الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كغيره من بني الإنسان، وأنه لا يعلم الغيب وإنما الغيب لله وحده، إذ لو كان يعلم الغيب لجزم ببراءة ساحة أهله وكذب المفترين لأول وهلة، وأراح نفسه، وأراح غيره.
ولكنه مكث أكثر من شهر في قلق دائم والناس يموجون ويخوضون في ذلك، وهو لا يزيد على أن يشاور أصحابه وأتباعه في شأن أهله، ويطلب من ينجده بإيقاف هذا الحادث الأليم، ثم في آخر المطاف يذهب إلى زوجه يقول لها:"يا عائشة لقد سمعت ما يقول الناس، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده".
لقد كان هذا كله حاسما لما يخشى أن يقع فيه بعض المسلمين فيرفعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق منزلته التي أنزله الله إياها ويدعون له ما لم يدعه لنفسه، فكانت هذه الواقعة واضحة الدلالة على مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم غيره في البشرية، وأنه لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه. وقد أوضح ذلك في قوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} ، [سورة الجن، الآيتان: 27] .
وقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ، [سورة الكهف، من الآية: 110] .
وقوله: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، [سورة الأعراف الآية: 188] .
المبحث الرابع: الوحي بيد الله يوحيه إلى رسوله متى شاء
إن قصة الإفك كان من نتائجها البيان القاطع بأن الوحي ليس خاضعا لأمنية الرسول صلى الله عليه وسلم وإرادته، إذ لو كان لأمر كذلك، لكان من
السهل عليه أن ينهي هذه المشكلة منذ نشأتها وطفولتها، ويريح نفسه من ويلايتها ونتائجها. وذلك بأن يأتي بقرآن يبرئ به أهله ويطمئن به أصحابه، ويسكت به أهل القيل والقال، لأنه كان يعلم من أهله الاستقامة والبعد عن هذه الجريمة الشنعاء ولكنه لم يفعل ذلك لأنه لا يملكه وإنما الوحي بيد الله وحده. وقد نفى الله عنه ذلك في أحد مواقفه مع المشركين.
وظل شهرا كاملا يحمل بين جنبيه الألم الشديد، من جراء هذه الكارثة الفادحة ويصبر نفسه على ذلك ويطلب الفرج من الله عز وجل.
وكان من تمام الحكمة الإلهية أن تأخر عنه الوحي هذه المدة كلها ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
وقد عالج ابن القيم هذه القضية معالجة طيبة. وفيما يأتي بعض مما أورده في هذا المقام.
قال: "واقتضى تمام الامتحان والابتلاء أن حبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، لا يوحى إليه في ذلك شيء، وذلك لتتم حكمته التي قدرها وقضاها وتظهر على أكمل الوجوه، ويزداد المؤنون الصادقون إيمانا وثباتا على العدل والصدق، وحسن الظن بالله ورسوله وأهل بيته، والصديقين من عباده.
1 سورة يونس، الآية:15.
2 سورة الحاقة، الآيات: 44-47.
وفي هذه الآيات رد على الملحدين في كل زمان ومكان الذين يقولون بأن القرآن من كلام ((محمد)) وبأنه قصص وأساطير الأولين، وقد قص الله ذلك بقوله {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء الله لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين} سورة الأنفال: آية 31.