الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبه يتضح مدى العلاقة التي تربط قبائل خزاعة عامة بالدعوة الإسلامية في أول أمرها، ومبادرة عدد من رجال هذه القبائل إلى الإسلام، لكن المصادر كما أشرت لا تنص على إسلام رجال من بني المصطلق بالذات، وأحسب أن سكوت المصادر يكفي للدلالة على بقاء هذه القبيلة على الشرك، ولا يمنع ذلك من التزامها بشيء من الولاء للمسلمين وفقاً للأعراف القبلية السائدة، والتي تلزمهم بموقف خزاعة الموالي للدولة الإسلامية.
المبحث الثاني: موقف بني المصطلق من الصراع بين المسلمين وقريش
لم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى موقف عدائي محدد صدر من بني المصطلق ضد المسلمين منذ أن تأسست دولة الإسلام حتى كانت غزوة أحد، رغم تحرّك المسلمين العسكري في أطراف المدينة من جميع نواحيها، حيث أرسلوا السرايا استهدفت عرقلة التجارة المكية إلى الشام، بتهديد طرقها الرئيسية، كما لم تسهم بنو المصطلق مع المشركين في غزوة بدر الكبرى.
وأول إشارة إلى اتخاذهم موقفاً عدائياً واضحاً ضد المسلمين هو إسهامهم مع قريش في موقعة أحد، ضمن كتلة الأحابيش1، التي اشتركت في المعركة تأييداً لقريش2.
1 الأحابيش هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة، انظر سيرة ابن هشام 1/373، والمعارف لابن قتيبة ص26، وأنساب الأشراف للبلادي ص52، وفتح الباري لابن حجر 5/334 و342، وسمّوا بذلك: لأنهم تحالفوا وتعاقدوا مع قريش على أنهم يد على من سواهم، وكان ذلك عند جبل بأسفل مكة يقال به ((حبشي)) فنسبوا إليه، وقيل سمّوا بذلك لتجمّعهم، والتحبّش التجمع، والحباشة الجماعة.
المعارف لابن قتيبة ص 269، ولسان العرب لابن منظور 8/166، والقاموس المحيط للفيروز آبادي 2/267، فتح الباري 5/334.
2 سيرة ابن هشام 2/61، ومغازي الواقدي 1/200، والكامل لابن الأثير 2/149، وزاد المعاد لابن القيم 2/102، والبداية والنهاية لابن كثير 4/10، ونور اليقين للخضري بك ص 133، والسيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة لأبي شهبة ص 196.
وبهذا نعلم أن بني المصطلق قد أثّرت فيها دعايات قريش للاشتراك معها في موقعة أحد، لتأخذ بثأرها وتغطي عار الهزيمة التي نزلت بها في موقعة بدر الكبرى.
وأما قبل ذلك فلم يوجد أي دليل على اشتراك بني المصطلق مع قريش ضد المسلمين حتى كانت عزوة أحد وما لحق بالمسلمين فيها من خسائر جسيمة ذات أثر عظيم في أرجاء شبه الجزيرة العربية، وداخل المدينة المنورة نفسها، فضعفت هيبة المسلمين وتجرّأ عليهم الأعراب، وشمت بهم اليهود والمنافقون، وقاموا بدعاية واسعة ضدهم، وقد أدت الظروف التي أعقبت غزوة (أحد) إلى ما يلي:
1-
طمع المشركين في القضاء على الإسلام والمسلمين والإجهاز على الدعوة الإسلامية نهائياً، ويتمثّل هذا في رغبة أبي سفيان في العودة إلى المسلمين لاستئصال شأفتهم، غير أنه نكص على عقبيه، بتخذيل معبد بن أبي معبد الذي مرّ ذكره1.
2-
تنفّس المنافقين واليهود الصعداء وتربّصهم الشر بالمسلمين، وهذا عدو داخلي بالمدينة المنورة نفسها.
3-
رغبة الأعداء المجاورين لعاصمة الإسلام من القبائل العربية في التحرّك ضد المسلمين، بسبب الدعايات المغرضة التي انتشرت على أيدي المرجفين في المدينة من اليهود والمنافقين2.
وأصبح المؤمنون مدّدين في عُقر دارهم من الداخل والخارج، فمن الداخل المنافقون واليهود فكانوا يذيعون خبر المعركة، ويلفّقون الأكاذيب لإشاعة الضعف والخور في صفوف المسلمين، ولتشجيع عدوهم عليهم.
وأما من الخارج فقد صار المسلمون لا يحاربون قريشاً وحدها وإنما يواجهون الجزيرة برمتها.
1 انظر: ص 64.
2 الرسول لسعيد حوى 1/229.
ومن ذلك أن سارعت عدة قبائل إلى التجمّع للإغارة على المدينة والقضاء على المسلمين فيها، كما حدث ذلك:
أ- من بني أسد بقيادة طليحة وسلمة ابني خويلد الأسديين، من القبائل النجدية1.
ب- خالد بن سفيان الهذلي الذي كان مقيماً في عرنة قرب عرفات2.
فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجمّعهم ومحاولتهم اقتحام المدينة بعث إليهم من يؤدّبهم في عقر دارهم، فأرسل إلى طليحة ومن شايعه أبا سلمة ابن عبد الأسد3 على رأس مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار ففرّقوا جمعهم واستاقوا نعمهم وعادوا إلى المدينة سالمين.
وأرسل إلى خالد بن سفيان عبد الله بن أنيس الجهني4 فقتله في عقر داره5 فكان في ذلك ضربة لهم وعبرة لغيرهم ممن يحاول السير على منوالهم. وما نزل بهم حلّ بغيرهم من بني ثعلبة وبني محارب من القبائل الغطفانية التي حاولت الهجوم على المدينة المنورة كذلك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس سبعمائة مقاتل فساروا حتى نزلوا ديار العدو فلم يجدوا فيها أحداً غير نسوة، فأخذوهن، فبلغ الخبر رجالهن فخافوا وتفرّقوا في رؤوس الجبال، ورجع
1 كان ذلك في شهر محرّم من السنة الثالثة للهجرة.
انظر: طبقات ابن سعد 2/50، وزاد المعاد 2/121.
2 المصدر السابق.
3 عبد الله بن عبد الأسد المخزومي أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وابن عمته برة بنت عبد المطلب كان من السابقين إلى الإسلام وممن هاجر إلى الحبشة شهد بدراً ومات في جمادى الآخرة سنة أربع هجرية، بعد أحد وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده زوجه أم سلمة/ ت س ق التقريب 1/427.
4 عبد الله بن أنيس الجهني أبو يحيى المدني، حليف الأنصار، صحابي شهد العقبة وأحداً (ت 34) بالشام في خلافة معاوية، ووهم من قال توفي سنة 80/ بخ م عم. المصدر السابق 1/403.
5 انظر الحديث في إرسال عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان: سنن أبي داود، باب صلاة الطالب 1/287، ومسند أحمد 3/496، ومسند أبي يعلى 1/107، والسنن الكبرى للبيهقي 3/256. وقال ابن حجر 2/347: إسناده حسن.
المسلمون معزّزي الجانب، وعرفت هذه الغزوة بغزوة ذا الرقاع1.
وهكذا جنّد المسلمون أنفسهم عسكرياً وسياسياً، ليثبتوا للقبائل بأنهم مخطئون في تصوّرهم أن المسلمين بعد معركة (أحد) لا يستطيعون مقاومة من يريد النيل منهم، فجهزّوا تلك السرايا والغزوات ليشعروا عدوهم بأنهم قادرون على سحق كل من تحدّثه نفسه بالاعتداء عليهم، أو محاولة النيل منهم، فكانت حركاتهم العسكرية ناجحة، أنزلوا فيها بالأعداء ضربات زلزلت معنوياتهم، وجعلتهم يصحّحون تصوّراتهم الخاطئة، عن مدى قوة المسلمين العسكرية، وترابطهم السياسي والمعنوي، وخاصة المعسكر القرشي واليهودي2.
وبعد هذا كله جاء دور بين المصطلق؛ إذ إنها كانت ضمن كتلة الأحابيش3 التي انضمت إلى جانب قريش في معركة أحد، ثم أخذت بعد رجوعها من معركة أحد تعد العدة وتجمع الجموع، وتفتني السلاح والخيل، على مدى سنتين، كان المسلمون خلال تلك الفترة يواجهون تحركّات قبائل الجزيرة، فهم ما بين سرية وغزوة.
فانتهزت قبيلة بني المصطلق فرصة انشغال المسلمين ببقية القبائل، فأخذت تجمع الجموع، وتسعى في القبائل المجاورة لها، تحرّضها وتشجّعها على الانضمام معها في الهجوم على دولة الإسلام.
ولما وصل خبرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدّر للموقف قدره، وجعل يفكّر في مواجهة هذه القبيلة التي استعدت للمعركة استعداداً كاملاً، فبدأ بمراقبة حركات هذا العدو مراقبة شديدة، ثم أمر بريدة4 بن الحصيب بالذهاب إليهم ليعرف وجهتهم وقوّتهم، فخرج مسرعاً
1 كانت هذه الغزوة في السنة الرابعة في جمادى الأولى على رأي بعض العلماء.
انظر: سيرة ابن هشام 2/203، وزاد المعاد 2/123، وانظر: الخلاف في وقتها في مبحث التيمّم. انظر ص 343 وما بعدها.
2 غزوة الأحزاب لباشميل ص 20.
3 انظر: ص.
4 بريدة بن الحصيب بمهملتين مصغّراً، أبو سهل الأسلمي صحابي، أسلم قبل بدر (ت 63هـ) / ع. التقريب 1/96.
حتى وصل عندهم فوجدهم قوماً مغرورين بأنفسهم وبما لديهم من القوة قد ألبّوا القبائل وجمعوا الجموع، فاتصل برئيسهم الحارث بن أبي ضرار، فسأله الحارث:"من الرجل؟ " قال: "رجل منكم قدمت لما بلغني عن جمعكم لهذا الرجل، فأسير في قومي ومن أطاعني، فتكون يدنا واحدة، حتى نستأصله"، فازداد فرح القوم بانضمام قوة جديدة إلى قوتهم، فقال له الحارث:"فنحن على ذلك فعجّل علينا"، قال بريدة: "أركب الآن فآتيكم بجمع كثيف من قومي ومن أطاعني فسرّوا بذلك منه فمضى إلى المدينة وأخبر المسلمين بأمرهم1.
1 انظر: طبقات ابن سعد 2/63، ومغازي الواقدي 1/404- 405، وشرح المواهب اللدنية 2/96.