المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الخلاف في سماع مسروق من أم رومان - مرويات غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع

[إبراهيم بن إبراهيم قريبي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة:

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: في التعريف ببني المصطلق وموقفهم من الإسلام

- ‌الفصل الأول: نسب عشيرة بني المصطلق وصلتهم النسبية بقبائل المدينة

- ‌المبحث الأول: نسب عشيرة بني المصطلق وصلتهم بقبائل المدينة المنورة

- ‌المبحث الثاني: ديار بني المصطلق

- ‌الفصل الثاني: موقف بني المصطلق من الدعوة الإسلامية قبل المريسيع

- ‌المبحث الأول: موقف بني المصطلق من الإسلام

- ‌المبحث الثاني: موقف بني المصطلق من الصراع بين المسلمين وقريش

- ‌الفصل الثالث: موقف المسلمين من تحركات بني المصطلق

- ‌المبحث الأول: حكم إنذار العدو قبل بدئه بالقتال

- ‌المبحث الثاني: هل كان هناك إنذار لبني المصطلق بالحرب على وجه الخصوص

- ‌الفصل الرابع: سبب وتاريخ غزوة بني المصطلق

- ‌الفصل الخامس: وصف غزوة بني المصطلق ونتائجها

- ‌المبحث الأول: وقوع القتل في بني المصطلق

- ‌المبحث الثاني: شعار المسلمين في هذه الغزوة

- ‌المبحث الثالث: ضعف مقاومة بني المصطلق

- ‌المبحث الرابع: موقف جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

- ‌المبحث الخامس: إسلام الحارث بن أبي ضرار

- ‌المبحث السادس: إسلام بني المصطلق وأداؤهم الزكاة

- ‌المبحث السابع: التحقيق في عمر الوليد بن عقبة عام الفتح

- ‌المبحث الثامن: موقف بني المصطلق بعد الغزوة

- ‌الباب الثاني: النفاق وأثره السيء

- ‌الفصل الأول: دور المنافقين في المجتمع الإسلامي قبل غزوة المريسيع

- ‌المبحث الأول: ظهور المنافقين

- ‌المبحث الثاني: موقف المنافقين قبل بدر الكبرى

- ‌المبحث الثالث: موقف المنافقين بعد بدر الكبرى

- ‌المبحث الرابع: موقف المنافقين في أحد

- ‌المبحث الخامس: موقف المنافقين من يهود بني النضير

- ‌الفصل الثاني: إثارة المنافقين العصبية في غزوة المريسيع

- ‌المحبث الأول: مقالة عبد الله بن أبيّ

- ‌المبحث الثاني: تعيين الغزوة التي حدثت فيها مقالة ابن أبي

- ‌المبحث الثالث: القضاء على فتنة المنافقين

- ‌المبحث الرابع: معالجة آثار الفتنة

- ‌المبحث الخامس: موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه

- ‌المبحث السادس: هبوب العاصفة في طريق العودة من المريسيع

- ‌الفصل الثالث: اختلاق المنافقين حادثة الإفك

- ‌الباب الثالث: في مسائل متعلقة بحديث الإفك

- ‌الفصل الأول: الخائضون في الإفك وتنفيذ الحد

- ‌المبحث الأول: التحقيق فيمن تولي كبر الإفك

- ‌المبحث الثاني: إقامة الحد على القاذفين

- ‌الفصل الثاني: مواقف بعض الصحابة من حادثة الإفك

- ‌المبحث الأول: صفوان المعطل

- ‌المبحث الثاني: موقف علي بن أبي طالب

- ‌المبحث الثالث: موقف بريرة

- ‌المبحث الرابع: موقف أبي أيوب الأنصاري وزوجه

- ‌المبحث الخامس: النزاع بين الأوس والخزرج

- ‌الفصل الثالث: فوائد في المصطلح مستنبطة من حديث الإفك

- ‌المبحث الأول: الإنتقاد الوارد على الزهري في جمعه حديث الإفك والجواب عنه مع تخريج الحديث

- ‌المبحث الثاني: الخلاف في سماع مسروق من أم رومان

- ‌الباب الرابع: الأحكام والعبر المستنبطة من غزوة المريسيع

- ‌الفصل الأول: الأحكام المستنبطة من غزوة المريسيع

- ‌المبحث الأول: حكم الدعوة إلى الإسلام قبل بدء القتال

- ‌المبحث الثاني: مشروعية قسمة الغنائم بين المقاتلين

- ‌المبحث الثالث: صحة جمع العتق صداقا

- ‌المبحث الرابع: مشروعية القرعة بين النساء عند إرادة السفر ببعضهن

- ‌المبحث الخامس: جواز خروج النساء في الغزوات وغيرها

- ‌المبحث السادس: ثبوت إقامة الحد على القاذفين

- ‌المبحث السابع: جواز استرقاق العرب

- ‌المبحث الثامن: حكم من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه

- ‌المبحث التاسع: حكم العزل

- ‌المبحث العاشر: متى شرع التيمم

- ‌الفصل الثاني: الدروس والعبر المستقاة من غزوة المريسيع

- ‌المبحث الأول: الحكمة في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من جويرية

- ‌المبحث الثاني: تغلب الرسول صلى الله عليه وسلم على المشكلات التي صاحبت هذه الغزوة

- ‌المبحث الثالث: إبراز بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الوحي بيد الله يوحيه إلى رسوله متى شاء

- ‌المبحث الخامس: الحكم في كون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجزم ببراءة أهله كما جزم غيره من الصحابة

الفصل: ‌المبحث الثاني: الخلاف في سماع مسروق من أم رومان

‌المبحث الثاني: الخلاف في سماع مسروق من أم رومان

تفرد البخاري دون مسلم بحديث مسروق عن أم رومان من طريق حصين بن عبد الرحمن وقد أورده بثلاث صيغ وهي:

أ- صيغة التحديث: حدثنا موسى1 حدثنا أبو عوانة2 عن حصين3 عن أبي وائل4 قال: حدثني مسروق5 بن الأجدع قال حدثتني أم رومان6 وهي أم عائشة قالت: "بينا أنا وعائشة أخذتها الحمى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعل في حديث تحدث؟ " قالت: "نعم"، وقعدت عائشة،

1 موسى بن إسماعيل المنقري، بكسر الميم، وسكون النون وفتح القاف أبو سلمة التبوذكي، بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناس فيه، (ت223) /ع. التقريب 2/ 280.

2 هو وضاح بن عبد الله اليشكري تقدمت ترجمته.

3 حصين بن عبد الرحمن السلمي، أبو الهذيل بالتصغير الكرفي، ثقة، تغير حفظه في الآخر، من الخامسة، (ت 136) وله 93 سنة/ ع. المصدر السابق 1/ 182.

4 أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة، مخضرم، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة/ع. المصدر السابق 1/ 354.

5 مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني، الوادعي، أبو عائشة الكوفي، ثقة، فقيه عابد مخضرم من الثانية، (ت62 ويقال 63) /ع. التقريب 2/ 242 وهو ابن أخت البطل الكرار عمرو بن معدي كرب الزبيدي مصغرا، وكان أبوه أفرس فارس باليمن، سماه عمر بن الخطاب مسروق بن عبد الرحمن، وقال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الأجدع شيطان" انظر طبقات ابن سعد 6/ 76 وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 49 وتهذيب التهذيب 10/ 109- 112.

والحديث الوارد في تسمية والده عبد الرحمن عند أحمد1/31 وابن سعد6/76.

6 أم رومان الفراسية زوج أبي بكر الصديق، وأم عائشة وعبد الرحمن ن صحابية، يقال اسمها زينب، وقيل دعد، زعم الواقدي ومن تبعه أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ونزل قبرها. والصحيح أنها عاشت بعده، ورواية مسروق عنها مصرح بالسماع منها في صحيح البخاري، وليست بخطأ كما زعم بعضهم والله أعلم /خ. التقريب 2/ 621.

ص: 290

قالت: "مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ، [سورة يوسف، من الآية: 18]1.

والحديث من هذه الطريق بهذه الصيغة في التاريخ الصغير للبخاري2 وفي مسند الطيالسي، تحت رقم (2497)3.

ب- صيغة (سألت) حدثنا محمد4 بن سلام أخبرنا ابن فضيل5، حدثنا حصين عن شقيق عن مسروق قال:" سألت أم رومان وهي أم عائشة لما قيل فيها ما قيل، قالت: "بينما أنا مع عائشة جالستان، إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار، وهي تقول: فعل الله بفلان وفعل"، قالت: " فقلت: لم؟ " قالت: إنه نمى"6 ذكر الحديث.

فقالت عائشة: "أي حديث؟ " فأخبرتها، قالت:"فسمعه أبو بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قالت: "نعم"، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى7 بنافض، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما لهذه؟ " قلت: "حمى أخذتها من أجل حديث تحدث به"، فقعدت، قالت:"والله لئن حلفت لا تصدقوني ولئن اعتذرت لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، فالله المستعان على ما تصفون"، فانصرف النبي صلى

1 البخاري كتاب التفسير 6/ 64 باب قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} سورة يوسف آية:18 و5/ 100 كتاب المغازي باب حديث الإفك وهو أتم سياقا.

2 تاريخ البخاري الصغير ص 22.

3 منحة المعبود بترتيب مسند الطيالسي أبي داود، للبنا الشهير بالساعاتي 2/ 131.

4 هو البيكندي. تقدمت ترجمته

5 هو محمد بن فضيل بن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي، الضبي، مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة، (ت295) /ع. التقريب 2/ 200.

6 نمى ذكر الحديث بالتشديد معناه: بلغ الحديث على وجه الإفساد والنميمة. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/ 121.

7 حمى بنافض: أي برعدة شديدة، كأنها نفضتها أي حركتها. المصدر السابق5/97.

ص: 291

الله عليه وسلم فأنزل الله ما أنزل فأخبرها فقالت: "بحمد الله لا بحمد أحد"1. والحديث بهذا الإسناد وبهذه الصيغة عند البخاري في تاريخه الصغير2.

ج- صيغة (العنعنة) حدثنا محمد3 بن كثير أخبرنا سليمان4 عن حصين عن أبي وائل عن مسروق عن أم رومان أم عائشة أنها قالت: "لما رميت عائشة خرت5 مغشيا عليها"6 والحديث بهذا الإسناد وبهذه الصيغة عند البخاري في تاريخه الصغير7.

وهو عند أحمد أيضا بهذه الصيغة من طريق أبي جعفر الرازي8 وعلي بن عاصم9 عن حصين10. وعلى هذا فالبخاري يرى أن مسروقا سمع من أم رومان قطعا وأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فقد أورد في تاريخه الصغير الرواية المصرحة بسماع مسروق من أم رومان.

1 البخاري4/120 كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} .

2 انظر ص 22.

3 محمد بن كثير العبدي، البصري، ثقة، لم يصب من ضعفه، من العاشرة (ت223) وله 90 سنة/ ع. التقريب 2/ 203.

4 سليمان بن كثير العبدي، البصري، أبو داود وأبو محمد، لا بأس به في غير الزهري، من السابعة، (ت 133) /ع. المصدر السابق 1/ 329.

5 خرت مغشيا عليها: أي سقطت مغمى عليها. النهاية لابن الأثير2/21 و3/369.

6 البخاري 6/ 87- 88 كتاب التفسير باب قوله: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

7 انظر، ص 22.

8 أبو جعفر الرازي، التميمي مولاهم، مشهور بكنيته، واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، وأصله من مرو، صدوق سيء الحفظ، خصوصا عن مغيرة، من كبار السابعة، (ت في حدود 1609 /بخ عم. التقريب 2/ 406.

9 علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التميمي مولاهم، صدوق يخطئ ويصر ورمي بالتشيع من التاسعة، (ت201) وقد جاوز التسعين/د ت ق. المصدر السابق2/39.

10 مسند أحمد 6/ 367.

ص: 292

ثم أورد بعد ذلك حديث علي بن زيد الوارد فيه أن أم رومان ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وروى علي1 بن زيد عن القاسم2، ماتت أم رومان زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عقب بقوله: وفيه نظر، وحديث مسروق أسند"3.

قال ابن حجر: "يعني أصح إسنادا وهو كما قال". انتهى4.

وقد صرح بسماع مسروق من أم رومان.

وجزم جماعة من العلماء5 بأن مسروقا لم يدرك أم رومان اعتمادا على رواية علي بن زيد هذه المصرحة بأن أم رومان ماتت زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قدوم مسروق إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم وهم البخاري في إدخاله هذه الحديث في الصحيح وتصريحه فيه بأن مسروقا سمع من أم رومان.

وقد انتصر لقول البخاري هذا ابن القيم وابن حجر وردا على القائلين بغيره.

وهذا نص كلام ابن القيم قال: "ومما وقع في حديث الإفك: أن في

1 علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان بضم الجيم وسكون الدال المهملة، التيمي البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده، ضعيف من الرابعة (ت 131) وقيل قبلها /بخ م عم. المصدر السابق 2/ 37.

2 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، التيمي، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب:"ما رأيت أفضل منه، من كبار الثالثة"(ت 106) على الصحيح / ع. المصدر السابق2/120.

3 تاريخ البخاري الصغير، ص 22 والحديث في طبقات ابن سعد وهذه نصه:"أخبرنا يزيد بن هارون وعفان بن مسلم قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن القاسم بن محمد قال: لما دليت أم رومان في قبرها"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان" وفي حديث عفان: "ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها" 8/ 276.

4 هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص 373.

5 سيأتي تسمية بعضهم في كلام ابن حجر، ص 296.

ص: 293

بعض طرق البخاري عن أبي وائل1: عن مسروق قال: "سألت أم رومان عن حديث الإفك فحدثتني"2.

قال غير واحد: وهذا غلط ظاهر، فإن أم رومان ماتت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها، وقال:"من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى هذه".

قالوا: ولو كان مسروق قدم المدينة في حياتها وسألها للقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه، ومسروق إنما قدم المدينة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد روى مسروق عن أم رومان حديثا غير هذا، فأرسل الرواية عنها، فظن بعض الرواة أنه سمع منها، فحمل هذا الحديث على السماع.

قالوا: ولعل مسروقا قال: سئلت أم رومان فتصحفت على بعضهم سألت لأن بعض الناس من يكتب الهمزة بالألف على كل حال. ثم عقب بقوله: وقال آخرون: كل هذا لا يرد الرواية الصحيحة التي أدخلها البخاري في صحيحه، وقد قال إبراهيم الحربي3 وغيره: إن مسروقا سألها وله خمس عشرة سنة، ومات وله ثمان وسبعون سنة4، وأم رومان أقدم من حدث عنه.

قالوا: وأما حديث موتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزوله في قبرها فحديث لا يصح وفيه علتان تمنعان صحته.

1 هو شقيق بن سلمة الأسدي.

2 هذا الجمع بين "سألت أم رومان فحدثتني" لم يرد في البخاري مجموعا في حديث واحد. انظر سياق الحديث، ص 290 وما بعدها.

3 هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق، البغدادي أحد الأعلام روى عن أبي نعيم وعبد الله بن صالح العجلي، ومسدد وطبقتهم. وتفقه على الإمام أحمد فكان من جلة أصحابه، وعنه ابن صاعد وأبو بكر القطيعي وخلق ولد سنة 198 وتوفي سنة 285هـ. تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 584- 586.

4 وكانت وفاته سنة (63) انظر تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 49- 50 وتهذيب التهذيب لابن حجر 10/ 111.

ص: 294

إحداهما: رواية علي بن زيد بن جدعان له، وهو ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه.

والثانية: أنه رواه عن القاسم بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والقاسم لم يدرك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقدم هذا على حديث إسناده كالشمس يرويه البخاري في صحيحه ويقول فيه مسروق: سالت أم رومان فحدثتني، وهذا يرد أن يكون اللفظ سئلت، وقد قال أبو نعيم1 في كتاب معرفة الصحابة قد قيل: إن أم رومان توفيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وهم". انتهى كلام ابن القيم2.

1 هو الحافظ الكبير محدث العصر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى، أبو نعيم الأصبهاني، صاحب كتاب معرفة الصحابة وحلية الألياء، وكتاب دلائل النبوة، وكتاب المستخرج على البخاري والمستخرج على مسلم، وغيرها. أجاز له مشايخ الدنيا وعمره ست سنين، منهم أبو العباس الأصم وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي وغيرهم سمع من أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الآجري وأبي الشيخ بن حيان وعنه الخطيب البغدادي وهبة الله بن محمد الشيرازي وأبو صالح المؤذن.

ولد سنة 336هـ وتوفي سنة 430هـ. تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1092- 1097.

2 زاد المعاد 2/ 129 وانظر إرشاد الساري شرح صحيح البخاري 7/ 178، وساق ابن كثير حديث مسروق من طريق أحمد بن حنبل عن علي بن عاصم عن حصين عن أبي وائل عن مسروق عن أم رومان وقال عقبه:

تفرد به البخاري دون مسلم من طريق حصين، وقد رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة وعن محمد بن سلام عن محمد بن فضيل كلاهما عن حصين به، وفي لفظ أبي عوانة حدثتني أم رومان، وهذا صريح في سماع مسروق منها، وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ منهم الخطيب البغدادي، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الخطيب:"وقد كان مسروق يرسله فيقول: سئلت أم رومان ويسوقه، فلعل بعضهم كتب سئلت بألف اعتقد الراوي أنها وسألت فظنه متصلا، قال الخطيب وقد رواه البخاري كذلك ولم تظهر له علته".كذا قال والله أعلم.

ورواه بعضهم عن مسروق عن عبد الله بن مسعود عن أم رومان فالله أعلم. انظر تفسير ابن كثير3/272. قلت: رواية مسروق عن ابن مسعود أوردها المزي في تهذيب الكمال9/131 يؤيد بها قول الخطيب بأن مسروقا لم يدرك أم رومان. وردها ابن حجر بقوله: وهذه الرواية شاذة وهي من المزيد في متصل الأسانيد. انظر فتح الباري 7/ 438.

ص: 295

وأورد ابن حجر هذا الاعتراض على حديث مسروق في خمسة من كتبه وبين أن المتصدر في هذا القول هو الخطيب1 البغدادي، وتبعه في ذلك جماعة من العلماء منهم: ابن عبد البر2 والسهيلي3 وابن سيد الناس4 والحافظ المزي5 والذهبي6 والعلائي7 وآخرون.

وذكر أن مما أعل به الخطيب حديث مسروق كون حصين اختلط فلعله حدث به بعد اختلاطه.

وهذا معنى كلام الخطيب قال: "أخرج البخاري عن مسروق عن أم رومان رضي الله عنها وهي أم عائشة طرفا من حديث الإفك وهو وهم، لم يسمع مسروق من أم رومان رضي الله عنها لأنها توفيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لمسروق حين توفيت ست سنين"، قال:"وخفيت هذه العلة على البخاري، وأظن مسلما فطن لهذه العلة، فلم يخرج له، ولو صح هذا لكان مسروق صحابيا لا مانع له من السماع من النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنه مرسل، قال: ورأيته في تفسير سورة يوسف من الصحيح عن مسروق قال: سألت أم رومان" فذكره، قال: "وهو من رواية حصين عن شقيق، وحصين اختلط فلعله حدث به بعد اختلاطه، وقد رأيته في رواية أخرى8 عنه عن

1 أورد ذلك في كتابه (المراسيل) ، كما في تهذيب الكمال للمزي9/131 والإصابة لابن حجر 4/ 451 وذكر ابن حجر في الإصابة أيضا أن أبا علي بن السكن سبق الخطيب إلى تعليل رواية مسروق هذه فقال في كتاب الصحابة في ترجمة أم رومان بأنها ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أشار إلى رواية البخاري عن حصين عن أبي وائل عن مسروق سألت أم رومان ثم قال:"هذا خطأ تفرد به حصين، ويقال إن مسروقا لم يسمع من أم رومان لأنها ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم". الإصابة لابن حجر 4/ 452.

2 انظر الاستيعاب 4/ 448- 452.

3 في الروض الأنف 6/ 440.

4 في عيون الأثر 2/ 101.

5 تهذيب الكمال 9/ 131.

6 في تجريد أسماء الصحابة 2/ 336.

7 في جامع التحصيل في أحكام المراسيل 2/ 674.

8 هذه الرواية أوردها العلائي في (جامع التحصيل في أحكام المراسيل) فقال: ورواه أبو سعيد الأشج عن ابن فضيل فقال فيه: عن مسروق قال: "سئلت أم رومان وهي أم عائشة فذكر القصة" 2/ 675.

ص: 296

شقيق عن مسروق قال: سئلت أم رومان فلعل قوله في رواية البخاري سألت تصحيف من سئلت". انتهى1.

ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "وعندي أن الذي وقع في الصحيح هو الصواب والراجح، وذلك أن مستند هؤلاء في انقطاع هذا الحديث2، إنما هو ما روى علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف أن أم رومان ماتت سنة ست وأن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفنها".

ثم قال ابن حجر: "وقد نبه البخاري في تاريخه الأوسط والصغير على أنها رواية ضعيفة، فقال في (فصل) من مات في خلافة عثمان قال علي بن زيد عن القاسم: ماتت أم رومان زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست"3.

ثم قال البخاري: "وفيه نظر، وحديث مسروق أسند"4.

قال ابن حجر: "يعني أصح إسنادا وهو كما قال5، وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر بن الخطاب لأن مولد مسروق كان في سنة الهجرة، ولهذا قال أبو نعيم الأصبهاني: "عاشت أم رومان بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهرا".

ثم قال ابن حجر: "ومما يدل على ضعف رواية علي بن زيد بن جدعان:

1 هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص 373.

2 يعني حديث مسروق.

3 هذه الرواية لعلها في التاريخ الأوسط، أما في التاريخ الصغير ففيه أن أم رومان توفيت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بدون تحديد. انظر التاريخ الصغير للبخاري، ص 22.

4 المصدر السابق، ص 22.

5 وقال في الإصابة 4/ 452 أثناء رده على الخطيب ومن تبعه: "وأول من فتح هذا الباب صاحب الصحيح - يعني البخاري - فإنه ذكر رواية مسروق ورجحها على رواية علي بن زيد"، قال ابن حجر:"وهو كما قال، لأن مسروقا متفق على ثقته"، وعلي بن زيد متفق على سوء حفظه".

قلت: وقال البخاري وأبو حاتم وابن خزيمة: "لا يحتج به". انظر ميزان الاعتدال 3/ 127- 129.

ص: 297

أ- ما ثبت في الصحيح م رواية أبي عثمان1 النهدي عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن الصديق رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة2 كانوا ناسا فقراء، فذكر الحديث في قصة أضياف أبي بكر، وفيه قال: قال عبد الرحمن: إنما هو أنا وأمي وامرأتي وخادم بيتنا. الحديث3

وفي بعض طرقه عند البخاري في كتاب الأدب فلما جاء أبو بكر قالت له أمي: احتبست عن أضيافك. الحديث"4

وأم عبد الرحمن هي أم رومان لأنه شقيق عائشة، وعبد الرحمن إنما أسلم بعد سنة ست، وقد ذكر الزبير بن بكار من طريق ابن عيينة عن علي بن زيد أن إسلام عبد الرحمن كان قبل الفتح، وكان الفتح في رمضان سنة ثمان، فبان ضعف ما قال علي بن زيد في تقييده وفاة أم رومان بسنة ست، مع ما اشتهر من سوء حفظه في غير ذلك فكيف تعل به الروايات الصحيحة المعتمدة.

ب- ما رواه الإمام أحمد في مسنده أن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بي" فقال: "يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تعجلي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان" قالت: "قلت: يا رسول الله وما هو؟ " قال: " قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ

} الآية إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} ، [سورة الأحزاب، من الآيتان: 28-29] .

1 أبو عثمان النهدي بفتح النون وسكون الهاء، هو عبد الرحمن بن مل بلام ثقيلة والميم مثلثة، مشهور بكنيته، مخضرم من كبار الثانية، ثقة ثبت عابد، (ت 95) وقيل بعدها وعاش 130 سنة وقيل أكثر/ ع. التقريب 1/ 499.

2 قال ابن حجر: "الصفة: مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر". انظر فتح الباري 6/ 595 وهدي الساري مقدمة فتح الباري، ص 145.

3 انظر: البخاري 4/ 155 كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام.

4 المصدر السابق 8/ 28 كتاب الأدب باب قول الضيف لصاحبه لا آكل حتى تأكل

و1/ 103 كتاب مواقيت الصلاة باب السمر مع الضيف والأهل.

ص: 298

قالت: "فقلت: فإني أريد الله تعالى ورسوله والدار الآخرة، ولا أؤامر في ذلك أبا بكر وأم رومان، فضحك".

وهذا إسناد جيد، وأصله في الصحيحين1 بلفظ:"استأمري أبويك" ولم يسمهما، والتخيير كان في سنة تسع، والحديث دال على أن أم رومان كانت إذ ذاك موجودة، فبان وهم علي بن زيد ومن معه2.

قلت: حديث أحمد المشار إليه هو: حدثنا محمد3 بن بشر قال: ثنا محمد4 بن عمرو ثنا أبو سلمة عن عائشة قالت: "لما أنزلت آية التخيير5، قال: بدأ بعائشة فقال: "يا عائشة: إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتن6 فيه

1 وهذا نصه في الصحيحين: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخير أزواجه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه"،قالت: ثم قال:"إن الله قال": {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِِزْوَاجِك} إلى تمام الآيتين، فقلت له:"ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله، والدار الآخرة"، البخاري 6/ 97 تفسير سورة الأحزاب واللفظ له، ومسلم 4/ 185- 186 من كتاب الطلاق.

2 هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص: 373 وفتح الباري7/ 438 وتهذيب التهذيب12/467-469، وتقريب التهذيب2/621 والإصابة 4/450-452.

3 محمد بن بشر العبدي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ من التاسعة، (ت 203) /ع. التقريب 2/ 147.

4 محمد بن عمرو هو ابن وقاص الليثي، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن الزهري تقدمت ترجمتهما.

5 هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} ، كما هو موضح في الحديث.

6 فلا تفتاتن بفتح التاء الأولى وسكون الفاء، وكسر التاء الأخيرة بعدها نون مشددة مفتوحة يقال افتات فلان افتياتا إذا سبق بفعل شيء فاستبد برأيه فيه ولم يؤامر من هو أحق بالأمر فيه. المصباح المنير 2/138 (مادة فوت) .

ص: 299

بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان"، قالت: "أي رسول الله وما هو؟ "

قال: " قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} "، [سورة الأحزاب، الآيتان: 28-29] .

قالت: "إني أريد الله ورسول والدار الآخرة، ولا أؤامر في ذلك أبوي أبا بكر وأم رومان"، قالت:"فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استقرأ1 الحجر" فقال: "إن عائشة قالت: كذا وكذا"، قال:"فقلن مثل الذي قالت عائش"2.

قلت: الحديث رجاله رجال الجماعة إلا أن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص أخرج له البخاري مقرونا بغيره وتعليقا ومسلم في المتابعات، وهو حسن الحديث3.

وخلاصة القول في هذه المسألة أن اعتراض الخطيب ومن تبعه على البخاري في سماع مسروق من أم رومان يتلخص فيما يلي:

دعوى وفاة أم رومان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ست أكثر تقدير.

أنه حصل تصحيف في الرواية فإن مسروقا كان يرسله فيقول: سئلت أم رومان فتصحف على بعضهم (سألت) .

1 استقرأ الحجر: أي تتبع أفرادها. المصدر السابق 1/ 160.

2 مسند أحمد 6/ 211- 212.

3 انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص 441.

ص: 300

اختلاط حصين1 بن عبد الرحمن الذي مدار الحديث عليه.

والجواب عن هذا أن يقال:

أما دعوى وفاة أم رومان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست أو قبل ذلك فإنهم استندوا في ذلك على حديث علي بن زيد بن جدعان وفيه علتان: ضعف علي بن زيد والانقطاع بين القاسم بن محمد والرسول صلى الله عليه وسلم لأن القاسم تابعي من كبار الثالثة كما هو معروف2.

وعلى هذا فلا تقوم بالحديث حجة، كيف وقد عارضته أحاديث أخرى صحيحة ذكرت أن أم رومان كانت موجودة سنة تسع كما في قصة تخييره صلى الله عليه وسلم بين نسائه، وذلك سنة تسع بالاتفاق، ذكر ذلك ابن حجر3، وفي هذه القصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض الأمر على عائشة وقال لها: لا تعجلي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان، ولهذا جزم إبراهيم الحربي وأبو نعيم بأن وفاتها كانت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بزمن.

وأما دعوى التصحيف فإنها ضعيفة لأمرين:

الأول: أن في صحيح البخاري التصريح بالتحديث فدل على أن دعوى تصحيف سألت عن (سئلت) غير صحيحة.

الثاني: أن توهيم الثقات بدون حجة قاطعة باطل عند أهل العلم وهذا نوع من التوهيم بدون دليل.

1 قال عنه ابن حجر: "حصين بن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي متفق على الاحتجاج به، إلا أنه تغير في آخر عمره، وأخرج له البخاري من حديث شعبة والثوري، وزائدة وأبي عوانة، وأبي بكر بن عياش وأبي كدينة إلى أن قال: فأما شعبة والثوري وزائدة وهشيم فسمعوا منه قبل تغيره، وأما حصين بن نمير فلم يخرج له البخاري من حديثه سوى حديث واحد، وأما محمد بن فضيل ومن ذكر معه، فأخرج من حديثهم ما توبعوا عليه". انظر هدي الساري مقدمة فتح الباري، ص 398. قلت: وهذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه ورد عن أبي عوانة ومحمد بن فضيل وسليمان بن كثير العبدي وعلي بن عاصم بن صهيب الواسطي وأبي جعفر الرازي التميمي خمستهم عن حصين بن عبد الرحمن.

2 انظر ترجمته في: التقريب 2/ 120.

3 انظر: فتح الباري 7/ 438.

ص: 301

وأما اختلاط حصين بن عبد الرحمن فيجاب عنه من أوجه:

أ- أن يكون البخاري أخرج له قبل اختلاطه ثم طرأ عليه الاختلاط بعد ذلك، وهذا هو المظنون بالبخاري.

ب- أن يكون البخاري أخرج له ما تأكد من حفظه له دون ما فيه شبهة الاختلاط، وهذا لا مانع منه لأن الممنوع في رواية المختلط ما كانت بعد اختلاطه أو لم تعرف هل هذه الرواية قبل الاختلاط أو بعده، وتحري البخاري ومعرفته بعلل الحديث يرشداننا إلى أنه لا يروي عن مختلط إلا ما حفظه وكان ثابتا فيه.

ج- ما أجاب به ابن حجر في مقدمة الفتح في سياق أسماء من طعن فيهم من رجال الصحيح، قال:"وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم".

وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي في ضبطه مطلقا أو في ضبطه لخبر بعينه لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن1 المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح:"هذا جاز القنطرة"، يعني لا يلتفت إلى ما قيل فيه.

1 هو علي بن الفضل بن علي بن حاتم بن حسن بن جعفر الحافظ العلامة المفتي شرف الدين أبو الحسن ابن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي، ثم الإسكندراني المالكي، سمع صحيح البخاري من القاضي أبي عبيدة نعمة بن زيادة الله الغفاري عن عيسى بن أبي ذر الهروي. (ت611?) تذكرة الحفاظ للذهبي4/1390-1392.

ص: 302

قال الشيخ أبو الفتح1 القشيري في مختصره: "هكذا نعتقد وبه نقول ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك رواتهما"2.

د- ما أجاب به ابن حجر أيضا عن الأحاديث المنتقدة جملة:

قال: "والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول لا ريب في تقدم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، فإنهم لا يختلفون في أن علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك، حتى كان يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني، ومع ذلك كله فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك عن البخاري، يقول: دعوا قوله ما رأى مثل نفسه".

وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري، وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعا.

وروى الفربري3 عن البخاري قال: ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته.

وقال مكي4 بن عبدان سمعت مسلم بن الحجاج يقول: عرضت كتابي

1 هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن دقيق العيد القشيري المنفلوطي الصعيدي، المالكي، والشافعي صاحب التصانيف منها العدة شرح العمدة والإلمام، وكتابا في علوم الحديث اسمه الاقتراح، ولد سن (625هـ) وتوفي سنة (792هـ) تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1481- 1483.

2 هدي الساري مقدمة فتح الباري الفصل التاسع، ص 384.

3 هو محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر أبو عبد الله الفربري، بفتح الفاء وكسرها، وسكون الموحدة وكسر الراء الثانية، راوية صحيح البخاري، وكان سماعه للصحيح مرتين: مرة بفربر سنة (248) ومرة سنة (253هـ) ، كانت وفاته سنة (320) فتح الباري 1/5 وتذكرة الحفاظ للذهبي 3/798.

4 مكي بن عبدان بن محمد بن بكر بن مسلم بن راشد، أبو حاتم التميمي محدث نيسابور، وراوي كتب مسلم بن الحجاج عنه. ولد سنة (242هـ) وتوفي سنة (325هـ) انظر كتاب التمييز لمسلم بن الحجاج، ص 114 وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 588 و3/ 822.

وقد وقع في هدي الساري مقدمة فتح الباري (مكي بن عبد الله) وهو تحريف. انظر هدي الساري ص 347.

ص: 303

هذا على أبي زرعة1 الرازي، فكل ما أشار أن له علة تركته.

ثم قال ابن حجر: "فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة"2 ا?.

وبهذا التقرير الذي سقناه عن ابن حجر وغيره يتضح أن البخاري مقدم على غيره، من علماء هذا الشأن، لا سيما الخطيب البغدادي ومن تبعه، فيما أخرجه في كتابه الصحيح من المتون وفيمن أخرج لهم من الرواة، وذلك لتقدم البخاري في هذا الفن ودقة فهمه فيه، وبوجه أخص إذا نظرنا إلى مستند الخطيب ومن وافقه في توهيم البخاري، نجدهم استندوا إلى حجة ضعيفة وقد سبق بيان ضعفها، فبان رجحان قول البخاري هنا في سماع مسروق من أم رومان على قول الخطيب وموافقيه، والله أعلم.

1 هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، أبو زرعة الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشرة (ت 264هـ) / م ت س ق. التقريب 1/ 536.

2 هدي الساري مقدمة فتح الباري الفصل الثامن، ص 346- 347.

ص: 304