الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: حكم العزل
ورد في حديث أبي سعيد الخدري من طريق ابن محيريز1 أنه قال: "دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري، فجلست إليه، فسألته عن العزل2، قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة، وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل، وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله؟! فسألناه عن ذلك فقال: "ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" هذا لفظ البخاري في المغازي وفي كتاب العتق نحو هذا3.
وفي كتاب النكاح: عن ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبيا فكنا نعزل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أو إنكم لتفعلون؟ " - قالها ثلاثا - ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة"4.
وفي كتاب القدر عن عبد الله بن محيريز الجمحي أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل5 من الأنصار فقال: يا رسول الله إنا نصيب سبيا ونحب المال، كيف ترى في العزل؟
1 ابن محيريز بالتصغير هو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب الجمحي المكي، كان يتيما في حجر أبي محذورة بمكة، ثم نزل بيت المقدس، ثقة عابد، من الثالثة، (ت 999 وقيل بعدها /ع. التقريب 1/449.
2 العزل: هو نزع الذكر بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج، خشية أن تحمل المرأة.
3 كتاب العتق باب من ملك من العرب رقيقا 3/129 وكتاب المغازي 5/96 باب غزوة بني المصطلق من خزاعة.
4 باب العزل 7/29.
5 قوله: جاء رجل من الأنصار: قال ابن حجر: "تقدم في غزوة المريسيع وفي كتاب النكاح من صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه النسائي من طريق ابن محيريز أن أبا سعيد وأبا صرمة أخبراه أنهم أصابوا سبايا قال: فتراجعنا في العزل فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعل أبا سعيد باشر السؤال وإن كان الذين تراجعوا في ذلك جماعة" الخ. فتح الباري 11/495.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو إنكم تفعلون ذلك؟ لا عليكم إلا تفعلوا فإنه ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي كائنة"1.
وحديث أبي سعيد هذا أورده مسلم بألفاظ متعددة2.
وهو أيضا عند أبي داود والنسائي وابن ماجة وأحمد3.
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينْزل"، لفظ البخاري وابن ماجة4،وزاد مسلم:"لو كان شيئا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن"5.
وفي لفظ عند مسلم من حديث جابر أيضا "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا"6.
وفي لفظ قال جابر: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي جارية لي وأنا أعزل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن ذلك لن يمنع شيئا أراده الله"، قال فجاء الرجل فقال: يا رسول الله إن الجارية التي كنت ذكرتها لك حملت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنا عبد الله ورسوله"7.
وهذه الأحاديث التي ظاهرها جواز العزل، ورد ما يعارضها فعند مسلم وأحمد من حديث جدامة8 بنت وهب قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه
1 البخاري 8/104 باب {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} .
2 صحيح مسلم 4/157- 160 كتاب النكاح.
3 انظر سنن أبي داود 1/500- 501 والنسائي 6/89 وابن ماجة 1/620 الجميع في كتاب النكاح باب العزل وأحمد 3/63 و68 و72.
4 البخاري 7/29 كتاب النكاح باب العزل وابن ماجة فيه 1/620.
5 صحيح مسلم 4/160 كتاب النكاح.
6 المصدر السابق 4/160.
7 المصدر السابق 4/160.
8 جدامة بمضمومة ودال مهملة. بنت وهب ويقال جندل، الأسدية، أخت عكاشة ابن محصن لأمه صحابية لها سابقة وهجرة، قال الدارقطني: من قالها بالذال المعجمة صحف /م عم. التقريب 2/593.
وسلم في أناس وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة1، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا"،ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك الوأد الخفي" زاد عبيد الله في حديثه عن المقرئ2: وهي {وَإِذَا المُوْؤُودَةُ3 سُئِلَت} 4.
وبسبب هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض اختلف العلماء في حكم العزل. فذهب ابن حبان وابن حزم إلى تحريمه أخذا بحديث جدامة هذا وما في معناه.
وعلل ابن حزم ذلك بأن الأحاديث الدالة على الإباحة، متمشية مع أصل الإباحة، وحديث حدامة دال على التحريم، فصح أن حديثها ناسخ لجميع الإباحات المتقدمة التي لا شك في أنها قبل البعث وبعد البعث، وهذا أمر متيقن، لأنه إذا أخبر عليه الصلاة والسلام أنه الوأد الخفي، والوأد محرم، فقد نسخ الإباحة المتقدمة بيقين، فمن ادعى أن تلك الإباحة المنسوخة قد عادت، وأن النسخ المتيقن قد بطل فقد ادعى الباطل، وقفى ما لا علم له به، وأتى بما لا دليل عليه.
وأيد ذلك بما ورد في حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم5
1 الغيلة: بالكسر الاسم من الغيل بالفتح، وهو أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضع، وكذلك إذا حملت وهي مرضع. النهاية لابن الأثير 3/402.
2 المقرئ هو عبد الله بن يزيد المكي، أبو عبد الرحمن القصير أصله من البصرة أو الأهواز، ثقة فاضل، أقرأ القرآن نيفا وسبعين سنة، من التاسعة (ت 213) وقد قارب المائة وهو من كبار شيوخ البخاري /ع. التقريب 1/462.
3 سورة التكوير آية:8 والموؤودة هي البنت كان في الجاهلية إذا ولد لأحدهم بنت دفنها في التراب وهي حية. يقال وأدها يئدها وأدا فهي موؤودة. النهاية لابن الأثير 5/143 ومختار الصحاح ص 705 والقاموس المحيط 1/432- 343.
4 صحيح مسلم 4/161 كتاب النكاح وأحمد 6/361 و434.
5 انظر الحديث في صحيح مسلم 4/159.
قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال:"لا عليكم ألا تفعلوا ذلك فإنما القدر"، قال ابن سيرين1 - قوله:"لا عليكم أقرب إلى النهي"2.
وذهب الجمهور إلى جواز العزل عن الزوجة الحرة بإذنها وعن السرية بدون إذن والخلاف في الزوجة المملوكة هذا أقرب الأقوال في هذه المسألة والخلاف طويل بين العلماء، واستدل الجمهور على الجواز بالأحاديث المتقدمة التي ظاهرها الجواز. وأجابوا عن حديث جدامة وما في معناه بأن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه - وأجيب عن قوله في حديث جدامة "ذلك الوأد الخفي" أنه ليس صريحا في التحريم، لأن التحريم للوأد المحقق الذي هو قطع حياة محققة، والعزل وإن شبهه صلى الله عليه وسلم به فإنما هو قطع لما يؤدي إلى الحياة والمشبه دون المشبه به، وإنما سماه وأدا لما تعلق به من قصد منع الحمل.
وهناك أجوبة أخرى فيها أخذ ورد فلا نطيل الكلام فيها ونكتفي بالإشارة إلى أماكنها لمن أراد الوقوف عليها3.
وخلاصة القول في هذا الباب هو جواز العزل وأحاديث جابر بن عبد الله على اختلاف ألفاظها صريحة في جواز ذلك وأصرح منها حديثه عند مسلم وأبي داود ولفظه: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها"، فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، فقال:"قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها"4.
1 هو محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم، أبو بكر بن أبي عمرة، البصري، ثقة ثبت عابد، كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة (ت 110) /ع. التقريب 2/169.
2 كتاب المحلى لابن حزم 11/290- 292.
3 انظر معاني الآثار للطحاوي3/30-35 وشرح مسلم للنووي3/612 وزاد المعاد لابن القيم4/20-23 وتهذيب السنن له6/214 (عون المعبود) ، وفتح الباري 9/305-310 وسبل السلام للصنعاني3/145-146 ونيل الأوطار للشوكاني 6/222-224 وشرح ثلاثيات مسند أحمد لمحمد السفاريني 1/297-302.
4 صحيح مسلم 4/160 وسنن أبي داود 1/501 كتاب النكاح باب العزل.