الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا، وَهُوَ تَمْلِيكٌ، فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ.
وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ، وَقِيلَ قَوْلٌ تَوْكِيلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
[فَصْلٌ فِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ]
(فَصْلٌ) فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا «بِأَنْ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] إلَخْ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ الْفُرْقَةَ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِهِنَّ مَعْنَى. فَإِنْ قِيلَ: لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بِدَلِيلِ:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28] .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا) الْمُنَجَّزِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً كَطَلِّقِي أَوْ أَبِينِي نَفْسَك (إلَيْهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ الْغَدُ أَوْ زَيْدٌ فَطَلِّقِي نَفْسَك، وَلَا التَّفْوِيضُ لِصَغِيرَةٍ، أَوْ حُكْمُ مَجْنُونَةٍ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ (تَمْلِيكٌ) لِلطَّلَاقِ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ التَّمْلِيكِ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهَا كَغَيْرِهِ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ مَلَّكْتُك طَلَاقَك (فَيُشْتَرَطُ) عَلَيْهِ (لِوُقُوعِهِ) تَكْلِيفَهُ وَتَكْلِيفَهَا وَ (تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَ هُنَا جَوَابٌ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ كَقَبُولِهِ، وَقَبُولُهُ فَوْرٌ، فَإِنْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ كَثِيرٌ بَيْنَ تَفْوِيضِهِ وَتَطْلِيقِهَا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ، فَلَوْ قَالَتْ: كَيْفَ أُطَلِّقُ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ وَقَعَ، وَالْفَصْلُ بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ لِقِصَرِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِفَسَادِ الْعِبَارَةِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِ نَفْسِك لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى أَوْ مَتَى مَا شِئْت لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّمْلِيكُ اشْتِرَاطَهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ سُومِحَ فِي تَمْلِيكِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا ذُكِرَ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ.
(وَإِنْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ) فَوْرًا وَهِيَ جَائِزَةُ التَّصَرُّفِ (بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ) وَيَكُونُ تَمْلِيكُهَا بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ فَهُوَ كَالْهِبَةِ (وَفِي قَوْلٍ) نُسِبَ لِلْقَدِيمِ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا (تَوْكِيلٌ) كَمَا لَوْ فَوَّضَ طَلَاقَهَا لِأَجْنَبِيٍّ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لَهَا فِيهِ غَرَضًا وَلَهُ بِهَا اتِّصَالًا، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِي تَطْلِيقِهَا (فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ
وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا خِلَافُ الْوَكِيلِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ
قَبْلَ تَطْلِيقِهَا، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ.
وَلَوْ قَالَ أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ، أَوْ أَبِينِي وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ.
وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي
ــ
[مغني المحتاج]
شَائِبَةِ التَّمْلِيكِ (وَ) عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ (فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا) لَفْظًا (خِلَافُ الْوَكِيلِ) الَّذِي سَبَقَ فِي بَابِهِ، وَالْمُرَجَّحُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَفْظًا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ: فَفِي اشْتِرَاطٍ لِأَفْهَمَ التَّفْرِيعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ) التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ (لَهُ الرُّجُوعُ) عَنْ التَّفْوِيضِ بِرُجُوعِهِ أَمْ لَا.
(وَلَوْ) عَلَّقَ التَّفْوِيضَ كَأَنْ (قَالَ) لَهَا (إذَا جَاءَ رَمَضَانُ) مَثَلًا (فَطَلِّقِي) نَفْسَك (لَغَا عَلَى) قَوْلِ (التَّمْلِيكِ) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُك هَذَا الْعَبْدَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَجَازَ عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: فَلْيَتَأَمَّلْ الْجَمْعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِذْنِ فِيهَا فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صُوَرِ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ (وَ) أَمَّا بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ كَمَا (لَوْ قَالَ) لَهَا: (أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى) أَيْ الزَّوْجُ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِأَبِينِي وَنَوَتْ هِيَ تَطْلِيقَ نَفْسِهَا بِأَبَنْتُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَلَا) يَقَعُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ هُوَ فَلَا تَفْوِيضَ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ هِيَ فَلَا تَطْلِيقَ، إذْ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَحْدَهُ (وَلَوْ) صَرَّحَ فَكَنَّتْ أَوْ عَكْسُهُ كَأَنْ (قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ، أَوْ) قَالَ (أَبِينِي) نَفْسَك (وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا أُمِرَتْ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ فَعَلَتْهُ فِي الْحَالَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ لَفْظِهِمَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّخَالُفَ فِي الْكِنَايَةِ أَوْ الصَّرِيحِ كَاخْتَارِي نَفْسَك، فَقَالَتْ: أَبَنْتهَا، أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك، فَقَالَتْ: سَرَّحْتُهَا لَا يَضُرُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى، نَعَمْ إنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوْ بِكِنَايَتِهِ أَوْ بِالتَّسْرِيحِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَعَدَلَتْ عَنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِمُخَالَفَتِهَا صَرِيحَ كَلَامِهِ.
تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ بِطَلِّقِي نَفْسَك، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَبِينِي نَفْسَك، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ نَفْسَك وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ نَفْسِك مِنْهُمَا وَزِدْتُهُمَا فِي الشَّرْحِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَتْ نَفْسَهَا، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِالْفِرَاقِ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ.
وَثَانِيهِمَا: يَقَعُ إذَا نَوَتْ نَفْسَهَا وَبِهِ قَالَ الْبُوشَنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
(وَلَوْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك
وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسَهُ فَوَاحِدَةٌ.
ــ
[مغني المحتاج]
(وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ: طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ) وَقَدْ عَلِمَتْ نِيَّتَهُ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ (فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ، وَقَدْ نَوَيَاهُ (وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي الْعَدَدِ وَالثَّانِي ثَلَاثٌ حَمْلًا عَلَى مَنْوِيِّهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَإِلَّا صَادِقٌ بِمَا إذَا نَوَى هُوَ ثَلَاثًا وَلَمْ تَنْوِ هِيَ عَدَدًا، وَبِمَا إذَا لَمْ يَنْوِيَا أَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْبَيْعِ، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ تَقَعُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافٍ.
(وَلَوْ قَالَ) : طَلِّقِي نَفْسَك (ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ) أَيْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدًا (أَوْ عَكْسَهُ) كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَثَلَّثَتْ أَيْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا (فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ فِي الصُّورَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا أَوْقَعَتْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَالزَّائِدُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَقَعُ مَا تَمْلِكُهُ.
تَنْبِيهَاتٌ: لَهَا فِي الْأُولَى بَعْدَ أَنْ وَحَّدَتْ وَرَاجَعَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا أَنْ تَزِيدَ الثِّنْتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَى الْوَاحِدَةِ الَّتِي أَوْقَعَتْهَا فَوْرًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ دُفْعَةً وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، وَلَا يَقْدَحُ تَخَلُّلُ الرَّجْعَةِ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ بِلَا نِيَّةٍ: طَلَّقْت وَقَعَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا جَوَابٌ لِكَلَامِهِ فَهُوَ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ هُوَ بِالثَّلَاثِ وَنَوَاهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ عَوْدِهِ فِي الْجَوَابِ، إذْ التَّخَاطُبِ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَبَثًا وَنَوَتْ فَصَادَفَتْ التَّفْوِيضَ لَهَا وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا طَلُقَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا.
وَلَوْ فَوَّضَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ إلَى اثْنَيْنِ وَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا طَلْقَةً، وَالْآخَرُ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ كَمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهَا، وَإِنْ جَعَلَ طَلَاقَهَا بِيَدِ اللَّهِ وَيَدِ زَيْدٍ لَغَا إنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ فَلَيْسَ لِزَيْدٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ فَلَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ كَمَا لَوْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْعَطْفِ.
وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت كُلَّ أَمْرٍ لِي عَلَيْك بِيَدِك كَانَ كِنَايَةً فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَنْوِهَا، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَشِيئَةَ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْعَدَدِ، فَقَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ لَغَا لِصَيْرُورَةِ الْمَشِيئَةِ شَرْطًا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَالْمَعْنَى طَلِّقِي إنْ اخْتَرْتِ الثَّلَاثَ، فَإِذَا اخْتَارَتْ غَيْرَهُنَّ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَهَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى تَفْوِيضِ الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى فَوَّضْت إلَيْكِ أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا، فَإِنْ شِئْت فَافْعَلِي مَا فَوَّضْت إلَيْكِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَلَا نُفُوذَ مَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الطَّلَاقِ أَيْضًا، فَقَالَ: إنْ شِئْت طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً كَانَ كَمَا لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ الْعَدَدِ