الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْفَرَائِضِ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
أَيْ: مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ: أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغُلِّبَتْ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مَسَائِلَ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ - كَمَا قَدَّرَتْهُ - الصَّادِقَةَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ إرَادَةً لِلتَّغْلِيبِ، وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ. قَالَ تَعَالَى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ قَدَّرْتُمْ، وَأَتَى بِمَعْنَى الْقَطْعِ. قَالَ تَعَالَى:{نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] أَيْ مَقْطُوعًا مَحْدُودًا، وَبِمَعْنَى الْإِنْزَالِ. قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] أَيْ أَنْزَلَهُ، وَبِمَعْنَى التَّبْيِينِ. قَالَ تَعَالَى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ بَيَّنَ، وَبِمَعْنَى الْإِحْلَالِ. قَالَ تَعَالَى:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38] أَيْ أَحَلَّ، وَبِمَعْنَى الْعَطَاءِ: تَقُولُ الْعَرَبُ: لَا أَصَبْت مِنْهُ فَرْضًا وَلَا قَرْضًا.
وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي السِّتَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ وَالْمَقَادِيرِ الْمُقْتَطَعَةِ وَالْعَطَاءِ الْمُجَرَّدِ، وَتَبْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ، وَإِحْلَالِهِ وَإِنْزَالِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ. وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ.
وَالْأَصْلُ فِي الْفَرَائِضِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ " ذَكَرٍ " بَعْدَ رَجُلٍ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
مُقَابِلٌ لِلصَّبِيِّ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْأُنْثَى.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ رَجُلٍ كَفَى، فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ رَجُلٍ مَعَهُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوَارِيثُ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ، وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ حَظَّ الزَّوْجَةِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ سَنَةً وَيُوَرِّثُونَ الْأَخَ زَوْجَةَ أَخِيهِ وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ فَيَقُولُ: ذِمَّتِي ذِمَّتُكَ تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ ثُمَّ نُسِخَ فَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ، وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ آيَةِ الشِّتَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ، وَآيَةِ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِهَا، فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَاشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهَا، وَتَعَلُّمِهَا مِنْهَا «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَعَلِّمُوهُ أَيْ: عِلْمَ الْفَرَائِضِ، وَرُوِيَ وَعَلِّمُوهَا - أَيْ الْفَرَائِضَ - النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
وَمِنْهَا «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا حَثَّهُمْ عَلَى تَعَلُّمِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا التَّوَارُثِ أَيْ: وَهُوَ التَّوَارُثُ الْمُتَقَدِّمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ» عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحْسَنُهَا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ، فَإِنَّ حَالَ النَّاسِ اثْنَانِ حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْوَفَاةِ، وَسَائِرُ الْعُلُومِ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ. وَقِيلَ: النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ
…
وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
وَقِيلَ: إنَّ الْعِلْمَ يُسْتَفَادُ بِالنَّصِّ تَارَةً وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّصِّ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا تَحَدَّثْتُمْ فَتَحَدَّثُوا فِي الْفَرَائِضِ وَإِذَا لَهَوْتُمْ فَالْهُوا فِي الرَّمْيِ، وَاشْتَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِعِلْمِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةٌ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ هَؤُلَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَافَقَتْهُمْ الْأُمَّةُ وَمَا اخْتَلَفُوا إلَّا وَقَعُوا فُرَادَى ثَلَاثَةٌ فِي جَانِبٍ، وَوَاحِدٌ فِي جَانِبٍ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَذْهَبَ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» .
وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُهْجَرْ لَهُ قَوْلٌ بَلْ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ مَعْمُولٌ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى اخْتِيَارِهِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَدِلَّتِهِ فَوَجَدَهَا مُسْتَقِيمَةً فَعَمِلَ بِهَا لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَذَكَرْتُ فِي شَرْحِ النَّبِيهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي اسْمِ زَيْدٍ أُصُولُ الْفَرَائِضِ، وَغَالِبُ قَوَاعِدِهَا، وَعَرَّفَ
يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي،
ــ
[مغني المحتاج]
بَعْضُهُمْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ بِأَنَّهُ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ الْمُوَصِّلِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّرِكَةِ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ، فَخَرَجَ بِالْإِرْثِ الْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالصَّلَاةِ مَثَلًا فَلَا يُسَمَّى عِلْمَ الْفَرَائِضِ، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ يَحْتَاجُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ إلَى ثَلَاثَةِ عُلُومٍ:
عِلْمِ الْفَتْوَى بِأَنْ يُعْلَمَ نَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَعِلْمِ النَّسَبِ بِأَنْ يُعْلَمَ الْوَارِثُ مِنْ الْمَيِّتِ بِالنَّسَبِ وَكَيْفِيَّةِ انْتِسَابِهِ لِلْمَيِّتِ، وَعِلْمِ الْحِسَابِ بِأَنْ يُعْلَمَ مِنْ أَيِّ حِسَابٍ تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ، وَحَقِيقَةُ مُطْلَقِ الْحِسَابِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي عَدَدٍ لِاسْتِخْرَاجِ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ.
(يُبْدَأُ) وُجُوبًا (مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) وَهِيَ مَا يُخَلِّفُهُ فَتَصْدُقُ بِمَا تَرَكَهُ مِنْ خَمْرٍ صَارَ خَلًّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ شَبَكَةٍ نَصَبَهَا فَوَقَعَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ صَيْدٌ فَيُورَثُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي قَتْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالتَّرِكَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَالِ الْمُتَخَلِّفِ، وَعَلَّقَ بِيُبْدَأُ قَوْلُهُ:(بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ، وَهِيَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ مِنْ كَفَنٍ، وَحَنُوطٍ، وَأُجْرَةِ تَغْسِيلٍ وَحَفْرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ كَمَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقُوتٍ يَوْمَ الْقِسْمَةِ عَلَى حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ لِلْوَارِثِ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُورَثُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُتْرَكُ لِلْحَيِّ عِنْدَ فَلَسِهِ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ وَيُوَارَى؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يُعَالَجُ وَيَسْعَى لِنَفْسِهِ، وَالْمَيِّتَ قَدْ انْقَطَعَ عِلَاجُهُ وَسَعْيُهُ بِمَوْتِهِ، وَيُبْدَأُ أَيْضًا بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِ مَنْ عَلَى الْمَيِّتِ مُؤْنَتُهُ إنْ كَانَ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْفَلَسِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ، وَخَادِمُهَا فَتَجْهِيزُهَا عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ، وَكَالزَّوْجَةِ الْبَائِنُ الْحَامِلُ (ثُمَّ تُقْضَى) مِنْهَا (دُيُونُهُ) الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، سَوَاءٌ أَذِنَ الْمَيِّتُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا لَزِمَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْحَجِّ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ.
أَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ فَسَتَأْتِي (ثُمَّ) تَنْفُذُ (وَصَايَاهُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ عِتْقٍ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَتَبَرُّعٍ نُجِّزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ أُلْحِقَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11](مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) بَعْدَ إخْرَاجِ دَيْنِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِثُمَّ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ كَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافٍ فَقُوِّيَ جَانِبُهَا بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهَا وَيُتَسَاهَلَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ فِيهِ مِنْ
ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ.
قُلْتُ: فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ وَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ وَالْمَبِيعِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قُدِّمَ عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ أَرْبَعَةٌ: قَرَابَةٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْقُوَّةِ مَا يُغْنِيهِ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِانْعِقَادِهَا حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُحْكَمُ بِانْعِقَادِهَا وَتَنْفُذُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيَّةُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ فَلِمَاذَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا قُيِّدَتْ بِالسُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي) مِنْ التَّرِكَةِ (بَيْنَ الْوَرَثَةِ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ
تَنْبِيهٌ: تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ بِكَمَالِهَا كَالْمَرْهُونَةِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَمَا تُورَثُ الْأَمْوَالُ تُورَثُ الْحُقُوقُ، وَضَبَطَهُ الْمُتَوَلِّي: بِكُلِّ حَقٍّ لَازِمٍ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ كَحَقِّ الْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ أَشْيَاءَ مِنْهُ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ وَالنَّجَاسَاتِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْكَلْبِ، وَالسِّرْجِينِ، وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ (قُلْتُ) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ) أَيْ كَالْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِهَا (وَالْجَانِي) لِتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ (وَالْمَرْهُونِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ (وَالْمَبِيعِ) بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ (إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا) بِثَمَنِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَبِيعِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ سَوَاءٌ أَحُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِهِ (قُدِّمَ) ذَلِكَ الْحَقُّ (عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) وَتَجْهِيزِ مُؤَنِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) تَقْدِيمًا لِحَقِّ صَاحِبِ التَّعَلُّقِ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ.
وَلَيْسَتْ صُورَةُ التَّعَلُّقِ مُنْحَصِرَةً فِي الْمَذْكُورَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا، وَالْحَاصِرُ لَهَا التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ، فَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ قِسْمَةِ مَالِ الْقِرَاضِ؛ فَإِنَّ حَقَّ الْعَامِلِ يُقَدَّمُ عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَاكَ بِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ إلَّا قَدْرَ حِصَّةِ الْعَامِلِ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ لِلْعَامِلِ، وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى نُجُومَ الْكِتَابَةِ، وَمَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ بَاقٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ.
وَمِنْهَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ الْوَفَاةِ بِالْحَمْلِ سُكْنَاهَا مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ وَذَكَرْتُ صُوَرًا أُخْرَى مَعَ نَظْمٍ فِيهَا مَعَ إشْكَالٍ لِلسُّبْكِيِّ فِي صُورَتَيْ الزَّكَاةِ وَمَبِيعِ الْمُفْلِسِ، وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: وُجُودِ أَسْبَابِهِ، وَشُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَقَالَ:(وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ) بِاسْتِقْرَاءِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ (أَرْبَعَةٌ) فَلَا إرْثَ بِغَيْرِهَا مِنْ مُؤَاخَاةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ.
أَوَّلُهَا (قَرَابَةٌ) وَهِيَ الرَّحِمُ فَيَرِثُ بِهَا بَعْضُ الْأَقَارِبِ مِنْ بَعْضٍ فِي فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَ)
وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ وَلَا عَكْسَ، وَالرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ.
ــ
[مغني المحتاج]
ثَانِيهَا (نِكَاحٌ) صَحِيحٌ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ فَيَرِثُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فِي فَرْضٍ فَقَطْ (وَ) ثَالِثُهَا (وَلَاءٌ) وَهِيَ عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْمُعْتِقِ مُبَاشَرَةً، أَوْ سِرَايَةً أَوْ شَرْعًا كَعِتْقِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ فَيَرِثُ بِهِ الْمُعْتِقُ فِي تَعْصِيبٍ فَقَطْ.
أَمَّا الْقَرَابَةُ وَالنِّكَاحُ فَلِلْآيَةِ. وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ شَبَّهَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ يُورَثُ بِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ (فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَا يَرِثُ الْعَتِيقُ الْمُعْتِقَ حَيْثُ تَمَحَّضَ كَوْنُهُ عَتِيقًا وَإِلَّا فَقَدْ يُتَصَوَّرُ الْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ اسْتَلْحَقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتَرَقَّهُ عَتِيقُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا عَتِيقُ الْآخَرِ، وَمُعْتِقُهُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ مُبَاشَرَةً فَيَتَوَارَثَانِ. الثَّانِيَةُ: أَعْتَقَ شَخْصٌ عَبْدًا فَاشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ فَأَعْتَقَهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ السَّيِّدِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْعَتِيقِ بِالسِّرَايَةِ، وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا شَخْصَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ يَخْتَصُّ التَّوَارُثُ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي الْقَرَابَةِ أَيْضًا كَابْنِ الْأَخِ يَرِثُ عَمَّتَهُ وَلَا عَكْسَ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ خَاصَّةً لَمْ يُفْرِدْ كُلًّا مِنْهَا بِالذِّكْرِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّابِعُ عَامًّا أَفْرَدَهُ، فَقَالَ (وَالرَّابِعُ الْإِسْلَامُ) أَيْ: جِهَتُهُ فَإِنَّهَا الْوَارِثَةُ كَالنَّسَبِ لَا الْمُسْلِمُونَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمْ تَصِحَّ، فَلَمَّا صَحَّتْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوَارِثَ الْجِهَةُ (فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ) أَيْ: تَرِكَةُ الْمُسْلِمِ أَوْ بَاقِيهَا كَمَا سَيَأْتِي (لِبَيْتِ الْمَالِ) لَا مَصْلَحَةً كَمَا قِيلَ بَلْ (إرْثًا) لِلْمُسْلِمِينَ عُصُوبَةً (إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.
وَهُوَ صلى الله عليه وسلم لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْ الْمَيِّتِ كَالْعَصَبَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَضَعُ الْإِمَامُ تَرِكَتَهُ، أَوْ بَاقِيَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَخُصُّ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ.
تَنْبِيهٌ: الْوَارِثُ الْمُعَيَّنُ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ اسْتِوَاءَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْإِرْثِ أَهْلَ الْبَلَدِ وَغَيْرَهُمْ، وَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ، أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ أَوْ عَتَقَ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِبَلَدِ الْمَيِّتِ، وَلَكِنْ لَا يُعْطِي مُكَاتَبًا وَلَا قَاتِلًا وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَا
وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ وَابْنُهُ إلَّا مِنْ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ إلَّا لِلْأُمِّ، وَكَذَا ابْنُهُ وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ.
ــ
[مغني المحتاج]
كَافِرًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا وَارِثِينَ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ أُعْطِيَهُ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا أَيْضًا بِالْإِرْثِ فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ الْمُعَيَّنِ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ.
أَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَارِثٍ أَوْ وَارِثٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ فَإِنَّ تَرِكَتَهُ أَوْ بَاقِيَهَا تَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا.
فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِمَامِ كَأَنْ يَمْلِكَ بِنْتَ عَمِّهِ، ثُمَّ يُعْتِقَهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِهَا، ثُمَّ تَمُوتَ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُ، فَهُوَ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمِّهَا وَمُعْتِقُهَا وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا مَدْخَلَ لِلْوَلَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْعَاصِبِ مِنْ النَّسَبِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهَا تُصُوِّرَتْ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَرِثْ بِهَا كُلِّهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْإِمَامُ لَيْسَ بَيْتَ الْمَالِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَارِثَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِيهِ.
وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِرْثِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا: أَوَّلُهَا: تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُورَثِ، أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ انْفَصَلَ مَيِّتًا فِي حَيَاةِ أُمِّهِ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ مُوجِبَةٍ لِلْغُرَّةِ، فَيُقَدَّرُ أَنَّ الْجَنِينَ عَرَضَ لَهُ الْمَوْتُ لِتُوَرَّثَ عَنْهُ الْغُرَّةُ أَوْ إلْحَاقُ الْمُورَثِ بِالْمَوْتَى حُكْمًا كَمَا فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ اجْتِهَادًا. وَثَانِيهَا: تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ. وَثَالِثُهَا: مَعْرِفَةُ إدْلَائِهِ لِلْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ وَلَاءٍ. وَرَابِعُهَا: الْجِهَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِرْثِ تَفْصِيلًا، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِرْثِ مُطْلَقَةً كَقَوْلِ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي: هَذَا وَارِثُ هَذَا بَلْ لَا بُدَّ فِي شَهَادَتِهِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ إرْثَهُ مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي أَيْضًا قَوْلُ الشَّاهِدِ: هَذَا ابْنُ عَمِّهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا.
وَأَمَّا مَوَانِعُ الْإِرْثِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ.
(وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ) أَيْ: الذُّكُورِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِمْ كَانَ أَوْلَى لَكِنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَكَذَا فِي النِّسَاءِ فَيَشْمَلُ غَيْرَ الْبَالِغِينَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (عَشَرَةٌ) بِالِاخْتِصَارِ، وَخَمْسَةَ عَشْرَةَ بِالْبَسْطِ وَهُمْ (الِابْنُ وَابْنُهُ) وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ:(وَإِنْ سَفَلَ) إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ التَّنْبِيهَ عَلَى إخْرَاجِ ابْنِ الْبِنْتِ (وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ) لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَلِأُمٍّ (وَابْنُهُ) أَيْ الْأَخِ، وَقَوْلُهُ:(إلَّا مِنْ الْأُمِّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ابْنِهِ فَقَطْ أَيْ: ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ.
أَمَّا ابْنُهُ لِأُمٍّ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْعَمُّ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَمُّ الْأَبِ، وَعَمُّ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَيَدْخُلُ فِي ابْنِهِ الْآتِي ابْنَاهُمَا (إلَّا) الْعَمَّ (لِلْأُمِّ) فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَكَذَا ابْنُهُ) أَيْ: الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ (وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ أَوْ وَرِثَ بِهِ، فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْعَشَرَةِ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ، وَمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ.
(وَ) الْمُجْمَعُ
وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ، وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ.
فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَرِثَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ.
أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ فَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةُ.
أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَى إرْثِهِنَّ (مِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ) بِالِاخْتِصَارِ وَعَشَرَةٌ بِالْبَسْطِ، وَهُنَّ (الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ) أَيْ: الِابْنُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ سَفَلَتْ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِدُخُولِ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ، وَلَيْسَتْ بِوَارِثَةٍ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالْمُتَعَارَفُ عَوْدُهُ لِلْمُضَافِ (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ) مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ (وَالْأُخْتُ) مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ (وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ) وَهِيَ مَنْ صَدَرَ مِنْهَا الْعِتْقُ، أَوْ وَرِثَتْ بِهِ كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: الْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَرْأَةِ زَوْجٌ، وَالزَّوْجَةُ لُغَةٌ مَرْجُوحَةٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاسْتِعْمَالُهَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ مُتَعَيَّنٌ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. اهـ. وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَسْتَعْمِلُ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةَ، وَهُوَ حَسَنٌ.
(فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ) فَقَطْ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ أُنْثَى (وَرِثَ) مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ (الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَالزَّوْجُ فَقَطْ) لِأَنَّهُمْ لَا يُحْجَبُونَ، وَمَنْ بَقِيَ مَحْجُوبٌ بِالْإِجْمَاعِ فَابْنُ الِابْنِ بِالِابْنِ، وَالْجَدُّ بِالْأَبِ وَالْبَاقِي مَحْجُوبٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِالِابْنِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ فِيهَا رُبُعًا وَسُدُسًا: لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلِابْنِ الْبَاقِي.
فَائِدَةٌ شَبَّهَ الْفَرْضِيُّونَ عَمُودَ النَّسَبِ بِالشَّيْءِ الْمُدْلَى مِنْ عُلُوٍّ، فَأَصْلُ كُلِّ إنْسَانٍ أَعْلَى مِنْهُ، وَفَرْعُهُ أَسْفَلُ مِنْهُ، وَكَانَ مُقْتَضَى تَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرَةِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَفَرْعُهُ أَعْلَى كَمَا فِي الشَّجَرَةِ، فَيُقَالُ فِي أَصْلِهِ: وَإِنْ سَفَلَ، وَفِي فَرْعِهِ: وَإِنْ عَلَا.
(أَوْ) اجْتَمَعَ (كُلُّ النِّسَاءِ) فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ ذَكَرٌ (فَ) الْوَارِثُ مِنْهُنَّ خَمْسَةٌ، وَهُنَّ (الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُمُّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ، وَالزَّوْجَةُ) وَالْبَاقِي مِنْ النِّسَاءِ مَحْجُوبٌ: الْجَدَّةُ بِالْأُمِّ، وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ بِالْبِنْتِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْمُعْتِقَةِ بِالشَّقِيقَةِ لِكَوْنِهَا مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ تَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْفُرُوضِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُنَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ فِيهَا سُدُسًا، وَثُمُنًا لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ الْبَاقِي، وَهُوَ سَهْمٌ.
تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِي النِّسَاءِ الْجَرُّ بِتَقْدِيرِ كُلٍّ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَالرَّفْعُ إنْ لَمْ تُقَدِّرْهَا.
(أَوْ) اجْتَمَعَ (الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ) الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِأَنْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا الْمَيِّتَةُ، أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ إلَّا الزَّوْجَ فَإِنَّهُ الْمَيِّتُ وَرِثَ مِنْهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خَمْسَةٌ، بَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ:(فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) وَهُوَ الزَّوْجُ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجَةُ، وَهِيَ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجُ لِحَجْبِهِمْ مَنْ عَدَاهُمْ، فَالْأَوْلَى: مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي، وَهُوَ خَمْسَةٌ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا، وَلَا
وَلَوْ فُقِدُوا كُلُّهُمْ فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، بَلْ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ بِالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ
ــ
[مغني المحتاج]
ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ. وَالثَّانِيَةُ: أَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ: لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ، وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا، وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ اسْتِحَالَةَ اجْتِمَاعِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى مَيِّتٍ مُكَفَّنٍ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ، وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا، وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهَا مِنْهُ فَكُشِفَ عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ خُنْثَى لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَكَرْتُ تَصْحِيحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفَارِيعَهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
ضَابِطٌ كُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الذُّكُورِ حَازَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي إلَّا الزَّوْجَ وَكُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ إلَّا الْمُعْتِقَةَ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي مِنْ حَوْزِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا الزَّوْجَةَ.
(وَلَوْ فُقِدُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (كُلُّهُمْ) أَوْ فَضَلَ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُمْ شَيْءٌ (فَأَصْلُ) الْمَنْقُولِ فِي (الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَصْلًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ.
قَالَ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ: وَفِي الْحَدِيثِ " «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ إلَى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا مِيرَاثَ لَهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ: إنَّهُمْ يَرِثُونَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ (وَ) أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يُفْقَدُوا كُلُّهُمْ، بِأَنْ وُجِدَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ التَّرِكَةَ أَنَّهُ (لَا يُرَدُّ) مَا بَقِيَ (عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ) فِيمَا إذَا فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ، وَهَذَا لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، إذْ صُورَةُ الْمَتْنِ فَقْدُ الْكُلِّ فَيَكُونُ اسْتِئْنَافًا لِفَقْدِ الْبَعْضِ، فَإِذَا وُجِدَ ذُو فَرْضٍ كَالْبِنْتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ أَخَذَتَا فَرْضَيْهِمَا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا الْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وَالرَّدُّ يَقْتَضِي أَخْذَهُمَا الْكُلَّ (بَلْ الْمَالُ) كُلُّهُ فِي فَقْدِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ الْبَاقِي فِي فَقْدِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الْفُرُوضِ (لِبَيْتِ الْمَالِ) سَوَاءٌ انْتَظَمَ أَمْرُهُ بِإِمَامٍ عَادِلٍ يَصْرِفُهُ فِي جِهَتِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِرْثَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ وَمُسْتَوْفٍ لَهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُعْدَمُوا، وَإِنَّمَا عُدِمَ الْمُسْتَوْفِي لَهُمْ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّهِمْ، هَذَا هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْأَصْلِ مَا يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ كَمَا قَالَ (وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ) مِنْ الْأَصْحَابِ يَعْنِي: جُمْهُورَهُمْ (إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ) لِكَوْنِ الْإِمَامِ غَيْرَ عَادِلٍ (بِالرَّدِّ) أَيْ بِأَنْ يُرَدَّ (عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ) لِأَنَّ الْمَالَ مَصْرُوفٌ إلَيْهِمْ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى،
غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِاخْتِيَارِ هَذَا، لَكِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا: مِنْهُمْ ابْنُ سُرَاقَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدِّمِيهِمْ أَيْ: لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْأَرْبَعِمِائَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجَوْجَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ، فَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَكَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الرَّدِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا، بَلْ إنْ كَانَ فِي يَدِ أَمِينٍ نَظَرٌ، إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ بِشَرْطِهِ صَرَفَ الْأَمِينُ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَصَالِحِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْجَائِرِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ غَرَضًا صَحِيحًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، وَقَوْلُهُ:(غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ) بِجَرِّ غَيْرِ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ نَصْبِهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهِمَا، وَنَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ رَحِمٌ: كَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ وَجَبَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالرَّدِّ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ (مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ) لِسِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْعَدْلِ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَخَذَ الْفَرْضَ وَالْبَاقِيَ بِالرَّدِّ، أَوْ جَمَاعَةً مِنْ صِنْفٍ: كَالْبَنَاتِ، فَالْبَاقِي لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ صِنْفَيْنِ فَأَكْثَرَ رُدَّ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ، فَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فَرْضَيْهِمَا سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ: لِلْأُمِّ رُبُعُهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ النِّصْفِ، وَمَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ الرُّبُعِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَى أَرْبَعَةٍ: لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِمْ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْبِنْتِ وَرُبُعُهُ لِلْأُمِّ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ: لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِنَّ خَمْسَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ: لِلْأُمِّ رُبُعُهَا سَهْمٌ وَرُبُعٌ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَيُقَالُ: عَلَى وَفْقِ الِاخْتِصَارِ ابْتِدَاءً فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: سِهَامُهُمَا مِنْ السِّتَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ: فَيَجْعَلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَفِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ، وَالثُّمُنُ لِلزَّوْجَيْنِ بَعْدَ نَصِيبِهِمَا لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ سِهَامٍ: الْأُمُّ وَالْبِنْتُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا فَتُضْرَبُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ أَيْ: فَتُضْرَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مَفِيدَةٌ وَالرَّدُّ ضِدُّ الْعَوْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي قَدْرِ السِّهَامِ وَنَقْصٌ فِي عَدَدِهَا وَالْعَوْلُ نَقْصٌ فِي قَدْرِهَا وَزِيَادَةٌ فِي عَدَدِهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا) أَيْ: أَصْحَابُ الْفُرُوضِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ (صُرِفَ) الْمَالُ (إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ) لِحَدِيثِ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد،
وَهُمْ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْأَقَارِبِ، وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ أَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُفِيدَةَ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَرْضِ أَقْوَى، وَإِذَا صُرِفَ إلَيْهِمْ فَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُهُمْ، وَقِيلَ: يُخَصُّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: صُرِفَ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالرَّافِعِيُّ الثَّانِيَ، وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبَانِ: مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ كُلُّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ الَّذِي يُدْلِي بِهِ إلَى الْمَيِّتِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَهُوَ تَوْرِيثُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَالْعَصَبَاتِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ، وَالْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمْ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ لَا إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوَارِثِ فَاعْتِبَارُ الْقُرْبِ إلَيْهِ أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي السَّبْقِ إلَيْهِ قُدِّرَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، ثُمَّ يُجْعَلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلْمُدْلِينَ بِهِ الَّذِينَ نَزَلُوا مَنْزِلَتَهُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ، فَإِنْ كَانُوا يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] أَوْ بِالْفَرْضِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ عَلَى حَسَبِ فُرُوضِهِمْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَوْلَادُ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ، وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ مِنْهَا فَلَا يَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَلْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَإِرْثِ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي أَنَّهُ إمَّا بِالْفَرْضِ أَوْ بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي - تَوْرِيثُهُمْ تَوْرِيثٌ بِالْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْقُرْبُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ وَيَحُوزُ الْمُنْفَرِدُ الْجَمِيعَ - تَفْرِيعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَلْنَذْكُرْ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ: بِنْتُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ: فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْعَلَانِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ فَيَحُوزَانِ الْمَالَ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ أَرْبَاعًا بِنِسْبَةِ إرْثِهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي الْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِقُرْبِهَا إلَى الْمَيِّتِ، بِنْتُ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ الْمَالُ لِلثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ.
أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهَا أَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي، فَلِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ، بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنٌ وَبِنْتٌ مِنْ بِنْتٍ أُخْرَى لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الِابْنِ وَأُخْتِهِ أَثْلَاثًا بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ بَيْنَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، ثُمَّ يُجْعَلَ نِصْفُ الْبِنْتِ الْأُولَى لِبِنْتِهَا وَنِصْفُ الْأُخْرَى لِوَلَدَيْهَا أَثْلَاثًا، وَالتَّنْزِيلُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْثِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجْبِ كَمَا أَفَادَنِيهِ شَيْخِي رحمه الله فَاسْتَفِدْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ لَا تَحْجُبُهَا إلَى الثُّمُنِ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ ثَلَاثُ بَنَاتِ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ، السُّدُسُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْآبَاءِ، وَبِنْتُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ مَحْجُوبَةٌ لِحَجْبِ أَبِيهَا بِالشَّقِيقِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، ثَلَاثَةُ بَنِي أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ كَمَا هُوَ بَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ (وَهُمْ) لُغَةً كُلُّ قَرِيبٍ وَشَرْعًا (مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ) بِالْإِرْثِ (مِنْ الْأَقَارِبِ) هُوَ بَيَانٌ لِمَنْ (وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ) جَمْعُ صِنْفٍ بِمَعْنَى النَّوْعِ وَفَتْحُ صَادِهِ لُغَةٌ (أَبُو الْأُمِّ وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ) كَأَبِي أَبِي الْأُمِّ، وَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ، وَهَذَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَمَنْ جَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ