الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: وصف غزوة بني المصطلق ونتائجها
المبحث الأول: وقوع القتل في بني المصطلق
…
المبحث الأول: وقوع القتل والسبي في بني المصطلق
قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد ابن يحيى بن حبان1 - كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق - قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني2 المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، خرج3
1 تقدمت تراجم رجال الإسناد، ص؟.
2 وعند الواقدي: عن مشايخه قالوا: إن بني المصطلق من خزاعة كانوا ينزلون ناحية الفرع، وهم حلفاء في بني مدلج، وكان رأسهم وسيدهم الحارث بن ضرار وكان قد سار في قومه ومن قدر عليه من العرب، فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلت الركبان تقدم من ناحيتهم فيخبرون بمسيرهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك فخرج حتى ورد ماءهم فوجد قوماً مغرورين قد تألبوا وجمعوا الجموع، فعاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب الناس فأسرعوا للخروج وقادوا الخيول وهي ثلاثون فرساً؛ من المهاجرين عشرة، وفي الأنصار عشرون. (مغازي الواقدي 1/404، وطبقات ابن سعد 2/63) .
3 قال الذهبي: "خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة". (تاريخ الإسلام 1/230 القسم الخاص بالمغازي) .
إليهم، حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع إلى الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق، وقتل* من قتل منهم، ونفّل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءهم عليه، وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له: هشام1 بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتله خطأ.
* وعند الواقدي في المغازي1/407 فما أفلت منهم إنسان، وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم.
1 هشام بن صبابة بن حزن بن سيار بن عبد الله بن كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة، الكناني الليثي، أخو مقيس بن صبابة. انظر: أسد الغابة لابن الأثير 5/400، وساق ابن حجر نسبه عن ابن الكلبي إلى كنانة. ثم قال: وقال أبو سعيد السكري: هو هشام بن حزن، وأمه صبابة بنت مقيس بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم. ثم ساق ابن حجر حديث ابن إسحاق هذا ثم قال:"وفي تفسير سعيد بن جبير الذي رواه ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عنه، وكذا في تفسير ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} ، [سورة النساء، من الآية: 93] ، قال: نزلت في مقيس بن صبابة وكان قد أسلم هو وأخوه هشام فوجد مقيس أخاه قتيلاً فشكا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فأخذها ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، وارتد وأقام بمكة وقال في ذلك أبياتاً. وسمي الواقدي بسند له قاتله أوساً. وسمى المقتول هاشماً، وكذا وقع عن ابن شاهين من طريق محمد بن يزيد عن رجاله"، ثم قال ابن حجر، والأول أرجح وصبابة بالمهملة عند أكثر أهل اللغة، وقال ابن دريد: ضبابة بالضاد المعجمة، ومقيس: بكسر الميم وسكون القاف وفتح المثناة". انظر: الإصابة 3/603، فتح الباري 8/258، وعند ابن جرير: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج عن ابن جريج عن عكرمة أن رجلاً من الأنصار قتل أخا مقيس بن ضبابة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدية فقبلها، ثم وثب على قاتل أخيه فقتله. قال ابن جريج وقال غيره: "ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ديته على بني النجار، ثم بعث مقيساً وبعث معه رجلا من بني فهر في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فاحتمل مقيس الفهري وكان قوياً، فضرب به الأرض ورضخ رأسه بين حجرين، ثم ألفى يتغنى:
قتلت به فهراً وحملت عقله
…
سراة بني النجار أرباب فارع
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أظنه قد أحدث حدثاً، أما والله لئن كان فعل لا أؤمنه في حل ولا حرم، ولا سلم ولا حرب"، فقتل يوم الفتح، قال ابن جرير:"وفيه نزلت هذه الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} "، الآية، [سورة النساء، من الآية: 93] ، تفسير الطبري 5/217. والحديث أورده الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، في سبب نزول هذه الآية. انظر أسباب النزول للواحدي ص 114. قلت: كون هذه الآية نزلت في شأن مقيس قول ضعيف. وذلك لما يأتي:
1-
عطاء بن دينار الهذلي، لم يصح أنه سمع التفسير من ابن جبير، وإنما هي صحيفة رواها عنه. انظرك تهذيب التهذيب 7/198 وتقريب التهذيب 2/21 وميزان الاعتدال 3/69-70.
2-
الحديث المروي عن ابن عباس فيه الكلبي وهو محمد بن السائب أبو النضر الكوفي النسابة المفسر قال عبد ابن حجر: في التقريب 2/163 متهم بالكذب ورمي بالرفض. وفي ميزان الإعتدال 3/559. قال ابن معين: "الكلبي ليس بثقة"، وقال الجوزجاني وغيره: "كذاب". وقال الدارقطني وجماعة: "متروك". ثم قال الذهبي: "لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به". وفيه أبو صالح: وهو باذام مولى أم هانىء. ضعفه البخاري، وقال النسائي:"ليس بثقة"، ثم قال الذهبي:"أبو صالح يروي عن ابن عباس التفسير ولم ير ابن عباس". ميزان الاعتدال 1/296، و3/559.
3-
حديث الطبري فيه عنعنة ابن جريج، وفيه انقطاع لأن عكرمة لم يحضر القصة. أما كون هشام بن صبابة قتل في غزوة بني المصطلق فهو الذي أطبق عليه المؤرخون، إلَاّ ما كان من ابن عبد البر فقد ذكر في الاستيعاب 3/595 أنه قتل في غزوة ذي قرد، وهو شيء ذكره بدون إسناد.
وأما مقيس فكان من النفر الذين أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم يوم فتح مكة، فقتله نميلة بن عبد الله وكان من قومه. انظر أسد الغابة 5/363 والإصابة 3/574 وسيرة ابن هشام 2/410.
وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلماً فيما يظهر، فقال: يا رسول الله جئتك مسلماً وجئت أطلب دية أخي، قتل خطأ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه، فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتداً وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس، وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكاً وابنه، وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلاً من فرسانهم، يقال له: أحمر أو أحمير.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أصاب منهم سبياً* كثيراً، قسمه في المسلمين، وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
* وعند الواقدي: وكانت الإبل ألفي بعير، وخمسة آلاف شاة وكان السبي مائتي أهل بيت مغازي الواقدي 1/140، وطبقات ابن سعد 2/64 وشرح المواهب للزرقاني 2/97-98 وزاد: وكانت الأسرى أكثر من سبعمائة.
1 سيرة ابن هشام 2/290 و293.
والحديث أورده من هذه الطريق: خليفة بن خياط، وابن جرير الطبري، وابن كثير1.
وأورده أيضاً الطبراني من هذه الطريق غير أنه قال: "فأمدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلى أن قال: "فهزم الله بني المصطلق وقتل الحارث بن أبي ضرار أبا جويرية
…
"الخ. قال الهيثمي: "رجاله ثقات"2.
قلت: "وسبق إلى هذا القول اليعقوبي فقد صرح في تاريخه بأن والد جويرية قتل في المعركة، ولكنه أورد ذلك بدون إسناد"3.
قلت: "وهذا وهم".
لأن والد جويرية: معدود في الصحابة، وله حديث عند أحمد، في قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وإسلامه4.
الحكم على الحديث:
والحديث مداره على ابن إسحاق، وقد صرح فيه بالتحديث، ورجال الإسناد ثقات، وهم رجال الصحيح.
غير أنه مرسل. والمرسل من قسم الحديث الضعيف. وذلك يشهد له حديث عبد الله بن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية"5.
فإنه صريح في وجود القتل والسبي فيكون الحديث حسناً لغيره.
1 انظر تاريخ خليفة ص80، وتاريخ ابن جرير 2/604 والبداية والنهاية 4/156.
2 مجمع الزوائد 6/142.
3 تاريخ اليعقوبي 2/53.
4 انظر الاستيعاب على هامش الاصابة 1/299 وأسد الغابة 1/399-400 والإصابة 1/181 وانظر حديثه في المسند 4/279.
5 انظر: الحديث، ص78.