الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: إسلام الحارث بن أبي ضرار
بعد أن ساق ابن هشام حديث ابن إسحاق من طريق عائشة المصرح بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدى عن جويرية كتابتها وتزوجها1.
عقب قوله: قال ابن هشام: ويقال: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث، وكان بذات الجيش2 دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة، وأمره بالاحتفاظ بها، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار، بفداء ابنته، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد؟ أصبتم ابنتي وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا؟
فقال الحارث: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، فوالله ما أطلع على ذلك إلَاّ الله"، فأسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له، وناس من قومه، وأرسل إلى البعيرين، فجاء بهما، فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت وحسن إسلامها، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أبيها، فزوجه إياها وأصدقها أربع مئة درهم3.
وأكد السهيلي نسبة هذا القول إلى ابن هشام4.
قلت: هذا لا يقاوم حديث عائشة. لأنه لا إسناد له، وقد صدر (بيقال) الدالة على الضعف.
1 انظر: الحديث، ص.
2 ذات الجيش: من المدينة على بريد من جهة مكة، وبينها وبين العقيق سبعة أميال، ومعجم ما استعجم للبكري 2/409-410. وعلى هذا تكون المسافة بين ذات الجيش والمدينة 20 كيلو متراً لأن البريد أربع فراسخ والفرسخ يساوي خمس كيلومترات.
3 سيرة ابن هشام 2/295 و 2/645-646، وزاد: ويقال: اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس، فأعتقها وتزوجها وأصدقها أربع مئة درهم.
4 الروض الأنف، 6/706-7/537.
وممن وقع في هذا الخطأ محمد الغزالي1.
فرد عليه الألباني بقوله: "هذا غير صحيح، وقد أشار لذلك ابن هشام في سيرته، فإنه ذكر هذه الرواية بدون إسناد، وصدرها بقوله: (ويقال) " ثم قال الألباني أيضاً: "والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قضى عنها كتابتها وتزوجها دون أن يخطبها من أبيها، فإنها كانت أسيرة، كما رواه ابن إسحاق بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها، ومن طريقة أخرجه أحمد وابن هشام، وفي حديثهما (إطلاق الأسرى) "2 انتهى قلت: وأخرجه من هذه الطريقة أبو داود أيضاً كما تقدم3.
وقال عقبة: "وهذا حجة في أن الولي هو يزوج نفسه".
وهذا يرد ما ذكره ابن هشام من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها من أبيها وتزوجها وأصدقها أربع مئة درهم، على أنه قد نسب ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر لابن إسحاق نحو ما ذكر ابن هشام، وليس فيه ذكر الزواج بعد قدوم الحارث إلى المدينة.
وهذا نصه: قال ابن إسحاق: "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، وكانت في سبايا بني المصطلق من خزاعة، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس، وذكر الخبر، وفيه: "فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار لفداء ابنته، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء فرغب في بعيرين منها فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أصبتم ابنتي وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: "أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فوالله ما أطلع على ذلك إلا الله"، فأسلم الحارث وأسلم معه ابنان وناس من قومه4.
1 فقه السيرة للغزالي، ص 308 وانظر الحديث، ص 113.
2 فقه السيرة للغزالي، ص 308 وانظر الحديث، ص 113.
3 انظر، ص.
4 الاستيعاب 1/299، مع الإصابة وأسد الغابة 1/400، والإصابة 1/281، وهذه الرواية لم أجدها في سيرة ابن هشام.
ولفظ ابن حجر: "ذكر ابن إسحاق في المغازي أن الحارث بن أبي ضرار، ولد جويرة، جاء إلى المدينة ومعه فداء ابنته بعد أن أسرت وتزوجها رسول بي ضرار والد جويرية جاء إلى المدينة، ومعه فداء ابنته بعد أن أسرت وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ثم ساق القصة1.
فهذا يدل دلالة واضحة أن الحارث لم يكن موجوداً وقت العقد وأن قدومه إلى المدينة كان بعد زواج جويرية، وهذا هو ما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها.
وقد تقدم قول أبي داود عقب حديث عائشة: "وهذا حجة في أن الولي هو يزوج نفسه"2.
فهذا مما يؤكد لنا سقوط هذه القصة التي ذكرها ابن هشام بصيغة التمريض محذوفة السند.
والصحيح في هذا أن مجيء الحارث كان سبباً في إسلامه، ولا يبعد أنه طلب ابنته كما دل عليه حديث ابن إسحاق، ولكنه لم يمكن من ذلك3.
وقد ورد ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيها: اذهب إليها فخيرها، فإن أرادت أن تذهب معك فخذها، فهذا لا يستبعد لعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لا تختار عليه أحداً، وأن ذلك يكون أدعى لتمكن الحارث من الإسلام، لما فيه من حسن المعاملة ومما دل على هذا ما رواه ابن سعد وغيره من مرسل أبي قلابة، أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي4 قال:
1 الإصابة 1/281.
2 انظر: الحديث، ص 115. وانظر عون المعبود شرح سنن أبي داود 10/445. باب بيع المكاتب.
3 هذا الحديث نسبه إلى ابن إسحاق كل من عبد البر وابن الأثير وابن حجر، وانظر ص.
4 عبد الله بن جعفر بن غيلان بالمعجمة. الرقي: بفتح الراء وتشديد القاف. أبو عبد الرحمن القرشي، مولاهم، ثقة لكنه تغير بآخره، فلم يفحش اختلاطه من العاشرة (ت 220)، ع: التقريب 1/406.
حدثنا عبيد الله1 بن عمرو عن أيوب2 عن أبي قلابة3: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى جويرية بنت الحارث فجاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي لا يسبى مثلها فأنا أكرم من ذلك فخل سبيلها، قال: "أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنا؟ ".
قال: بلى وأديت ما عليك، قال: فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا، فقالت: فإني قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قد والله فضحتنا4.
وأخرجه خليفة: قال أخبرنا عبد الوهاب5 بن عبد المجيد، قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى جويرية بنت الحارث فجاء أبوها فقال: "إن ابنتي لا تسبى" الحديث6.
وأورده ابن حجر في التهذيب من طريق ابن سعد في ترجمة جويرية، وقال: هذا مرسل صحيح الإسناد7.
وأورده في الإصابة دون أن ينسبه إلى ابن سعد وصحح إسناده أيضاً، ونصه: عن أبي قلابة قال: سبى النبي صلى الله عليه وسلم جويرية – يعني
1 عبيد الله بن عمرو بن الوليد الرقي أبو وهب الأسدي، ثقة فقيه ربما وهم من الثامنة (ت 220)، ع: المصدر السابق 1/537، وقد وقع بأنه من الثالثة وأنه عبيد الله بن عمر، وهو خطأ.
2 أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني بفتح المهملة بعدها معجمة، ثم مثناة ثم تحتنية وبعد الألف نون أبو بكر البصري. ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، (ت 131)، ع: المصدر السابق 1/89.
3 هو عبد الله بن زيد بن عمر أو عامر الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل، كثير الإرسال قال العجلي: فيه نصب يسير، من الثالثة (ت 104) ، بالشام هارباً من القضاء، ع: المصدر السابق 1/17.
4 طبقات ابن سعد الكبرى 8/118.
5 عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي، أبو محمد البصري، ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين، من الثامنة (ت 194)، ع: التقريب 1/528.
6 تاريخ الخليفة بن خياط، ص 80.
7 تهذيب التهذيب، 12/407.
وتزوجها - فجاء أبوها فقال: إن ابنتي لا يسبى مثلها فخل سبيلها، فقال:"أرأيت إن خيرتها أليس قد أحسنت؟ " قال: بلى، فأتاها أبوها فذكر لها ذلك، فقالت: اخترت الله ورسوله. ثم قال: وسنده صحيح1.
قلت: الظاهر في هذا الباب هو ما أفاده حديث عائشة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدى عن جويرية كتابتها وتزوجها وهو صريح في ذلك، مع أن ما نسب لابن إسحاق، وكذا مرسل أبي قلابة، ليسا نصاً في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى الحارث ابنته ثم تزوجها منه بعد ذلك وإنما فيه مجرد مجيء الحارث يطلب فداء ابنته، وأمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بتخييرها.
ولسنا بحاجة إلى تلمس التوفيق بين حديث ساقط لا إسناد له. وحديث عائشة الصحيح، ومن هنا يتحتم القول بما في حديث عائشة لثبوته ولا ينظر إلى ما عداه من الروايات الضعيفة.
وخلاصة القول أن هذه الآثار تدل بمجموعها على قدوم الحارث بعد الوقعة. وكان ذلك سبباً في إسلامه، وهو ما دل عليه الحديث الآتي عند أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن سابق2،ثنا عيسى3 بن دينار، ثنا أبي4 أنه سمع
1 الإصابة، 4/265.
2 محمد بن سابق التميمي، أبو جعفر أو أبو سعيد البزاز، الكوفي، نزيل بغداد، صدوق، من كبارالعاشرة (ت213وقيل214) ، خ م د ت س. التقريب2/163.
3 عيسى بن دينار الخزاعي مولاهم، أبو علي الكوفي، المؤذن، ثقة من السابعة، بخ دت. المصدر السابق 2/98.
4 هو دينار الكوفي والد عيسى، مقبول من الثالثة/ عخ دت، المصدر السابق 1/237، وفي تهذيب الكمال2/199 ق، وتهذيب التهذيب3/217. روى عن مولاه عمرو ابن الحارث بن أبي ضرار، وعنه ابنه عيسى بن دينار، وذكره ابن حبان في الثقات.
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/434. روى عن مولاه عمرو بن الحارث، والحارث بن أبي ضرار الخزاعي، وعنه ابنه عيسى.
ويلاحظ أن المزي وابن حجر لم يذكرا أن ديناراً روى عن الحارث مع أنه موجود في هذا الحديث وتنبه لذلك ابن أبي حاتم.
الحارث1 بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه2، وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسولاً لأبان3 كذا وكذا، ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبَّان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول، فلم يأته فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة4 من الله عز وجل ورسوله، فدعا سروات5 قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله، إلا من سخطة كانت، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده، مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق6 فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
1 قال ابن حجر: "الحارث بن ضرار ويقال بن أبي ضرار الخزاعي، فرق ابن عبد البر بينه وبين والد جويرية. وجزم ابن فتحون وغيره بأن والد جويرية غير صاحب القصة والحديث، ولم يصنعوا شيئاً. والصواب أنه شخص واحد". الإصابة 1/387. باب غلط من غلط في الصحابة.
وقال الساعاتي: "الحارث بن ضرار: جاء في الإصابة وفي كتب الرجال أن اسمه الحارث بن أبي ضرار، وذكره ابن كثير في تفسيره فقال: الحارث بن ضرار بن أبي ضرار ملك بني المصطلق ووالد جويرية أم المؤمنين".
ثم قال الساعاتي: "والظاهر أن اسم والده ضرار، ولكنه اشتهر باسم جده، كما قال سعد بن مالك بن أبي وقاص، فإنه اشتهر باسم جده، فقيل: سعد بن أبي وقاص، والله أعلم" اهـ. الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد 18/282.
2 كان سبب إسلامه ما رواه ابن إسحاق من قصة مجيئه لفداء ابنته وتغييب البعيرين قاله الساعاتي في ترتيب مسند أحمد 18/282. وقد تقدم الحديث المشار إليه ص 120.
3 إبان كذا بكسر الهمزة وتشديد الموحدة، أي وقت كذا، والمراد وقت حصول الثمرة.
4 سخطة: أي عدم الرضا علينا. غريب الحديث لابن الأثير 2/350
5 سروات قومه: أي أشرافهم. المصدر السابق 2/363
6 الفرق بالتحريك: الخوف والفزع. المصدر السابق 3/438.
يا رسول الله إن الحارث منعني من الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه فلما غشيهم1، قال لهم: إلى من بعثتم، قالوا إليك، قال، ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة2 ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل، ورسوله، قال: فنزلت الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} إلى قوله تعالى: {فَضْلاً مِنَ الله وَنِعْمَة والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ". [سورة الحجرات، الآيات 6-8]3.
ورواه من هذه الطريق ابن الأثير في ترجمة الحارث وقال: أخرجه الثلاثة4، إلا أن أبا عمر قال: الحارث ابن ضرار، وقيل: ابن أبي ضرار، وقال: أخشى أن يكونا اثنين والله أعلم5.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني، إلا أن الطبراني قال: الحارث بن سرار6، وبدل (ضرار) ثم قال الهيثمي:"ورجال أحمد ثقات"7.
1 غشيهم: اختلط بهم.
2 ما رأيته بتة: أي أصلا.
3 مسند أحمد، 4/279.
4 المراد بالثلاثة عم: ابن منده وأبو نعيم، وأبو عمر ابن عبد البر كما بين ذلك ابن الأثير في مقدمة كتابه 1/11 من أسد الغابة.
5 أسد الغابة 1/399 والاستيعاب لابن عبد البر 1/299-300 مع الإصابة.
6 أورده ابن حجر في الإصابة1/386.في القسم الرابع من الحرف الحاء، ((فيمن ذكر في الصحابة ولا صحبة له، ولا إدراك وبيان غلط من غلط فيه)) فقال الحارث ابن سرار الخزاعي كذا وقع عند الطبراني، والصواب: "الحارث بن أبي ضرار".
7 مجمع الزوائد، 7/108.
وقال ابن كثير: "ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية1 نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وقد روى ذلك من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ملك بني المصطلق وهو الحارث بن أبي ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها، ثم ساق الحديث بإسناد أحمد".
ثم قال عقبه: "ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار، عن محمد بن سابق به. ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق به، غير أنه سماه الحارث بن سرار والصواب الحارث بن ضرار"2.
وأورده ابن حجر في الإصابة مقتصراً على ما يأتي: وروى أحمد والطبراني ومطين3 وابن سكن4
وابن مروديه5 من طريق عيسى بن دينار المؤذن عن أبيه أنه سمع الحارث ابن أبي ضرار يقول قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه، فذكر حديثاً طويلاً فيه قصة الوليد بن عقبة إذ جاء إليه مصدقاً ونزول قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} . [سورة الحجرات، الآية: 6]6.
وقال السيوطي: "أخرج أحمد وابن حاتم والطبراني
1 هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} ، [سورة الحجرات، من الآية:6] .
2 تفسير ابن كثير 4/208-209.
3 مطين: بضم الميم وفتح الطاء المهملة بعدها تحتية مشددة مفتوحة: هو الحافظ الكبير أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي، سمع أحمد بن يونس ويحيى الحماني، وعنه أبو القاسم الطبراني وأبو بكر الإسماعيلي، كان من أوعية العلم. ولد 202 وتوفي 297. صنف المسند وغير ذلك وله تاريخ صغير. تذكرة الحفاظ للذهبي 2/662.
4 ابن السكن: هو الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي نزيل مصر. سمع أبا القاسم البغوي ومحمد بن يوسف الفربري، وعنه ابن منده وعبد الغني بن سعيد ولد 294 وتوفي 353. المصدر السابق 3/937.
5 هو الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى بن مروديه الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك، سمع أحمد بن عيسى الخفاف وأحمد بن محمد بن عاصم الكراني، وعنه أبو القاسم عبد الرحمن بن منده وأخوه عبد الوهاب. ولد 323، وتوفي 410، المصدر السابق 3/150.
6 الإصابة 1/281.
وابن منده1 وابن مردويه بسند عن الحارث بن ضرار2 الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة الحديث"3. وفي لباب النقول قال: "وحديث أحمد رجال إسناده ثقات"4.
الحكم على الحديث:
قال الهيثمي: "بأن رجال أحمد ثقات".
ووصفه السيوطي: "بأنه بسند جيد، وبأن رجال إسناد أحمد ثقات".
ولكن الحديث بجميع طرقه يدور على دينار الكوفي ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان وهو متساهل في التوثيق ولذا فإن ابن حجر لم يعتبر توثيقه لدينار المذكور، ووصفه بأنه (مقبول) .
(والمقبول) عنده هو من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ (مقبول) حيث يتابع، وإلا فلين الحديث5. ولعل الهيثمي اعتمد على توثيق ابن حبان، وتابعه السيوطي على ذلك.
والظاهر أن الحديث حسن لغيره للشواهده المتقدمة6 عن ابن إسحاق وكذا مرسل أبي قلابة عند ابن سعد وغيره في قدوم الحارث إلى المدينة لفداء ابنته وإسلامه. ويشهد له أيضاً ما يأتي من الأحاديث الواردة في بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق لجبي الزكاة وقدوم وفد بني المصطلق بعده7.
1 هو الحافظ الإمام الرحال أبو عبد الله محمد بن يحي بن منده بن إبراهيم بن الوليد الأصبهاني، عن إسماعيل بن موسى الفزاري السدي وأبي كريب محمد بن العلاء وعنه أبو القاسم الطبرني وأبو الشيخ توفي في رجب سنة (301) تذكرة الحفاظ للذهبي 2/741.
2 صوابه أبي ضرار كما تقدم، ص 124.
3 الدر المنثور 6/87.
4 لباب النقول في أسباب النزول، ص 201-202.
5 انظر: تقريب التهذيب 1/5.
6 انظر: ص 120-202.
7 انظر: ص130.
وقد حسن المباركفوري حديثاً فيه دينار الكوفي وهو ما رواه أبو داود والترمذي في كتاب الصوم باب الشهر يكون تسعاً وعشرين من طريق عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن ابن مسعود1.
قال المباركفوري: سكت عليه أبو داود والمنذري وابن حجر، ثم قال:"والظاهر أن حديث ابن مسعود حسن".انتهى2.
وقد تتبعت رجال الحديث فوجدتهم ثقات ما عدا ديناراً الكوفي. وبهذا التقرير يكون الحديث على أقل تقدير حسناً لغير.
وهو نص في أن الحارث بن أبي ضرار لم يعلم بقدوم الوليد بن عقبة إليه، وأن الجيش الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد رجوع الوليد، لم يصل إلى ديار بني المصطلق، وإنما وجده الحارث خارجاً من المدينة فلما علم وجهتهم حلف أن الوليد لم يصل إليه ثم رجع الجيش والحارث جميعاً إلى المدينة وهذا يرد على ما رواه ابن جرير الطبري: حدثنا بشر3 قال حدثنا يزيد4 قال ثنا سعيد5 عن قتادة6 في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ، الآية قال: "هو الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقاً7 فلما أبصروه وأقبلوا نحوه
1 انظر سنن أبي داود 1/542 والترمذي 2/98.
2 تحفة الأحوذي، شرح الترمذي 3/371.
3 بشر بن معاذ العقدي أبو سهل البصري الضرير، صدوق من العاشرة. (ت بضع وأربعين ومائتين) ، ت، س، ق. التقريب 1/101.
4 يزيد بن زريع: بتقديم الزاي مصغراً، البصري أبو معاوية، ثقة ثبت، من الثامنة (ت 182) . ع: المصدر السابق 2/364.
5 سعيد بن أبي عروبة: بفتح مهملة وضم راء خفيفة وبموحدة، مهران: اليشكري بفتح تحتية وشين معجمة وضم كاف. مولاهم أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة من السادسة، (ت 156 وقيل 157)، ع: المصدر السابق 1/302.
6 قتادة بن دعامة: بكسر المهملة وخفة عين مهملة ابن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري، ثقة يقال ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، (ت بضع عشرة ومائة)، ع: المصدر السابق 2/123.
7 مصدقاً أي جابياً للزكاة.
هابهم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق حتى آتاهم ليلاً، فبعث عيونه، فلما جاؤوا أخبروا خالد أنهم مستمسكون بالإسلام، وسمعوا آذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى الذي يعجبه، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر فأنزل الله عز وجل، ما تسمعون1، فكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول:"التبين من الله، والعجلة من الشيطان"2.
والحديث مرسل.
تنبيه:
ذكر الصابوني في روائع البيان نقلاً عن الفخر الرازي قوله: "ما ذكره المفسرون من أن هذه الآيات نزلت في (الوليد بن عقبة) حين بعث إلى بني المصطلق الخ إن كان مرادهم أن الآية نزلت عامة لبيان وجوب التثبيت من خبر الفاسق، وأنها نزلت في ذلك الحين الذي وقعت فيه حادثة الوليد فهذا جيد، وإن كان غرضهم أنها نزلت لهذه الحادثة بالذات فهو ضعيف، لأن الوليد لم يتقصد الإساءة إليهم، وحديث أحمد يدل على أن الوليد خاف وفرق حين رأى جماعة الحارث - وقد خرجت في انتظاره - فظنها خرجت لحربه فرجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخبره ظنًا منه أنهم خرجوا لقتاله، إلى أن قال: ويتأكد ما ذكرنا أن إطلاق لفظ (الفسق) على الوليد شيء بعيد، لأنه توهم وظن فأخطأ والمخطئ لا يسمى فاسقًا3، وختم ابن حجر ترجمته بقوله: والرجل قد ثبتت صحبته وله ذنوب أمرها إلى الله تعالى والصواب السكوت والله أعلم4.
1 يريد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} .
2 تفسير الطبري، 26/124.
3 روائع البيان تفسير آيات الأحكام 2/476.
4 تهذيب التهذيب11/142-144.