الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{أَوْ إِخْوَانَهُم} في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ، {أَوْ عَشِيْرَتَهُم} في عمر بن الخطاب قتل قريبا له يومئذ.
وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا: عقبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ وهو من عشيرتهم"1.
1 تفسير ابن كثير 4/ 329.
المبحث السادس: هبوب العاصفة في طريق العودة من المريسيع
ذكر ابن إسحاق في حديثه الطويل الذي يرويه عن مشايخه: عاصم ابن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة بني المصطلق سلك بالناس طريق الحجاز، حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع1 يقال له: نقعاء، فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تخافوها فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار"، فلما قدموا المدينة، وجدوا رفاعة بن زيد ابن التابوت أحد بني قينقاع، وكان عظيما من عظماء يهود، وكهفا للمنافقين، مات في ذلك اليوم، الحديث2
…
والحديث عند ابن جرير الطبري من هذه الطريق3. وكذا أورده ابن كثير من هذه الطريق أيضا، وزاد: وهكذا ذكر موسى بن عقبة والواقدي، ثم قال:
1 النقيع من ديار مزينة، وكان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، ونقعاء: موضع فوق النقيع، وبين النقيع والمدينة عشرون فرسخا، معجم البلدان لياقوت 5/ 299 و301. قلت: وهو يقدر ب 100 كيلومتر لأن الفرسخ يعادل خمس كيلوات. انظر نسب حرب ص 389.
2 سيرة ابن هشام 2/ 292.
3 تفسير الطبري 28/ 115- 116، وتاريخه 2/ 604- 607.
وروى مسلم من طريق الأعمش عن أبي سفيان1 عن جابر، نحو هذه القصة، إلا أنه لم يسم الذي مات من المنافقين، قال: هبت ريح شديدة، والنبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال:"هذه لموت منافق"، فلما قدمنا المدينة إذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين. انتهى2.
قلت: حديث مسلم المشار إليه هو: حدثني أبو كريب3 محمد بن العلاء حدثنا حفص4 (يعني بن غياث) عن الأعمش5، عن أبي سفيان، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بعثت هذه الريح لموت منافق"، فلما قدم المدينة، فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات6.
وأورده عبد بن حميد من هذه الطريق وسمى المنافق رافع بن التابوت وهذا نصه: حدثنا إبراهيم7 بن الأشعث، ثنا فضيل8 بن عياض عن سليمان9، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه "كنا مع النبي صلى الله
1 أبو سفيان: هو طلحة بن نافع، أبو سفيان الإسكاف، نزيل مكة، صدوق من الرابعة /ع. تقريب التذيب 1/ 380.
2 البداية والنهاية 4/ 158.
3 تقدمت ترجمته.
4 حفص بن غياث بمعجمة مكسورة، وياء ومثلثة، ابن طلق بن معاوية النغعي، أبو عمر الكوفي، القاضي، ثقة فقيه، تغير حفظه قليلا في الآخر، من الثامنة، (ت194) / ع. التقريب 1/ 189.
5 سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، أبو محمد الكوفي، الأعمش، ثقة حافظ، عارف بالقراءة ورع، لكنه يدلس، من الخامسة، (ت147أو148) /ع. المصدر السابق1/ 331.
6 مسلم 8/ 124، كتاب صفة المنافقين.
7 إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل، وثقه ابن حبان، والحاكم وضعفه أبو حاتم: لسان الميزان 1/ 36.
8 فضيل بن عياض بن مسعود أبو علي الزاهد المشهور، أصله من خراسان وسكن مكة ثقة، عابد إمام ن من الثامنة، (ت187) وقيل قبلها/ خ م د ت س. المصدر السابق 2/ 113.
9 سليمان: هو الأعمش.
عليه وسلم في سفر، فهاجت ريح تكاد تدفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هبت هذه الريح لموت منافق"، فلما رجعنا إلى المدينة وجدنا مات في ذلك اليوم منافق عظيم النفاق، فسمعت بعد يقولون هو رافع بن التابوت1.
وأورده أحمد من ثلاث طرق:
1-
من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
2 و 3- ومن طريق ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، وبين في طريق ابن لهيعة جهة السفر الذي عصفت فيه الريح.
وهذا نص الحديث: حدثنا حسن2، ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الزبير، عن جابر أنهم غزوا فيما بين مكة والمدينة، فهاجت عليهم ريح شديدة حتى دفعت الرجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا لموت المنافق"، فرجعنا إلى المدينة فوجدنا منافقا عظيم النفاق قد مات3.
وأورده الواقدي من ثلاث طرق أيضاً:
أ- من طريق جابر بن عبد الله وهذا نصه: حدثني خارجة بن الحارث، عن عباس4 بن سهل، عن جابر بن عبد الله قال: كانت الريح يومئذ أشد ما كانت قط، إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار، قال جابر: فسألت حين قدمت قبل أن أدخل بيتي، من مات؟ فقالوا: زيد بن رفاعة بن التابوت.
وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدو الله فسكنت الريح5.
1 مسند عبد بن حميد 2/ 135 ق. أ.
2 الحسن بن موسى الأشيب بمعجمة، ثم تحتانية أبو علي البغدادي، قاضي الموصل وغيرها، ثقة من التاسعة، (ت209) /ع. التقريب 1/ 171.
3 مسند أحمد 3/ 315 و 341 و 346.
4 عباس بن سهل بن سعد الساعدي، ثقة، من الرابعة، (ت120) ، وقيل قبل ذلك / خ م د ت ق. التقريب 1/ 397.
5 مغازي الواقدي 2/ 423.
ب- من حديث رافع بن خديج: حدثني عبيد الله1 بن الهرير عن أبيه2، عن رافع بن خديج، قال: لما رجعنا من المريسيع قبل الزوال كان الجهد بيننا يومنا وليلتنا الحديث طويل وفيه "ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس مبرداً، فنزل من الغد ماء يقال له نقعاء فوق النقيع، وسرح الناس ظهرهم، فأخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخافوا أن يكون عيينة بن حصن خالف إلى المدينة، وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا من حدث وإنما بالمدينة الذراري والصبيان، وكانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عيينة بن حصن مدة، فكان ذلك حين انقضائها، فدخلهم أشد الخوف، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفهم، فقال: "ليس عليكم بأس منها، ما بالمدينة من نقب 3 إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها، ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح، وكان موته للمنافقين غيظا شديدا"، وهو زيد بن رفاعة بن التابوت، مات ذلك اليوم4.
ج- ومن حديث عبادة بن الصامت: حدثني عبد الحميد5 بن جعفر
1 عبيد الله بن الهرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج الأنصاري، الحارثي، المدني، مستور، من السابعة، /د. التقريب 1/ 540.وفي تهذيب التهذيب 7/ 54 روى عن أبيه وعمرو بن عبيد الله بن حنظلة، وعنه ابن أبي فديك والواقدي، قال البخاري: حديثه ليس بالمشهور، وذكره ابن حبان في الثقات. وفي ميزان الاعتدال: 3/ 16- 17، ما رأيت من وثقه.
2 هرير مصغرا ابن عبد الرحمن بن رافع بن خديج الأنصاري المدني، مقبول من الخامسة، /د. المصدر السابق 2/ 317، وفي تهذيب التهذيب 11/ 29، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال الأزدي يتكلمون في حديثه.
3 النقب: الطريق بين جبلين. غريب الحديث لابن الأثير 5/ 102.
4 مغازي الواقدي 2/ 422.
5 عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري، صدوق رمي بالقدر، وربما وهم، من السادسة، (ت153) ، /خت م عم. التقريب 1/ 467.
عن أبيه1 قال: قال عبادة بن الصامت2 يومئذ لابن أبي: "أبا حباب3، مات خليلك! ". قال: "أي أخلائي؟ "
قال: "من موته فتح للإسلام وأهله"، قال:"من؟ " قال: "زيد بن رفاعة ابن التابوت".
قال: "يا ويلاه، كان والله وكان! " فجعل يذكر4، فقلت:"اعتصمت بالذنب الأبتر"5، قال:"من أخبرك يا أبا الوليد بموته؟ " قلت: "رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا الساعة أنه مات هذه الساعة"، قال:"فأسقط في يديه وانصرف كئيبا حزينا"، قالوا:"وسكنت الريح آخر النهار، فجمع الناس ظهورهم"6.
مناقشة الأحاديث:
حديث ابن إسحاق مرسل ورجاله ثقات.
1 هو جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري والد عبد الحميد، ثقة، من الثالثة/ بخ م عم. التقريب 1/ 131.
2 عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري، الخزرجي أبو الوليد المدني، أحد النقباء، بدري مشهور، مات بالرملة سنة 34 وله 72 سنة، وقيل عاش إلى خلافة معاوية /ع. المصدر السابق 1/ 395.
3 أبو حباب: كنية عبد الله بن أبي ابن سلول، بابنه عبد الله بن عبد الله، كان اسمه حبابا فكان يكتني به، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وكان من خيرة الصحابة، انظر الاستعياب لابن عبد البر 2/ 335، والإصابة لابن حجر 2/ 335- 336.
وأسد الغابة لابن الأثير 3/ 296، وقد ورد النهي عن تسمية حباب، فروى ابن سعد بسند مرسل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، وكان اسمه حبابا، فقال:"أنت عبد الله، فإن حبابا اسم شيطان"، وأورد أيضا من مرسل عروة بن الزبير وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعامر الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الحباب: شيطان"، انظر طبقات ابن سعد 3/ 541، والبداية والنهاية لابن كثير 6/338.
4 أي يعدد محاسنه.
5 الأبتر: المقطوع، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/ 93.
6 مغازي الواقدي 2/ 423.
وحديث مسلم وعبد بن حميد فيهما الأعمش وأبو سفيان، والأعمش مدلس وقد عنعن1، وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الثانية من طبقات المدلسين وهي المرتبة التي احتمل الأئمة تدليسهم.
وهذا نص كلامه: "الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة"2.
وقال النووي في تقريبه: "وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى"3.
وأما أبو سفيان: "فقال أبو خيثمة4 عن ابن عيينة ووكيع عن شعبة: حديث أبي سفيان عن جابر إنما هي صحيفة"، وقال أبو حاتم5:"عن شعبة أيضان لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث، وكذا قال علي ابن المديني".
قال ابن حجر: "ولم يخرج البخاري له سوى أربعة أحاديث عن جابر وأظنها التي عناها شيخه علي ابن المديني. منها حديثان في الأشربة والثالث في الفضائل حديث اهتز العرش - يعني لموت سعد بن معاذ - مقرونا بأبي صالح6، والرابع في تفسير سورة الجمعة قرنه
1 وقد صرّح الأعمش بالتحديث عند أبي يعلى 2/234. وهذا نصّ الحديث: ثنا ابن نمير - محمّد بن عبد الله - ثنا محاضر - ابن مورع - ثنا الأعمش، ثنا أبو سفيان عن جابر، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فهاجت ريح تكاد تدفن الراكب. ثم ساق الحديث كسياق مسلم.
2 طبقات المدلسين لابن حجر ص (23) .
3 تقريب النووي ص 14 (تدريب الراوي) انظر فتح المغيث للسخاوي1/ 176.
4 هو زهير بن حرب بن شداد، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، ثقة ثبت من العاشرة، (ت234) / خ م د س ق. التقريب 1/ 264.
5 أبو حاتم: هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي أحد الأئمة الأعلام (ت277) ، ومقدمة علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 8.
6 هو ذكوان السمان.
بسالم بن أبي الجعد". انتهى كلام ابن حجر1.
وعلى هذا فرواية أبي سفيان عن جابر بطريق الوجادة، وهي مختلف في الاحتجاج بها لأنها من قبيل المنقطع2.
ولكن قد تابعه أبو الزبير في جابر بن عبد الله وصرح بإخبار جابر له عند أحمد في مسنده3.
وبهذا يكون الحديث قد ورد مرسلا عند ابن إسحاق ورجاله ثقات ووصله مسلم وأحمد وعبد بن حميد والواقدي. فيكون حديث ابن إسحاق عندئذ حسنا لغيره.
1 تهذيب التهذيب 5/ 27، وانظر الأحاديث الأربعة في البخاري 5/ 30، كتاب الفضائل (باب مناقب سعد بن معاذ) و6/ 126 كتاب التفسير و7/ 94، كتاب الأشربة باب شرب اللبن.
2 انظر تقريب النووي 281- 284 (تدريب الراوي) .
3 مسند الإمام أحمد 3/ 346.