الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثناء شرحه لحديث الإفك: "قوله: (فخرج سهمي) ، هذا يشعر بأن عائشة كانت في تلك الغزوة وحدها، لكن عند الواقدي1 من طريق عباد بن عبد الله عن عائشة أنها خرجت معه في تلك الغزوة أيضا أم سلمة، وكذا في حديث ابن عمر، وهو ضعيف"2.
ثم قال: "ولم يقع لأم سلمة في تلك الغزوة ذكر، ورواية ابن إسحاق3 من رواية عباد ظاهرة في تفرد عائشة بذلك، ولفظه "فخرج سهمي عليهن، فخرج بي معه"4.اهـ. وأما حكم العمل بالقرعة فالجمهور من العلماء على القول بذلك.
والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبارها5. والأحاديث ترد عليهم فإنها صريحة في ذلك.
1 انظر الحديث في مغازي الواقدي، 2/426.
2 انظر الحديث في مجمع الزوائد للهيثمي، 9/237، ونسبه للطبراني وقال: فيه إسماعيل ابن يحيى بن عبيد الله التيمي وهو كذاب.
3 انظر حديث ابن إسحاق، ص 318، وانظر سيرة ابن هشام، 2/297.
4 فتح الباري 8/458، وانظر حاشية، ص 206، من هذه الرسالة.
5 انظر شرح صحيح النووي على مسلم 5/629 و641، وزاد المعاد لابن القيم 1/55، وفتح الباري 5/293- 294، وسبل السلام للصنعاني 3/165، ونيل الأوطار للشوكاني 6/245، وعون المعبود شرح سنن أبي داود 6/176.
المبحث الخامس: جواز خروج النساء في الغزوات وغيرها
تقدم في حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب".الحديث1
…
1 انظر سياق حديث الإفك ص 205 وما بعدها. وانظر صحيح البخاري 5/96 كتاب المغازي باب حديث الإفك.
وفي حديث الربيع1 بنت معوذ عند البخاري قالت: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم نخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة"2.
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم3 ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى"4.
وعند البخاري ومسلم من حديث أنس أيضا قال: "لما كان يوم أحد انهزم ناس من الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث....
وفيه: "ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان5 أرى خدم6 سوقهما تنقلان القرب على متونهما7 ثم تفرغانه في أفواههم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان تفرغانه في أفواه القوم" الحديث8
…
1 الربيع: بالتصغير والتثقيل. بنت معوذ باسم الفاعل ابن عفراء بفتح المهملة وسكون الفاء الأنصارية النجارية من صغار الصحابة. /ع. التقريب 2/5298.
2 البخاري 4/27-28 كتاب الجهاد والسير باب مداواة النساء الجرحى في الغزو و7/106 كتاب الطب باب هل يداوي الرجل والمرأة أو المرأة الرجل وأحمد 6/358.
3 أم سليم بالتصغير بنت ملحان بن خالد الأنصارية والدة أنس بن مالك، يقال: اسمها سهلة، أو رميلة، أو رميتة أو مليكة، أو أنيثة، وهي الغميصاء، أو الرميصاء بالتصغير زوج أبي طلحة الأنصاري، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات، (ت في خلافة عثمان) / خ م د ت س. التقريب 2/622.
4 مسلم5/196 كتاب الجهاد والسير، وأبو داود2/17 كتاب الجهاد باب في النساء يغزون والترمذي 3/68 كتاب السير باب ما جاء في خروج النساء في الحرب.
5 شمر إزاره رفعه، وشمر في الأمر خف فيه، وجد واجتهد. انظر النهاية لابن الأثير 2/500 ومختار الصحاح ص 346.
6 الخدم: الخلخال. النهاية لابن الأثير2/15.
7 متونهما: متنا الظهر: مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم، يذكر ويؤنث، مختار الصحاح ص 614 والقاموس المحيط للفيروز آبادي 4/269.
8 البخاري 4/27 كتاب الجهاد والسير باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال و5/31 كتاب المناقب باب مناقب أبي طلحة و5/82 كتاب المغازي - غزوة أحد باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} ومسلم 5/196 كتاب الجهاد والسير.
وفي حديث أم عطية1 الأنصارية رضي الله عنها قالت: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى"2.
وفي هذه النصوص تبرز بوضوح كامل قيمة المرأة في المجتمع المسلم، فإنها فيه عضو فعال، فها هي الأحاديث الصحيحة تصرح بأن المرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تشارك في الحرب، كما أنها في السلم سيدة البيت ومربية أجيال، فليس في الإسلام حظر للمرأة أن تشارك الجيش أعباءه في القتال، بل في ذلك حث لها على سقي الماء ومداواة الجرحى وتمريض المرضى، وأكثر من ذلك فقد ورد في حديث أنس بن مالك، أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا فكان معها فرآها أبو طلحة3 فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الخنجر"، قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين، بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا4 من الطلقاء انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن 5.
ولكن كل ذلك مقيد بقيود الإسلام وشروطه التي تهدف إلى صيانة المرأة عن الابتذال والسفور، والخروج عن حد الاعتدال، لتكون لقمة سائغة لكل جسد شهواني، كما تدعو إليه حضارة الغرب والشرق اليوم، ويقلدهم في ذلك أذنابهم من أبناء المسلمين، الذين اغتروا بهذه الدعايلت الزائفة، التي يروجها
1 أم عطية: هي نسيبة بالتصغير، ويقال بفتح أولها، بنت كعب، ويقال بنت الحارث، صحابية مشهورة، ثم سكنت البصرة. / ع. التقريب 2/616.
2 مسلم 5/199 كتاب الجهاد وابن ماجه 2/952 فيه باب العبيد والنساء يشهدون مع المسلمين وأحمد 5/84.
3 أبو طلحة هو: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته، من كبار الصحابة، شهد بدرا وما بعدها، (ت 34) وقال أبو زرعة: عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، /ع. التقريب 1/275.
4 تريد الذين فروا في غزوة حنين ممن أسلم يوم فتح مكة.
5 صحيح مسلم 5/196 كتاب الجهاد والسير.