الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال:"دعوها1 فإنها منتنة 2 "، فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها؟ 3 أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق4، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".
وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة، ثم إن المهاجرين كثروا بعد.
قال سفيان: فحفظته من عمرو، وقال عمرو:"سمعت جابرا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم"5.
1 دعوها: قال ابن حجر: أي دعوى الجاهلية، وقيل الكسعة، والأول هو المعتمد وأبعد من قال: المراد الكسعة. فتح الباري 6/ 547 و 8/ 649. قلت: وقد ورد عند أحمد "دعوا الكسعة فإنها منتنة" من طريق عمرو بن دينار البصري الأعور المعروف بقهرمان، وهو ضعيف، انظر الحديث في المسند 3/ 385.
2 منتة: أي مذمومة في الشرع، مجتنبة مكروهة، كما يجتنب الشيء النتن، غريب الحديث لابن الأثير 5/ 14 وقال ابن حجر: قبيحة خبيثة وقد ثبت في بعض روايات فتح الباري 8/649. قلت ثبت عند البخاري دعوها فإنها خبيثة)) . انظر: ص 184 من رواية ابن جريج.
3 في رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار "أقد تداعوا علينا". انظر: ص 184.
4 وفي رواية ابن جريج فقال عمر: "ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث" انظر ص 184 وعند ابن إسحاق قال عمر بن الخطاب: مر به عباد بن بشر فليقتله. انظر ص 188 ويمكن الجمع: "بأن عمر بن الخطاب أولا طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بقتله فلما لم يأذن له، قال: إن لم تأذن لي بقتله، فمر عباد بن بشر يقتله".
5 البخاري 4/ 146، كتاب المناقب و6/ 128، ومسلم 8/ 19 كتاب البر والصلة والآداب والترمذي 5/ 90 في التفسير، والحميدي 2/ 519 وأحمد 3/ 392.
المبحث الثاني: تعيين الغزوة التي حدثت فيها مقالة ابن أبي
ورد تعيينها بأنها غزوة بني المصطلق من قول سفيان بن عيينة عند أحمد والإسماعيلي والترمذي ورواية الإسماعيلي والترمذي أصرح في ذلك، وإليك النصوص الواردة في ذلك:
قال أحمد: حدثنا حسين1 بن محمد ثنا سفيان - يعني ابن عيينة - عن عمرو قال: حدثنا جابر بن عبد الله يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، قال: يرون أنها غزوة بني المصطلق، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين الحديث
…
وفيه فبلغ ذلك عبد الله بن أبي فقال: "فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"2. "رجاله رجال الجماعة". والحديث عند البخاري ومسلم وليس فيه تفسير الغزوة3.
عند الإسماعيلي4 في مستخرجه5 من طريق ابن أبي عمر6 وهي زيادة صححة حكمها حكم الصحيح، لأنها خارجة من مخرجه7.
عند الترمذي: وهذا نصه: حدثنا ابن أبي عمر أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول كنا في غزاة 3قال سفيان: أين يرون أنها غزوة بني المصطلق - فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار-
1 الحسين بن محمد بن بهرام، التميمي، أبو محمد، المروذي: بفتح الميم وتشديد الراء، وبذال معجمة، نزيل بغداد، ثقة من التاسعة، (ت213) أو بعدها بسنة أو بسنتين، ع. التقريب 1/ 179.
2 مسند أحمد 3/ 392- 393.
3 البخاري 6/ 128 كتاب التفسير (باب قوله: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) ومسلم 8/ 19 كتاب البر والصلة والآداب.
4 هو أبو بكر الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي، الجرجاني كبير الشافعية بناحيته، له مستخرج على صحيح البخاري وله معجم كبير، وله غير ذلك، قال الذهبي:"من جملتها مسند عمر رضي الله عنه هذبه في مجلدين طالعته وعلقت منه وابتهرت بحفظ هذا الإمام وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة، (ت371?ـ) " تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 947- 951.
5 فتح الباري 8/ 649.
6 هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، نزيل مكة، صدوق، صنف المسند وكان لازم ابن عيينة، لكن قال أبو حاتم كانت فيه غفلة. من العاشرة (ت243) م ت س ق التقريب 2/ 218.
7 انظر التبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 60. وتدريب الراوي للسيوطي، ص 58.
الحديث
…
وفيه فسمع ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال: أوقد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل
…
وفي آخره زيادة على ما في الصحيح وهي: وقال غير عمرو فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله:"والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ففعل"1. "هذا حديث حسن صحيح"2.
وقد وصف ابن حجر ابن أبي عمر بأنه من رجال السنن، ولكن تابعه حسين بن محمد بن بهرام عند أحمد وهو ثقة، فيكون الحديث صحيحا لغيره.
ما أخرجه اببن أبي شيبة عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق لما أتوا المنزل كان بين غلمان من المهاجرين، وغلمان من الأنصار الحديث وفيه فقال ابن أبي:"أما والله لو أنهم لم ينفقوا عليهم انفضوا من حوله، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل".الحديث3. وهو مرسل.
وبنحوه عند ابن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمر4 بن ثابت. قال ابن حجر: "وهو مرسل جيد"4.
وهكذا ذكر ابن إسحاق عن مشايخه، عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان بأن قول ابن أبي هذا كان في غزوة بني المصطلق5."
1 ففعل أبي فأقر بأنه الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو العزيز.
2 الترمذي 5/ 90 كتاب التفسير.
3 الدر المنثور للسيوطي6/ 225.
(4)
عمر بن ثابت الأنصاري الخزرجي المدني، ثقة من الثالثة، أخطأ من عده في الصحابة، م عم.
المصدر السابق 2/ 52 وتهذيب التهذيب 7/ 430 وقد وقع في هذه الرواية عمرو ابن ثابت قال ابن حجر: وهو خطأ نبه عليه النسائي وقال: الصواب عمر بن ثابت. انظر تهذيب التهذيب 8/ 10 والتقريب 2/ 66.
4 فتح الباري 8/ 649. وتفسير ابن كثير 4/ 371.
5 سيرة ابن هشام 2/ 290- 291.
رجاله رجال الجماعة وهو مرسل أيضا".
فهذه الأحاديث كلها صريحة في أن هذه الكلمة صدرت من عبد الله بن أبي ابن سلول في غزوة بني المصطلق.
صرح الواحدي بأن هذا هو قول أهل التفسير وأصحاب السير1.
وبعد أن بينا أن هذه المقالة صدرت من ابن أبي في غزوة بني المصطلق يحسن أن نذكر الأحاديث الدالة على أن هذه المقالة صدرت من عبد الله بن أبي ابن سلول أيضا في غزوة تبوك، ثم نعقب ذلك بالقول الراجح حسب ما يظهر.
أ- جاء عند الترمذي والنسائي وهذا سياق الترمذي: حدثنا محمد ابن بشار أخبرنا محمد بن أبي عدي، قال: أنبأنا شعبة عن الحكم بن عتبة قال: سمعت محمد بن كعب القرظي منذ أربعين سنة يحدث عن زيد بن أرقم أن عبد الله بن أبي قال في غزوة تبوك: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فحلف ما قاله، فلامني قومي، فقالوا: ما أردت إلا هذه فأتيت البيت ونمت كئيبا حزينان فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم، أو أتيته فقال:"إن الله قد صدقك".
قال: فنَزلت هذه الآية: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} ، [سورة المنافقون، من الآية: 7] ، "هذا حديث حسن صحيح"2.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى: عم محمد بن بشار بندار عن محمد بن جعفر غندر وابن أبي عدي، كلاهما عن شعبة به3. "وكلا الحديثين رجالهما رجال الجماعة".
وهو عند البخاري وأحمد من طريق شعبة عن الحكم به4.
1 أسباب النزول، ص 287.
2 الترمذي 5/ 89، كتاب التفسير.
3 تحفة الأشراف للمزي 3/ 201.
4 البخاري 6/ 127، كتاب التفسير وأحمد 4/ 368.
وليس فيه لفظ: "غزوة تبوك".
فهذا الحديث صحيح وهو صريح في صدور هذا القول من عبد الله ابن أبي في غزوة تبوك.
ب- قال ابن حجر: "ويؤيده قوله في رواية زهير في "سفر أصاب الناس فيه شدة""1.
قلت: رواية زهير المشار إليها هي ما ساقه البخاري: حدثنا عمرو ابن خالد ثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة"2، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه:"لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله". وقال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} ، [سورة المنافقون، الآية: 1] .
1 فتح الباري 8/ 644.
2 قلت: يجوز أن تكون الشدة هذه حصلت في غزوة بني المصطلق بقلة الزاد والماء الذي كان سببا في صدور هذه المقالة من عبد الله بن أبي كما صرح بذلك أبو سعيد الأزدي في روايته عن زيد بن أرقم قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناس من الأعراب فكنا نبتدر الماء، وكان الأعراب يسبقونا إليه فيسبق الأعرابي فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة، ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه"، قال: فأتى رجل من الأنصار أعرابيا فأرخى زمام ناقته لتشرب فأبى أن يدعه، فانتزع قباض الماء فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أبي، ثم قال:"لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله" يعني الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام فقال عبد الله:"إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمدا الطعام"، ثم قال لأصحابه:"لئن رجعنا إلى المدينة فلنخرج الأعز منها الأذل". أخرجه الترمذي 5/ 88 وقال حسن صحيح، والحاكم 2/ 488 وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي.
فدعاهم النبي صلى اله عليه وسلم ليستغفر لهم، فلووا رؤوسهم الحديث1
…
ج- ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبو الربيع2 الزهراني، حدثنا حماد3 بن زيد حدثنا أيوب عن سعيد4 ابن جبير "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي فيه، فلما كانت غزوة تبوك بلغه أن عبد الله بن أبي ابن سلول قال: "ليخرجن الأعز منها الأذل"، فارتحل قبل أن ينزل آخر النهار، وقيل لعبد الله بن أبي ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك فأنزل الله تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} - إلى قوله - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ} [سورة المنافقون، الآيات: 1-5] .
قال ابن كثير: "وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير"5.
قلت: رجاله رجال الجماعة ما عدا أبا الربيع الزهراني، فأخرج له من عدا الترمذي وابن ماجة. ونسبه ابن حجر لبعد بن حميد وقال:"بإسناد صحيح"6.
وهكذا نسبه السيوطي لابن أبي حتم وعبد بن حميد7.
وقد أجاب العلماء عن هذه الأحاديث الدالة بأن المقالة المذكورة كانت في غزوة بوك - بما يأتي:
قال ابن العربي: "اختلفت الرواة في هذا الحديث فروى محمد بن كعب
1 البخاري 6/ 127، كتاب التفسير ومسلم 8/ 119، كتاب صفات المنافقين وأحمد 4/ 373.
2 أبو الربيع الزهراني هو سليمان بن داود العتكي البصري، نزيل بغداد، ثقة، من العاشرة (ت234) ، خ م د س التقريب 1/ 324.
3 حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، من كبار الثامنة، ثقة ثبت فقيه، (ت179)، ع: المصدر السابق1/ 197.
4 سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت فقيه من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة 50، ع: المصدر السابق1/ 292.
5 تفسير ابن كثير 4/ 369.
6 فتح الباري 8/ 644.
7 الدر المنثور 6/ 224.
القرظي أن ذلك كان في غزوة تبوك، حسبما ذكره أبو عيسى الترمذي".
وروى في الصحيح أنها كانت في غزوة بني المصطلق1، حسن صحيح وهو الصحيح، وإن كان صحح أيو عيسى حديث محمد ابن كعب، لكن صحيح الصحيح ما بيناه2.
وقال ابن كثير عقب مرسل سعيد بن جبير المتقدم3، قوله:"إن ذلك كان في غزوة تبوك فيه نظر، بل ليس بجيد، فإن عبد الله بن أبي ابن سلول، لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك، بل رجع بطائفة من الجيش، وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق"4.
وقال ابن حجر عقب مرسل سعيد بن جبير نفسه: "والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق5، ويؤيده "أن في حديث جابر بن عبد الله"، وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين، حين قدموا المدينة، ثم إن المهاجرين كثروا بعد"6.
فهذا مما يؤيد تقدم القصة، ويوضح وهم من قال إنها كانت بتبوك، لأن المهاجرين حينئذ كانوا كثيرا جدا، وقد انضافت إليهم مسلمة الفتح في غزوة تبوك، فكانوا حينئذ أكثر من الأنصار7 اهـ.
1 يريد حديث جابر بن عبد الله المتقدم، ص 175 وما بعدها.
2 عارضة الأحوذي، 12/ 200.
والمعنى: أن الترمذي قال عن حديث جابر بن عبد الله بأنه حسن صحيح، والحديث ثابت في الصحيحين، وقال عن حديث محمد بن كعب القرظي، بأنه حسن صحيح كذلك، وحديث محمد بن كعب القرظي عند الترمذي والنسائي. فقال ابن العربي: وإن كان الترمذي قد صحح كلا الحديثين، لكن الصحيح حديث جابر بن عبد الله لأنه ثابت في الصحيحين.
3 انظر ص 181.
4 تفسير ابن كثير 4/ 369.
5 فتح الباري 8/ 644 و650.
6 انظر الحديث ص 175- 176 وما بعدها.
7 المصدر السابق 8/ 677 و650.