الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ
يَخْتَصُّ الْقَسْمُ بِزَوْجَاتٍ.
وَمَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ لَزِمَهُ عِنْدَ مَنْ بَقِيَ.
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ]
كِتَابُ الْقَسْمِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ. وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَالنَّصِيبُ، وَالْقَسَمُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالسِّينِ: الْيَمِينُ (وَالنُّشُوزُ) هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّرْجَمَةِ وَعِشْرَةُ النِّسَاءِ، إذْ هُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ (يَخْتَصُّ الْقَسْمُ) أَيْ وُجُوبُهُ (بِزَوْجَاتٍ) أَيْ بِثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فَأَكْثَر وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ حَرَائِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] أَيْ فِي الْقَسْمِ الْوَاجِبِ {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَأَشْعَرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا دَخْلَ لِلْإِمَاءِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ فِيهِ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَوْلَدَاتٍ أَوْ مَعَ زَوْجَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الْوُجُوبُ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي الْإِمَاءِ كَيْ لَا يَحْقِدَ بَعْضُ الْإِمَاءِ عَلَى بَعْضٍ. وَيُسَنُّ أَيْضًا عَدَمُ تَعْطِيلِهِنَّ.
تَنْبِيهٌ: إدْخَالُ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ خِلَافُ الْكَثِيرِ مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ، فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لِدَعْوَى بَعْضِهِمْ الْقَلْبَ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ وَلَا الرَّجْعِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ لِتَعَارُضِ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضَى.
(وَ) الْمُرَادُ مِنْ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ اللَّيْلُ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ، بَلْ (مَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ) بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لَزِمَهُ) وَلَوْ عِنِّينًا وَمَجْبُوبًا وَمَرِيضًا الْمَبِيتُ (عِنْدَ مَنْ بَقِيَ) مِنْهُنَّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أَوْ سَاقِطٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
«وَكَانَ صلى الله عليه وسلم: يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ وَيُطَافُ بِهِ عَلَيْهِنَّ فِي مَرَضِهِ حَتَّى رَضِينَ بِتَمْرِيضِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -» . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ وَالْمَرَضَ لَا يُسْقِطُ الْقَسْمَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وَلَكِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ تَكَرُّمًا.
وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ أَوْ عَنْ الْوَاحِدَةِ لَمْ يَأْثَمْ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ إذَا بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ عِنْدَ إرَادَتِهِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ الِابْتِدَاءُ بِوَاحِدَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَوْلُهُ: بَاتَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ نَهَارًا يَجُوزُ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ لِعَدَمِ الْبَيْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ بَاتَ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ بِاللَّيْلِ غَالِبًا، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاتَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى صَارَ، فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] .
وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّشَاطِ وَالشَّهْوَةِ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا فِي سَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى بَعْضِهِنَّ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ. .
وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ نِسَائِهِ بِالتَّبَرُّعِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ اسْتَوْحَشَ بِذَلِكَ، وَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي سَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ.
(وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ) ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ نَوْبَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ عَنْ الْوَاحِدَةِ) الَّتِي لَيْسَ تَحْتَهُ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهُنَّ وَلَا عِنْدَهَا (لَمْ يَأْثَمْ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا مَرَّ فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ كَسُكْنَى الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ وَلِأَنَّ فِي دَاعِيَةٍ الطَّبْعِ مَا يُغْنِي عَنْ إيجَابِهِ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ الطَّلَبُ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْإِثْمِ عَدَمُ الطَّلَبِ بِدَلِيلِ الْمَدْيُونِ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الدَّفْعِ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ) مِنْ الْمَبِيتِ وَلَا الْوَاحِدَةَ بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ أَوْ عِنْدَهَا وَيُحْصِنَهَا وَيُحْصِنَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفُجُورِ، وَأَوْلَى دَرَجَاتِ الْوَاحِدَةِ أَنْ لَا يُخَلِّيَهَا كُلَّ أَرْبَعِ لَيَالٍ عَنْ لَيْلَةٍ اعْتِبَارًا بِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ. قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَنَامَا فِي فِرَاشٍ
وَتَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ، لَا نَاشِزَةٌ.
فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِمَسْكَنٍ دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ، وَإِنْ انْفَرَدَ فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ
ــ
[مغني المحتاج]
وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ فِي الِانْفِرَادِ، سِيَّمَا إذَا عَرَفَ حِرْصَهَا عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَقَالَ:(وَيَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ) وَقَرْنَاءُ (وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ) وَمَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ وَمُحْرِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ لَا يَخَافُ مِنْهَا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ بِهَا عُذْرٌ شَرْعِيٌّ أَوْ طَبِيعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأُنْسُ لَا الِاسْتِمْتَاعُ. أَمَّا الْمَجْنُونَةُ الَّتِي يَخَافُ مِنْهَا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا نُشُوزٌ وَهِيَ مُسَلِّمَةٌ لَهُ فَلَا يَجِبُ لَهَا قَسْمٌ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِنَا: وَضَابِطُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا وَلَمْ تَكُنْ مُطَلَّقَةً لِتَخْرُجَ الرَّجْعِيَّةُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَرِيضَةِ الْقَسْمَ مَا لَوْ سَافَرَ بِنِسَائِهِ فَتَخَلَّفَتْ وَاحِدَةٌ لِمَرَضٍ فَلَا قَسْمَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ. وَضَابِطُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَا تَسْتَحِقُّهُ أَمَةٌ لَمْ تُسَلِّمْ لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، وَلَا الْمَحْبُوسَةُ، وَلَا الْمَغْصُوبَةُ، وَ (لَا نَاشِزَةٌ) بِخُرُوجِهَا عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا كَأَنْ خَرَجَتْ مِنْ مَسْكَنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ لَمْ تَفْتَحْ لَهُ الْبَابَ لِيَدْخُلَ، أَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا بِلَا عُذْرٍ لَهَا كَمَرَضٍ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْ دَعَاهَا فَاشْتَغَلَتْ بِحَاجَتِهَا، أَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، وَفِي مَعْنَى النَّاشِزِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ لِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَنُشُوزُ الْمَجْنُونَةِ كَالْعَاقِلَةِ لَكِنَّهَا لَا تَأْثَمُ.
وَضَابِطُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ: كُلُّ زَوْجٍ عَاقِلٍ وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ سَفِيهًا أَوْ مُرَاهِقًا، فَإِنْ جَارَ أَوْ تَقَطَّعَ وَلَمْ يَنْضَبِطْ فَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الطَّوَافُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، سَوَاءٌ أَمِنَ مِنْهُ الضَّرَرَ أَمْ لَا، إلَّا إنْ طُولِبَ بِقَضَاءِ قَسْمٍ وَقَعَ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْجِمَاعُ يَنْفَعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، أَوْ مَالَ إلَيْهِ بِمَيْلِهِ إلَى النِّسَاءِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ أَوْ يَدْعُوَهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَطُوفَ بِهِ عَلَى بَعْضِهِنَّ، وَيَدْعُوَ بَعْضَهُنَّ إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ بِحَسَبِ مَا يَرَى.
وَإِذَا قَسَمَ لِوَاحِدَةٍ فِي الْجُنُونِ وَأَفَاقَ فِي نَوْبَةِ الْأُخْرَى اُنْتُظِرَتْ إفَاقَةُ الْأُخْرَى وَقَضَى فِيهَا إقَامَتَهُ عِنْدَ تِلْكَ فِي الْجُنُونِ، فَإِنْ ضَرَّهُ الْجِمَاعُ بِقَوْلِهِمْ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِنْ تَقَطَّعَ الْجُنُونُ وَانْضَبَطَ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ قَسَمَ بِنَفْسِهِ أَيَّامَ الْإِفَاقَةِ وَيَلْغُو أَيَّامُ الْجُنُونِ كَأَيَّامِ الْغَيْبَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: يُرَاعَى الْقَسْمُ فِي أَيَّامِ الْإِفَاقَةِ وَيُرَاعِيهِ الْوَلِيُّ فِي أَيَّامِ الْجُنُونِ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نَوْبَةٌ مِنْ هَذِهِ وَنَوْبَةٌ مِنْ هَذِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ، وَأَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْأُمِّ أَنَّ عَلَى الْمَحْبُوسِ الْقَسْمَ، وَأَنَّ مَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ إتْيَانِهِ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْهُ. وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ: إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْوِينَ مَعَهُ فِيهِ فَهُنَّ عَلَى حَقِّهِنَّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْلُحَ لِلسُّكْنَى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُنَّ لِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الرِّجَالِ هُنَاكَ أَوْ مُنِعَ مِنْ النِّسَاءِ سَقَطَ الْقَسْمُ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَوْ حَبَسَتْهُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ عَلَى حَقِّهَا فَلَيْسَ لِلْأُخْرَى أَنْ تَبِيتَ مَعَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِئَلَّا يَتَّخِذَ الْحَبْسَ مَسْكَنًا.
(فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ) الزَّوْجُ عَنْ نِسَائِهِ (بِمَسْكَنٍ) لَهُ (دَارَ) وُجُوبًا (عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ) تَوْفِيَةً لِحَقِّ الْقَسْمِ (وَإِنْ انْفَرَدَ) بِمَسْكَنٍ (فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ
إلَيْهِنَّ، وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إلَى بَعْضٍ وَدُعَاءِ بَعْضٍ، إلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إلَيْهَا أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا.
وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ وَيَدْعُوهُنَّ إلَيْهِ.
وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ إلَّا بِرِضَاهُمَا.
ــ
[مغني المحتاج]
إلَيْهِنَّ) اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم وَصِيَانَةً لَهُنَّ عَنْ الْخُرُوجِ (وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ) إلَى مَسْكَنِهِ وَعَلَيْهِنَّ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ مِنْهُنَّ فَهِيَ نَاشِزَةٌ أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ عُذِرَتْ وَبَقِيَتْ عَلَى حَقِّهَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ مَنَعَهَا مَرَضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا مَنْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرَضِ الْمَعْجُوزِ مَعَهُ عَنْ الرُّكُوبِ. وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ وَخَفَرٍ وَلَمْ تَعْتَدِ الْبُرُوزَ فَلَا تَلْزَمُهَا إجَابَتُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا فِي بَيْتِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الرُّويَانِيُّ. وَأَمَّا الْمَطَرُ وَالْوَحْلُ الشَّدِيدَانِ وَنَحْوُهَا، فَإِنْ بَعَثَ لَهَا مَرْكُوبًا وَوِقَايَةً مِنْ الْمَطَرِ فَلَا عُذْرَ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عُذْرًا، وَيَخْتَلِفُ هَذَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إلَى بَعْضٍ) مِنْ نِسَائِهِ (وَدُعَاءِ بَعْضٍ) مِنْهُنَّ لِمَسْكَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَلِمَا فِي تَفْضِيلِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ مِنْ تَرْكِ الْعَدْلِ. وَالثَّانِي: لَا كَمَا لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ.
وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُمْ الْأَقَلُّونَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُسَافَرَةِ بِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقُرْعَةِ، وَهِيَ تَدْفَعُ الْوَحْشَةَ وَإِنْ أَقْرَعَ هُنَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ أَنْ يُحْمَلَ النَّصُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (إلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إلَيْهَا) دُونَ الْأُخْرَى (أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا) لِكَوْنِهَا جَمِيلَةً مَثَلًا دُونَ غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا دَمِيمَةً أَوْ حَصَلَ تَرَاضٍ أَوْ قُرْعَةٌ كَمَا مَرَّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَيَلْزَمُ مَنْ دَعَاهَا الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَبَتْ بَطَلَ حَقُّهَا.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (وَيَدْعُوهُنَّ) أَيْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ (إلَيْهِ) لِأَنَّ إتْيَانَ بَيْتِ الضَّرَّةِ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلَا يَلْزَمُهُنَّ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَجَبْنَ فَلِصَاحِبَةِ الْبَيْتِ الْمَنْعُ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مِلْكَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَقَّ السُّكْنَى فِيهِ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَاوُد.
تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالْإِقَامَةِ يَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ مَكَثَ أَيَّامًا لَا عَلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ رَضِينَ كُلُّهُنَّ بِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْ قَالَ: إلَّا بِرِضَاهُنَّ كَالَّتِي بَعْدَهَا لَكَانَ أَوْلَى.
(وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يَجْمَعَ) وَلَوْ لَيْلَةً وَاحِدَةً (بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ) فَأَكْثَر (فِي مَسْكَنٍ) أَيْ بَيْتٍ وَاحِدٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّبَاغُضِ (إلَّا بِرِضَاهُمَا) فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ الرِّضَا كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالْمَسْكَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي السَّفَرِ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِخَيْمَةٍ وَمَرَافِقٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِي إيجَابِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ بِالزَّوْجِ، وَضَرَرُ الزَّوْجَاتِ لَا يَتَأَبَّدُ فَيُحْتَمَلُ، وَإِذَا رَضِيَتَا بِالْبَيْتِ الْوَاحِدِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: كُرِهَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ
وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا.
وَالْأَصْلُ اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ تَبَعٌ، فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ فَعَكْسُهُ.
وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي نَوْبَةٍ عَلَى أُخْرَى لَيْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُرُوءَةِ، وَظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ مُقْتَضَى نَصِّهِ فِي الْأُمِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْعِشْرَةِ وَطَرْحِ الْحَيَاءِ اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَرَى عَوْرَةَ الْأُخْرَى، وَلَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْإِجَابَةُ، وَلَا تَصِيرُ نَاشِزَةً بِالِامْتِنَاعِ قَالَهُ الشَّيْخَانِ مَعَ قَوْلِهِمَا بِكَرَاهَةِ الْوَطْءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: ضَرَّتَيْنِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْهَرِيَّ فَسَّرَ الضَّرَّةَ بِالزَّوْجَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُمَا كَالزَّوْجَتَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَا الزَّوْجَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ السُّرِّيَّةَ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهَا؛ لِأَنَّ لَهُ جَمْعَ إمَائِهِ بِمَسْكَنٍ وَهِيَ أَمَةٌ، وَلَوْ اشْتَمَلَتْ دَارٌ عَلَى حُجُرَاتٍ مُفْرَدَةِ الْمَرَافِقِ جَازَ إسْكَانُ الضَّرَّاتِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَالْعُلْوُ وَالسُّفْلُ إنْ تَمَيَّزَتْ الْمَرَافِقُ مَسْكَنَانِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ زَمَانِ الْقَسْمِ وَقَدْرِهِ، فَقَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمُقِيمِ (أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا) وَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ التَّوَارِيخُ الشَّرْعِيَّةُ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَشْهُرِ اللَّيَالِي، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ اللَّيْلِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْوَجْهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَبْقَى فِي حَانُوتِهِ إلَى هُدْوَةٍ مِنْ اللَّيْلِ.
(وَالْأَصْلُ) فِي الْقَسْمِ مِنْ مُقِيمٍ مَعِيشَتُهُ نَهَارًا (اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ السُّكُونِ (وَالنَّهَارُ تَبَعٌ) لَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِشَارِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ. قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10]{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67](فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ) وَوَقَّادِ حَمَّامٍ (فَعَكْسُهُ) فَيَكُونُ النَّهَارُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا وَاللَّيْلُ تَبَعٌ لَهُ لِسُكُونِهِ بِالنَّهَارِ وَمَعَاشِهِ بِاللَّيْلِ، فَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ تَارَةً بِالنَّهَارِ وَتَارَةً بِاللَّيْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْسِمَ لِوَاحِدَةٍ لَيْلَةً تَابِعَةً وَنَهَارًا مَتْبُوعًا وَلِأُخْرَى عَكْسُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِتَفَاوُتِ الْغَرَضِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَعِمَادُهُ وَقْتُ نُزُولِهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ وَالسُّكُونَ حِينَئِذٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْخَلْوَةُ إلَّا حَالَةَ السَّيْرِ كَأَنْ كَانَ بِمِحَفَّةٍ وَحَالَةُ النُّزُولِ يَكُونُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي نَحْوِ خَيْمَةٍ كَانَ عِمَادُ قَسْمِهِ حَالَةَ سَيْرِهِ دُونَ حَالَةِ نُزُولِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ.
(وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ مَنْ لَيْلُهُ أَصْلٌ (دُخُولٌ) وَلَوْ لِحَاجَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَعِيَادَةٍ (فِي نَوْبَةٍ عَلَى) زَوْجَةٍ (أُخْرَى لَيْلًا) لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ ذَاتِ النَّوْبَةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْأَوَّلِ عَمَّنْ عِمَادُهُ النَّهَارُ فَإِنَّ لَهُ الدُّخُولَ لَيْلًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَوَّلُ نَهَارًا، وَلَوْ قَالَ وَمَا جَعَلْنَاهُ أَصْلًا لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ لَكَانَ أَشْمَلَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ) وَشِدَّةِ الطَّلْقِ، وَخَوْفِ النَّهْبِ وَالْحَرْقِ، وَقَدْ يَخْرُجُ مَا لَوْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ وَأَرَادَ
وَحِينَئِذٍ إنْ طَالَ مُكْثُهُ قَضَى وَإِلَّا فَلَا.
وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ
ــ
[مغني المحتاج]
الدُّخُولَ لِيَتَبَيَّنَ حَالَ الْمَرَضِ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةٍ (إنْ طَالَ مُكْثُهُ) عُرْفًا (قَضَى) مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا مِثْلَ مُكْثِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَمَثَّلَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا طُولَ الْمُكْثِ بِسَاعَةٍ طَوِيلَةٍ، وَنَقَلَا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ تَقْدِيرَهُ بِثُلُثِ اللَّيْلِ. ثُمَّ قَالَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ كَمَا مَرَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ (فَلَا) يَقْضِي لِقِلَّتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَأْثَمُ انْتَهَى، وَلَا وَجْهَ لِتَأْثِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا تَعَدَّى بِالدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ الْمُكْثَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْضِي إذَا دَخَلَ بِلَا ضَرُورَةٍ وَطَالَ مُكْثُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ قَضَى إنْ طَالَ مُكْثُهُ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ يَعْصِي، وَلَوْ جَامَعَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا عَصَى، وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَكَانَ لِضَرُورَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَاللَّائِقُ بِالتَّحْقِيقِ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ وَيُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ لَا إلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ لَا لِعَيْنِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَيَقْضِي الْمُدَّةَ دُونَ الْجِمَاعِ لَا إنْ قَصُرَتْ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ مَا إذَا بَقِيَتْ الْمَظْلُومَةُ فِي نِكَاحِهِ، فَلَوْ مَاتَتْ الْمَظْلُومَةُ بِسَبَبِهَا فَلَا قَضَاءَ لِخُلُوصِ الْحَقِّ لِلْبَاقِيَاتِ، فَلَوْ فَارَقَ الْمَظْلُومَةَ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ، ثُمَّ إنْ عَادَتْ بَعْدَ فِرَاقِ مَنْ ظَلَمَ بِهَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ لِخُلُوصِ الْحَقِّ لَهَا، وَلَوْ أُخْرِجَ فِي اللَّيْلِ ظُلْمًا كُرْهًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: فِي الْحَاوِي. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَلَهُ قَضَاءُ الْفَائِتِ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَعْصِي بِطَلَاقِ مَنْ لَمْ تَسْتَوْفِ حَقَّهَا بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ لِتَفْوِيتِهِ حَقَّهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِدْعِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ الْعِصْيَانُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ أَعَادَهَا وَلَوْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَالْمُسْتَوْفِيَة مَعَهُ وَلَوْ بِعَقْدٍ بَعْدَ طَلَاقٍ قَضَى الْمُعَادَةَ حَقَّهَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَحْسِبُ مُبِينَتَهُ مَعَ الْمَظْلُومَةِ عَنْ الْقَضَاءِ قَبْلَ عَوْدِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِذَلِكَ.
(وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ) أَوْ أَخْذِ (مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ) كَتَسْلِيمِ نَفَقَةٍ وَتَعْرِيفِ خَبَرٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطَّوَّفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ جَوَازُ الدُّخُولِ لِلضَّرُورَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَيَنْبَغِي) إذَا دَخَلَ نَهَارًا لِمَا ذُكِرَ (أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَطْوِيلُ الْمُكْثِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَإِنْ طَالَ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِلنَّصِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ) أَيْ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ شَيْخِي عَلَى
وَأَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَنَّهُ يَقْضِي إنْ دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ.
وَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ فِي الْإِقَامَةِ نَهَارًا.
وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ لَيْلَةٌ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ ثَلَاثًا، لَا زِيَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
ــ
[مغني المحتاج]
مَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ عَلَى مَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ بِالْحَاجَةِ، وَرَأَيْت بَعْضَ الشُّرَّاحِ ضَعَّفَ مَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَبَعْضَهُمْ ضَعَّفَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَهُوَ أَوْلَى، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَقْضِي إذَا طَالَ كَمَا فِي اللَّيْلِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لِحَاجَةٍ عَمَّا إذَا دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ، وَسَيَأْتِي (وَ) الصَّحِيحُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْوَطْءُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَأَنَّ مَنْ عِمَادُ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ النَّهَارُ أَنَّ نَهَارَهُ كَلَيْلِ غَيْرِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ (وَ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ يَقْضِي إنْ دَخَلَ) نَهَارًا (بِلَا سَبَبٍ) أَيْ يَقْضِي زَمَنَ الْإِقَامَةِ لِتَعَدِّيهِ، لَا أَنَّهُ يَقْضِي الِاسْتِمْتَاعَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَبَعٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا طَالَ الزَّمَنُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِطْلَاقَ.
(وَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ فِي) قَدْرِ (الْإِقَامَةِ نَهَارًا) لِتَبَعِيَّتِهِ لِلَّيْلِ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِشَارِ وَالتَّرَدُّدِ، وَقَدْ يَكْثُرُ فِي يَوْمٍ وَيَقِلُّ فِي آخَرَ، وَالضَّبْطُ فِيهِ عَسِرٌ بِخِلَافِ اللَّيْلِ، وَمَنْ عِمَادُ قَسْمَتِهِ النَّهَارُ فَبِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَرِيضَتَانِ وَلَا مُتَعَهِّدَ لَهُمَا يَقْسِمُ اللَّيَالِيَ عَلَيْهِمَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي التَّمْرِيضِ لَا بِالْقُرْعَةِ وَقَضَى لِلْبَاقِيَاتِ إنْ بَرِئَتَا، فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرِيضَةُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْسَبُ مِنْ نَوْبَتِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مُتَعَهِّدٌ فَلَا يَبِيتُ عِنْدَهَا إلَّا فِي نَوْبَتِهَا.
(وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ) لِمُقِيمٍ عَمَلُهُ نَهَارًا (لَيْلَةٌ) لَيْلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْوِيشِ الْعَيْشِ وَعُسْرِ ضَبْطِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَلَا بِلَيْلَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى، وَأَمَّا طَوَافُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى رِضَاهُنَّ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَأَمَّا مَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ كَالْحَارِسِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبْعِيضُهُ كَتَبْعِيضِ اللَّيْلَةِ مِمَّنْ يَقْسِمُ لَيْلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِسُهُولَةِ الضَّبْطِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ نَوْبَةً بِالْإِفْرَادِ اسْتَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِ لَيْلَةِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَفْظَةُ " أَقَلُّ " مَزِيدَةٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَقْرُبَ عَهْدُهُ بِهِنَّ (وَيَجُوزُ) لَيْلَتَيْنِ وَ (ثَلَاثًا) بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى لَيْلَةٍ إلَّا بِرِضَاهُنَّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (لَا زِيَادَةَ) عَلَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: وَإِنْ تَفَرَّقْنَ فِي الْبِلَادِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْمُهَاجَرَةِ، وَلِإِيحَاشِ الْبَاقِيَاتِ بِطُولِ الْمُقَامِ عِنْدَ الضَّرَّةِ وَقَدْ يَمُوتُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَيَفُوتُ حَقُّهُنَّ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ إلَى سَبْعٍ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُدَّةَ تَرَبُّصِ الْمُولِي.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ
وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ قُرْعَةٍ لِلِابْتِدَاءِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ.
وَلَا يُفَضِّلُ فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ لَكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ، أَمَّا إذَا رَضِينَ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ قَطْعًا.
(وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ قُرْعَةٍ) عَلَى الزَّوْجِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ (لِلِابْتِدَاءِ) بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُنَّ تَحَرُّزًا عَنْ التَّرْجِيحِ مَعَ اسْتِوَائِهِنَّ فِي الْحَقِّ فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا، فَإِذَا مَضَتْ نَوْبَتُهَا أَقْرَعَ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ، ثُمَّ بَيْنَ الْأُخْرَيَيْنِ، فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ رَاعَى التَّرْتِيبَ وَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْقُرْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَدَأَ بِلَا قُرْعَةٍ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ، فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ أَقْرَعَ لِلِابْتِدَاءِ، وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ، أَمَّا إذَا رَضِينَ بِتَقْدِيمِ وَاحِدَةٍ لَمْ يُمْتَنَعْ ذَلِكَ (وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَيَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ.
(وَلَا يُفَضِّلُ) بَعْضَ نِسَائِهِ (فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِفَضِيلَةٍ كَشَرَفٍ وَإِسْلَامٍ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ شُرِعَ لِلْعَدْلِ وَاجْتِنَابِ التَّفْضِيلِ الْمُفْضِي لِلْوَحْشَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ التَّفْضِيلِ مَسْأَلَتَيْنِ: أَشَارَ لِإِحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ) لِحَدِيثٍ فِيهِ مُرْسَلٍ، رَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَضَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ: فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْقَسْمَ اسْتِمْتَاعٌ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا غَالِبًا عَلَى النِّصْفِ إذْ لَا تُسَلِّمُ لَهُ إلَّا لَيْلًا، وَخَالَفَ حَقَّ الزِّفَافِ، إذْ الْغَرَضُ فِيهِ زَوَالُ الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْأَمَةِ مَعَ الْحُرَّةِ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا أَنْ يَسْبِقَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِشُرُوطِهِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ رَقِيقًا أَوْ مُبَعَّضًا، وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ: وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْأَمَةِ جَدِيدَةً إلَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْأَمَةُ الْقَسْمَ إذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ بِأَنْ تَكُونَ مُسَلِّمَةً لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْحُرَّةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَحَقُّ الْقَسْمِ لَهَا لَا لِسَيِّدِهَا فَهِيَ الَّتِي تَمْلِكُ إسْقَاطَهُ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَظِّ فِي الْقَسْمِ لَهَا كَمَا أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَهَا لَا لَهُ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ جَوَازَ لَيْلَتَيْنِ لَهَا إذَا كَانَ لِلْحُرَّةِ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الشَّرْطُ لَيْلَةً لَهَا وَلَيْلَتَيْنِ لِلْحُرَّةِ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا النَّقْصُ عَنْهُ لِئَلَّا يُزَادَ الْقَسْمُ عَلَى ثَلَاثٍ أَوْ يَنْقُصَ عَنْ لَيْلَةٍ وَهُمَا مُمْتَنِعَانِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَطْرَأْ الْعِتْقُ، فَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ لَيْلَتَيْ الْحُرَّةِ وَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْحُرَّةِ فَالثَّانِيَةُ مِنْ لَيْلَتَيْهَا لِلْعَتِيقَةِ ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ لَهَا عَلَى لَيْلَةٍ، وَإِلَّا فَلَهُ تَوْفِيَةُ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا، وَإِقَامَةُ مِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَتِيقَةِ، وَإِنْ عَتَقَتْ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا فَلَهُ إتْمَامُهَا وَيَبِيتُ مَعَ الْعَتِيقَةِ لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ خَرَجَ حِينَ الْعِتْقِ إلَى مَسْجِدٍ أَوْ بَيْتِ صَدِيقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ إلَى الْعَتِيقَةِ لَمْ يَقْضِ مَا مَضَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ اللَّيْلَةِ حَقًّا لِلْحُرَّةِ فَيَجِبُ إذَا كَمَّلَ اللَّيْلَةَ أَنْ لَا يَقْضِيَ جَمِيعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهَا فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ إذَا خَرَجَ فَوْرًا. .
أُجِيبَ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِأَنَّ نِصْفَيْ اللَّيْلَةِ كَالثَّلَاثَةِ
وَتَخْتَصُّ بِكْرٌ جَدِيدَةٌ عِنْدَ زِفَافٍ بِسَبْعٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَثَيِّبٌ بِثَلَاثٍ، وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
أَيَّامٍ، وَالسَّبْعَةِ فِي حَقِّ الزِّفَافِ لِلثَّيِّبِ، فَالثَّلَاثُ حَقٌّ لَهَا، وَإِذَا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا قَضَى الْجَمِيعَ كَمَا سَيَأْتِي، فَكَذَا إذَا أَقَامَ النِّصْفَ الثَّانِيَ قَضَاهُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ تَمَامَ اللَّيْلَةِ، كَمَا إذَا طَلَبَتْ الثَّيِّبُ السَّبْعَةَ وَإِلَّا فَيَقْضِي الزَّائِدَ فَقَطْ، وَعَنْ الشِّقِّ الثَّانِي بِأَنَّ الْعَتِيقَةَ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ لَهَا اسْتِحْقَاقٌ نَظِيرَ النِّصْفِ الْمَقْسُومِ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ، فَالْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمَا تَكُونُ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا، فَإِذَا اشْتَرَى صَاحِبُ الثُّلُثِ السُّدُسَ مِنْ الْآخَرِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مَا مَضَى.
وَإِنْ عَتَقَتْ فِي لَيْلَتِهَا قَبْلَ تَمَامِهَا زَادَهَا لَيْلَةً؛ لِالْتِحَاقِهَا بِالْحُرَّةِ قَبْلَ الْوَفَاءِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِعِتْقِهَا فِي يَوْمِهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْأَمَةِ وَعَتَقَتْ فِي لَيْلَتِهَا فَكَالْحُرَّةِ فَيُتِمَّهَا، ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا، أَوْ عَتَقَتْ بَعْدَ تَمَامِهَا، أَوْفَى الْحُرَّةَ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ اسْتَوْفَتْ لَيْلَتَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا فَتَسْتَوْفِي الْحُرَّةُ بِإِزَائِهَا لَيْلَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ الْأَمَةُ بِعِتْقِهَا حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا أَدْوَارٌ وَهُوَ يَقْسِمُ لَهَا قَسْمَ الْإِمَاءِ قَضَى الزَّوْجُ لَهَا مَا مَضَى إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ الْقَضَاءِ وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ الْقَضَاءَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَتَخْتَصُّ) وُجُوبًا زَوْجَةٌ (بِكْرٌ جَدِيدَةٌ) أَيْ جَدَّدَهَا عَلَى مَنْ فِي عِصْمَتِهِ زَوْجَةٌ يَبِيتُ عِنْدَهَا وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَافِرَةً (عِنْدَ زِفَافٍ) وَهُوَ حَمْلُ الْعَرُوسِ لِزَوْجِهَا (بِسَبْعٍ) وَلَاءٍ (بِلَا قَضَاءٍ) لِلْبَاقِيَاتِ (وَ) تَخْتَصُّ وُجُوبًا زَوْجَةٌ (ثَيِّبٌ) وَهِيَ الَّتِي إذْنُهَا النُّطْقُ (بِثَلَاثٍ) وَلَاءٍ بِلَا قَضَاءٍ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ:«سَبْعٌ لِلْبِكْرِ وَثَلَاثٌ لِلثَّيِّبِ» وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ زَوَالُ الْحِشْمَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ، وَزِيدَ لِلْبِكْرِ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ، وَالْحِكْمَةُ فِي الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِ أَنَّ الثَّلَاثَ مُغْتَفَرَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَالسَّبْعَ عَدَدُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ، فَإِنْ فَرَّقَ ذَلِكَ لَمْ تُحْسَبْ؛ لِأَنَّ الْحِشْمَةَ لَا تُزَالُ بِالْمُفَرَّقِ وَاسْتَأْنَفَ وَقَضَى الْمُفَرَّقَ لِلْأُخْرَيَاتِ، وَخَرَجَ بِجَدِيدَةٍ مَنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ تَوْفِيَةِ حَقِّ الزِّفَافِ، فَإِنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا زِفَافَ لَهَا، بِخِلَافِ الْبَائِنِ، وَبِخِلَافِ مُسْتَفْرَشَةٍ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا حَقُّ الزِّفَافِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْجَدِيدَةِ حَقُّ الزِّفَافِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَوْ نَكَحَ جَدِيدَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهُمَا وَجَبَ لَهُمَا حَقُّ الزِّفَافِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْقَسْمَ وَإِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَقْوَى الْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ مُطْلَقًا لِخَبَرِ أَنَسٍ، فَقَدْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ طُرُقًا فِيهَا الصَّرَاحَةُ بِمَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُطْلَقَةُ مُقَيَّدَةً بِتِلْكَ الرِّوَايَاتِ، وَدَخَلَ فِي الثَّيِّبِ الْمَذْكُورَةُ مَنْ كَانَتْ ثُيُوبَتُهَا بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَخَرَجَ بِهَا مَنْ حَصَلَتْ ثُيُوبَتُهَا بِمَرَضٍ أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
(وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا) أَيْ الثَّيِّبِ (بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ) لِلْبَاقِيَاتِ
وَسَبْعٍ بِقَضَاءٍ.
وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَاشِزَةٌ، وَبِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ يَقْضِي لَهَا، وَلِغَرَضِهَا لَا فِي الْجَدِيدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
(وَ) بَيْنَ (سَبْعٍ بِقَضَاءٍ) أَيْ مَعَ قَضَاءٍ لَهُنَّ: «كَمَا فَعَلَ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حَيْثُ قَالَ لَهَا: إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ» أَيْ بِالْقَسْمِ الْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَثَلَّثْتُ عِنْدَهُنَّ كَمَا قَالَ: وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، رَوَاهُ مَالِكٌ، وَكَذَا مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَرْ السَّبْعَ بِأَنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا، أَوْ اخْتَارَتْ دُونَ سَبْعٍ لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا، كَمَا أَنَّ الْبِكْرَ إذَا طَلَبَتْ عَشْرًا وَبَاتَ عِنْدَهَا مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا زَادَ لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ إذَا اخْتَارَتْ السَّبْعَ فَإِنَّهَا طَمِعَتْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا فَبَطَلَ حَقُّهَا، وَلَوْ زُفَّتْ لَهُ زَوْجَتَانِ مَعًا وَهُوَ مُكْرَهٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِلِابْتِدَاءِ لِحَقِّ الزِّفَافِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا قَدَّمَهَا بِجَمِيعِ السَّبْعِ أَوْ الثَّلَاثِ، فَإِنْ زُفَّتَا مُرَتَّبًا أَدَّى حَقَّ الْأُولَى أَوَّلًا، وَلَوْ زُفَّتْ جَدِيدَةٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ قَدْ وَفَّاهُمَا حَقَّهُمَا وَفَّى الْجَدِيدَةَ حَقَّهَا وَاسْتَأْنَفَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَسْمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ بَقِيَتْ لَيْلَةٌ لِإِحْدَاهُمَا بَدَأَ بِالْجَدِيدَةِ ثُمَّ وَفَّى الْقَدِيمَةَ لَيْلَتَهَا، ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَاتَهَا عِنْدَ الْقَدِيمَةِ كَأَنَّهَا بَيْنَ الْقَدِيمَتَيْنِ، فَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَدِيمَتَيْنِ نِصْفُ لَيْلَةٍ فَيَكُونُ لِلْجَدِيدَةِ مَا ذُكِرَ، وَيَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ يَقْسِمُ لَيْلَتَيْنِ فَتَزَوَّجَ جَدِيدَةً فِي أَثْنَاءِ لَيْلَةِ إحْدَاهُمَا فَهَلْ يَقْطَعُ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا وَيَقْسِمُ لِلْجَدِيدَةِ أَوْ يُكْمِلُ اللَّيْلَةَ؟ وَجْهَانِ فِي حِلْيَةِ الشَّاشِيِّ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَتَخَلَّفُ بِسَبَبِ الزِّفَافِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَاتِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ مُدَّةَ الزِّفَافِ إلَّا لَيْلًا فَيَتَخَلَّفُ وُجُوبًا تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَمَّا لَيَالِي الْقَسْمِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ لِذَلِكَ وَعَدَمِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ فِي لَيْلَةِ الْجَمْعِ أَوْ لَا يَخْرُجَ أَصْلًا، فَإِنْ خَصَّ لَيْلَةَ بَعْضِهِنَّ بِالْخُرُوجِ أَثِمَ.
(وَمَنْ سَافَرَتْ) مِنْهُنَّ (وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ) لِحَاجَتِهَا أَوْ حَاجَتِهِ (فَنَاشِزَةٌ) فَلَا قَسْمَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى: إذَا خَرِبَتْ الْبَلَدُ وَارْتَحَلَ أَهْلُهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ فَلَا تَكُونُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ نَاشِزَةً كَخُرُوجِهَا مِنْ الْبَيْتِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ. الثَّانِيَةُ: إذَا سَافَرَ السَّيِّدُ بِالْأَمَةِ بَعْدَ أَنْ بَاتَ الزَّوْجُ عِنْدَ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ، وَعَلَى الزَّوْجِ قَضَاءُ مَا فَاتَ عِنْدَ التَّمَكُّنِ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ. أَمَّا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ كَمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، لَكِنَّهَا تَعْصِي. نَعَمْ إنْ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا سَقَطَ حَقُّهَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ: وَمِثْلُهَا الْقَسْمُ (وَ) مَنْ سَافَرَتْ (بِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ) كَأَنْ أَرْسَلَهَا فِي حَاجَتِهِ (يَقْضِي لَهَا) مَا فَاتَهَا لِلْإِذْنِ وَغَرَضِهِ فَهِيَ كَمَنْ عِنْدَهُ وَفِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ نَفْسُهُ عَنْهَا بِإِرْسَالِهَا (وَ) بِإِذْنِهِ (لِغَرَضِهَا) كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَتِجَارَةٍ (لَا) يَقْضِي لَهَا (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي قَبْضَتِهِ، وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ رَفْعُ الْإِثْمِ، وَالْقَدِيمُ يَقْضِي
وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ حَرُمَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ، وَفِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ وَكَذَا الْقَصِيرَةُ فِي الْأَصَحِّ يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ، وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ سَفَرِهِ.
فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ وَصَارَ مُقِيمًا
ــ
[مغني المحتاج]
لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَلَوْ سَافَرَتْ لِحَاجَةِ ثَالِثٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَحَاجَةِ نَفْسِهَا اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهَا بِسُؤَالِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ وَإِلَّا فَيَلْحَقُ بِخُرُوجِهَا لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ، أَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا مَعًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَمِثْلُهَا الْقَسْمُ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ السُّقُوطِ وَامْتِنَاعُهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ نُشُوزٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْذُورَةً بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ.
(وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ) وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا (حَرُمَ) عَلَيْهِ (أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ) دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ بَلْ يَنْقُلُهُنَّ أَوْ يُطَلِّقُهُنَّ، وَإِنْ سَافَرَ بِبَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ، وَلَوْ نَقَلَ بَعْضَهُنَّ بِنَفْسِهِ وَبَعْضَهُنَّ بِوَكِيلِهِ قَضَى لِمَنْ مَعَهُنَّ الْوَكِيلُ فِي الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنْ أَقْرَعَ وَإِلَّا وَجَبَ قَطْعًا.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْكُلَّ جَازَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، بَلْ يَنْقُلُهُنَّ أَوْ يُطَلِّقُهُنَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ أَطْمَاعِهِنَّ مِنْ الْوِقَاعِ فَأَشْبَهَ الْإِيلَاءَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الدُّخُولِ إلَيْهِنَّ وَهُوَ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُنَّ (وَفِي سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ) الْمُبِيحَةِ لِلْقَصْرِ (وَكَذَا الْقَصِيرَةُ) الْمُبَاحَةُ (فِي الْأَصَحِّ يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ (بِقُرْعَةٍ) عِنْدَ تَنَازُعِهِنَّ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ أَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهَا أَوْ يَوْمِ غَيْرِهَا» ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِصَاحِبَةِ النَّوْبَةِ لَا تَدْخُلُ نَوْبَتُهَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ، بَلْ إذَا رَجَعَ وَفَّى لَهَا نَوْبَتَهَا. قَالَ: وَفِي نَصِّ الْأُمِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهَا وَلَهُ تَرْكُهَا: وَالثَّانِي: لَا يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ فِي التَّقْصِيرِ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى؛ لِأَنَّهُ كَالْإِقَامَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُقِيمِ تَخْصِيصُ بَعْضِهِنَّ بِالْقُرْعَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ عَصَى وَقَضَى، فَإِنْ رَضِينَ بِوَاحِدَةٍ جَازَ بِلَا قُرْعَةٍ وَسَقَطَ، وَلَهُنَّ الرُّجُوعُ قَبْلَ سَفَرِهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا بَعْدَهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَيْ يَصِلْ إلَيْهَا.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْبَعْضَ الْوَاحِدَةَ فَأَكْثَرَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا إذَا زَنَى وَغَرَّبَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِصْحَابِ زَوْجَتِهِ مَعَهُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ عَنْ الْبَغَوِيِّ (وَ) إذَا سَافَرَ بِالْقُرْعَةِ (لَا يَقْضِي) لِلزَّوْجَاتِ الْمُتَخَلِّفَاتِ (مُدَّةَ سَفَرِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَصْحَبَةَ وَإِنْ فَازَتْ بِصُحْبَتِهِ فَقَدْ لَحِقَهَا مِنْ تَعِبِ السَّفَرِ وَمَشَقَّتِهِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ، وَالْمُتَخَلِّفَةُ وَإِنْ فَاتَهَا حَظُّهَا مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ تَرَفَّهَتْ بِالدَّعَةِ وَالْإِقَامَةِ، فَتَقَابَلَ الْأَمْرَانِ فَاسْتَوَيَا، وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ الْمُبَاحِ غَيْرُهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ فِيهِ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، فَإِنْ فَعَلَ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْمُتَخَلِّفَاتِ وَبِالزَّوْجَاتِ الْإِمَاءِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ.
(فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ) بِكَسْرِ الصَّادِ (وَصَارَ مُقِيمًا) بِأَنْ نَوَى إقَامَةً مُؤَثِّرَةً أَوَّلَ سَفَرِهِ، أَوْ عِنْدَ وُصُولِهِ
قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ، لَا الرُّجُوعِ فِي الْأَصَحِّ.
وَمَنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا، وَقِيلَ يُوَالِيهِمَا، أَوْ لَهُنَّ سَوَّى
ــ
[مغني المحتاج]
مَقْصِدَهُ، أَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ (قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ، هَذَا إنْ سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ. أَمَّا إذَا اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي (لَا) مُدَّةَ (الرُّجُوعِ) بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا فَلَا يَقْضِيهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَا يَقْضِي مُدَّةَ الذَّهَابِ. وَالثَّانِي يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ جَدِيدٌ بِلَا قُرْعَةٍ. أَمَّا إذَا رَجَعَ مِنْ الْمَقْصِدِ قَبْلَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي جَزْمًا لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ السَّفَرِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَصْرِ، فَلَوْ أَقَامَ فِي مَقْصِدِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَزَادَ عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ قَضَى الزَّائِدَ، فَلَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ فَلَا يَقْضِي إلَى أَنْ تَمْضِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ اسْتَصْحَبَ وَاحِدَةً بِقُرْعَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَكَتَبَ لِلْبَاقِيَاتِ يَسْتَحْضِرُهُنَّ قَضَى الْمُدَّةَ مِنْ حِينِ كِتَابَتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَإِنْ اسْتَصْحَبَهَا بِلَا قُرْعَةٍ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَوْ لَمْ يَبِتْ مَعَهَا مَا لَمْ يَخْلُفْهَا فِي بَلَدٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ خَلَفَهَا لَمْ يَقْضِ لَهُنَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ.
(وَمَنْ وَهَبَتْ) مِنْهُنَّ (حَقَّهَا) مِنْ الْقَسْمِ لِغَيْرِهَا (لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا) بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا (فَإِنْ رَضِيَ) بِالْهِبَةِ (وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ) مِنْهُنَّ (بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا) كُلُّ لَيْلَةٍ فِي وَقْتِهَا مُتَّصِلَتَيْنِ كَانَتَا أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ وَإِنْ كَرِهَتْ «كَمَا فَعَلَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذِهِ الْهِبَةُ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبِ لَهَا بَلْ يَكْفِي رِضَا الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاهِبَةِ، إذْ لَيْسَ لَنَا هِبَةٌ يَقْبَلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ إلَّا هَذِهِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لَيْلَتَيْهِمَا أَنْ يَقْسِمَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي وَقْتِهَا مُتَّصِلَتَيْنِ كَانَتَا أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ (وَقِيلَ) فِي الْمُنْفَصِلَتَيْنِ (يُوَالِيهِمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ عَلَى وَقْتِهَا وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى وَقْتِهَا وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَيْهِ، وَالْمِقْدَارُ لَا يَخْتَلِفُ، وَعُورِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ مَنْ بِينَ اللَّيْلَتَيْنِ، وَبِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ بَيْنَهُمَا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَالْمُوَالَاةُ تُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا تَأَخَّرَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَأَرَادَ تَأْخِيرَهَا جَازَ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَتْ فَأَخَّرَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ إلَيْهَا بِرِضَاهَا تَمَسُّكًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَمَحَلُّ بَيَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ لَيْلَتَيْنِ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَبِتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ إلَّا لَيْلَتَهَا (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُنَّ) كُلِّهِنَّ أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ مُطْلَقًا (سَوَّى) بَيْنَهُنَّ فِيهِ جَزْمًا، فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ أَوْ الْمُسْقِطَةُ