الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ بَطَلَ النِّكَاحُ، فَلَوْ أَطْلَقَتْ فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ بَطَلَ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ. قُلْت: الْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
ــ
[مغني المحتاج]
أَنَّهُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَحْكِي قَوْلَيْنِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ فِي كُلٍّ مِنْهَا خِلَافٌ:
الْأُولَى: الِاصْطِلَاحُ الْخَاصُّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ؟
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْإِبْهَامَ فِي الشُّرُوطِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِيهَا؟
وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الشَّرْطَ قَبْلَ الْعَقْدِ هَلْ يَلْحَقُهُ وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ عَبَّرُوا بِهِمَا عَنْهَا وَعَقَدُوا بِهِمَا لَزِمَا لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِمَا أَوْ عَقَدُوا بِهِمَا عَلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ إلَّا أَلْفٌ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ.
(وَلَوْ قَالَتْ) رَشِيدَةٌ (لِوَلِيِّهَا) غَيْرِ الْمُجْبِرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ (زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ بَطَلَ النِّكَاحُ) لِلْمُخَالَفَةِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَفْهَمَ الْبُطْلَانُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ سَكَتَ عَنْ الْمَهْرِ سَوَاءٌ أَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَمْ بِوَكِيلِهِ (فَلَوْ أَطْلَقَتْ) بِأَنْ سَكَتَتْ عَنْ الْمَهْرِ (فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ بَطَلَ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ نَقَصَ عَنْهُ (وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ) إذْ لَيْسَتْ الْمُخَالَفَةُ صَرِيحَةً (قُلْت: الْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ) الْمَذْكُورَتَيْنِ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً وَسَمَّى دُونَ تَسْمِيَتِهَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُضَيِّعَ الزَّائِدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَوْ طُرِدَ فِي الرَّشِيدَةِ لَمْ يَبْعُدْ اهـ.
لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الرُّجُوعِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ.
تَنْبِيهٌ: جَرَتْ عَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ بِتَزْوِيجِ الصِّغَارِ بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةُ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ لِتَحْصِيلِ كُفْءٍ، وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُهَا حَتَّى يَأْخُذَ عَلَى الصَّدَاقِ رَهْنًا كَيْ لَا تَفُوتَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ بِلَا مُقَابِلٍ فِي الْحَالِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِعَرْضٍ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: إنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا وَهِيَ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ صَحَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَهْرَ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْبِرٍ وَغَيْرَ حَاكِمٍ، أَوْ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الْمَهْرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ وَرَأَى أَنْ يُزَوِّجَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْعَرْضِ وَقِيمَتُهُ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ فِي التَّفْوِيضِ]
ِ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ، وَهُوَ جَعْلُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ، وَيُقَالُ الْإِهْمَالُ، وَمِنْهُ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى، وَهُوَ قِسْمَانِ: تَفْوِيضُ مَهْرٍ، كَقَوْلِهَا لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي بِمَا شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ.
قَالَتْ رَشِيدَةٌ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ، وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ.
وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَتَفْوِيضُ بُضْعٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَسُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ مُفَوِّضَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَفْوِيضِهَا أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ بِلَا مَهْرٍ أَوْ لِأَنَّهَا أَهْمَلَتْ الْمَهْرَ، وَمُفَوَّضَةً بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. إذَا (قَالَتْ رَشِيدَةٌ) بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ لِوَلِيِّهَا (زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ) هَا الْوَلِيُّ (وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ) عَنْهُ (فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّفْوِيضِ شَرْعًا: إخْلَاءُ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ وَقَدْ وُجِدَ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ زَوِّجْنِي وَسَكَتَتْ عَنْ الْمَهْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ. وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ بِالْمَهْرِ غَالِبًا فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْإِذْنِ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ تَفْوِيضٌ وَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ نَصًّا قَاطِعًا اهـ.
وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى، وَالنَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ قَاطِعًا، بَلْ مُحْتَمَلٌ جِدًّا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ نَفْيَ الْمَهْرِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فِي الْحَالِ، وَلَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا غَيْرِهِ يَكُونُ تَفْوِيضًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إيرَادُ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ.
وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمُطْلَقَةِ التَّصَرُّفِ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَوْ سَفِهَتْ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهَا كَانَتْ كَرَشِيدَةٍ فِي التَّصَرُّفِ.
فَرْعٌ: لَوْ زَوَّجَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَقَدْ أَذِنَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلَا مَهْرٍ صَحَّ الْمُسَمَّى، أَوْ زَوَّجَهَا بِدُونِهَا أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَهُوَ تَفْوِيضٌ كَمَا فِي الْحَاوِي، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ عَجِيبٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
، وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَيُعْطِيَ زَوْجَهَا أَلْفًا وَقَدْ أَذِنَتْ بِذَلِكَ فَمُفَوِّضَةٌ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ نَازَعَ الزَّرْكَشِيُّ الشَّيْخَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ) غَيْرِ مُكَاتَبَةٍ (زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ) فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَهْرِ فَأَشْبَهَ الرَّشِيدَةَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ لَا يَكُونُ تَفْوِيضًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيضٌ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ فِي الْعَقْدِ يُشْعِرُ بِرِضَاهُ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ إذْنِ الْمَرْأَةِ لِلْوَلِيِّ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَالشَّرْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَهَا بِالْمَصْلَحَةِ. أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَحُكْمُهَا مَعَ السَّيِّدِ فِي التَّفْوِيضِ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ) لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ. نَعَمْ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوَلِيُّ مِنْ السَّفِيهَةِ الْإِذْنَ فِي تَزْوِيجِهَا.
(وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ) وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ لِلْمُفَوَّضَةِ (شَيْءٌ) أَيْ مَهْرٌ (بِنَفْسِ الْعَقْدِ) إذْ لَوْ وَجَبَ بِهِ
فَإِنْ وَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ.
وَيُعْتَبَرُ بِحَالِ الْعَقْدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ مَهْرًا، وَحَبْسُ نَفْسِهَا لِيَفْرِضَ، وَكَذَا لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
لِتَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى الصَّحِيحِ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا الْمُتْعَةُ، وَالثَّانِي يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ لِمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِمَهْرٍ كَمَا قَدَّرَتْهُ بَدَلَ شَيْءٍ كَانَ أَوْلَى، إذْ الْعَقْدُ أَوْجَبَ شَيْئًا وَهُوَ مِلْكُهَا الْمُطَالَبَةَ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي.
أَمَّا التَّفْوِيضُ الْفَاسِدُ فَفِيهِ مَهْرُ مِثْلٍ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ (فَإِنْ وَطِئَ) الْمُفَوَّضَةَ (فَمَهْرُ مِثْلٍ) يَجِبُ لَهَا وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ فِي وَطْئِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ:
الْأُولَى: إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ بَاعَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَلَا مَهْرَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْئًا بِلَا مَهْرٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ نَكَحَ فِي الْكُفْرِ مُفَوَّضَةً ثُمَّ أَسْلَمَا وَلَوْ قَبْلَ الْوَطْءِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِمُفَوَّضَةٍ بِحَالٍ فَلَا تَسْتَحِقُّ مَهْرًا بِوَطْئِهَا لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ اسْتِحْقَاقُ وَطْءٍ بِلَا مَهْرٍ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ. فَإِنْ قِيلَ: يُخَالِفُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِذَا أَوْجَبْنَاهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسْلِمَا مَعَ اعْتِقَادِهِمَا عَدَمَهُ، فَكَيْفَ لَا نُوجِبُهُ إذَا أَسْلَمَا؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ فِي الْحَرْبِيِّينَ وَمَا هُنَا فِي الذِّمِّيِّينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ لِالْتِزَامِ الذِّمِّيِّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ.
(وَيُعْتَبَرُ) مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوَّضَةِ (بِحَالِ الْعَقْدِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ بِالْوَطْءِ، وَالثَّانِي: بِحَالِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ. وَالْأَوَّلُ: رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ عَنْ اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُعْتَبِرِينَ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ مَهْرِ مِثْلٍ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ بِالْعَقْدِ فِي ضَمَانِهِ وَاقْتَرَنَ بِهِ الْإِتْلَافُ فَوَجَبَ الْأَكْثَرُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ.
فَإِنْ قِيلَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَنَاقُضٌ فِي النَّقْلِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَبِرِينَ هُنَا غَيْرُ الْأَكْثَرِينَ هُنَاكَ (وَلَهَا) عَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقِ (قَبْلَ الْوَطْءِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ) لَهَا (مَهْرًا) لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا. وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ فَمَا مَعْنَى التَّفْوِيضِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ فَكَيْفَ تَطْلُبُ مَا لَا يَجِبُ لَهَا؟ ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يُلْحِقَ مَا وُضِعَ عَلَى الْإِشْكَالِ بِمَا هُوَ بَيِّنٌ طَلَبَ مُسْتَحِيلًا، وَالْمُطَّلِعُ عَلَى الْحَقَائِقِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا مُلِّكَتْ أَنْ تُطَالِبَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَ) لَهَا أَيْضًا (حَبْسُ نَفْسِهَا) عَنْ الزَّوْجِ (لِيَفْرِضَ) لَهَا مَهْرًا لِمَا مَرَّ (وَكَذَا) . لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا (لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ) الْحَالِّ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهَا سَامَحَتْ بِالْمَهْرِ فَكَيْفَ تُضَايَقُ بِتَقْدِيمِهِ؟ . أَمَّا
وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ الزَّوْجُ.
لَا عِلْمُهُمَا بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأَظْهَرِ.
وَيَجُوزُ فَرْضٌ مُؤَجَّلٌ فِي الْأَصَحِّ.
وَفَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ لَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ.
وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْفَرْضِ أَوْ تَنَازَعَا فِيهِ فَرَضَ الْقَاضِي نَقْدَ الْبَلَدِ حَالًّا. قُلْت: وَيُفْرَضُ مَهْرُ مِثْلٍ
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ (وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ الزَّوْجُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا. فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا فَرَضَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا فَرَضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبَذَلَهُ لَهَا وَصَدَّقَتْهُ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَعَنُّتٌ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي مَوَاضِعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ اسْتَحَقَّتْ شَطْرَهُ.
وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (عِلْمُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ تَرَاضَيَا عَلَى مَهْرٍ (بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا، وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِقَدْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً وَمَا يُفْرَضُ بَدَلٌ عَنْهُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ. أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قِيمَةُ مُسْتَهْلَكٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
(وَيَجُوزُ فَرْضٌ مُؤَجَّلٌ) بِالتَّرَاضِي (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمُسَمَّى ابْتِدَاءً، وَالثَّانِي لَا، بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ ابْتِدَاءً وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّأْجِيلِ فِيهِ فَكَذَا بَدَلُهُ.
(وَ) يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي فَرْضُ مَهْرٍ (فَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ (إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ الْمَهْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَعَرْضٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَجُوزُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَرْتَفِعُ وَتَنْخَفِضُ فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُهُ بِفَوْقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ.
(وَلَوْ امْتَنَعَ) الزَّوْجُ (مِنْ الْفَرْضِ) لَهَا (أَوْ تَنَازَعَا فِيهِ) أَيْ قَدْرِ الْمَفْرُوضِ أَيْ كَمْ يَفْرِضُ (فَرَضَ الْقَاضِي) لِأَنَّ مَنْصِبَهُ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ (نَقْدَ الْبَلَدِ حَالًّا) كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَا مُؤَجَّلًا، وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ الْإِلْزَامُ بِمَالٍ حَالٍّ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَهَا إذَا فَرَضَهُ حَالًّا تَأْخِيرُ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ نِسَائِهَا أَنْ يُنْكَحْنَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَبَعْضُهُ حَالٌّ لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْحَاكِمُ بَلْ يَفْرِضُ حَالًّا وَيُنْقِصُ لِلتَّأْجِيلِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِالْأَجَلِ، وَعَنْ الصَّيْمَرِيِّ: لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ فِي نَاحِيَةٍ بِفَرْضِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا فَرَضَ لَهَا ذَلِكَ اهـ.
وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَفْرِضُ نَقْدًا وَيُنْقِصُ لِذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِالْعَرْضِ (قُلْت: وَيُفْرَضُ مَهْرُ مِثْلٍ) بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْبُضْعِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. نَعَمْ تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ أَوْ النَّقْصُ الْيَسِيرُ الْوَاقِعُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ
وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ.
وَالْفَرْضُ الصَّحِيحُ كَمُسَمًّى فَيَتَشَطَّرُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ، وَلَوْ طَلَّقَ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا شَطْرَ.
وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُمَا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
مَنْصِبَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ شَاءَا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَا مَا شَاءَا، وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ (وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِهِ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) حَتَّى لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقِصَ عَنْهُ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ مَا يَفْرِضُهُ عَلَى رِضَاهُمَا لِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْهُ.
(وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَمَا يُؤَدِّي الصَّدَاقَ عَنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ.
فُرُوعٌ: لَا يَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُفَوَّضَةِ عَنْ مَهْرِهَا وَلَا إسْقَاطُ فَرْضِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْوَطْءِ فِيهِمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَإِسْقَاطِهِ زَوْجَةَ الْمَوْلَى حَقَّهَا مِنْ مُطَالَبَةِ زَوْجِهَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْمُتْعَةِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ وَبَعْدَهُ إبْرَاءٌ عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَوْ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَأَبْرَأَتْ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهِيَ تَعْرِفُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَتَيَقَّنَتْ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ فَأَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ أَلْفَيْنِ نَفَذَ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ، وَهِيَ أَنْ يُبْرِئَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ مِنْ قَدْرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ.
(وَالْفَرْضُ) أَيْ الْمَفْرُوضُ (الصَّحِيحُ كَمُسَمًّى) فِي الْعَقْدِ (فَيَتَشَطَّرَ بِطَلَاقٍ) بَعْدَ عَقْدٍ وَ (قَبْلَ وَطْءٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْفَرْضُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مِنْ الْحَاكِمِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237][الْبَقَرَةُ] أَمَّا الْمَفْرُوضُ الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ فَلَا يَتَشَطَّرُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ إخْلَاءِ الْعَقْدِ عَنْ الْفَرْضِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ فَاسِدِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ لِعَدَمِ إخْلَاءِ الْعَقْدِ مِنْ الْعِوَضِ (وَلَوْ طَلَّقَ) الزَّوْجُ (قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا شَطْرَ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ، وَلَهَا الْمُتْعَةُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ.
(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (قَبْلَهُمَا) أَيْ الْفَرْضِ وَالْوَطْءِ (لَمْ يَجِبْ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ) كَالطَّلَاقِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ كَالْوَطْءِ فِي تَقْرِيرِ الْمُسَمَّى، فَكَذَا فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي التَّفْوِيضِ «وَلِأَنَّ بِرْوَعَ بِنْتَ وَاشِقٍ نُكِحَتْ بِلَا مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا، فَقَضَى لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَلَّقَ فِي الْأُمِّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ شَيْخِهِ: مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَافِظِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ حَضَرْت الشَّافِعِيَّ لَقُمْت عَلَى رُءُوسِ أَصْحَابِهِ وَقُلْت: قَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَقُلْ بِهِ اهـ.
وَقَدْ قَالَ بِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي غَيْرِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ