الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: إسلام بني المصطلق وأداؤهم الزكاة
1-
مرَّ بنا في هذا حديث أحمد في قدوم الحارث بن أبي ضرار إلى المدينة متبرئًا مما نسبه إليه الوليد بن عقبة من منع الزكاة وإرادتهم قتله1.
2-
ما رواه ابن إسحاق: حدثني يزيد2 بن رومان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث إلى بني المصطلق بعد إسلامهم الوليد3 بن عقبة أبي معيط، فلمَّا سمعوا به، ركبوا إليه، فلما سمع بهم هابهم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن القوم قد همّوا بقتله، ومنعوه ما قبلهم من صدقتهم، فأكثر المسلمون في ذكر غزوهم حتى همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يغزوهم، فبينا هم على ذلك، قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لنكرمه، ونؤدي ما قبلنا من الصدقة، فانشمر راجعًا، فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خرجنا إليه لنقتله، ووالله ما جئنا لذلك، فأنزل الله تعالى فيه وفيهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} ، [سورة الحجرات، من الآيات: 6-8] ، إلى آخر الآية4.
والحديث مرسل.
وأورده الطبري من هذه الطريق في تفسيره5.
1 تقدم الحديث، ص 123.
2 يزيد بن رومان المدني، مولى آل الزبير، ثقة، من الخامسة، (ت130) ، وروايته عن أبي هريرة مرسلة. ع، التقريب 2/364.
3 الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية القرشي، الأموي، أخو عثمان بن عفان لأمه، له صحبة، وعاش إلى خلافة معاوية، د. المصدر السابق 2/334.
4 سيرة ابن هشام 2/296.
5 26/124-125.
كما أورده أيضاً من طرق أخرى غير طريق ابن إسحاق، منها:
1-
من حديث أم سلمة، وهذا نصه: حدثنا أبو كريب1 قال: ثنا جعفر بن عون2 عن موسى3 بن عبيدة، عن ثابت4 مولى أم سلمة، عن أم سلمة5 قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في صدقات بني المصطلق، بعد الوقعة، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظّمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، قال فبلغ القوم رجوعه، قال: فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر، فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلاً مصدقاً، فسررنا بذلك، وقرّت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق، فخشينا أن يكون غضباً من الله ورسوله، فلم يزالوا يكلّمونه حتى جاء بلال، وأذّن العصر، قال: ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ، [سورة الحجرات، الآية: 6]6.
2-
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهذا نصه:
1 هو محمد بن العلاء بن كريب مصغراً، الهمداني، الكوفي، ثقة حافظ، مشهور بكنيته من العاشرة، (ت147 هـ)، ع: التقريب 2/197.
2 جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث، بمهملتين، ثم تحتانية بعدها مثلثة. مصغراً، المخزومي، صدوق، من التاسعة، (ت206) وقيل: 207، ع: المصدر السابق 1/131.
3 موسى بن عبيدة. مصغراً، ابن نشيط: بفتح النون وكسر المعجمة، بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة، الربذي: بفتح الراء والموحّدة، ثم معجمة، أبو عبد العزيز، ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابداً، من صغار السادسة، (ت 153 هـ) تق: المصدر السابق 2/286.
4 ثابت مولى أم سلمة: روى عن أم سلمة، وعنه موعس بن عبيدة الربذي. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1/461.
5 أم سلمة، هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن المغيرة بن المخزوم المخزومية أم المؤمنين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أبي سلمة سنة أربع وقيل سنة ثلاث من الهجرة، وعاشت بعد ذلك ستين سنة. (ت 62 هـ) على الأصح/ ع: التقريب 2/61.
6 تفسير الطبري 26/123.
حدثني محمد1 بن سعد، قال: ثني أبي2، قال: ثني عمي3 قال: ثني أبي4، عن أبيه5، عن ابن عباس: في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ، [سورة الحجرات، الآية: 6] .
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ثم أحد بني عمرو بن أمية، ثم أحد بني معيط إلى بني المصطلق، ليأخذ منهم الصدقات، وأنه أتاهم الخبر فرحوا، وخرجوا ليتلقّوا رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه، رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة. الحديث6
…
3-
من مرسل ابن أبي ليلى، هذا لفظه:
حدثنا محمد7 بن بشار، قال ثنا عبد الرحمن8، قال: ثنا سفيان9 عن
1 هو ابن عطية العوفي. ميزان الاعتدال 3/560.
2 هو سعد بن محمد بن الحسن بن عطية. لسان الميزان لابن حجر 3/18.
3 هو الحسين بن الحسن بن عطية. ميزان الاعتدال 1/532.
4 هو الحسن بن عطية. المصدر السابق 1/503. والتقريب 1/168.
5 هو عطية بن سعد بن جنادة العوفي، المصدريين السابقين 3/79و2/24. وانظر الحديث في السنن الكبرى للبيهقي 9/54، ولم أترجم لهؤلاء لأن كل واحد منهم لا يخلو عن ضعف وإنما عرفت بهم لأنهم وردوا في السند مثل الرموز فذكرت ذلك توضيحاً لهم.
6 تفسير الطبري 26/123-124.
7 محمد بن بشار بن عثمان العبدي، البصري، أبو بكر، بندار: بضم الموحدة وسكون النون. ثقة، من العاشرة، (252هـ ع: التقريب 2/147.
8 عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري، مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة، ثبت حافظ، عارف بالرجال والحديث. قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه. من التاسعة، (ت 198هـ، ع: المصدر السابق 1/499.
9 سفيان هنا: هو ابن عينية لأن هلالا الوزان لم يذكر في تلاميذه غير ابن عينية (انظر: تهذيب التهذيب 11/77، والتاريخ الكبير للبخاري 8/207، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/75) .
هلال الوزان1 عن ابن أبي ليلى2، في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة الحجرات، الآية: 6] . قال: نزلت في الوليد ابن عقبة بن أبي معيط3.
4-
من مرسل قتادة، ولفظه:
حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، في قوله، تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ، [سورة الحجرات، الآية: 6] . قال: هو ابن أبي معيط الوليد ابن عقبة، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدّقاً إلى بني المصطلق، فلما أبصروه أقبلوا نحوه، فهابهم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام. الحديث4. وقد تقدّم5.
الحكم على هذه الأحاديث:
هذه الأحاديث الواردة في إرسال الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق مصدقاً، ونزول الآية المذكورة من سورة الحجرات، لا يخلو كل حديث منها عن ضعف وذلك لما يأتي:
أ- حديث أم سلمة فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، وفيه ثابت مولى أم سلمة وهو مجهول، لأنني لم أجد من ترجم له غير
1 هلال بن أبي حميد أو ابن مقلاص: بكسر الميم وسكون القاف. أو ابن عبد الله الجهني، مولاهم، أبو الجهم، ويقال غير ذلك في اسم أبيه، وفي كنيته، الصيرفي الوزان الكوفي، ثقة، من السادسة، / خ، م،د، ت،س. التقريب 2/323.
2 هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، المدني، ثم الكوفي، ثقة، من الثانية. اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم، سنة 86هـ/ع. المصدر السابق 1/496. وكانت وقعة الجماجم بين ابن الأشعث ومعه أهل العراق، وبين الحجاج ومعه أهل الشام، وكانت في عهد عبد الملك بن مروان، وكانت سنة 82هـ، ودامت أكثر من سنة. البداية والنهاية 9/40.
3 تفسير الطبري 26/123-124.
4 وذكر ابن سعد أنه بعد أن قدم وفد بني المصطلق ونزلت الآية بتكذيب الوليد، وتصديقهم، يعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، معهم عباد بن بشر، يأخذ صدقاتهم، ويعلّمهم شرائع الإسلام، فأقام عندهم عشراً، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، راضياً. انظر طبقات ابن سعد 2/161-162.
5 تقدم الحديث مع تراجم رجاله، ص 128.
ابن أبي حاتم، ولم يزد في ترجمته على قوله: روى عن أم سلمة وروى عنه موسى بن عبيدة الربذي.
ب- وحديث ابن عباس مسلسل بالضعفاء.
ج- والأحاديث الباقية مراسيل، وعلى هذا فهذه الأحاديث لا يسلم واحد منها عن قدح، غير أن اختلاف مخرج المرسل يدل على أن للحديث أصلاً، فإذا انضم بعضها إلى بعض تقّوت وارتقت إلى درجة الحسن لغيره.
وقد أشار إلى هذه القاعدة ابن الصلاح في مقدمته بقوله:
ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف، إلا أن يصح مخرجه من وجه آخر1.
وهنا قد وجد هذا الشرط الذي أوضحه ابن الصلاح، إذ أن ابن إسحاق أورده من مرسل يزيد بن رومان. وأورده ابن جرير الطبري من مرسل ابن أبي ليلى، وقتادة ومجاهد2.
وقال ابن كثير: "ذكر غير واحد من السلف منهم ابن أبي ليلى ويزيد بن رومان والضّحاك3 ومقاتل4 بن حيان وغيرهم، في هذه الآية، أنها نزلت في الوليد ابن عقبة"5.
فهذا الحديث قد ورد من ثلاثة طرق مرفوعة، وهي حديث أحمد في قدوم الحارث ابن أبي ضرار المدينة، وإسلامه، وحديث أم سلمة وابن عباس.
1 مقدّمة ابن صلاح، ص 73. مع (التقييد والإيضاح) .
2 تفسير الطبري 26/123-125.
3 الضّحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم، أبو محمد الخراساني، صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، (ت بعد المائة) / عم التقريب 1/373.
4 مقاتل بن حيان النبطي، بفتح النون الموحدة، أبو سطام، الخزاز منقوطتين، صدوق فاضل، من السادسة / م عم التقريب 2/272.
5 تفسير ابن كثير 4/208-210.