الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّ لَوْ أَسْلَمُوا، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ.
فَصْلٌ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ
ــ
[مغني المحتاج]
وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْءٌ اسْتَوْفَيْنَاهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ، فَلَوْ أَقَرَّهُ ذِمِّيٌّ بِزِنًا أَوْ سَرِقَةِ مَالٍ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ حَدَّدْنَاهُ. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، أَوْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمَا الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ بَيْنَهُمَا جَزْمًا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَرْضَى مِلَّةَ الْآخَرِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَعَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْحُكْمَ وَجَبَ الْإِعْدَاءُ وَالْحُضُورُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبَانِ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَيُفْهَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الْحُكْمُ بَيْنَ حَرْبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَمُعَاهَدٍ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ عُقِدَتْ الذِّمَّةُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ كَالْمُعَاهَدِينَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ فَكَذَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ضَابِطٍ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ صُوَرِهِ بِقَوْلِهِ (وَنُقِرُّهُمْ) فِي كُلِّ مَا تَرَافَعُوا فِيهِ إلَيْنَا (عَلَى مَا نُقِرُّ) هُمْ عَلَيْهِ (لَوْ أَسْلَمُوا، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ) وَنُوجِبُ النَّفَقَةَ فِي نِكَاحِ مَنْ قَرَّرْنَاهُ، فَلَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا قَرَّرْنَا النِّكَاحَ وَحَكَمْنَا بِالنَّفَقَةِ، وَإِنْ نَكَحَ الْمَجُوسِيُّ مَحْرَمًا لَهُ وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا لَمْ نَعْتَرِضْ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَرَفُوا مِنْ حَالِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ الْمَحَارِمَ وَلَمْ يَعْتَرِضُوهُمْ، فَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا فِي النَّفَقَةِ أَبْطَلْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَا نَفَقَةَ؛ لِأَنَّهُمَا بِالتَّرَافُعِ أَظْهَرَا مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَظْهَرَ الذِّمِّيُّ الْخَمْرَ، وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا كَافِرٌ تَحْتَهُ أُخْتَانِ وَطَلَبُوا فَرْضَ النَّفَقَةِ أَعْرَضْنَا عَنْهُمْ مَا لَوْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ رَضُوا بِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ بِأَنْ نَأْمُرَهُ بِاخْتِيَارِ إحْدَاهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي نِكَاحِ الْمَحْرَمِ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا فِي الْأُخْتَيْنِ كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْرَمَ أَشَدُّ حُرْمَةً؛ لِأَنَّ مَنْعَ نِكَاحِهَا لِذَاتِهَا، وَإِنَّمَا مُنِعَ فِي الْأُخْتَيْنِ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَيُزَوِّجُ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ بِشُهُودٍ مِنْهُمْ ذِمِّيًّا بِكِتَابِيَّةٍ لَا وَلِيَّ لَهَا خَاصٌّ بِالْتِمَاسِهِمْ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمُ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ]
ِ الزَّائِدَاتِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ، لَوْ (أَسْلَمَ) الْكَافِرُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ (وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ (وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) عَلَى أَيِّ دِينٍ يَكُنَّ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ) تَخَلَّفْنَ وَهُنَّ مَدْخُولٌ بِهِنَّ وَكُنَّ غَيْرَ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَهُ (فِي الْعِدَّةِ) وَهِيَ مِنْ حِينِ إسْلَامِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ فِي الْعِدَّةِ (أَوْ) لَمْ يُسْلِمْنَ أَصْلًا بَلْ
كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ، وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ، وَإِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ تَعَيَّنَ.
ــ
[مغني المحتاج]
(كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ) يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِنَّ (لَزِمَهُ) حَالَ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلِاخْتِيَارِ وَلَوْ سَكْرَانَ (اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ) مِنْهُنَّ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَةِ الْإِرْثِ، وَيَرِثُ مِنْ الْمَيِّتَاتِ الْمُخْتَارَاتِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ (وَيَنْدَفِعُ) بَعْدَ اخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ نِكَاحُ (مَنْ زَادَ) لِأَنَّ «غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَسَوَاءٌ نَكَحَهُنَّ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا، اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَحَمْلُ الْخَصْمِ لَهُ عَلَى الْأَوَائِلِ بَعِيدٌ يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ:«أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا، فَعَمِدْتُ إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٌ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا» وَحَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ أَبْعَدُ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ، فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ.
فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَسْلَمَ سِتَّةٌ مِنْ ثَقِيفٍ كُلٌّ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَامِرٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ.
تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِلُزُومِ اخْتِيَارِ أَرْبَعٍ يُوهِمُ إيجَابَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْلَ الِاخْتِيَارِ وَاجِبٌ لِئَلَّا يَسْتَدِيمَ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ. وَأَمَّا إمْسَاكُ أَرْبَعٍ فَجَائِزٌ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ابْنُ شُهْبَةَ وَابْنُ قَاسِمٍ وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَقَدْ سَلِمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَا اخْتَارَ أَرْبَعًا، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ اللُّزُومُ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ يَحْمِلُ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ دَفْعَ الْمُفَارَقَاتِ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعِدَّةُ وَهُوَ انْدِفَاعُ بَيْنُونَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. أَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ ثِنْتَيْنِ كَيْفَ شَاءَ حُرَّتَيْنِ أَوْ لَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ عَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ النِّكَاحَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، وَلَا لِلْوَلِيِّ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُهُ لِيَخْتَارَ، وَنَفَقَتُهُنَّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ لِحَبْسِهِنَّ لِأَجْلِهِ، وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْكُفْرِ زَوْجَيْنِ وَأَسْلَمُوا فَإِنْ نَكَحَتْهُمَا مَعًا أَبْطَلْنَا النِّكَاحَ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أَوْ مُرَتَّبًا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ مَاتَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَ الثَّانِي وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّزْوِيجَ بِزَوْجَيْنِ قَرَّرْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَسْلَمَا دُونَهَا أَوْ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً (وَإِنْ أَسْلَمَ) مِنْهُنَّ (مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ) بَعْدَهُ (فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ) أَوْ أَقَلُّ (تَعَيَّنَ) لِلنِّكَاحِ وَانْدَفَعَ نِكَاحُ مَنْ زَادَ لِتَأَخُّرِ إسْلَامِهِنَّ عَنْ إسْلَامِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَنْ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ
وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا كِتَابِيَّتَانِ أَوْ أَسْلَمَتَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا، أَوْ لَا بِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ، أَوْ بِالْبِنْتِ تَعَيَّنَتْ، أَوْ بِالْأُمِّ حَرُمَتَا أَبَدًا، وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ.
أَوْ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ أُقِرَّ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَإِنْ تَخَلَّفَتْ
ــ
[مغني المحتاج]
ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ مِنْ وَقْتِ إسْلَامِ الزَّوْجِ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْ الْأُولَيَاتِ أَوْ الْأَخِيرَاتِ كَيْفَ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ الْأُولَيَاتُ أَوْ بَعْضُهُنَّ جَازَ لَهُ اخْتِيَارُ الْمَيِّتَاتِ وَيَرِثُ مِنْهُنَّ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ مِنْ ثَمَانٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، أَوْ مُتْنَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ فِي عِدَّتِهِنَّ تَعَيَّنَتْ الْأَخِيرَاتُ.
(وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا) نَكَحَهُمَا مَعًا أَمْ لَا وَهُمَا (كِتَابِيَّتَانِ أَوْ) غَيْرُ كِتَابِيَّتَيْنِ وَ (أَسْلَمَتَا) مَعَ الزَّوْجِ كَانَ لِلْمُسْلِمَةِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا) سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِشُبْهَةٍ يُحَرِّمُ الْأُخْرَى فَبِنِكَاحٍ أَوْلَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مُسَمَّاهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ.
الْحَالُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ (بِوَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ) وَانْدَفَعَتْ الْأُمُّ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَاسْتَحَقَّتْ الْأُمُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَنِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ لِانْدِفَاعِ نِكَاحِهَا بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ (وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) دَخَلَ (بِالْبِنْتِ) فَقَطْ (تَعَيَّنَتْ) وَحَرُمَتْ الْأُمُّ أَبَدًا، وَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا وَإِلَّا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى.
الْحَالُ الرَّابِعُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) دَخَلَ (بِالْأُمِّ) فَقَطْ (حَرُمَتَا أَبَدًا) أَمَّا الْبِنْتُ فَلِلدُّخُولِ بِالْأُمِّ. وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِلْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَلِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا وَإِلَّا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَاعْتَذَرَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّ كِلَاهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَكَحَ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَيَجِبُ لِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ نِسْوَةً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ (وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ) وَتَنْدَفِعُ الْبِنْتُ بِوَطْءِ الْأُمِّ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ.
الْحَالُ الْخَامِسُ: لَوْ شَكَّ هَلْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لَا؟ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّ الْوَرَعَ تَحْرِيمُهُمَا.
الْحَالُ السَّادِسُ: لَوْ شَكَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا لِتَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَا بُدَّ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ مِنْ تَيَقُّنِ حِلِّ الْمَنْكُوحَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أُخْتٍ اخْتَارَ وَاحِدَةً.
ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَالَ (أَوْ) أَسْلَمَ (وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ) أَسْلَمَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ (فِي الْعِدَّةِ) أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ (أُقِرَّ) النِّكَاحُ (إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ) حِينَئِذٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ حُرٍّ أَوْ حُرًّا مُعْسِرًا خَائِفًا الْعَنَتَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ أُقِرَّ عَلَى نِكَاحِهَا (وَإِنْ تَخَلَّفَتْ) عَنْ إسْلَامِهِ أَوْ هُوَ عَنْ
قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ، أَوْ إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ أَمَةً إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ، وَإِلَّا انْدَفَعْنَ.
أَوْ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ وَانْدَفَعْنَ، وَإِنْ أَصَرَّتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا.
ــ
[مغني المحتاج]
إسْلَامِهَا (قَبْلَ دُخُولٍ) أَوْ بَعْدَ دُخُولٍ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا إسْلَامٌ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تَحِلَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ (تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ) كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا (أَوْ) أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ (إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ)(مَعَهُ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ بَعْدَ إسْلَامِهِنَّ (أَوْ) هُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ (فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ) الْحُرُّ مِنْهُنَّ (أَمَةً) وَاحِدَةً فَقَطْ (إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً نِكَاحُ الْأَمَةِ، فَجَازَ لَهُ اخْتِيَارُهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ (انْدَفَعْنَ) جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُهَا كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ.
فَائِدَةٌ: الْمُفْسِدُ لِلنِّكَاحِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاسْتَمَرَّ كَالْعِدَّةِ كَفَى فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ اقْتِرَانُهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ طَارِئًا كَالْيَسَارِ وَأَمْنِ الْعَنَتِ فِي الْأَمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهِ بِإِسْلَامِهِمَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى ثَلَاثِ إمَاءٍ فَأَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ فِي عِدَّتِهَا وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ الثَّالِثَةُ كَذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ انْدَفَعَتْ الْوُسْطَى، وَيُخَيَّرُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي انْدِفَاعِ النِّكَاحِ إذَا اقْتَرَنَ بِإِسْلَامِهِمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَحَهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ لَمْ يَدُمْ النِّكَاحُ لِمَا مَرَّ.
وَلَوْ أَسْلَمَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ عَلَى أَمَةٍ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ) أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ (حُرَّةٌ) تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا (وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ) أَيْ الْحُرَّةُ وَالْإِمَاءُ (مَعَهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ) كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَ إسْلَامِهِ (فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ) أَيْ الْحُرَّةُ لِلنِّكَاحِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهَا عَنْ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ الْإِمَاءِ (وَانْدَفَعْنَ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَمَةً مَعَ وُجُودِ حُرَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ لَهُ اخْتِيَارَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (وَإِنْ أَصَرَّتْ) تِلْكَ الْحُرَّةُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً يَحِلُّ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا (فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً) إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ حُرَّةً لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا بَانَتْ بِإِسْلَامِهِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ أَمَةٍ فِي تَخَلُّفِ الْحُرَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَارَ أَمَةً وَأَصَرَّتْ الْحُرَّةُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ مَاتَتْ وَجَبَ تَحْدِيدُ الِاخْتِيَارِ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ (وَلَوْ أَسْلَمَتْ) أَيْ الْحُرَّةُ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ (وَعَتَقْنَ) أَيْ الْإِمَاءُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ (ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ) أَصْلِيَّاتٍ حُكْمُهُنَّ، وَحِينَئِذٍ (فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا) مِنْهُنَّ وَلَوْ دُونَ الْحُرَّةِ
وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ،
ــ
[مغني المحتاج]
لِالْتِحَاقِهِنَّ بِالْحَرَائِرِ الْأَصْلِيَّاتِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ، بَلْ الضَّابِطُ الشَّامِلُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا أَنْ يَطْرَأَ الْعِتْقُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِنَّ وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِصُورَةِ الْمَتْنِ وَبِمَا إذَا أَسْلَمْنَ ثُمَّ عَتَقْنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ. أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ عِتْقُهُنَّ عَنْ إسْلَامِهِنَّ بِأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ أَوْ عَكْسُهُ ثُمَّ عَتَقْنَ اسْتَمَرَّ حُكْمُ الْإِمَاءِ عَلَيْهِنَّ، فَتَتَعَيَّنُ الْحُرَّةُ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا اخْتَارَ أَمَةً مِنْ الْإِمَاءِ بِشَرْطِهِ.
فَرْعٌ: لَوْ أَسْلَمَ مِنْ إمَاءٍ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ عَتَقَتْ الْبَاقِيَاتُ ثُمَّ أَسْلَمْنَ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِنَّ عَلَى إسْلَامِهِنَّ، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ الْأُولَى لِرِقِّهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا، فَتَنْدَفِعُ بِالْمُعْتَقَاتِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ، وَمُقَارَنَةُ الْعِتْقِ لِإِسْلَامِهِنَّ كَتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ، فَعَتَقَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْأُخْرَيَانِ انْدَفَعَتَا دُونَ الرَّقِيقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَخْتَارُهَا أَوْ صَاحِبَتَهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ سَهْوٌ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لِاقْتِرَانِ حُرِّيَّةِ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بِإِسْلَامِهِمَا، وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِمَا، وَلَا نَقُولُ بِانْدِفَاعِهِمَا بِمُجَرَّدِ عِتْقِ تِلْكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتِقَا ثُمَّ يُسْلِمَا، وَإِنَّمَا تَنْدَفِعَانِ إذَا أَسْلَمَتَا عَلَى الرِّقِّ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ فَلَهُ اخْتِيَارُ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ، إذْ الْأَمَةُ فِي حَقِّهِ كَالْحُرَّةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْحُرِّ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ إسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ أَوَّلًا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فَلَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِرِقِّهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهَا عِتْقٌ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَوَاءٌ أَسْلَمَتْ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: تَسْوِيَتُهُ بَيْنَ أَنْ تُسْلِمَ وَأَنْ لَا تُسْلِمَ غَلَطٌ لِاقْتِضَاءِ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ وَكَانَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ شَرَعَ فِي أَلْفَاظِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ:(وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ: كَحَبَسْتُكِ أَوْ نِكَاحُكِ أَوْ عَقْدُكِ أَوْ حَبَسْتُكِ عَلَى النِّكَاحِ لِمَجِيءِ الِاخْتِيَارِ وَالْإِمْسَاكِ فِي الْحَدِيثِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ صَرِيحٌ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: اخْتَرْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلنِّكَاحِ كِنَايَةً اهـ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهَا ثَبَّتُّكِ، وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ الِاخْتِيَارِ بِالْكِنَايَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ، لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ وَلَا فَسْخٍ.
وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ انْدَفَعَ مَنْ زَادَ، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ
ــ
[مغني المحتاج]
وَالرُّويَانِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَنْبَغِي إذَا جُعِلَ كَاسْتِدَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْكِنَايَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ ثَمَانٍ فَفَسَخَ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ كَقَوْلِهِ: فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ، وَلَمْ يُرِدْ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ اسْتَقَرَّ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّف عَنْ أَلْفَاظِ الْفَسْخِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَصِحُّ بِالصَّرِيحِ، كَفَسَخْتُ نِكَاحَهَا أَوْ رَفَعْتُهُ أَوْ أَزَلْتُهُ، وَبِالْكِنَايَةِ: كَصَرَفْتُهَا، وَإِنْ أَرَادَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ) لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطِبُ بِهِ الْمَنْكُوحَةَ، وَسَوَاءٌ الْمُعَلَّقُ وَالْمُنَجَّزُ فَإِنْ طَلَّقَ أَرْبَعًا حَرُمَ الْجَمِيعُ، أَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْبَاقِيَاتُ فَلِانْدِفَاعِهِنَّ بِالشَّرْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ. نَعَمْ لَفْظُ الْفِرَاقِ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ هُنَا فَسْخٌ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الطَّلَاقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ صَرِيحٌ فِي الْفَسْخِ أَيْضًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَفِي الطَّلَاقِ وَيَتَعَيَّنُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقَرِينَةِ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أُرِيدُكُنَّ حَصَلَ التَّعْيِينُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَعَهُ لِلْبَاقِيَاتِ لَا أُرِيدُكُنَّ (لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ) فَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارٍ لِلنِّكَاحِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الظِّهَارَ وَصْفٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْإِيلَاءَ حَلِفٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَهُمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَلْيَقُ، وَالثَّانِي هُمَا تَعْيِينٌ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اخْتَارَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى لِلنِّكَاحِ صَحَّ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ، وَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَيَصِيرُ فِي الظِّهَارِ عَائِدًا إنْ لَمْ يُفَارِقْهَا فِي الْحَالِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " الْأَصَحِّ " رَاجِعٌ إلَى الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ فِي الْغُنْيَةِ رَاجِعًا إلَيْهِمَا وَإِلَى الطَّلَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ إمَّا كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ أَوْ كَاسْتِدَامَتِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَالرَّجْعَةِ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا إنْ اخْتَارَ غَيْرَهَا (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ) اسْتِقْلَالِيٍّ (وَلَا) تَعْلِيقُ (فَسْخٍ) لَمْ يَنُبْهُ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْت نِكَاحَك أَوْ فَسَخْتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَعْيِينٌ، وَلَا تَعْيِينَ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَخَرَجَ بِاسْتِقْلَالِيٍّ تَعْلِيقُ الِاخْتِيَارِ الضِّمْنِيِّ كَمَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلُقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَحَصَلَ الِاخْتِيَارُ لَهَا ضِمْنًا، فَإِنْ نَوَى بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَيَحْصُلُ الِاخْتِيَارُ بِهِ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُسْتَقِلِّ.
(وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ) أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِسْوَةٍ أَسْلَمَ عَنْهُنَّ صَحَّ وَ (انْدَفَعَ مَنْ زَادَ) عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا تَامًّا (وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ) التَّامُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا فِي دُونِ الْخَمْسِ لِحَبْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُنَّ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ أَوْ مُفَارَقَةٌ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ، بَلْ يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا، لَكِنْ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَمِلَ بِخَطِّهِ فَاصِلَةً
وَنَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَخْتَارَ، فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ فِي النِّكَاحِ حُبِسَ.
فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ، وَذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
قَبْلَهُ، وَفِي قَوْلِهِ:(وَ) عَلَيْهِ (نَفَقَتُهُنَّ) أَيْ الْخَمْسِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ أَيْضًا. وَالثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ نَفَقَتِهِنَّ (حَتَّى يَخْتَارَ) مِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: فَأَقَلُّ أَيْ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِحُكْمِ النِّكَاحِ (فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ حُبِسَ) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ وَاجِبٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ، فَإِنْ سَأَلَ الِانْتِظَارَ فِي الِاخْتِيَارِ لِيَتَفَكَّرَ فِي الْأَحَظِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِإِمْهَالِهِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ التَّرَوِّي شَرْعًا. أَمَّا النَّفَقَةُ فَلَا يُمْهَلُ بِهَا لِتَضَرُّرِهِنَّ بِتَرْكِهَا، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يُفِدْهُ عُزِّرَ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَدَرَ عَلَى أَدَائِهِ وَامْتَنَعَ وَأَصَرَّ وَلَمْ يَنْجَحْ فِيهِ الْحَبْسُ وَرَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْحَبْسِ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيُعَزَّرُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتَارَ بِشَرْطِ تَخَلُّلِ مُدَّةٍ يَبْرَأُ فِيهَا عَنْ أَلَمِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى هَلَاكِهِ، وَلَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ رَجَعْتُ عَمَّا اخْتَرْت لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يَخْتَارُ الْحَاكِمُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ وَلَا يَدْرِي الْقَاضِي إلَى أَيَّتِهِنَّ أَمْيَلُ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ الِاخْتِيَارِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: الْأَصْحَابُ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ غَيْلَانَ حَامِلِينَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَفْهَمُهُ مِنْهُ إنْ أَمْسَكَ لِلْإِبَاحَةِ وَفَارَقَ لِلْوُجُوبِ لِحَقِّهِنَّ فِي رَفْعِ الْحَبْسِ عَنْهُنَّ، وَلِرَفْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّ الْحَرَامَ الْوَاجِبَ ضِدُّهُ وَالسُّكُوتُ مَعَ الْكَفِّ عَنْ الْكُلِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إذَا طَلَبْنَ إزَالَةَ الْحَبْسِ فَيَجِبُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَوْلُهُ أَمْسِكْ أَرْبَعًا لِلْإِبَاحَةِ لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ، وَقَوْلُهُ: إنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ مَوْضِعُ تَوَقُّفٍ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ يَلْزَمُ مِنْهُ إمْسَاكُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مَحْذُورٌ اهـ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ.
(فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ) أَيْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ بِوَضْعِهِ تَنْقَضِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْفِرَاقِ (وَ) اعْتَدَّتْ (ذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الزَّوْجِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُنَّ (وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ) الَّذِي بَقِيَ مِنْ (الْأَقْرَاءِ وَ) مِنْ (أَرْبَعَةٍ) مِنْ أَشْهُرٍ (وَعَشْرٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، أَوْ مُفَارَقَةً فِي الْحَيَاةِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ لِتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ بِيَقِينٍ، فَفِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ إنْ مَضَتْ الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَكْمَلَتْهَا وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَوْتِ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعَشْرُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَقْرَاءِ أَتَمَّتْ الْأَقْرَاءَ،