الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْوَصَايَا
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الْوَصَايَا]
وَلَكِنَّ تَقْدِيمَهَا أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ فَتُقَسَّمُ تَرِكَتُهُ، وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَهَدَايَا وَهَدِيَّةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ أَيْ: لِتَشْمَلَ الْوِصَايَةَ فَإِنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُمَا، وَالْإِيصَاءُ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ، وَالْوَصَايَا لُغَةً، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةُ بِالْعَهْدِ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَالْوَصِيَّةُ لُغَةً الْإِيصَالُ مِنْ وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ. وَشَرْعًا تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ التَّبَرُّعُ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ وَإِنْ الْتَحَقَا بِهَا حُكْمًا كَالتَّبَرُّعِ الْمُنَجَّزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمَوَارِيثِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} [النساء: 11] . وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» أَيْ: مَا الْحَزْمُ أَوْ مَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الْأَخْلَاقِ إلَّا هَذَا فَقَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ: «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً بِكُلِّ الْمَالِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ: مَالًا الْوَصِيَّةُ الْآيَةَ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ، وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْقَرِيبِ غَيْرِ الْوَارِثِ وَتَقْدِيمُ الْمَحْرَمِ مِنْهُمْ ثُمَّ ذِي رَضَاعٍ ثُمَّ صِهْرٍ ثُمَّ ذِي وَلَاءٍ ثُمَّ جِوَارٍ كَمَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ الْمُنَجَّزَةِ، وَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجُونَ مِمَّنْ ذُكِرَ
تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ، وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ: إنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ.
ــ
[مغني المحتاج]
أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ.
أَمَّا الْوَارِثُ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى: كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَوْ حَقٍّ لِآدَمِيِّينَ: كَوَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: فَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُمْ كِتْمَانَهُ كَالْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ. اهـ.
وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَصَدَقَةُ الشَّخْصِ صَحِيحًا ثَمَّ حَيًّا أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَتِهِ مَرِيضًا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ: قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا» . .
وَأَرْكَانُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ: مُوصٍ، وَمُوصًى لَهُ، وَمُوصًى بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ:(تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ) مُخْتَارٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ (وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَهَا، وَمَالُهُ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْمُرْتَدَّ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. نَعَمْ إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ كَافِرًا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ، وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فَالسَّفِيهُ بِلَا حَجْرٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالسَّفِيهِ حَجْرُ الْفَلَسِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مَعَهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: مُكَلَّفٍ، فَقَالَ:(لَا مَجْنُونٍ) وَمَعْتُوهٍ وَمُبَرْسَمٍ (وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إذْ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ.
وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَإِنَّهُ فِي رَأْيِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ سَبَبُهُ سُكْرًا عَصَى بِهِ، وَكَلَامُهُ مُنْتَظِمٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (وَفِي قَوْلٍ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ فِي الْحَالِ، وَتُفِيدُ الثَّوَابَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالدَّارِمِيُّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: حُرٍّ. فَقَالَ: (وَلَا رَقِيقٍ) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ قِنًّا أَمْ مُدَبَّرًا أَمْ مُكَاتَبًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ أَمْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ التَّوَارُثُ، وَالرَّقِيقُ لَا يُورَثُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ (وَقِيلَ: إنْ) أَوْصَى فِي حَالِ رِقِّهِ ثُمَّ (عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ) لِأَنَّ عِبَارَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ حِينَئِذٍ.
أَمَّا إذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ سَيِّدُهُ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِصِحَّةِ تَبَرُّعِهِ بِالْإِذْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ.
وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ.
أَوْ لِشَخْصٍ فَالشَّرْطُ.
أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ بُطْلَانُ وَصِيَّةِ الْمُبَعَّضِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَقِيَاسُ التَّوْرِيثِ عَنْهُ الصِّحَّةُ. اهـ.
فَتَصِحُّ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ، وَالْمُبَعَّضَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: الصِّحَّةُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، وَالْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ، فَقَالَ:(وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَالشَّرْطُ) فِي الصِّحَّةِ (أَنْ لَا تَكُونَ) الْجِهَةُ (مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ) لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا وَلَوْ تَرْمِيمًا، وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا، وَكِتَابَةِ كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَالنُّجُومِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِدَهْنِ سِرَاجِ الْكَنِيسَةِ تَعْظِيمًا لَهَا.
أَمَّا إذَا قَصَدَ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ وَالْمُجَاوِرِينَ بِضَوْئِهَا، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَسَوَاءٌ أَوْصَى بِمَا ذُكِرَ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ، بَلْ قِيلَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ رِدَّةٌ، وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِبِنَاءِ مَوْضِعٍ لِبَعْضِ الْمَعَاصِي كَالْخَمَّارَةِ، وَإِذَا انْتَفَتْ الْمَعْصِيَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً كَالْفُقَرَاءِ أَوْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَا قُبُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا أَوْ مُبَاحَةً لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَفَكِّ أُسَارَى الْكُفَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ مَا فَاتَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ الْإِحْسَانِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً.
تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ مَنْعَ الْوَصِيَّةِ بِعِمَارَةِ الْكَنِيسَةِ، وَمَحَلُّهُ فِي كَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلَامَهُ. أَمَّا كَنِيسَةٌ تَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ أَوْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا أَوْ تُحْمَلُ أُجْرَتُهَا لِلنَّصَارَى فَيَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ إنْ خَصَّ نُزُولَهَا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ حَرُمَ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ أَوْصَى بِبِنَائِهَا لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَالتَّعَبُّدِ لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ.
(أَوْ) أَوْصَى (لِشَخْصٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الشَّخْصِ كَمَا فَعَلَ فِي الْوَقْفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ أَفْرَادُهُ: كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ (فَالشَّرْطُ) عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ الْوَصِيَّةُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَلَا تَصِحُّ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ: كَأَعْطُوا الْعَبْدَ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ صَحَّ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا تَشْبِيهًا بِمَا إذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ.
وَ (أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ) عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَوْ بِمُعَاقَدَةِ وَلِيِّهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِمَيِّتٍ، لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَهُنَاكَ مَيِّتٌ قُدِّمَ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ أَوْ الْمُحْدِثِ الْحَيِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ وَصِيَّةً لِمَيِّتٍ بَلْ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا أَوْ عَامًّا، لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ.
وَقَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ هُنَا: لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِلَّهِ - تَعَالَى - صُرِفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ
فَتَصِحُّ لِحَمْلٍ وَتُنْفَذُ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا وَعُلِمَ، وُجُودُهُ عِنْدَهَا بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَكْثَرَ، وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ أَوْ لِدُونِهِ اسْتَحَقَّ فِي الْأَظْهَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
. وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي فَتَمْتَنِعُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْكِتَابَةِ، لَكِنَّهُ هُنَا حَكَى وَجْهَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقِيَاسُ الْبَابِ الصِّحَّةُ: أَيْ: يَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْوَصِيَّةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ مِنْ الطَّلَاقِ كَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ بِمِلْكِهِ لَهُ، كَأَنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ إنْ مَلَكْتُهُ فَيَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَهُ صَحَّتْ قَطْعًا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِجِنِّيٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ مَنَعَ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَصَوُّرِ الْمِلْكِ قَوْلَهُ: (فَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِحَمْلٍ) مَوْجُودٍ وَلَوْ نُطْفَةً كَمَا يَرِثُ بَلْ أَوْلَى لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَرِثُ كَالْمُكَاتَبِ.
أَمَّا لَوْ قَالَ لِحَمْلِهَا الَّذِي سَيَحْدُثُ فَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ (وَتَنْفُذُ) بِمُعْجَمَةٍ (إنْ انْفَصَلَ) الْحَمْلُ (حَيًّا) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، فَلَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَوْ بِجِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَا يَرِثُ (وَعُلِمَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَإِذَا خَرَجَ قَبْلَهَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ سَيِّدٌ أَمْ لَا (فَإِنْ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ) مِنْهَا (وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ) الْمُوصَى بِهِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ عِنْدَهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّكِّ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ الْمَرْأَةُ الْآنَ (فِرَاشًا) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (وَانْفَصَلَ) الْحَمْلُ (لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَمْلُ الْمُوصَى لَهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ (أَوْ لِدُونِهِ) أَيْ دُونِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ الْأَرْبَعُ فَأَقَلُّ (اسْتَحَقَّ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ.
وَالثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ نَادِرٌ، وَفِي تَقْدِيرِ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ. نَعَمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا قَطُّ لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا قَالَهُ السُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ فِي الْفَاسِقَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ غَيْرِهَا.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ بِمَا فَوْقَهَا وَالْأَرْبَعِ سِنِينَ بِمَا دُونَهَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلْحَاقَ السِّتَّةِ بِمَا دُونَهَا مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسَعُ لَحْظَتَيْ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعِدَدِ، وَقَدْ رُدَّ مَا صَوَّبَهُ بِأَنَّ لَحْظَةَ الْوَطْءِ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْمُقَارَنَةِ فَالسِّتَّةُ عَلَى هَذَا مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دُونَهَا كَمَا قَالُوهُ فِي الْمَحَلِّ الْآخَرِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ وَأَنَّ التَّصْوِيبَ سَهْوٌ وَإِنْ
وَإِنْ أَوْصَى.
لِعَبْدٍ فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ.
ــ
[مغني المحتاج]
جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا فَقُدِرَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ فِيهَا كَمَا مَرَّ فَلَا تُبَعَّضُ الْأَحْكَامُ، وَلَوْ انْفَصَلَ تَوْأَمٌ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ آخَرُ لِدُونِهَا مِنْ الْوِلَادَةِ اسْتَحَقَّا، وَإِنْ زَادَ مَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ، وَبَيْنَ الثَّانِي عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْمَرْأَةُ فِرَاشٌ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِحَمْلِ هِنْد مِنْ زَيْدٍ اُعْتُبِرَ مَا مَعَ مَرَّ ثُبُوتُ نَسَبِهِ بِالشَّرْعِ مِنْ زَيْدٍ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ ثُمَّ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ لَمْ يَسْتَحِقَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِحَمْلِ فُلَانَةَ، وَيَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ لِلْحَمْلِ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا، فَلَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقِيلَ: يَكْفِي كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
(وَإِنْ أَوْصَى) لِحُرٍّ فَرُقَّ لَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ مُطْلَقًا بَلْ مَتَى عَتَقَ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فَيْئًا فِي الْأَظْهَرِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَالِ مَنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَ نَقْضِ أَمَانِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالثَّانِي: لِوَرَثَةِ الْمُوصِي.
وَإِنْ أَوْصَى (لِعَبْدٍ) لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمُكَاتَبٍ وَلَا مُبَعَّضٍ (فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ) إلَى مَوْتِ الْمُوصِي (فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ) عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَالْقَبُولِ: أَيْ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ لِتَصِحَّ لَكِنْ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعَبْدِ لَهَا وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَا يَكْفِي قَبُولُ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَلْ مَعَ الْعَبْدِ، هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْقَبُولِ، وَإِلَّا قَبِلَ السَّيِّدُ كَوَلِيِّ الْحُرِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ: يُوقَفُ الْحَالُ إلَى تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُوصِي تَمْلِيكَهُ، فَإِنْ قَصَدَهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: لَمْ تَصِحَّ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَقْفِ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يَعْتِقُ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَتَكُونُ لَهُ أَوَّلًا فَلِمَالِكِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ نَاجِزٌ، وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ.
وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهُ صَحَّ لَهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُنْتَظَرٌ، وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُمْ بِالْوَقْفِ عَلَى الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ (وَإِنْ عَتَقَ) كُلُّهُ (قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي) أَوْ بَاعَهُ كُلَّهُ كَذَلِكَ (فَلَهُ) فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ حُرٌّ حِينَئِذٍ، وَلِلْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ سَيِّدُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، فَقِيَاسُ مَا قَالُوا فِيمَا إذَا أَوْصَى لِمُبَعَّضٍ وَلَا مُهَايَأَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الْأُولَى، وَبَيْنَ السَّيِّدَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أَوْ بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ وَأَوْصَى أَوْ وَهَبَ لَهُ فَلِصَاحِبِ النَّوْبَةِ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ، وَلَوْ خَصَّصَ بِهَا نِصْفَهُ الْحُرَّ أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ أَحَدَ السَّيِّدَيْنِ تُخَصَّصُ (وَإِنْ عَتَقَ) أَوْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْقَبُولِ فَالْمِلْكُ لِلْمُعْتِقِ أَوْ الْبَائِعِ وَإِنْ عَتَقَ أَوْ بِيعَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (ثُمَّ قَبِلَ) الْوَصِيَّةَ (بُنِيَ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ) إنْ قُلْنَا بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ بِالْمَوْتِ فَقَطْ
وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا.
ــ
[مغني المحتاج]
فَهِيَ لِلْمُعْتِقِ أَوْ الْبَائِعِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَبُولِ فَقَطْ فَلِلْعَتِيقِ فِي الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ عَتَقَ مَعَ الْمَوْتِ فَالْمِلْكُ لِلْعَتِيقِ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَقْتَ الْمِلْكِ.
أَمَّا إذَا أَوْصَى لِعَبْدِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ صَحَّ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِهِ وَعَتَقَ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَبَاقِي الثُّلُثِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَصِيَّةٌ لِمَنْ بَعْضُهُ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ وَبَعْضُهُ حُرٌّ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَهُوَ لَهُ أَوْ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَرَطَ تَقْدِيمَ عِتْقِهِ فَازَ مَعَ عِتْقِهِ بِبَاقِي الثُّلُثِ.
وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَمُدَبَّرِهِ كَالْقِنِّ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لَهُ وَقْتَ الْمِلْكِ أَوْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ، وَخَرَجَ عِتْقُهُ مَعَ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ اسْتَحَقَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا قُدِّمَ الْعِتْقُ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُدَبَّرِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ لِلْوَارِثِ.
(وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ) لِغَيْرِهِ (وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ جَزْمًا لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكِ، وَالدَّابَّةُ لَا تَمْلِكُ، بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ مَعَهُ الْخِطَابُ وَيَأْتِي مَعَهُ الْقَبُولُ، وَرُبَّمَا عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ جَزَمُوا هُنَا بِالْبُطْلَانِ وَذَكَرُوا فِي إطْلَاقِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَجْهَيْنِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيُشْبِهُ مَجِيئَهُمَا هُنَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ فَيَنْبَغِي إضَافَتُهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْفَرْقُ أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَهَا أَيْ: عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بَلْ أَوْلَى (وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ. الْأُولَى مَصْدَرٌ وَالثَّانِيَةُ لِلْمَأْكُولِ (فَالْمَنْقُولُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالظَّاهِرِ الْمَنْقُولِ (صِحَّتُهَا) لِأَنَّ عَلْفَهَا عَلَى مَالِكِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا كَالْوَصِيَّةِ لِعِمَارَةِ دَارِهِ فَإِنَّهَا لَهُ؛ لِأَنَّ عِمَارَتَهَا عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا. هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَمُقَابِلُ الْمَنْقُولِ احْتِمَالٌ لِلرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَقْفِ وَجْهَانِ، فَيُشْبِهُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ قَالَ: فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَمُرَادُهُ بِالظَّاهِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ لَا أَنَّهُ نَاقِلٌ الْخِلَافَ فِي صِحَّتِهَا. اهـ.
وَعَلَى الْمَنْقُولِ يُشْتَرَطُ قَبُولُ مَالِكِ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ أَيْضًا كَسَائِرِ الْوَصَايَا. ثُمَّ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِي الْأُولَى لِعَلْفِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ لِعِمَارَتِهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ كَذَلِكَ، فَلَوْ بَاعَهَا مَالِكُهَا انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: هِيَ لِلْبَائِعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ إنْ انْتَقَلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ قِيَاسُ الْعَبْدِ فِي التَّقْدِيرَيْنِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَعَلَيْهِ لَوْ قَبِلَ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَ
وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ.
وَلِذِمِّيٍّ، وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
الدَّابَّةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ ذَلِكَ لِعَلْفِهَا وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (لِعِمَارَةِ) أَوْ مَصَالِحِ (مَسْجِدٍ) إنْشَاءً وَتَرْمِيمًا؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَفِي مَعْنَى الْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَالرِّبَاطُ الْمُسَبَّلُ وَالْخَانْقَاهْ وَقَيَّدَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ الْمَسْجِدَ بِالْمَوْجُودِ، فَإِنْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى لَمْ تَصِحَّ جَزْمًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا يَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ. وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَصْرِفُهُ قَيِّمُهُ فِي أَهَمِّهَا بِاجْتِهَادِهِ. وَالثَّانِي يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَالدَّابَّةِ، وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ نَادِرٌ مُسْتَنْكَرٌ فِي الْعُرْفِ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا قَالَ: أَرَدْتُ تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ سَبَقَ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَفْقَهُ وَالْأَرْجَحُ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي اللُّقَطَةِ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الْهِبَةِ لِلْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَالْكَعْبَةُ فِي ذَلِكَ كَالْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ. قَالَ: وَيُصْرَفُ فِي عِمَارَتِهَا، وَقِيلَ إلَى سَاكِنِ مَكَّةَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إلْحَاقُ الْكِسْوَةِ بِالْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ، وَكَذَا مَا أَوْصَى بِهِ لِلضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ - عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - يُحْمَلُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي حَرَمِهِ فَإِنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَرَمِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِذِمِّيٍّ) بِمَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَمَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ» وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ: " أَنَّ صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَوْصَتْ لِأَخِيهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَكَانَ يَهُودِيًّا " أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَالْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِهِ، وَفِي مَعْنَى الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ (وَكَذَا حَرْبِيٌّ) مُعَيَّنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِنَا أَمْ لَا بِمَا لَهُ تَمَلُّكُهُ لَا كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ (وَ) كَذَا (مُرْتَدٌّ) مُعَيَّنٌ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِمَا فَلَا مَعْنَى لِلْوَصِيَّةِ لَهُمَا كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ وَهُمَا مَقْتُولَانِ بِكُفْرِهِمَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: مَسْأَلَةُ الْمُرْتَدِّ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنَّا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ قَطْعًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُتَّجَهٌ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ التَّعْيِينُ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَتَصِحُّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ فَلَا تَصِحُّ لَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَرْتَدُّ بَطَلَتْ أَوْ لِمُسْلِمٍ
وَقَاتِلٌ فِي الْأَظْهَرِ.
وَلِوَارِثٍ فِي الْأَظْهَرِ، إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي،
ــ
[مغني المحتاج]
فَارْتَدَّ لَمْ تَبْطُلْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقِيَاسُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَنْ لَوْ أَوْصَى لِمَنْ يُحَارَبُ (وَ) كَذَا (قَاتِلٌ) وَلَوْ تَعَدِّيًا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَتْ الْهِبَةَ وَخَالَفَتْ الْإِرْثَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ يُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ لِجَارِحِهِ ثُمَّ يَمُوتَ أَوْ لِإِنْسَانٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ سَيِّدِ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَبْدٍ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ تَعَدِّيًا فَبَاطِلَةٌ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ فِي الْأُولَى وَمِثْلُهَا الثَّانِيَةُ أَوْ بِحَقٍّ فَيَظْهَرُ فِيهَا الصِّحَّةُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الثَّانِيَةِ وَمِثْلُهَا الْأُولَى.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (لِوَارِثٍ) خَاصٍّ غَيْرِ حَائِزٍ بِغَيْرِ قَدْرِ إرْثِهِ (فِي الْأَظْهَرِ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ) الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: صَالِحٌ
وَقِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازُوهَا لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَخَرَجَ بِخَاصٍّ الْوَارِثُ الْعَامُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ قَطْعًا، وَبِغَيْرِ حَائِزٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَائِزٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّتِمَّةِ، وَبِغَيْرِ قَدْرِ إرْثِهِ مَا لَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِقَدْرِ إرْثِهِ، فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي بَيْنَ الْمُشَاعِ، وَالْمُعَيَّنِ، وَبِالْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ مَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الْإِجَازَةُ وَلَا مِنْ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ أَجَازَ مَا لَمْ تُقْبَضْ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ قُبِضَتْ صَارَ ضَامِنًا مَا أَجَازَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ.
تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ هِبَتُهُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَقْفِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ وَقَفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمْ كَمَنْ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَلَهُ دَارٌ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَوَقَفَ ثُلُثَيْهِمَا عَلَى الِابْنِ وَثُلُثَهَا عَلَى الْبِنْتِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ فِي الْأَصَحِّ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إبْطَالُهُ وَلَا إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ نَافِذٌ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَطْعِ حَقِّ الْوَارِثِ عَنْ الثُّلُثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَمَكُّنُهُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى.
فَائِدَةٌ: مِنْ الْحِيَلِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِي بِخَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ قَبِلَ لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ (وَ) بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ (لَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ) الْوَصِيَّةَ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) فَلِمَنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاتِهِ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَكْسُهُ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُمْ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَدْ يَبْرَأُ وَقَدْ يَمُوتُ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْإِجَازَةِ أَيْضًا بَعْدَ الْمَوْتِ مَعَ
وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَةٌ، وَتَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ.
وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ، وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا.
ــ
[مغني المحتاج]
جَهْلِ قَدْرِ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ وَقَالُوا بَعْدَ إجَازَتِهِمْ: ظَنَنَّا كَثْرَةَ الْمَالِ وَأَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ مِنْ ثُلُثِهِ فَبَانَ قَلِيلًا، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، أَوْ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ فِيهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَادَّعَى الْمُجِيزُ الْجَهْلَ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ كَأَنْ قَالَ: كُنْتُ اعْتَقَدْتُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الْجَهْلِ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا ظَنَّهُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ لَمْ يُصَدَّقْ وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْجَمِيعِ (وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (وَارِثًا) أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ (بِيَوْمِ) أَيْ وَقْتِ (الْمَوْتِ) فَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّتْ، أَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ (وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) شَائِعًا مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ (لَغْوٌ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ وَارِثٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أُجِيزَ أَخَذَهُ وَقُسِمَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ (وَ) الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ (بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ) كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ ابْنَيْهِ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ بِدَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَهُمَا مَا يَمْلِكُهُ (صَحِيحَةٌ) كَمَا لَوْ أَوْصَى بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ لِزَيْدٍ (وَ) لَكِنْ (تَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِالْأَعْيَانِ وَمَنَافِعِهَا.
وَالثَّانِي لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي قِيمَةِ التَّرِكَةِ لَا فِي عَيْنِهَا، إذْ لَوْ بَاعَهَا الْمَرِيضُ بِثَمَنِ مِثْلِهَا صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ، وَالدَّيْنُ كَالْعَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُوصَى بِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَيَقْبَلُ النَّقْلَ فَلَا تَصِحُّ بِمَا لَا يُقْصَدُ كَدَمٍ، وَلَا بِمَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمِزْمَارٍ، وَلَا بِمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَقِصَاصٍ، وَحَقِّ الشُّفْعَةِ - إذَا لَمْ يَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ لِعُذْرٍ كَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ - وَحَدِّ قَذْفٍ وَإِنْ قَبِلَتْ الِانْتِقَالَ بِالْإِرْثِ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ.
نَعَمْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْقِصَاصِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ فِي الْمَرَضِ كَمَا حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ فَقَالَ (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِ) الْمَجْهُولِ كَ (الْحَمْلِ) الْمَوْجُودِ فِي الْبَطْنِ مُنْفَرِدًا عَنْ أُمِّهِ أَوْ مَعَهَا وَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَبِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ الطَّائِرِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي ثُلُثِهِ كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثَيْهِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَخْلُفَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَازَ أَنْ يَخْلُفَهُ الْمُوصَى لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَقَالَ: يُجَزُّ الصُّوفُ عَلَى الْعَادَةِ، وَمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَمَا حَدَثَ لِلْوَارِثِ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَمْلِ (انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ وَيُرْجَعُ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ.
أَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ حَمْلُ
وَبِالْمَنَافِعِ.
وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ.
وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ.
(وَ) .
ــ
[مغني المحتاج]
أَمَةٍ وَانْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ وَتَنْفُذُ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مُتَقَوِّمًا فَتَنْفُذُ فِي بَدَلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلٍ فَانْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ حَمْلَ بَهِيمَةٍ فَانْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ حَمْلَ أَمَةٍ وَانْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ فِي حَمْلِ الْأَمَةِ دُونَ الْبَهِيمَةِ فِيمَا إذَا انْفَصَلَا بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ بَدَلُهُ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَمَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ بَدَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا فَيَكُونُ لِلْوَارِثِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَمْ يَرِدْ، وَيَصِحُّ الْقَبُولُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ قَبْلَ الْوَضْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَهُوَ الرَّاجِحُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قَالَ إنْ وَلَدَتْ أَمَتِي ذَكَرًا فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ، أَوْ أُنْثَى فَوَصِيَّةٌ لِعَمْرٍو جَازَ وَكَانَ عَلَى مَا قَالَ سَوَاءٌ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى، فَقِيلَ لَا حَقَّ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: إنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا أَيْ: وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِالْمَنَافِعِ) الْمُبَاحَةِ وَحْدَهَا مُؤَقَّتَةً وَمُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُتَقَابِلَةٌ بِالْأَعْوَاضِ كَالْأَعْيَانِ، وَتَصِحُّ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَبِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ وَالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا لِشَخْصٍ مَعَ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا لِإِمْكَانِ صَيْرُورَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ وَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَادَتْ إلَى الْوَرَثَةِ لَا إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(وَكَذَا) تَصِحُّ (بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اُحْتُمِلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنْ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً فَتَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْدُومَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ.
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَسْتَدْعِي مُتَصَرَّفًا فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا أَوْصَى بِمَا يَحْدُثُ هَذَا الْعَامَ أَوْ كُلَّ عَامٍ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ: أَوْصَيْت بِمَا يَحْدُثُ فَهَلْ يَعُمُّ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالسَّنَةِ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي الْحَمْلِ فَوَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُوصًى بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا أَوْصَى بِمَا سَيَحْدُثُ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ كَانَ مُوصًى بِهِ أَوْ بَيْنَهُمَا وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
تَنْبِيهٌ: تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ بَعْدَ الْعَطْفِ بِأَوْ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ.
أَمَّا الْبَصْرِيُّ فَيُفْرِدُهُ فَكَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ سَيَحْدُثُ.
(وَ) تَصِحُّ (بِ) الْمُبْهَمِ كَ (أَحَدِ عَبْدَيْهِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِبْهَامُ وَتَعَيُّنُ الْوَارِثِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ صَحَّتْ هُنَا وَلَمْ تَصِحَّ فِي أَوْصَيْتُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ كَمَا مَرَّ؟ . .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى بِهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى لَهُ، وَلِهَذَا صَحَّتْ بِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَهُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ الْتَحَقَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ.
(وَ) تَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً وَبِالْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَبِعَبْدِ
بِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرِمَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ أَعْطَى أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ لَغَتْ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ الْمَالُ.
ــ
[مغني المحتاج]
غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْتُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَ (بِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ) لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا وَانْتِقَالِهَا بِالْإِرْثِ وَنَحْوِهِ، وَمِثْلُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ الْكَلْبُ الْقَابِلُ لِلتَّعْلِيمِ وَلَوْ جَرْوًا، وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ، وَالْكَلْبُ الْمُتَّخَذُ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَنَحْوِهَا لِجَوَازِ اقْتِنَاءِ ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ.
تَنْبِيهٌ: إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكَلْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فِي صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ زَرْعٍ أَوْ نَعَمٍ صَاحِبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ نَعَمٍ فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اقْتِنَاؤُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا الصِّحَّةُ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَقْرَبُ وَيَنْقُلُهُ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ (وَ) تَصِحُّ بِنَحْوِ (زِبْلٍ) مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَمَادٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ قَابِلٍ لِلدِّبَاغِ وَزَيْتٍ نَجِسٍ وَمَيْتَةٍ لِطَعْمِ الْجَوَارِحِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زِبْلِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ زِبْلِ الْأَوَّلَيْنِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ لِرُتْبِيَّةِ الزَّرْعِ (وَ) تَصِحُّ بِنَحْوِ (خَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ) كَنَبِيذٍ وَهِيَ مَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ أَوْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَحْكِمَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمُسْتَحْكِمَةِ بِالْبُطْلَانِ.
أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا (وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ) الَّتِي يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ وَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ كِلَابٌ يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا (أُعْطِيَ) الْمُوصَى لَهُ (أَحَدَهَا) وَالْخِيرَةُ لِلْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مَالًا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مِنْ الْكِلَابِ مُقْتَنًى وَتَعْتَوِرُهُ الْأَيْدِي كَالْأَمْوَالِ، فَقَدْ يُسْتَعَارُ لَهُ اسْمُ الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْكِلَابِ مَا يُنَاسِبُهُ وَإِنْ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ يُعْطِيهِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ) يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ لِتَعَذُّرِ شِرَاءِ كَلْبٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ اتِّهَابُهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ مُتَبَرِّعٌ وَأَرَادَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ جَازَ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ. انْتَهَى وَلِبُعْدِ هَذَا لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَفُقِدَ ثُمَّ تَجَدَّدَ لَهُ كَلْبٌ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصِّحَّةُ نَظَرًا إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ.
(وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا) كُلِّهَا (أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَثُرَتْ) تِلْكَ الْكِلَابُ (وَقَلَّ الْمَالُ) وَلَوْ دَانِقًا إذْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ الْمُوصَى بِهِ وَقَلِيلٌ مِنْ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْ الْكِلَابِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا.
وَالثَّانِي يُقَدَّرُ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَتَنْفُذُ فِي ثُلُثِ الْكِلَابِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَهُ كِلَابٌ وَأَوْصَى بِهَا كُلِّهَا نَفَذَ فِي ثُلُثِهَا فَقَطْ عَدَدًا لَا قِيمَةً، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا أَوْ كَلْبٌ فَقَطْ وَأَوْصَى بِهِ نَفَذَ فِي ثُلُثِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَفَذَ فِي وَاحِدٍ وَثُلُثٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَبِالْكِلَابِ لِعَمْرٍو لَمْ يُعْطَ عَمْرٌو إلَّا ثُلُثَهَا