الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: إثارة المنافقين العصبية في غزوة المريسيع
المحبث الأول: مقالة عبد الله بن أبيّ
…
المبحث الأول: مقالة عبد الله بن أبي
قال البخاري: "حدثنا عبد الله1 بن رجاء حدثنا إسرائيل2 عن أبي إسحاق3
1 عبد الله بن رجاء بن عمر الغداني بضم الغين المعجمة وفتح الدال المخففة وبع الألف نون، بصري، صدوق يهم قليلا، من التاسعة، (ت220) وقيل قبلها، خ خد س ق. التقريب 1/ 414. وفي تهذيب التهذيب 5/ 210: سئل أبو زرعة عنه، فأثنى عليه وقال:"حسن الحديث عن إسرائيل"، وفي ميزان الاعتدال 2/ 421: رمز له بـ (صح) إشارة إلى أن الأئمة على توثيقه، وأنه لا يلتفت إلى من ضعفه.
2 إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، بفتح المهملة وكسر الموحدة، الهمداني أبو يوسف الكوفي، ثقة، تكلم فيه بلا حجة، من السابعة. (ت160) وقيل بعدها، ع المصدر السابق 1/ 64. وفي تهذيب التهذيب 1/ 261- 263: هو أثبت في أبي إسحاق. وفي ميزان الاعتدال 1/ 208 -210، قال عنه عيسى بن يونس: قال لي أخي إسرائيل: "كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن". وقال أحمد بن حنبل: "ثقة"، وجعل يعجب من حفظه، وقال أيضا:"كان ثبتا"، ونقل تضعيفه عن يحيى القطان وابن المديني وابن حزم الظاهري، ثم قال الذهبي:"قلت: إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، وهو في الثبت كالأسطوانة، فلا يلتفت على تضعيف من ضعفه"، ثم قال أيضا:"نعم شعبة أثبت منه إلا في أبي إسحاق".
3 هو عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي الهمداني، مكثر، ثقة عابد، من الثالثة، اختلط بآخره، (ت129) وقيل قبل ذلك. ع. التقريب 2/ 73 وقد وصف بالتدليس كما في تهذيب التهذيب 8/ 66 و 67.
عن زيد بن أرقم1،قال: كنت في غزاة2 فسمعت عبد الله بن أبي يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده3 ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت4 ذلك لعمي - أو لعمر-
1 زيد بن أرقم بن زيد بن قيس الأنصاري، الخزرجي، صحابي مشهور، أول مشاهده الخندق، وأنزل الله تصديقه في سورة المنافقين. (ت66 أو 68)، ع: المصدر السابق 1/ 272، وفي أسد الغابة 2/ 276 الإصابة 1/ 560: استصغر يوم أحد، ويقال كان أول مشاهده المريسيع، قلت: كونه حضر غزوة المريسيع فهذا مما لا خلاف فيه لتصريح الأحاديث بذلك، وإنما الخلاف هل كانت هذه الغزوة قبل غزوة الخندق، وعلى هذا يحصل التردد في أول مشاهده.
2 هي غزوة بني المصطلق كما سيأتي في المبحث الثاني ص 176.
3 من (عنده) ك كذا هنا. وبقية الأحاديث لئن رجعنا إلى المدينة.
4 فذكرت ذلك لعمي أو لعمر، فعمه هنا هو سعد بن عبادة كما بينت ذلك رواية الطبراني الآتية وعمر هو ابن الخطاب، ووقع هنا بالشك (فذكرت ذلك لعمي أو لعمر) ووقع من هذه الطريق عند البخاري في التفسير 6/ 126و 127 والترمذي 5/ 87 "فذكرت ذلك لعمي" بدون شك. ووقع من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق، ومن رواية محمد بن كعب القرظي أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم هو زيد نفسه. انظر: ص 179. وقد جمع ابن حجر بين هذا الاختلاف بما يأتي:
أ- يحتمل أن زيدا أطلق الإخبار مجازا، ولم يرتض هذا الجواب لأن في مرسل الحسن عند عبد الرزاق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعلك أخطأ سمعك أو شبه عليك"، وانظر الحديث في تفسير الطبري 28/ 114.
ب- أو لعله راسل بذلك أولا على لسان عمه ثم حضر بعد ذلك فأخبر.
ج- ويحتمل أن يكون أخبر بذلك حقيقة بعد أن أنكر عبد الله بن أبي فتح الباري 8/ 645 و647 قلت: ويدل للتوجيه الثاني حديث الباب، وحديث الترمذي 5/ 87 "فذكرت ذلك لعمي فذكر ذلك عمي للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، ويدل للتوجيه الثالث رواية الطبراني في مجمع الزوائد 7/ 124 "عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسا مع عبد الله بن أبي فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه، فقال عبد الله بن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت سعد بن عبادة فأخبرته فأتى رسول الله فذكر له ذلك، فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبي فحلف بالله ما تكلم بهذا، فنظر رسول الله إلى سعد، فقال سعد: يا رسول الله إنما أخبرنيه الغلام، زيد بن أرقم فجاء سعد فأخذ بيدي فانطلق بي، فقال: هذا حدثني فانتهرني ابن أبي، فانتهيت إلى رسول الله، وبكيت وقلت: والذي أنزل النور عليك لقد قالهن وانصرف عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {إذا جاءك المنافقون} إلى آخر السورة، قال الهيثمي:"هو في الصحيح بغير سياقه رواه لطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف". قال ابن حجر: "بينت هذه الرواية ورواية ابن مردويه: أن المراد بعم زيد بن أرقم في هذه الروايات هو سعد بن عبادة وهو سيد قومه الخزرج، وليس عمه حقيقة، وإنما عمه حقيقة هو ثابت بن قيس له صحبة، وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة". فتح الباري 8/ 645.
فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني فحدثته، فأرسل1 رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابني2 هم لم يصبني مثله قط، فجلست3 في البيت، فقال لي عمي:"ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك"4، فأنزل5 الله تعالى:{إذا جاءك المنافقون} ، [سور المنافقون، الآية: 1]6.
1 جاء عند الطبري في التفسير 28/ 109 من هذه الطريق أن المرسل إلى عبد الله بن أبي هو علي رضي الله عنه.
2 قوله: "فأصابني هم" وفي رواية زهير بن معاوية: "فوقع في نفسي مما قالوا شدة" انظر ص 180، وفي رواية أبي سعيد الأزدي عن زيد عند الترمذي 5/ 88 "فوقع علي من لهم ما لم يقع على أحد".
3 فجلست في البيت "المراد به المكان الذي كان نازلا فيه". وفي رواية محمد بن كعب القرظي عند البخاري 6/ 127 "فرجعت إلى المنزل فنمت" وعند الترمذي 5/ 89 "ونمت كئيبا حزينا" انظر ص 179 وفي رواية ابن أبي ليلى عند النسائي "جلست في البيت مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت وهي في السنن الكبرى عن إسحاق بن إبراهيم عن يحيى بن آدم عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن أرقم". انظر تحفة الأشراف في معرفة الأطراف للمزي 3/ 198 وفتح الباري 8/ 645 وعلقها البخاري عن ابن أبي زائدة بصيغة الجزم، عقب رواية محمد بن كعب القرظي، انظر البخاري 6/ 127 وانظر الحديث بطوله في تفسير الطبري 28/ 112.
4 وفي رواية محمد بن كعب القرظي عند البخاري (فلامني الأنصار) وعند الترمذي (فلامني قومي) انظر ص 179.
5 في رواية زهير حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في {إذا جاءك المنافقون} انظر ص 180.
6 وكان نزول ذلك وهم راجعون من الغزوة إلى المدينة، كما بينت ذلك رواية الترمذي من طريق أبي سعيد الأزذي وهي: حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبي سعيد الأزدي، أخبرنا زيد بن أرقم، قال: غزونا مع رسول الله صلى اله عليه وسلم الحديث
…
وفيه "فبينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قد خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، ثم أن أبا بكر لحقني فقال: "ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " قلت: ما قال لي شيئا إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي، فقال: "أبشر"، ثم لحقني عمر فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقون" هذا حديث صحيح. الترمذي 5/ 88، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 488 وقال عقبه:"قد اتفق الشيخان على إخراج أحرف يسيرة من هذا الحديث"، من حديث أبي إسحاق السبيعي عن زيد بن أرقم، وأخرج البخاري متابعا لأبي إسحاق من حديث شعبة، عن الحكم عن محمد بن كعب القرظي، عن زيد بن أرقم، ولم يخرجاه بطوله، والإسناد صحيح وأقره الذهبي، وانظر حاشية ص 180، وفي رواية أبي الأسود عن عروة "فبينما هم يسيرون أبصروا رسول الله صلى اله عليه وسلم يوحى إليه "فنَزلت"، أي: السورة"، انظر فتح الباري 8/ 645.
فبعث1 إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ، فقال:"إن الله قد صدقك يا زيد" 2 والحديث فيه أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس وقد عنعن، ولكنه صرح بالسماع في رواية زهير بن معاوية، وتابعه محمد ابن كعب القرظي3.
وقد رواه البخاري عن شيخين آخرين له هما آدم بن أبي إياس، وعبيد الله بن موسى، كلاهما عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق4.
وكان سبب هذا القول الذي تضمنه حديث زيد بن أرقم هو الشجار
1 وفي رواية محمد بن كعب القرظي عند الترمذي 5/ 89 "فأتاني النبي صلى اله عليه وسلم أو أتيته، فقال: "إن الله قد صدقك" قال: فنزلت هذه لآية: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} " وانظر الحديث أيضا ص 179، وعند الطبري في التفسير 28/ 19:"فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بلغني فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الله تبارك وتعالى قد صدقك وعذرك"،" وفي مرسل الحسن عند الطبري أيضا في التفسير 28/ 114 وابن حجر في الفتح 8/ 646 "فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام، فقال: "وفت أذنك، وفت أذنك يا غلام" "وعند البخاري في التفسير 6/ 128 من حديث أنس بن مالك قال:"حزنت على من أصيب بالحرة، فكتب إلى زيد بن أرقم وبلغه شدة حزني"، يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم اغفر للأنصار" الحديث
…
وفيه: فسأل أنسا بعض من كان عنده فقال: هو الذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا الذي أوفى الله له بأذنه".
2 البخاري 6/ 126- 127 من كتاب التفسير ومسلم 8/ 119 كتاب صفات المنافقين والترمذي 5/ 87- 88 كتاب التفسير وأحمد 4/ 368 و373، أسباب النزول للواحدي، ص 278، والنسائي في السنن الكبرى نحوه من رواية زهير وسنده: عن أبي داود الحراني عن الحسن بن محمد بن أعين عن زهير. انظر تحفة الأشراف للمزي 3/ 199.
3 البخاري 6/ 127 كتاب التفسير ومسلم كتاب صفات المنافقين.
4 البخاري 6/ 126و127 كتاب التفسير.
الذي حدث بين المهاجري والأنصاري، المصرح به في حديث جابر بن عبد الله وهذا نصه:
قال البخاري: "حدثنا علي1 حدثنا سفيان قال عمرو: سمعت جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا في غزاة - قال سفيان مرة في جيش - فكسع2 رجل من المهاجرين3 رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري4: يا للمهاجرين فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟ "
1 علي هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار.
2 فكسع: الكسع المشهور فيه: أنه ضرب الدبر باليد أو الرجل. القاموس المحيط 3/ 78 وفتح الباري 8/ 649، ووقع عند الطبري في هذا الحديث من طريق الحسين ابن واقد لمروزي عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله أن رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار برجله، وذلك في أهل اليمن شديد الحديث
…
تفسير الطبري 28/ 113.
3 ورد عند ابن إسحاق تسمية المهاجري: بأنه جهجاه بن مسعود الغفاري، أجير لعمر بن الخطاب، والأنصاري: سنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج، انظر ص 188، وسمى ابن حجر المهاجري: جهجاه بن قيس ويقال ابن سعيد الغفاري فتح الباري 6/ 547 و8/ 649.
4 قال ابن حجر في الفتح 8/ 649: أثناء شرحه لهذا الحديث: "اتفقت الطرق على أن المهاجري واحد، ووقع عند مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر" واقتتل غلامان من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجري: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما هذا؟ أدعوى الجاهلية"، قالوا: لا، إن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر الحديث
…
ثم قال ابن حجر: "ويمكن تأويل هذه الرواية بأن قوله: (من المهاجرين) ، بيان لأحد الغلامين، والتقدير: اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فحذف لفظ غلام من الأول، ويؤيده قوله في بقية الخبر (فنادى المهاجري) فأفرده فتتوافق الروايات"، قلت: هذا التأويل الذي أشار إليه ابن حجر، هو نص الحديث عند مسلم، وهذا لفظه: حدثنا أحمد بن عبد اله بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزير عن جابر قال: اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فنادى المهاجري أو المهاجرون: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار"، الحديث انظر صحيح مسلم 8/ 19 كتاب البر والصلة والآداب مطبعة المشهد الحسني و 4/ 1998من تحقيق فؤاد عبد الباقي الطبعة الثانية، دار إحياء التراث العربي بيروت- لبنان و5/ 444 (بشرح النووي) مطابع الشعب.
والحديث أيضا عند أحمد بلفظه عند مسلم 3/ 323. ولعل الرواية التي أشار إليها ابن حجر اطلع عليها في نسخة غير هذه النسخ الموجودة بين أيدينا.