيب: هو شيخ مجهول له حديث واحد في فضل إذا زلزلت، رواه عن ثابت وعنه محمد بن موسى الحرشي أخرجه الترمذي واستغربه وكذا فعله الحاكم أبوأحمد-انتهى. وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه ابن السني.
2177-
قوله: (من قال حين يصبح) أي يدخل في الصباح (ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) التكرار للإلحاح في الدعاء فإنه خبر لفظاً دعاء معنى أو التثليث لمناسبة الآيات الثلاث حتى لا يمنع القاري عن قراءتها والتدبر في معانيها والتخلق بأخلاق ما فيها (فقرأ) قال القاري: أي بعد التعوذ المذكور وبه يندفع أخذ الظاهرية بظاهر قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} [النحل: 98] قال الطيبي هذه الفاء مقابلة لما في قوله تعالى: {فاستعذ بالله} لأن الآية توجب تقديم القراءة على الاستعاذة ظاهراً، والحديث بخلافه فاقتضى ذلك أن يقال فإذا أردت القراءة فاستعذ، ولا يحسن هذا التأويل في الحديث- انتهى. قلت قوله "فقرأ" كذا في جميع النسخ الحاضرة من المشكاة بالفاء، والذي في جامع الترمذي، وقرأ بالواو وهكذا في جامع الأصول (ج9ص356) وتحفة الذاكرين (ص60) نقلاً عن الترمذي وكذا وقع عند أحمد (ج5ص26) وابن السني (ص218) (ثلاث آيات من آخر سورة الحشر) أي من قوله:{هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب} [الحشر: 22] إلى آخر السورة فإنها مشتملة على الاسم الأعظم عند كثيرين (يصلون عليه) أي يدعون له بتوفيق الخير ودفع الشرار يستغفرون له (ومن قاله) أي الكلمات المذكورة (كان بتلك المنزلة) أي
رواه الترمذي والدارمي، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
2178-
(50) وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين)) . رواه الترمذي، والدارمي، وفي روايته: خمسين مرة، ولم يذكر إلا أن يكون عليه دين.
ــ
بالمرتبة المسطورة والظاهر أن هذا نقل بالمعنى اقتصاراً من بعض الرواة، وهذا لفظ الترمذي، وللدارمي وإن قالها مساء فمثل ذلك حتى يصبح (رواه الترمذي والدارمي) في فضائل القرآن وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص26) وابن السني (ص218) كلهم من طريق خالد بن طهمان عن نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار وخالد ابن طهمان صدوق وكان قد خلط قبل موته بعشر سنين (وقال الترمذي هذا حديث غريب) كذا في جميع النسخ الحاضرة ووقع في نسخ الترمذي الموجودة عندنا هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وكذا نقله الشوكاني في تحفة الذاكرين. وقال وأخرجه أيضاً الدارمي وابن السني، قال النووي في الأذكار: بإسناد فيه ضعف. وقال المنذري في الترغيب: رواه الترمذي من رواية خالد بن طهمان وقال: حديث غريب وفي بعض النسخ حسن غريب.
2178-
قوله: (من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد) أي إلى آخره أو هذه السورة (محي عنه) أي عن كتاب أعماله (إلا أن يكون عليه دين) قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في أشعة اللمعات ما محصله: إن لهذا الاستثناء معنيين. أحدهما، إن هذا الذنب أي الدين لا يمحى عنه ولا يغفر، وجعل الدين من جنس الذنوب تهويلاً لأمره وتشديداً. والثاني، إنه لا يمحى عنه ذنوبه إذا كان عليه الدين ولا توثر قراءة هذه السورة في محوها والله أعلم (رواه الترمذي) في فضائل القرآن عن محمد بن مرزوق البصري عن حاتم بن ميمون أبي سهل عن ثابت البناني عن أنس، وأخرجه أيضاً محمد بن نصر من هذا الطريق كما في اللآلئ (ج1ص124) قال الترمذي: هذا حديث غريب. قلت: حاتم بن ميمون ضعيف. قال البخاري: روى منكراً كانوا يتقون مثل هؤلاء المشائخ. وقال ابن حبان: منكر الحديث، على قلته يروي عن ثابت ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاج به كذا في تهذيب التهذيب. (والدارمي) من طريق أم كثير الأنصارية عن أنس وأخرجه أيضاً أبويعلى ومحمد بن نصر كما في اللآلي (ج1ص124) وابن السني (ص221) (وفي روايته) أي الدارمي وكذا في رواية ابن السني (خمسين مرة) أي بدل "مائتي مرة" قال القاري: وهي أظهر في المناسبة بين الثواب والعمل المترتب عليه، ووجه الرواية الأولى مفوض إليه صلى الله عليه وسلم (ولم يذكر) أي الدارمي في روايته (إلا أن يكون عليه دين) للحديث طرق وألفاظ
2179-
(51) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ((من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ مائة مرة {قل هو الله أحد} إذا كان يوم القيامة يقول له الرب: يا عبدي! أدخل على يمينك الجنة)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب.
2180-
(52) وعن أبي هريرة، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ {قل هو الله أحد} فقال: وجبت. قلت: وما وجبت. قال الجنة))
ــ
عند ابن عدي وابن عساكر والإسماعيلي والخطيب وابن الضريس والبيهقي والبزار وغيرهم ذكرها على المتقى في الكنز والسيوطي في اللآلي وفي تعقباته على ابن الجوزي وفي كلها مقال من شاء الوقوف عليها رجع إلى اللآلي.
2179-
قوله: (فنام) عطف على أراد والفاء للتعقيب (على يمينه) أي على وجه السنة (ثم قرأ مائة مرة) ثم للتراخي في الرتبة (إذا كان) كذا في جميع النسخ من المشكاة، وكذا نقله الجزري في الحصن وفي الترمذي فإذا كان (يوم القيامة يقول له الرب) الشرط مع جزاءه الذي هو يقول جزاء للشرط الأول الذي هو من، ولم يعمل الشرط الثاني في جزاءه أعني يقول، لأن الشرط ماض فلم يعمل فيه إذا فلا يعمل في الجزاء كما في قول الشاعر:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
(أدخل على يمينك الجنة) قال الطيبي: قوله "على يمينك" حال من فاعل أدخل فطابق هذا قوله "فنام على يمينه" يعني إذا أطعت رسولي واضطجعت على يمينك وقرأت السورة التي فيها صفاتي فأنت اليوم من أصحاب اليمين فاذهب من جانب يمينك إلى الجنة (رواه الترمذي) في فضائل القرآن بإسناد الحديث السابق فهو ضعيف أيضاً كالأول (وقال هذا حديث حسن غريب) كذا في أكثر النسخ من المشكاة وفي بعضها حديث غريب كما في نسخ الترمذي الحاضرة، ويمكن أن يوجه ما في أكثر نسخ المشكاة إن كان صواباً بأنه حسنه لتعدد طرقه فقد قال الترمذي بعد ذلك: وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضاً عن ثابت.
2180-
قوله: (سمع رجلاً) لم يعرف اسمه (يقرأ قل هو الله أحد) أي السورة بتمامها (وجبت) أي له (قلت وما وجبت) أي وما معنى قولك جزاء لقراءته وجبت أو ما فاعل وجبت وفي رواية مالك والحاكم فسألته ماذا يا رسول الله! أي ماذا أردت بقولك وجبت (قال الجنة) أي بمقتضى وعد الله وفضله الذي لا يخلفه كما قال تعالى: {إن الله لا يخلف الميعاد} [آل عمران: 9] قال الباجي: يحتمل أن يريد بذلك تنبيه أبي هريرة ومن كان
رواه مالك، والترمذي، والنسائي.
2181 -
(53) وعن فروة بن نوفل، عن أبيه، أنه قال:((يا رسول الله! علمني شيئاً أقوله إذا أويت إلى فراشي. فقال إقرأ {قل يا أيها الكافرون} فإنها براءة من الشرك)) . رواه الترمذي، وأبوداود، والدارمي.
ــ
معه على كثرة فضل هذه السورة وكثرة الثواب لقاريها، وزاد في رواية مالك قال أبوهريرة: فأردت أن أذهب إلى الرجل فأبشره ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثرت الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب (رواه مالك) في أواخر الصلاة عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن حنين عن أبي هريرة قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً الخ (والترمذي) في فضائل القرآن (والنسائي) في عمل اليوم والليلة وأخرجه أيضاً ابن السني (ص221) والحاكم (ج1ص566) كلهم من طريق مالك بن أنس. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك بن أنس يعني وهو إمام حافظ فلا يضره التفرد.
2181-
قوله: (وعن فروة بن نوفل) الأشجعي الكوفي مختلف في صحبته والصواب إن الصحبة لأبيه وهو من الطبقة الواسطى من التابعين قاله في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب: ذكره ابن حبان في ثقات التابعين قتل في خلافة معاوية سنة خمس وأربعين (عن أبيه) نوفل بن فروة الأشجعي صحابي نزل الكوفة روى عنه بنوه فروة وعبد الرحمن وسحيم (إذا أويت) بالقصر (إلى فراشي) بكسر الفاء وهذا لفظ الترمذي وفي رواية الدارمي وكذا أحمد وابن السني والحاكم عند منامى (إقرأ) أي إذا أخذت مضجعك كما في رواية الدارمي (قل يأيها الكافرون) أي إلى آخرها، زاد في رواية أبي داود وأحمد والدارمي وابن السني ثم نم على خاتمتها (فإنها) أي هذه السورة (براءة من الشرك) أي ومفيدة للتوحيد. قال الشوكاني: وإنما كانت براءة من الشرك لما فيها من التبري من عبادة ما يعبده المشركون (رواه الترمذي) في فضائل القرآن (وأبوداود) في أواخر الأدب (والدارمي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج5ص456) وابن حبان والحاكم (ج1ص565وج2ص538) وابن السني (ص220) كلهم من طريق أبي إسحاق عن فروة بن نوفل عن أبيه. واختلف فيه على أبي إسحاق في وصله وإرساله، فروى بعض أصحابه عنه عن فروة بن نوفل أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي وابن حبان والنسائي، وروى بعضهم عنه عن فروة بن نوفل عن أبيه أي موصولاً. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: حديث نوفل في قل يا أيها الكافرون مختلف فيه مضطرب الإسناد لا يثبت، وتعقبه الحافظ في الإصابة. فقال في ترجمته: نوفل زعم ابن
2182-
(54) وعن عقبة بن عامر، قال: ((بينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء، إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ {بأعوذ برب الفلق}
ــ
عبد البر بأنه حديث مضطرب وليس كما قال، بل الرواية التي فيها عن أبيه أرجح وهي الموصولة رواته ثقات فلا يضره مخالفة من أرسله، وشرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه في الاختلاف، وأما إذا تفاوتت فالحكم للراجح بلا خلاف. وقد أخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي مالك الأشجعي عن عبد الرحمن بن نوفل الأشجعي عن أبيه-انتهى. وقد ذكر الترمذي هذا الاختلاف ثم رجح الرواية الموصولة حيث قال هذا أي الموصول يعني بذكر عن أبيه أشبه وأصح، وفي الباب أحاديث ذكرها الشوكاني في تحفة الذاكرين (ص86) والهيثمي مجمع الزوائد (ج10ص121) .
2182-
قوله: (بين الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة قرية خربة قريبة من البحر بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة، وفي وفاء الوفاء هي قرية كانت كبيرة ذات منبر على نحو خمس مراحل وثلثي مرحلة من المدينة وعلى نحو أربع مراحل ونصف من مكة، وفي المحلى قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلاً من مكة، وكان اسمها مهيعة (كمرحلة وقيل كمعيشة) فاجحف السيل بأهلها فسميت الجحفة. قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل وهم إخوة عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا الجحفة وكان اسمها يومئذ مهيعة فجاءهم سيل واجتحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة كذا في الفتح، وهي التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم بنقل حمى المدينة إليها فانتقلت إليها فلا يمر بها أحد إلا حم وهي ميقات أهل الشام قديماً ومصر والمغرب، والموضع الذي يحرم المصريون الآن، رابغ بوزن فاعل، قريب من الجحفة. قيل: بينها وبينه نحو ستة أميال (والأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد كحلواء جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب إليه. وقيل: قرية من أعمال الفرع وبه توفيت أم النبي صلى الله عليه وسلم بينها وبين الجحفة عشرون أو ثلاثون ميلاً. قيل: سميت بذلك لأن السيول تتبوؤها أي تحلها. وقيل: لما كان فيها من الوباء وهي على القلب وإلا لقيل الوباء وأرجع إلى وفاء الوفاء (ص1016، 1017- 1118، 1119)(فجعل) أي طفق وشرع (يتعوذ بأعوذ برب الفلق) أي الصبح. وقيل: الخلق. وقيل: سجن أو واد أو جبٌّ في جهنم. وقيل الفلق كل ما أنفلق أي انشق عن شي من الحيوان والصبح والحب والنوى وكل شي من نبات وغيره. قيل: تفسيره بالصبح أولى لأن مقصود العائذ من الاستعاذة أن يتغير حاله بالخروج من الخوف إلى الأمن وبالتخلص عن وحشة الهم والحزن إلى الفرح والسرور والصبح أدل على هذا لما فيه من زوال الظلمة بإشراق أنوار الصبح وتغير وحشة الليل وثقله بسرور الصبح وخفته
و {أعوذ برب الناس} ويقول! يا عقبة: تعوذ بهما، فما تعوذ متعوذ بمثلهما)) رواه أبوداود.
2183-
(55) وعن عبد الله بن خبيب، قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركناه، فقال:(قل) قلت: ما أقول؟ قال: {قل هو الله أحد} والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلث مرات تكفيك من كل شي)) . رواه الترمذي، وأبوداود، والنسائي.
ــ
(وأعوذ برب الناس) أي بهاتين السورتين المشتملتين على ذلك (فما تعوذ متعوذ بمثلهما) أي بل هما أفضل التعاويذ ومن ثم لما سحر عليه الصلاة والسلام مكث مسحوراً سنة حتى أنزل الله عليه ملكين يعلمانه أنه يتعوذ بهما ففعل فزال ما يجده من السحر (رواه أبوداود) في أواخر الصلاة وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن.
2183-
قوله: (وعن عبد الله بن خبيب) بمعجمة وموحدتين مصغراً الجهني حليف الأنصار صحابي (في ليلة مطر) وفي رواية، في ليلة مطيرة أو ذات مطر (وظلمة) أي وفي ظلمة (فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ليصلي لنا كما في رواية أبي داود والترمذي وعند عبد الله بن أحمد والنسائي قال أي عبد الله بن خبيب أصابنا طش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا، وللنسائي أيضاً قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة فأصبت خلوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنوت منه فقال، قل (فأدركناه) أي لحقناه (فقال قل) أي إقرأ (قلت ما أقول) أي ما أقرأ؟ (قال قل هو الله أحد) محل قل هو الله أحد نصب بإقرأ مقدراً وقوله (والمعوذتين) بكسر الواو وتفتح عطف عليه، والمراد بهما قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس السورتان. قال السندي: جملة قل هو الله أحد أريد بها السورة المعهودة على أنها مفعول لفعل مقدر مثل قل أي قل هذه السورة المصدرة بقل هو الله أحد المعوذتين عطف عليها (حين تصبح) من الإصباح ظرف للفعل المقدر (وحين تمسي) من الإمساء (تكفيك) بالتأنيث أي السور الثلاث (من كل شي) قال الطيبي: أي تدفع عنك كل سوء "فمن" زائدة في الإثبات على مذهب جماعة وعلى مذهب الجمهور أيضاً لأن تكفيك متضمنة للنفي كما يعلم من تفسيرها بتدفع. ويصح أن تكون لابتداء الغاية أي تدفع عنك من أول مراتب السوء إلى آخرها، أو تبعيضية أي بعض كل نوع من أنواع السوء، ويحتمل أن يكون المعنى تغنيك عما سواها أي مما يتعلق بالتعوذ من الأوراد. قلت: وقع في رواية النسائي تكفيك كل شي أي بحذف من. وفي الحديث دليل على أن تلاوة هذه السور عند المساء وعند الصباح تكفي التالي من كل شي يخشى منه كائناً ما كان (رواه الترمذي) في الدعوات (وأبوداود) في أواخر الأدب (والنسائي) في الاستعاذة وأخرجه أيضاً عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (ج5ص362) كلهم من طريق أبي سعيد أسيد بن أبي أسيد البراد عن معاذ بن عبد الله عن أبيه، وأخرجه البخاري