المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في بيان المرض المخوف والملحق به] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٤

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِرْثِ الْأُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إرْثِ الْحَوَاشِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي توارث الْمُسْلِم وَالْكَافِر]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَعُولُ مِنْهَا وَقِسْمَةِ التَّرِكَةِ]

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَفِي حُكْمِ إجْمَاعِ تَبَرُّعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَبَيَانَ مَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ وَمَا يَنْفَعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوِصَايَةِ]

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يَقْتَضِي صَرْفَ الزَّكَاةِ لِمُسْتَحِقِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ]

- ‌فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا

- ‌[فَصْلٌ مَوَانِع وِلَايَةِ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَفَاءَة الْمُعْتَبَرَة فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَزْوِيج الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ]

- ‌بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ مِنْ الرِّقِّ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ]

- ‌بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمُ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مُؤَنُ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ]

- ‌بَابُ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْفَافِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِكَاحُ الرَّقِيقِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ]

- ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ

- ‌[فَصْلٌ الصَّدَاقُ الْفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّفْوِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَهْرُ الْمِثْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُتْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَالُفُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمُ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْخُلْعِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ لِلْعِوَضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْخُلْعِ أَوْ عِوَضِهِ]

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَصْدُ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوِلَايَةُ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَدُّدُ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ وَغَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةُ لِلطَّلَاقِ بِالْأَصَابِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ]

الفصل: ‌[فصل في بيان المرض المخوف والملحق به]

فَصْلٌ إذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ بَرَأَ نَفَذَ،

ــ

[مغني المحتاج]

مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَسَلُّطِ الْوَارِثِ عَلَى مِثْلَيْ مَا يَتَسَلَّطُ هُوَ عَلَيْهِ، وَالْوَارِثُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ الْغَائِبِ فَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ الْجَمِيعُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَذِنُوا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ صَحَّ كَمَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ.

وَالثَّانِي: يَتَسَلَّطُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِهَذَا الْقَدْرِ مُتَعَيِّنٌ.

تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُ مَنْعِ الْوَارِثِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ بِالتَّصَرُّفِ النَّاقِلِ لِلْمِلْكِ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِاسْتِخْدَامٍ وَإِيجَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِذَا تَصَرَّفَ الْوَارِثُ فِيهِمَا وَبَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا أَيْ: فَيَصِحُّ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِمْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ التَّصَرُّفِ، قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ.

وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ أَعْطَى ثُلُثَ الْعَيْنِ، وَكُلَّمَا نُصَّ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ أَعْطَى ثُلُثَهُ، أَوْ قَالَ أَعْطُوهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ أَعْطَى الْيَوْمَ وَيُوقَفُ بَاقِي الثُّلُثِ فَيُعْطَى مُتَفَرِّقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ الْوَارِثُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ]

ِ الْمُقْتَضِيَيْنِ لِلْحَجْرِ فِي التَّبَرُّعَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ:(إذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا) أَيْ: يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ لَا نَادِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ (لَمْ يَنْفُذْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْيَاءِ، وَفَتْحُ النُّونِ، وَتَشْدِيدُ الْفَاءِ (تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ.

تَنْبِيهٌ: اسْتَشْكَلَ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ النُّفُوذِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِبَاطِنِ الْأَمْرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَظُنَّهُ مَخُوفًا أَوْ لَا إذْ الْمَنَاطُ حِينَئِذٍ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ لَا ظَنًّا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَازَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِاحْتِمَالِ ظُهُورِ دَيْنٍ، فَإِنْ تَحَقَّقْنَا نُفُوذَ الْعِتْقِ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ، وَإِلَّا فَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ وَقُلْنَا: هِيَ تَنْفِيذٌ، فَكَمَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ رَدَّ أَوْ أَجَازَ وَقُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ بَانَ فَسَادُهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لَيْسَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَكَلَامُهُمْ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَقَالَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْوَقْفِ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى وَقْفِ الِاسْتِمْرَارِ وَاللُّزُومِ لِيَنْتَظِمَ الْكَلَامَانِ. اهـ.

وَهُوَ حَمْلٌ صَحِيحٌ (فَإِنْ بَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ: خَلَصَ مِنْ الْمَرَضِ (نَفَذَ) بِفَتْحِ النُّونِ التَّبَرُّعُ الْمَذْكُورُ: أَيْ اسْتَمَرَّ نُفُوذُهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْحَجْرِ فَإِنْ مَاتَ بِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ أَوْ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ تَرَدٍّ لَمْ يَنْفُذْ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَالَةٍ

ص: 82

وَإِنْ ظَنَنَّاهُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْفَجْأَةِ نَفَذَ، وَإِلَّا فَمَخُوفٌ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِطَبِيبَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، وَمِنْ الْمَخُوفِ قُولَنْجُ، وَذَاتُ جَنْبٍ

ــ

[مغني المحتاج]

يُقْطَعُ فِيهَا بِمَوْتِهِ، فَإِنْ انْتَهَى إلَى ذَلِكَ بِأَنْ شَخَصَ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ أَيْ: فَتَحَ عَيْنَيْهِ بِغَيْرِ تَحْرِيكِ جَفْنٍ وَبَلَغَتْ رُوحُهُ الْحُلْقُومَ فِي النَّزْعِ، أَوْ ذُبِحَ أَوْ شُقَّ بَطْنُهُ وَخَرَجَتْ أَمْعَاؤُهُ أَوْ غَرِقَ فَغَمَرَهُ الْمَاءُ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِهِ فِي وَصِيَّةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (وَإِنْ ظَنَنَّاهُ) أَيْ: الْمَرَضَ (غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ) مِنْهُ (فَإِنْ حُمِلَ) الْمَوْتُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ (عَلَى) مَوْتِ (الْفَجْأَةِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَمْدُودًا وَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مَقْصُورًا كَأَنْ مَاتَ وَبِهِ وَجَعُ ضِرْسٍ أَوْ عَيْنٍ (نَفَذَ) التَّبَرُّعُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْفَجْأَةِ كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (فَمَخُوفٌ) أَيْ تَبَيَّنَّا بِاتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ أَنَّهُ مَخُوفٌ، لَا أَنَّ إسْهَالَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَخُوفٌ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي.

فَإِنْ قِيلَ: الْمَرَضُ إنْ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ كَانَ مَخُوفًا وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَنَا فِي مَعْرِفَتِهِ. .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ أَوْ غَرِقَ مَثَلًا فِي هَذَا الْمَرَضِ إنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَخُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا نَفَذَ (وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ) أَيْ الْمَرَضِ (مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِ) قَوْلِ (طَبِيبَيْنِ) عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ (حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ) أَيْ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ شَرْطُ الشَّهَادَةِ كَغَيْرِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ طَبِيبَيْنِ كَوْنُهُمَا عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ، وَمِنْ قَوْلِهِ عَدْلَيْنِ كَوْنُهُمَا مُسْلِمَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ فَإِنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ، فَلَا يَثْبُتُ بِنِسْوَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَالَ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَرَضُ عِلَّةً بَاطِنَةً بِامْرَأَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا ثَبَتَ بِمَنْ ذُكِرَ.

تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَرَضِ غَيْرَ مَخُوفٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي وَإِنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ، وَلَوْ قَالَ الطَّبِيبَانِ: هَذَا الْمَرَضُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَخُوفٌ فَمَخُوفٌ، أَوْ يُفْضِي إلَى مَخُوفٍ نَادِرًا فَلَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ مَخُوفًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَبَرِّعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَوْفِ وَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ، وَلَمْ يُعَرِّفْ الْمُصَنِّفُ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ أَمْثِلَةٍ مِنْهُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَمِنْ الْمَخُوفِ قُولَنْجُ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ فَلَا يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ بِسَبَبِهِ الْبُخَارُ إلَى الدِّمَاغِ فَيُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَيُقَالُ فِيهِ قُولُونٌ، وَيَنْفَعُهُ أُمُورٌ:

مِنْهَا التِّينُ وَالزَّبِيبُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى التَّنْقِيَةِ بِالْإِسْهَالِ، وَالْقَيْءِ، وَيَضُرُّهُ أُمُورٌ: مِنْهَا حَبْسُ الرِّيحِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا إنْ أَصَابَ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصِيبُهُ كَثِيرًا وَيُعَافَى مِنْهُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَلَا انْتَهَى.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا غَيْرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَقْسَامٌ (وَ) مِنْهُ (ذَاتُ جَنْبٍ) وَسَمَّاهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذَاتَ خَاصِرَةٍ، وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ فِي الْجُنُوبِ وَيَسْكُنُ الْوَجَعُ، وَذَلِكَ وَقْتُ الْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مَخُوفَةً لِقُرْبِهَا مِنْ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ، وَمَنْ عَلَامَاتِهَا ضِيقُ النَّفَسِ وَالسُّعَالُ وَالْحُمَّى الْمُلَازِمَةُ وَالْوَجَعُ الْفَاحِشُ تَحْتَ

ص: 83

وَرُعَافٌ دَائِمٌ. وَإِسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ وَدِقٌّ، وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ، وَخُرُوجُ طَعَامٍ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ، أَوْ وَمَعَهُ دَمٌ، وَحُمًّى مُطْبَقَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَّا الرِّبْعَ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْأَضْلَاعِ، أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ (وَ) مِنْهُ (رُعَافٌ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ (دَائِمٌ) أَوْ كَثِيرٌ لِأَنَّهُ يُنْزِفُ الدَّمَ وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّائِمِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْبَدَنِ.

(وَ) مِنْهُ (إسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ) أَيْ مُتَتَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَةَ الْبَدَنِ، وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَيْسَ مَخُوفًا إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ دَمٌ مِنْ عُضْوٍ شَرِيفٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ، أَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ انْخِرَاقُ بَطْنٍ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ الطَّعَامَ وَيَخْرُجُ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ (وَ) مِنْهُ (دِقٌّ) بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ وَلَا تَمْتَدُّ مَعَهُ الْحَيَاةُ غَالِبًا (وَ) مِنْهُ (ابْتِدَاءُ فَالِجٍ) وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى اسْتِرْخَاءِ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ، وَسَبَبُهُ غَلَبَةُ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلْغَمِ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مَخُوفًا لِأَنَّهُ إذَا هَاجَ رُبَّمَا أَطْفَأَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ لَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ عَاجِلًا فَلَا يَكُونُ مَخُوفًا (وَ) مِنْهُ (خُرُوجُ الطَّعَامِ) مَعَ الْإِسْهَالِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَ مُتَوَاتِرٍ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ مِنْ تَتِمَّتِهِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الْمُحَرَّرِ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِسْهَالُ إنْ كَانَ مُتَوَاتِرًا، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الطَّعَامُ (غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ) وَغَيْرَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَيَمْتَنِعُ الْجَرُّ عَلَى الصِّفَةِ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً وَمَا قَبْلَهُ مَعْرِفَةٌ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْجِنْسِ (أَوْ كَانَ يَخْرُجُ) مَعَ الْإِسْهَالِ أَيْضًا (بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ) وَيُسَمَّى الزَّحِيرَ أَوْ بِعَجَلَةٍ وَيَمْنَعُهُ مِنْ النَّوْمِ (أَوْ) لَا بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ (وَ) لَكِنْ (مَعَهُ دَمٌ) مِنْ عُضْوٍ شَرِيفٍ كَكَبِدٍ، بِخِلَافِ نَحْوِ دَمِ الْبَوَاسِيرِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَذِكْرُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ (وَ) مِنْهُ (حُمَّى مُطْبَقَةٌ) بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ أَيْ: لَازِمَةٌ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّف فِي تَحْرِيرِهِ وَهُوَ أَشْهَرُ (أَوْ) حُمَّى (غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ الْمُطْبَقَةِ وَهِيَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: حُمَّى الْوَرْدِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ. وَحُمَّى الْغِبِّ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمًا. وَحُمَّى الثِّلْثِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمًا. وَحُمَّى الْأَخَوَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ (إلَّا الرِّبْعَ) فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى فِي يَوْمَيْ الْإِقْلَاعِ وَتَسْمِيَتُهَا الْعَامَّةُ الْمُثَلَّثَةَ وَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ أَصْوَبُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفُقَهَاءِ لَهَا بِالرِّبْعِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْمُدَّةِ، لَكِنْ فَسَّرَهَا الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ بِمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَإِلْحَاقُهَا بِرِبْعِ الْإِبِلِ فِي وُرُودِ الْمَاءِ وَهُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا حُمَّى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا إنْ اتَّصَلَ بِهَا قَبْلَ الْعَرَقِ مَوْتٌ فَقَدْ بَانَتْ مَخُوفَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ بِهَا بَعْدَ الْعَرَقِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا زَالَ بِالْعَرَقِ وَالْمَوْتُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالْحُمَّى الْيَسَرِيَّةُ لَيْسَتْ مَخُوفَةً بِحَالٍ، وَالرِّبْعُ وَالْوِرْدُ وَالْغِبُّ وَالثِّلْثُ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا.

تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمِنْ الْمَخُوفِ عَدَمُ انْحِصَارِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ، فَمِنْهُ هَيَجَانُ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ وَالدَّمِ بِأَنْ يَتَوَرَّمَ وَيَنْصَبَّ إلَى عُضْوٍ كَيَدٍ وَرِجْلٍ فَيَحْمَرَّ وَيَنْتَفِخَ، وَمِنْهُ الطَّاعُونُ وَهُوَ هَيَجَانُ الدَّمِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَانْفِتَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يُصَبْ الْمُتَبَرِّعُ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْصُلُ لِأَمْثَالِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِنْهُ الْقَيْءُ الدَّائِمُ أَوْ الْمَصْحُوبُ بِخَلْطٍ مِنْ

ص: 84

وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى، وَالْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ، وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضْطِرَابُ رِيحٍ، وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ، وَطَلْقُ حَامِلٍ، وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ.

وَصِيغَتُهَا

ــ

[مغني المحتاج]

الْأَخْلَاطِ كَالْبَلْغَمِ أَوْ دَمٍ، وَمِنْهُ الْجِرَاحَةُ إذَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَى الْجَوْفِ، أَوْ كَانَتْ عَلَى مَقْتَلٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ كَثِيرِ اللَّحْمِ، أَوْ حَصَلَ مَعَهَا ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ تَآكُلٌ، أَوْ تَوَرُّمٌ. وَمِنْهُ الْبِرْسَامُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ وَرَمٌ فِي حِجَابِ الْقَلْبِ أَوْ الْكَبِدِ يَصْعَدُ أَثَرُهُ إلَى الدِّمَاغِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ) مِنْ الْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ (أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى) وَلَوْ اعْتَادَ الْبُغَاةُ أَوْ الْقُطَّاعُ قَتْلَ مَنْ أَسَرُوهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدْ قَتْلَ الْأَسْرَى كَالرُّومِ فَلَا خَوْفَ فِي أَسْرِهِمْ (وَالْتِحَامُ) أَيْ اخْتِلَاطُ (قِتَالٍ بَيْنَ) فَرِيقَيْنِ (مُتَكَافِئَيْنِ) أَوْ قَرِيبَيْنِ مِنْ التَّكَافُؤِ سَوَاءٌ أَكَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ، أَمْ كَافِرًا وَمُسْلِمًا، وَلَفْظَةُ مُتَكَافِئَيْنِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَا خَوْفَ إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ وَلَوْ كَانَا يَتَرَامَيَانِ بِالنِّشَابِ وَلَا فِي الْفَرِيقِ الْغَالِبِ (وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ) بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.

فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلْقَتْلِ كَالتَّقْدِيمِ لَهُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ لِلْقِصَاصِ وَقْتُ دَهْشَةٍ، فَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يُوصِي إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَإِمَّا أَنْ نُضَمِّنَهُ لَوْ تَرَكَ أَوْ لَا، إنْ ضَمَّنَّاهُ أَضْرَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ نُضَمِّنْهُ أَضْرَرْنَا بِالْمَالِكِ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ يُلْحَقَ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ بِالْمَخُوفِ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا (أَوْ رَجْمٍ) فِي الزِّنَا، أَوْ قَتْلٍ فِي قَطْعِ طَرِيقٍ (وَاضْطِرَابُ رِيحٍ) هُوَ مُغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ (وَهَيَجَانُ مَوْجٍ) لِتَلَازُمِهِمَا (فِي) حَقِّ (رَاكِبِ سَفِينَةٍ) فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ. نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَكُونُ مَخُوفًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا خَوْفَ إذَا كَانَ الْبَحْرُ سَاكِنًا (وَطَلْقُ حَامِلٍ) بِسَبَبِ وِلَادَةٍ بِخِلَافِ إسْقَاطِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِخَطَرِ الْوِلَادَةِ دُونَهُمَا، وَخَرَجَ بِطَلْقِ حَامِلٍ الْحَمْلُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ.

فَائِدَةٌ: رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ آخِرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ " إذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وِلَادَتُهَا فَيُكْتَبُ فِي صَحْفَةٍ ثُمَّ يُغْسَلُ وَيُسْقَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النِّسَاءُ الْخَلَاصَ، فَإِنْ انْفَصَلَتْ الْمَشِيمَةُ فَلَا خَوْفَ إنْ لَمْ يَحْصُلُ بِالْوِلَادَةِ جُرْحٌ، أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ وَرَمٌ.

تَنْبِيهٌ: لَا يُلْحَقُ بِالْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ وَجَعُ الْعَيْنِ وَلَا الضِّرْسِ وَلَا الصُّدَاعِ وَلَا الْهَرَمِ وَلَا الْجَرَبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعُ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ: (وَصِيغَتُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ

ص: 85

أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا أَوْ ادْفَعُوا إلَيْهِ أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً، وَتَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ، وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ.

وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ بَلَا قَبُولٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

(أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا، أَوْ ادْفَعُوا إلَيْهِ) بَعْدَ مَوْتِي كَذَا (أَوْ أَعْطُوهُ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ: وَوَصْلُهَا غَلَطٌ (بَعْدَ مَوْتِي) كَذَا (أَوْ جَعَلْتُهُ) لَهُ بَعْدَ مَوْتِي (أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي) وَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ، وَيُرْشِدُ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ: وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَمِنْ صَرَائِحِهَا أَيْضًا: مَلَّكْتُهُ لَهُ، أَوْ وَهَبْتُهُ لَهُ، أَوْ حَبَوْتَهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِي.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَيْدٌ فِي الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَهُ، فَلَوْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ الْكُلِّ لِيَعُودَ إلَيْهَا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ لَكَانَ أَحْسَنَ، عَلَى أَنَّ فِي عَوْدِهِ لِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ نَظَرًا لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِي حُرُوفِ الْعَطْفِ الْجَامِعَةِ بِخِلَافِ مَا هُوَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِثْلُ أَوْ: كَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ ذِكْرُهُ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُؤَيِّدُ تَعَيُّنَ ذِكْرِهِ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْكُلِّ وَقُلْنَا: يَعُودُ لِلْجَمِيعِ لَزِمَ كَوْنُهُ قَيْدًا فِي أَوْصَيْتُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى) قَوْلِهِ (هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ) لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَصِحُّ بِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ الْوَصِيَّةُ فَتُقْبَلُ إرَادَتُهَا.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ صَرَاحَتُهُ حِينَئِذٍ لِذِكْرِهِ لَهُ مَعَ الصَّرَائِحِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَوْ قَالَ: هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي مِنْ مَالِي كَانَ وَصِيَّةً قَطْعًا، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَهَبْته لَهُ وَنَوَى الْوَصِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِ الْهِبَةِ، وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ (وَتَنْعَقِدُ) الْوَصِيَّةُ (بِكِنَايَةٍ) بِنُونٍ مَعَ النِّيَّةِ كَعَبْدِي هَذَا لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ التَّعْيِينُ لَهَا وَالتَّعْيِينُ لِلْإِعَارَةِ، أَوْ عَيَّنْتُ هَذَا لَهُ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْحَالِ فَأَشْبَهَتْ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً لِلتَّمَلُّكِ بِالْوَصِيَّةِ (وَالْكِتَابَةُ) بِالتَّاءِ (كِنَايَةٌ) بِنُونٍ فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَأَوْلَى، فَإِذَا كَتَبَ لِزَيْدٍ كَذَا وَنَوَى بِهِ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَأَعْرَبَ بِالنِّيَّةِ نُطْقًا أَوْ وَرِثْتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّتْ، وَلَوْ كَتَبَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَهُوَ نَاطِقٌ، وَأَشْهَدَ جَمَاعَةً أَنَّ الْكِتَابَ خَطُّهُ وَمَا فِيهِ وَصِيَّتُهُ وَلَمْ يُطْلِعْهُمْ عَلَى مَا فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَصِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ، فَإِنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ بِكِتَابَةٍ، أَوْ إشَارَةٍ كَالْبَيْعِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِي شَيْئًا أَعْطُوهُ لَهُ وَلَا تُطَالِبُوهُ بِحُجَّةٍ فَادَّعَى اثْنَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقَدْرِ وَلَا حُجَّةَ كَانَ كَالْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ ضَاقَ عَنْ الْوَفَاءِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ مَا يَدَّعِيهِ فُلَانٌ فَصَدِّقُوهُ فَمَاتَ، فَهُوَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ، وَتَعْيِينُهُ لِلْوَرَثَةِ.

(وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ) بِأَنْ أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ (كَالْفُقَرَاءِ) أَوْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَالْهَاشِمِيَّةِ وَالْمُطَّلِبِيَّةِ (لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ بَلَا) اشْتِرَاطِ (قَبُولٍ) لِتَعَذُّرِهِ، وَيَجُوزُ

ص: 86

أَوْ لِمُعَيَّنٍ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ.

وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْفَوْرُ.

فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ

ــ

[مغني المحتاج]

الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ.

تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلْدَةٍ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ كَالْمُعَيَّنِ وَهُوَ كَذَلِكَ (أَوْ) أَوْصَى (لِمُعَيَّنٍ) مَحْصُورٍ كَزَيْدٍ (اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ) كَالْهِبَةِ، فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْغَزَالِيِّ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ وَقَدَّمْتُ فِي بَابِهَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْيَمَانِيِّينَ فَكَذَا هُنَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا قَبِلَ بَعْضَهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ فَلَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ مَا اُغْتُفِرَ فِيهِمَا.

تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُتَعَدِّدُ الْمَحْصُورُ كَبَنِي زَيْدٍ فَيَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمْ، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُعَيَّنِ الْآدَمِيَّ.

أَمَّا لَوْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَمَسْجِدٍ فَهَلْ نَقُولُ: نَاظِرُ الْوَقْفِ كَالْوَلِيِّ أَوْ يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ نَصٌّ وَالثَّانِي أَقْرَبُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِلْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ بِالثُّغُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَيِّمِ الْمَسْجِدِ فِيمَا نَظُنُّهُ. اهـ.

وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْأَخْذُ كَالْهَدِيَّةِ قَالَ: وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لَلَهُ تَعَالَى فَكَانَ كَالْجِهَةِ الْعَامَّةِ، وَمِثْلُهُ التَّدْبِيرُ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ وَصِيَّةٌ، أَيْ عَلَى رَأْيٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَهْنِ الْمُدَبَّرِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَفِي افْتِقَارِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ؛ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ الْقَبُولَ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ.

(وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) إذْ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَأَشْبَهَ إسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلِمَنْ قَبِلَ فِي الْحَيَاةِ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْعَكْسِ، وَيَصِحُّ الرَّدُّ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ لَا بَعْدَهُمَا وَبَعْدَ الْقَبْضِ.

وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّف فِي تَصْحِيحِهِ الصِّحَّةَ.

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتِمَّ، قَالَ: وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ تَبِعَ الْبَغَوِيَّ فِي التَّرْجِيحِ (وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي (الْفَوْرُ) فِي الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُقُودِ النَّاجِزَةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَاعْتُبِرَ الْإِيجَابُ وَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ.

هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَبُولِ وَكَانَ الْحَظُّ لَهُ فِيهِ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْبَلُ، وَلَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي السَّفِيهِ، وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْمَحَاجِيرِ.

(فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ) أَيْ

ص: 87

بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ.

وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي أَمْ بِقَبُولِهِ أَمْ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا بَانَ لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا الثَّالِثُ، وَعَلَيْهَا تُبْنَى الثَّمَرَةُ، وَكَسْبُ عَبْدٍ حَصَلَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَنَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْمُوصِي (بَطَلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ الْقَبُولِ (أَوْ) مَاتَ (بَعْدَهُ) قَبْلَ قَبُولِهِ وَرَدِّهِ (فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ) الْوَصِيَّةَ أَوْ يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لَدَخَلَتْ صُورَةُ الرَّدِّ.

فَائِدَةٌ: لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ لَا يَفُوتُ بِمَوْتِ الْقَابِلِ إلَّا الْوَصِيَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَوْصَى لِرَقِيقٍ شَخْصٌ ثُمَّ مَاتَ الرَّقِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.

تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُ الْوَارِثِ الْوَارِثَ الْخَاصَّ، وَالْوَارِثَ الْعَامَّ حَتَّى لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ خَاصٍّ قَامَ الْإِمَامُ مَقَامَهُ، فَإِذَا قَبِلَ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّبِيلِيُّ وَإِذَا قَبِلَ وَارِثُهُ هَلْ يَقْضِي مِنْهُ دَيْنَ مُورَثِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَدِيَتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً وَلَا يُخَالِفُ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ قَبُولَ وَارِثِهِ إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَرِثَهُ، وَإِذَا قَبِلَ وَارِثُهُ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ إذْ لَوْ وَرِثَ لَاعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَحْكُمْ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَلْ هُوَ عَلَى الرِّقِّ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ فَلَا يَرِثُ.

أَمَّا إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ فَقَدْ مَلَكَهَا وَانْتَقَلَتْ إلَى وَارِثِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا أَمْ لَا أَوْ بَعْدَ الرَّدِّ بَطَلَتْ بِرَدِّهِ.

(وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ) الْوَصِيَّةَ (بِمَوْتِ الْمُوصِي) كَالْإِرْثِ وَالتَّدْبِيرِ. وَلَكِنْ إنَّمَا تَسْتَقِرُّ بِالْقَبُولِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ (أَمْ بِقَبُولِهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ (أَمْ) مِلْكُ الْوَصِيَّةِ (مَوْقُوفٌ) وَبَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَبِلَ) الْمُوصَى لَهُ (بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ) الْوَصِيَّةَ (بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا (بَانَ) أَنَّهَا (لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا الثَّالِثُ) مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِلْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَلَا لِلْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ رَدُّهُ كَالْإِرْثِ فَتَعَيَّنَ وَقْفُهُ، فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَبُولُ بَلْ لَهُ الرَّدُّ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ. فَإِنْ قِيلَ: يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّف بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ بِقَبُولِهِ؛ لِأَنَّ صِنَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا سُئِلَ بِهَلْ أَنْ يُؤْتَى بِأَوْ، لَا بِأَمْ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَسَمَّحَ كَالْفُقَهَاءِ بِوَضْعِ هَلْ مَوْضِعَ الْهَمْزَةِ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ فِيهِ السُّؤَالُ عَنْ التَّعْيِينِ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ هَلْ، فَإِنَّ السُّؤَالَ بِهَا فِي الْأَصْلِ عَنْ وُجُودِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ (وَعَلَيْهَا) أَيْ: الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ (تُبْنَى الثَّمَرَةُ وَكَسْبُ عَبْدٍ) مَثَلًا (حَصَلَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ وَنَفَقَتُهُ) وَكِسْوَتُهُ وَنَحْوهُمَا (وَفِطْرَتُهُ) بَيْنَهُمَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ لِلْمُوصَى لَهُ الْفَوَائِدُ وَعَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا وَلَا، وَلَوْ رَدَّ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ وَعَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا وَلَا، وَعَلَى النَّفْيِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَتَعَلَّقُ مَا ذُكِرَ بِالْوَارِثِ، هَذَا كُلُّهُ فِي وَصِيَّةِ التَّمْلِيكِ.

أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِلْكُ فِيهِ

ص: 88