الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ وَحَجِيجٍ حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتْ إلَّا إنْ صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ.
فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ حَظُّهُمْ بِسَبَبِ الثُّلُثِ الَّذِي نَفَذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُخْرَى فِي وَصِيَّةِ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ.
تَنْبِيهٌ: غَيْرُ الْكِلَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْكِلَابِ فِي نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَثُرَ وَقَلَّ الْمَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي.
وَلَوْ كَانَ لَهُ أَجْنَاسٌ مِنْ كِلَابٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ وَشَحْمِ مَيْتَةٍ وَوَصَّى بِوَاحِدٍ مِنْهَا اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ بِفَرْضِ الْقِيمَةِ لَا بِالْعَدَدِ وَلَا بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاسُبَ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ.
(وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ) كَالْكُوبَةِ ضَيِّقِ الْوَسَطِ وَاسِعِ الطَّرَفَيْنِ (وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ) وَهُوَ مَا يُضْرَبُ بِهِ لِلتَّهْوِيلِ (وَ) طَبْلُ (حَجِيجٍ) وَهُوَ مَا يُضْرَبُ لِلْإِعْلَامِ بِنُزُولٍ وَارْتِحَالٍ، وَطَبْلُ بَازٍ (حُمِلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (عَلَى) الطَّبْلِ (الثَّانِي) لِيَصِحَّ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الثَّوَابَ، وَهُوَ فِيمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَوْصَى بِعُودٍ وَبِهِ عُودُ لَهْوٍ لَا يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ وَعُودٌ مُبَاحٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَلَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْمُبَاحِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْعُودِ يَنْصَرِفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِعُودِ اللَّهْوِ، وَالطَّبْلُ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا طُبُولٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لَغَتْ (وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتْ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ (إلَّا إنْ صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ) وَنَحْوِهَا كَطَبْلِ الْبَازِي، أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهَا، وَسَوَاءٌ أَصَلَحَ عَلَى هَيْئَتِهِ أَمْ بَعْدَ تَغَيُّرٍ يَبْقَى مَعَهُ اسْمُ الطَّبْلِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا بِزَوَالِ اسْمِ الطَّبْلِ لَغَتْ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَالَ الْمُوصِي: أَرَدْتُ بِهِ الِانْتِفَاعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُمِلَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَافِي، وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
وَلَوْ أَوْصَى بِقَوْسٍ حُمِلَ عَلَى الْقَوْسِ الَّذِي لِرَمْيِ الْأَسْهُمِ مِنْ نَبْلٍ - وَهِيَ السِّهَامُ الصِّغَارُ - وَنُشَّابٍ، وَهِيَ السِّهَامُ الْفَارِسِيَّةُ وَحُسْبَانٍ وَهِيَ سِهَامٌ صِغَارٌ تُرْمَى بِمَجْرًى فِي الْقَوْسِ دُونَ قَوْسِ الْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ، وَلَوْ قَالَ: مِنْ قِسِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَوْسُ سِهَامٍ بَلْ قَوْسُ بُنْدُقٍ أَوْ نَدْفٍ حُمِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَا لَهُ حُمِلَ عَلَى قَوْسِ الْبُنْدُقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ، فَإِنْ عَيَّنَ قَوْسًا تَعَيَّنَ، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ مَا يُسَمَّى قَوْسًا تَخَيَّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْقَوْسُ الْوَتَرَ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى قَوْسًا بِدُونِهِ، بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الرِّيشَ وَالنَّصْلَ لِثُبُوتِهِمَا فِيهِ.
[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَفِي حُكْمِ إجْمَاعِ تَبَرُّعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ]
ٍ (يَنْبَغِي) أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ (أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:
فَإِنْ زَادَ وَرَدَّ الْوَارِثُ بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ أَجَازَ فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ، وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ، وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ يَوْمَ الْمَوْتِ،
ــ
[مغني المحتاج]
«أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْمَرَضِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ. وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ. قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ» فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِحُرْمَتِهَا.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّف أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا لَا يُطْلَبُ، وَهُوَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَيَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهَا لَا تَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ لِأَنَّ يَنْبَغِي إمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى يُنْدَبُ كَمَا حَلَّيْتُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَجِبُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْإِبَاحَةِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ أَمْ لَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ يُجْزَمُ بِحُرْمَتِهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَتِهِمْ. وَسُنَّ أَنْ يُنْقِصَ عَنْ الثُّلُثِ شَيْئًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَلِاسْتِكْثَارِ الثُّلُثِ فِي الْخَبَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَمْ لَا، وَإِنْ قَالَ الْمُصَنِّف فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَا يُسْتَحَبُّ النَّقْصُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ (فَإِنْ زَادَ) فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ (وَرَدَّ)(الْوَارِثُ) الْخَاصُّ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ (بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ) عَلَى الثُّلُثِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ يُوقَفُ إلَى تَأَهُّلِ الْوَارِثِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ تُوُقِّعَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَالَ شَيْخِي رحمه الله لِأَنَّ يَدَ الْوَارِثِ عَلَيْهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ أَجَازَ) الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفَ (فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ) أَيْ: إمْضَاءٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي بِالزَّائِدِ، وَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ) أَيْ هِبَةٌ (مُبْتَدَأَةٌ) مِنْ الْوَارِثِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ بَلْ أَصْحَابُ الدُّيُونِ الْمُسْتَغْرِقَةِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَجَازُوا وَرَدَّ الْوَارِثُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِسُقُوطِ الدَّيْنِ أَصْلًا، وَالْإِجَازَةُ لَا تُسْقِطُ الدَّيْنَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ دَفِينٌ وَنَحْوُهُ وُفُّوا مِنْهُ، وَإِذَا قُلْنَا تَنْفِيذٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَرَثَةِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ) لَا فَائِدَةَ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ عَطِيَّةً مِنْ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ.
فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا تَنْفِيذٌ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَالْقِيَاسُ صِحَّتُهُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ الْآنَ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ نَقْلٌ. اهـ.
وَيُؤَيِّدُ الْقِيَاسَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ (وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ) الْمُوصَى بِثُلُثِهِ (يَوْمَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ وَلَا عَبْدَ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَوْ زَادَ مَالُهُ
وَقِيلَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَتَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ: كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ.
وَإِذَا اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ أُقْرِعَ
ــ
[مغني المحتاج]
تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ (وَقِيلَ) يُعْتَبَرُ (يَوْمَ الْوَصِيَّةِ) وَعَلَيْهِ تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ يَوْمَ النَّذْرِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ اللُّزُومِ نَظِيرُ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ الثُّلُثَ الَّذِي تُنَفَّذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ هُوَ الثُّلُثُ الْفَاضِلُ بَعْدَ الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تُنَفَّذْ الْوَصِيَّةُ فِي شَيْءٍ، لَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ حَتَّى نُنَفِّذَهَا لَوْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ أَوْ قَضَى عَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) الَّذِي يُوصَى بِهِ (أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ) سَوَاءٌ أَعُلِّقَ فِي الصِّحَّةِ أَمْ فِي الْمَرَضِ.
تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: يَنْبَغِي إلَخْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْضًا: فَإِنَّهُ مَصْدَرَ آضَ: أَيْ: رَجَعَ (وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا (تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ) الَّذِي مَاتَ فِيهِ (كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ) لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا، إذْ لَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ الْهِبَةِ، وَخَرَجَ: بِتَبَرُّعٍ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا بَلْ إتْلَافًا وَاسْتِمْتَاعًا فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَبِمَرَضِهِ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي صِحَّتِهِ فَيُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ مَعَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي الْمَرَضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قِيمَةَ مَا يَفُوتُ عَلَى الْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ التَّفْوِيتِ فِي الْمُنَجَّزِ وَبِوَقْتِ الْمَوْتِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ مُنَجَّزًا فِي الْمَرَضِ قِيمَةُ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ قِيمَةُ يَوْمِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ بِأَقَلِّ قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ أَوْ يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ، فَمَا نَقَصَ قَبْلَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ جَارٍ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، وَلَوْ أَوْصَى بِتَأْجِيلِ الْحَالِّ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلِلرُّويَانِيِّ احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا التَّفَاوُتُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ.
(وَإِذَا اجْتَمَعَ) فِي وَصِيَّةٍ (تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ) وَإِنْ كَانَتْ مُرَتَّبَةً (وَعَجَزَ الثُّلُثُ) عَنْهَا أَيْ: لَمْ يُوفِ بِهَا (فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ) كَأَنْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ أَوْ غَانِمٌ وَسَالِمٌ وَبَكْرٌ أَحْرَارٌ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ، فَمَنْ قُرِعَ عَتَقَ مِنْهُ مَا يَكْفِي الثُّلُثَ وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ الْقُرْعَةِ فِي بَابَيْ الْقِسْمَةِ وَالْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِتْقِ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ الرِّقِّ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّشْقِيصِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَرَتُّبُهَا مَعَ إضَافَتِهَا لِلْمَوْتِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي وَقْتِ نَفَاذِهَا، وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ، بَلْ لَا يُقَدَّمُ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَحْتَاجُ
أَوْ غَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ.
أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ قُسِّطَ بِالْقِيمَةِ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ.
أَوْ مُنَجَّزَةٌ قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ فَإِنْ وُجِدَتْ دُفْعَةً وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ وَقُسِّطَ فِي غَيْرِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
إلَى إنْشَاءِ عِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهِمَا وَاحِدٌ. نَعَمْ إنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً، كَأَنْ قَالَ: أَعْتِقُوا سَالِمًا بَعْدَ مَوْتِي ثُمَّ غَانِمًا ثُمَّ بَكْرًا قُدِّمَ مَا قَدَّمَهُ جَزْمًا.
فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ غَانِمٌ ثُمَّ نَافِعٌ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ، بَلْ هُمْ سَوَاءٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّف؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ فِيمَا مَثَّلُوا بِهِ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَفْقِ اعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ آخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا (أَوْ) تَمَحَّضَ تَبَرُّعَاتٌ (غَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ) عَلَى الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِقْدَارِ كَمَا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ.
فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِبَكْرٍ بِخَمْسِينَ وَلِعَمْرٍو بِخَمْسِينَ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ، وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ الْوَصَايَا إنَّمَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، فَاسْتَوَى فِيهَا حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَلَى الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ، هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ رَتَّبَ كَأَنْ قَالَ: اُعْطُوا زَيْدًا مِائَةً ثُمَّ عَمْرًا مِائَةً جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ تَرْتِيبِهِ.
(أَوْ هُوَ) أَيْ اجْتَمَعَ عِتْقٌ (وَغَيْرُهُ) كَأَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَلِزَيْدٍ بِمِائَةٍ (قُسِّطَ) الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا (بِالْقِيمَةِ) لِلْعَتِيقِ لِاتِّحَادِ وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَالثُّلُثُ مِائَةٌ عَتَقَ نِصْفُهُ وَلِزَيْدٍ خَمْسُونَ (وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) لِقُوَّتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَوْصَى لَهُ بِمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا شَيْءَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُقَسَّطُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ، فَإِنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَ التَّبَرُّعَاتِ مُرَتَّبَةً بَعْدَ الْمَوْتِ، كَأَنْ قَالَ: اعْتِقُوا بَكْرًا ثُمَّ أَعْطُوا زَيْدًا مِائَةً قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ مَرِضَ شَهْرًا فَأَكْثَرَ وَمَاتَ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ فِي الصِّحَّةِ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْمَرَضِ كَمَا قَالَاهُ هُنَا.
(أَوْ) اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ (مُنَجَّزَةٌ) كَأَنْ أَعْتَقَ وَوَقَفَ وَتَصَدَّقَ (قُدِّمَ الْأَوَّلُ) مِنْهَا (فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ) لِقُوَّتِهِ وَنُفُوذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إجَازَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهَا عِتْقٌ أَمْ لَا اتَّحَدَ جِنْسُهَا أَمْ لَا وَيَتَوَقَّفُ مَا بَقِيَ مِنْهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ (فَإِنْ وُجِدَتْ) هَذِهِ التَّبَرُّعَاتُ (دُفْعَةً) بِضَمِّ الدَّالِ: إمَّا مِنْهُ، أَوْ بِوَكَالَةٍ (وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ) فِيهَا (كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ) كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكُمْ أَوْ أَبْرَأْتُكُمْ (أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ) خَاصَّةً حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ فِي الْجَمِيع لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» .
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْلَا الْحَدِيثُ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ مِقْدَارُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ تَرَكَهُ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْإِعْتَاقِ تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ. وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْغَرَضُ مَعَ بَقَاءِ رِقِّ بَعْضِهِ (وَقَسَّطَ) بِالْقِيمَةِ (فِي غَيْرِهِ) كَمَا مَرَّ.
وَإِنْ اخْتَلَفَ وَتَصَرَّفَ وُكَلَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ قُسِّطَ، وَإِنْ كَانَ قُسِّطَ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ فَقَالَ إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ وَلَا إقْرَاعَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيهِ غَائِبٌ لَمْ تُدْفَعْ كُلُّهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ أَيْضًا.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ عِتْقِ الْعَبِيدِ مُرَتَّبًا وَدُفْعَةً، وَسَكَتَ عَمَّا إذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ بِأَنْ عُلِمَ التَّرْتِيبُ وَلَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ أَوْ عُلِمَ ثُمَّ نَسِيَ. وَحُكْمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي بَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ بَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ بَعْضُهُ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَ) جِنْسُ التَّبَرُّعَاتِ (وَتَصَرَّفَ) فِيمَا دَفَعَهُ (وُكَلَاءُ) الْمُوصِي (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ) بِأَنْ تَمَحَّضَ غَيْرُهُ، كَأَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي هِبَةٍ، وَآخَرَ فِي بَيْعٍ بِمُحَابَاةٍ، وَآخَرَ فِي صَدَقَةٍ وَتَصَرَّفُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً (قُسِّطَ) الثُّلُثُ عَلَى الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّيُونِ (وَإِنْ كَانَ) فِي تَصَرُّفِ الْوُكَلَاءِ عِتْقٌ (قُسِّطَ) الثُّلُثُ عَلَيْهَا أَيْضًا (وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) هُمَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ بِتَوْجِيهِهِمَا.
تَنْبِيهٌ قَدْ يُوهِمُ تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ حَصْرَ وُقُوعِ التَّصَرُّفَاتِ دُفْعَةً بِتَصَرُّفِ وُكَلَاءَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ: أَعْتَقْتَ وَأَبْرَأْت وَوَقَفْتَ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَبَقِيَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ أَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ تَبَرُّعَاتٌ مُنَجَّزَةٌ وَتَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ فَيُقَدَّمُ الْمُنَجَّزُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْمَرِيضُ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْبُيُوعِ الْمُنَجَّزَةِ سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ تَرْتِيبٌ لَا سَالِمٌ وَغَانِمٌ حُرَّانِ.
(وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ، فَقَالَ: إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ) غَانِمٌ فَقَطْ لِسَبْقِهِ (وَلَا إقْرَاعَ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَخْرُجَ الْقُرْعَةُ بِالْحُرِّيَّةِ لِسَالِمٍ فَيَلْزَمُ إرْقَاقُ غَانِمٍ فَيَفُوتُ شَرْطُ عِتْقِ سَالِمٍ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِقْرَاعِ، وَلِهَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تِلْوَهَا.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ فِي حَالِ إعْتَاقِ غَانِمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِهِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُكُمَا، وَاسْتَثْنَى صُورَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي بَابِ الْعِتْقِ، وَهِيَ إذَا قَالَ: ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَلَا قُرْعَةَ فِي الْأَصَحِّ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَقَطْ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا أَوْ لَا عَبِيدَ إنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُهُ آخِرًا عَتَقَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ غَانِمٍ ثُلُثَاهُ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ تَفَاوَتَا فَبِقَدْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا.
أَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ أَحَدُهُمَا بِكَمَالِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقِسْطِهِ أَوْ يَخْرُجُ مَعَهُ سَالِمٌ أَوْ بَعْضُهُ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ فِي الْأُولَى وَغَانِمٌ وَبَعْضُ سَالِمٍ فِي الثَّانِيَةِ.
(وَلَوْ أَوْصَى) لِشَخْصٍ (بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيه غَائِبٌ لَمْ تُدْفَعْ) أَيْ الْعَيْنُ (كُلُّهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ) لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْغَائِبِ فَلَا يَحْصُلُ لِوَرَثَةٍ مَثَلًا مَا حَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ) مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ (أَيْضًا) لِأَنَّ تَسَلُّطَهُ