الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما ورد من خمس طرق مرسلة. ولذلك قال الشوكاني: بعد إيراده حديث أحمد في قدوم الحارث المدينة، "قال ابن كثير: هذا من أحسن ما روي في سبب نزول هذه الآية". ثم قال الشوكاني: "وقد رويت روايات كثيرة متفقة على أن سبب نزول هذه الآية. الوليد بن عقبة، وأنه المراد بها، وإن اختلفت القصص"1 قلت: ويؤيد ما تقدّم، ما ذكر ابن عبد البر من اتفاق العلماء بالتأويل على أن هذه الآية نزلت في الوليد2.
وبهذا نكون قد انتهينا إلى أن الحديث لا يقل عن درجة الحسن لغيره.
1 فتح القدير 5/60-62.
2 انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 3/632. (مع الإصابة) وأسد الغابة 5/451 لابن الأثير. وتهذيب التهذيب 11/143. والإصابة لابن حجر 3/637، وأضواء البيان لمحمد الأمين الشنقطي 7/626. وروائع البيان، تفسير آيات الأحكام للصابوني 2/475-476.
المبحث السابع: التحقيق في عمر الوليد بن عقبة عام الفتح
اتفق الذين ترجموا له أنه أسلم عام فتح مكة، وأنه خرج زمن هدنة الحديبية مع أخيه1 ليردّا أختهما أم كلثوم بنت عقبة لما خرجت مهاجرة إلى المدينة، وكان من الشروط التي وافق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من جاء منهم إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم يردّه عليهم، حتى نزلت الآية2 التي أخرجت النساء من هذا الشرط3.
1 هو عمارة بن عقبة بن أبي معيط القرشي الأموي، قال ابن عبد البركان عمارة وأخوه الوليد وخالد من مسلمة الفتح. انظر الاستيعاب 3/21. وأسد الغابة 4/142. والإصابة 2/516.
2 هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} ، [سورة الممتحنة، من الآية: 10] .
3 الاستيعاب 3/631، وأسد الغابة 5/451، وتهذيب التهذيب 11/142، 144/ والإصابة 3/637.
وانظر ترجمة أم كلثوم، المصادر السابقة 4/488، و7/386، 4/491، و12/476، وسيرة ابن هشام 2/352، وطبقات ابن سعد 8/230.
قلت: هذا يرد قول من قال: بأن الوليد بن عقبة كان زمن فتح مكة صبياً مخلقاً1 وأنه جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ليمسح رأسه ويدعو له كما فعل بغيره من الصبيان، فامتنع بسبب الخلوق الذي خلقته أمه به، وعمدتهم في ذلك هو: ما رواه أبو داود: حدثنا أيوب2 بن محمد الرقي، ثنا عمر3 بن أيوب بن جعفر4 بن برقان، عن ثابت5 بن الحجاج، عن عبد الله6 الهمداني، عن الوليد بن عقبة قال: لما فتح نبي الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم البركة، ويمسح رؤوسهم، قال: فجيء بي إليه، وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق7.
ورواه أحمد من طريق فياض8 بن محمد الرقي عن جعفر بن برقان به9.
1 الخلوق: طيب معروف مركب يتخذ من الزعفان وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة. النهاية لابن الأثير 2/71.
2 أيوب بن محمد بن زياد الوزان، أبو محمد الرقي بفتح الراء وتشديد القاف، نسبة إلى رقة بلد بالشام. مولى ابن عباس، ثقة من العاشرة، (ت 249) دسق. التقريب1/19.
3 عمر بن أيوب العبدي الموصلي، صدوق له أوهام، من التاسعة، (ت 188) م، د،س، ق. المصدر السابق 2/52.
4 جعفر بن برقان بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف. الكلابي: بكسر الكاف، بعدها لام ممدودة خفيفة آخرها موحدة مكسورة، أبو عبد الله الرقي، صدوق يهم، في حديث الزهري من السابعة (ت150) وقيل بعدها/بخ م عم المصدر السابق1/129.
5 ثابت بن الحجاج، الكلابي، الرقي، ثقة، من الثّالثة / د. المصدر السابق 1/115.
6 عبد الله الهمداني بسكون الميم والدال المهملة، أبو موسى، مجهول، وخبره منكر، قاله ابن عبد البر من الرابعة/د. المصدر السابق1/463.وفي لسان الميزان 7/112، أبو موسى الهمداني، عن الوليد بن عقبة بن معيط، وعنه ثابت بن الحجاج، قال البخاري في التاريخ الأوسط: اسمه عبد الله لا يعرف ولا يتابع عليه.
7 سنن أبي داود 2/399. (كتاب الترجّل) باب في الخلوق للرجل.
8 فياض بن محمد بن سنان الرقي، أبو محمد محله الصدق، قاله الحسيني، وقال في الإكمال: ليس به بأس، وذكره ابن أبي حاتم وابن خلقون في الثقات. تعجيل المنفعة لابن حجر، ص 221.
9 مسند أحمد 4/32.
وأخرجه البيهقي من طريق أحمد ومن طريق يونس بن بكير، عن جعفر بن برقان به1.
فالحديث بجميع طرقه يدور على عبد الله الهمداني وقد قال فيه ابن عبد البر: "هذا الحديث رواه جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج عن أبي موسى الهمداني، ويقال الهمداني، ذكره البخاري على الشك، عن الوليد بن عقبة، وقالوا: أبو موسى هذا مجهول، والحديث منكر مضطرب، لا يصح، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صبياً يوم الفتح، ويدل أيضاً على فساد ما رواه أبو موسى المجهول، أن الزبير2 وغيره من أهل مكة بالسير والخبر ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة، وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة، وقد ذكرنا الخبر في ذلك باب أم كلثوم، ومن كان غلاماً مخلقاً يوم الفتح، ليس يجيء منه مثل هذا، وذلك واضح"3.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله4 الحافظ، ثنا أبو العباس5، ثنا أحمد بن عبد الجبّار6، ثنا يونس7 عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري8 وعبد الله9 بن أبي بكر قالا: هاجرت أم كلثوم بنت
1 السنن الكبرى 9/55.
2 الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، القرشي، الأسدي، أبو عبد الله الزبيري، عالم، نسابه، أخباري، من أهل المدينة، ولي القضاء مكة، وقدم بغداد، وحدث بها، ولد سنة (172هـ) ، وتوفي بمكة سنة (256هـ) من تصانيفه الكثيرة، أنساب قريش وأخبارها. وأخبار العرب وأيامها
…
الخ انظر معجم المؤلفين لكحالة 4/180.
3 الاستيعاب لابن عبد البر 3/631 و 4/488. (مع الإصابة) وسيرة ابن هشام 2/325. والإصابة 4/491.
4 هو الحاكم صاحب المستدرك.
5 هو الأصم محمد بن يعقوب.
6 هو العطاردي.
7 هو ابن بكير بن واصل الشيباني.
8 هو ابن شهاب محمد بن مسلم.
9 هو ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري.
عقبة بن أبي معيط إلى رسول صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فجاء أخواها الوليد وفلان ابنا عقبة إلى رسول صلى الله عليه وسلم يطلبانها، فأبى أن يردّها عليهما1.
قلت: الحديث مرسل، لأن الزهري وعبد الله بن أبي بكر، لم يحضرا القصة ولكن يشهد له الحديث عند البخاري غير أنه قال: وجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم.
وهذا نصه: حدثنا يحي2 بن بكير حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان3 والمسور4 بن مخرمة رضي الله عنهما يخبران عن أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم قال: "لما كاتب سهيل بن عمرو ويومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم، أن لا يأتيك منا أحد - وإن كان على دينك - إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه. فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا5 منه وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرّد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأته أحمد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً.
وجاءت المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول صلى الله عليه وسلم يومئذ - وهي عاتق6 - فجاء أهلها
1 السنن الكبرى للبيهقي 9/229. وانظر طبقات بن سعد 8/231.
2 هو عبد الله المخزومي مولاهم، ثقة في الليث. / خ، م،ق. من كبار العاشرة، (231) التقريب 2/351.
3 هو ابن الحكم بن أبي العاص الأموي، لا يثبت له صحبة، من الثانية، /خ عم. مصدر السابق 2/238.
4 ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، له، وله ولأبيه صحبة. (ت: 64) ، ع. المصدر السابق 2/249.
5 امتعضوا منه: أي شق عليهم ذلك وعظم، انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/342.
6 العاتق: هي الشابة أول ما تدرك، وقيل: هي التي لم تبن من والديها ولم تزوج، وقد أدركت وشبّت، وتجمّع العتق والعواتق. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/178-179.
يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم، لما أنزل الله فيهن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} ،1- إلى قوله - {وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 2.
قال ابن حجر: "هذا الحديث من مسند من لم يسم من الصحابة، ولم يصب من أخرجه من أطراف في مسند المسور أو مروان، لأن مروان لا يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحبة، وأما المسور فصح سماعه منه صلى الله عليه وسلم، لكنه، إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة قبل ذلك بسنتين"3.
قلت: لا يضر هنا الإبهام ولا الإرسال لأننا عرفنا أن المبهم أو المحذوف صحابي قطعاً. والصحابة كلهم عدول.
والخلاصة في هذا أن الراجح في إسلام الوليد أنه يوم فتح مكة وأنه كان قد ناهز الاحتلام كما قال ابن عبد البر، وأما الحديث الذي فيه أن الوليد كان يوم فتح مكة طفلاً مخلقاً وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من المسح على رأسه لوجود الخلوق فهو حديث ضعيف لا يعول عليه. لأن الذي يخرج في زمن هدنة الحديبية يرد أخته وكان ذلك في السنة السادسة، فلا يمكن أن يكون في فتح مكة طفلاً مخلقاً.
وقال ابن حجر: ومما يؤيد أنه كان في الفتح رجلاً أنه قدم في فداء ابن عم أبيه الحارث بن أبي وجزة بن أبي عمرو بن أمية، وكان أسر يوم بدر فافتداه بأربعة آلاف. حكاه أصحاب المغازي4. مع أنه يمكن أن يكون الخلوق
1 من سورة الممتحنة آية: 10، وهي:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ، [سورة الممتحنة، الآية: 10] .
2 صحيح البخاري 3/165، كتاب الشروط (باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة) . وانظر تفسير ابن كثير 4/350.
3 فتح الباري، 5/313.
4 الإصابة 3/638.