الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ يُسَنُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَثُلُثُهَا لِلثَّانِي، فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ فَنِصْفُهَا لِلثَّانِي، أَوْ الثَّانِي فَكُلُّهَا لِلْأَوَّلِ كَذَا قَالَاهُ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِلثَّانِي الرُّبْعُ إذْ النِّصْفُ لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ شَرَكَهُ مَعَ الثَّانِي فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ وَالصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ فِي الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَاهُ عَمَلًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْحَدَّادِ، وَتَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ: مَعَنَا مَالٌ وَنِصْفُ مَالٍ فَنُضِيفُ النِّصْفَ عَلَى الْكُلِّ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ ثَلَاثَةً تُقَسَّمُ عَلَى النِّسْبَةِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ ثُلُثَاهُ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الثُّلُثُ.
وَإِنْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعَمْرٍو.
وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِي مَثَلًا إلَّا ثُلُثَ مَالِي كَانَ اسْتِثْنَاءً مُسْتَغْرِقًا، وَهَلْ يَلْغُو الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ فِي الْإِقْرَارِ، أَنَّ قَوْلَهُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ مَا لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ اهـ.
فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا مَا أَوْصَيْت لَهُ بِشَيْءٍ وَهَذَا رُجُوعٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلِ، وَصَرَّحَ الْمَارْدِينِيُّ بِتَصْحِيحِ الثَّانِي وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَشَرْحِهِ
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ.
[فَصْلٌ فِي الْوِصَايَةِ]
ِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ، وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا إلَى التَّعْبِيرِ بِالْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ قَدْ لَا يَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوِصَايَةِ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ الْوَصِيَّةَ بِكَذَا وَالْوِصَايَةَ بِكَذَا كَمَا قَدَّمْتُهُ أَوَّلَ الْبَابِ، فَقَالَ (يُسَنُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ) الْحُقُوقِ مِنْ (الدَّيْنِ) وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيِّ وَغَيْرِهَا (وَ) فِي (تَنْفِيذِ الْوَصَايَا) إنْ كَانَتْ (وَ) فِي (النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) وَنَحْوِهِمْ كَالْمَجَانِينِ وَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا بِالْإِجْمَاعِ وَاتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ مَنْعَهُ لِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الْمُوصِي وَوِلَايَتِهِ بِالْمَوْتِ، لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ، فَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَكَانَ يَحْفَظُ أَمْوَالَهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ أَوْصَى فَكَتَبَ: وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِلَى الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.
بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ الْوَصِيَّةُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَدٌّ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ إلَى ثِقَةٍ كَافٍ وَجِيهٍ إذَا وَجَدَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْوَصِيَّةَ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِهِ خَائِنٌ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الظَّلَمَةِ، إذْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِ
وَشَرْطُ الْوَصِيِّ تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَالَةٌ وَهِدَايَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمُوصَى بِهِ
وَإِسْلَامٌ
لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ إلَى ذِمِّيٍّ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَلَدِهِ.
عَنْ الضَّيَاعِ. قَالَ: وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ عَلَى الْحَمْلِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَةَ الْإِيصَاءِ.
وَيَجِبُ الْإِيصَاءُ فِي رَدِّ مَظَالِمَ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ عَجَزَ عَنْهَا فِي الْحَالِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا شُهُودٌ كَمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةٍ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ أَحَدًا بِهَا فَأَمْرُهَا إلَى الْقَاضِي يَنْصِبُ مَنْ يَقُومُ بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَنَائِزِ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى لِشَخْصٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَوْ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ كَذَا هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ .
وَأَرْكَانُ الْوِصَايَةِ أَرْبَعَةٌ: وَصِيٌّ، وَمُوصٍ، وَمُوصًى فِيهِ، وَصِيغَةٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ شَرْطِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَشَرْطُ الْوَصِيِّ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ (تَكْلِيفٌ) أَيْ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ، وَالْوَصِيُّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الَّذِي يُوصِي، وَعَلَى مَنْ يُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا مَرَّ (وَحُرِّيَّةٌ) لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ أَبِيهِ فَلَا يَصْلُحُ وَصِيًّا لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي فَرَاغًا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ الْقِنَّ وَالْمُبَعَّضَ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُفْهَمُ مَنْعُ الْإِيصَاءِ لِمَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ مُدَّةً لَا يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّصَرُّفُ بِالْوِصَايَةِ، وَفِي مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْوَصِيِّ مَتَى تُعْتَبَرُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَصِحُّ إلَيْهِمَا (وَعَدَالَةٌ) فَلَا تَجُوزُ إلَى فَاسِقٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَائْتِمَانٌ وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ (وَهِدَايَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمُوصَى بِهِ) فَلَا يَصِحُّ إلَى مَنْ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ تَغَفُّلٍ، إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ هَذَا حَالُهُ.
(وَإِسْلَامٌ) فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مِنْ مُسْلِمٍ إلَى ذِمِّيٍّ إذْ لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلِتُهْمَتِهِ قَالَ - تَعَالَى -:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141][النِّسَاءَ] وَقَالَ - تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] الْآيَةُ.
(لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ إلَى ذِمِّيٍّ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَدْلًا فِي دِينِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُمْ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَشَهَادَتِهِ.
تَنْبِيهٌ تَصِحُّ وِصَايَةُ الذِّمِّيِّ إلَى الْمُسْلِمِ اتِّفَاقًا كَمَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَلِي تَزْوِيجَ الذِّمِّيَّاتِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ الِاخْتِيَارُ وَعَدَمُ الْجَهَالَةِ وَالْعَدَاوَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْوَصِيِّ الذِّمِّيِّ مِنْ مِلَّةِ الْمُوصَى عَلَيْهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ وَصِيَّةُ النَّصْرَانِيِّ إلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ الْمَجُوسِيِّ وَبِالْعَكْسِ لِلْعَدَاوَةِ، وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا جَازَتْ وَصِيَّةُ ذِمِّيٍّ إلَى مُسْلِمٍ، وَقَدْ يُرَدُّ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا الدِّينِيَّةُ.
. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ إلَى مُسْلِمٍ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فَالْمُتَّجَهُ جَوَازُ إيصَائِهِ إلَى ذِمِّيٍّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ يَلْزَمُهُ النَّظَرُ بِالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالتَّفْوِيضُ إلَى الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الذِّمِّيِّ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ وَلَدٌ بَالِغٌ سَفِيهٌ ذِمِّيٌّ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ عَلَيْهِ ذِمِّيًّا، وَهَذَا
وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ.
وَلَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ، وَأُمُّ الْأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا.
وَيَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِالْفِسْقِ
وَكَذَا الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ لَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ.
ــ
[مغني المحتاج]
بَحْثٌ مَرْدُودٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذُكِرَ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ.
مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهِيَ أَمْوَالُ أَيْتَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَشْفُ عَلَيْهِمْ؟
فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ مَا لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ. وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّسَلُّطِ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَى مَنْ خَلَا عَنْ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِهَا كَصَبِيٍّ وَرَقِيقٍ ثُمَّ اسْتَكْمَلَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّ.
(وَلَا يَضُرُّ) فِي الْوَصِيِّ (الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوْكِيلِ فِيمَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ. وَالثَّانِي: يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِأَخْرَسَ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَهَذَا النَّظَرُ هُوَ الظَّاهِرُ.
(وَلَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَوْصَى سَيِّدُنَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَأُمُّ الْأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا) مِنْ النِّسَاءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهَا تَلِي بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَكَذَا أَوْلَى مِنْ الرِّجَالِ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ إذَا كَانَ فِيهَا مَا فِيهِمْ مِنْ الْكِفَايَةِ وَالِاسْتِرْبَاحِ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَمْ مِنْ مُحِبٍّ مُشْفِقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ وَالْمَصَالِحِ التَّامَّةِ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ الْأَطْفَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصَّى إلَى امْرَأَةٍ فَتَكُونُ قَيِّمَةً، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَطْفَالِ فَذَاكَ أَوْلَى، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ.
(وَيَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ) وَقَيِّمُ الْقَاضِي وَالْأَبُ وَالْجَدُّ بَعْدَ الْوِلَايَةِ (بِالْفِسْقِ) بِتَعَدٍّ فِي الْمَالِ، أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ لِزَوَالِ الشَّرْطِ فَلَا يَحْتَاجُ لِعَزْلِ حَاكِمٍ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَنْعَزِلُ بِاخْتِلَالِ كِفَايَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ بِضَمِّ الْقَاضِي إلَيْهِ مُعَيَّنًا، بَلْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَى الْوَصِيِّ غَيْرَهُ بِمُجَرَّدِ الرِّيبَةِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ خَلَلٍ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَفَسَادُ الزَّمَانِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] اهـ.
وَالْأَوْجَهُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ قَوِيَتْ الرِّيبَةُ بِقَرَائِنَ ظَاهِرَةٍ ضَمَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ ضَعُفَ مَنْصُوبُ الْقَاضِي عَزَلَهُ.
(وَكَذَا) يَنْعَزِلُ (الْقَاضِي) بِالْفِسْقِ (فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَا كَالْإِمَامِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْقَضَاءِ وَفَرْضُهَا فِي عَدَمِ نُفُوذِ حُكْمِهِ لَا فِي انْعِزَالِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (لَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) فَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِوِلَايَتِهِ.
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلِحَدِيثِ:«صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ، وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَفَرُّدَ الرَّافِعِيِّ بِتَرْجِيحِ عَدَمِ الِانْعِزَالِ.
تَنْبِيهٌ: بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ تَعُودُ وِلَايَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا وِلَايَةُ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا شَرْعِيَّةٌ
وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ.
وَيُشْتَرَطُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ إيصَاءٌ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَوِلَايَةُ غَيْرِهِمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ لَمْ تُعَدَّ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ، وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ كَالْفِسْقِ فِي الِانْعِزَالِ بِهِ، فَلَوْ أَفَاقَ غَيْرُ الْأَصِيلِ وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَمْ تُعَدَّ وِلَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالتَّفْوِيضِ كَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْأَصِيلِ تَعُودُ وِلَايَتُهُ وَإِنْ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِلَا تَفْوِيضٍ، وَبِخِلَافِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ، فَإِنْ أَفَاقَ الْإِمَامُ وَقَدْ وُلِّيَ آخَرُ بَدَلَهُ نَفَذَتْ تَوْلِيَتُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ وَإِلَّا فَلَا فَيُوَلَّى الْأَوَّلُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ وَلَا تَعُودُ إمَامَتُهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُوصِي فَقَالَ (وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ) مُخْتَارٍ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ تَنْفِيذٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ بَيْنَ الْفَاءِ وَالذَّالِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ تَنْفُذُ بِلَا تَحْتَانِيَّةٍ مَضْمُومُ الْفَاءِ وَالذَّالِ بَعْدَ دَائِرَةٍ أَيْ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يَصِحُّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا قَوْلُهُ مِنْ إلَخْ فَصَارَ كَلَامُهُ حِينَئِذٍ مُشْتَمِلًا عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْأُخْرَى نُفُوذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ مَحْذُورَاتٌ: إحْدَاهَا: التَّكْرَارُ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَا فَائِدَةَ لِلْحُكْمِ ثَانِيًا بِصِحَّتِهَا.
ثَانِيهَا: صَيْرُورَةُ الْكَلَامِ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُرْتَبِطٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَنْفُذُ.
ثَالِثُهَا: مُخَالَفَةُ أَصْلِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ اسْتِثْنَاءُ السَّكْرَانِ مِنْ التَّكْلِيفِ عَلَى رَأْيِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَهُ، وَيَصِحُّ إيصَاؤُهُ وَكَلَامُهُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا صَحَّحْنَا وَصِيَّتَهُ بِالْمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَعْيِينَ شَخْصٍ لِتَنْفِيذِهَا.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَمَنْعُهُ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ فَيَلِيهِ الْحَاكِمُ أَوْ وَلِيُّهُ اهـ.
وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الثَّانِي قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: يَنْبَغِي إضَافَةُ الرُّشْدِ إلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيصَاءُ الْفَاسِقِ فِيمَا تَرَكَهُ لِوَلَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ مَسْلُوبُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
(وَيُشْتَرَطُ) فِي الْمُوصِي (فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) وَالْمَجَانِينِ، وَكَذَا السُّفَهَاءُ الَّذِينَ بَلَغُوا كَذَلِكَ (مَعَ هَذَا) السَّابِقِ مِنْ حُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ (أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ الْمُوصَى (وِلَايَةٌ) مُبْتَدَأَةٌ مِنْ الشَّرْعِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ ذِكْرٍ لَا بِتَفْوِيضٍ فَتَثْبُتُ الْوِصَايَةُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَيَخْرُجُ الْأَخُ، وَالْعَمُّ، وَالْوَصِيُّ، وَالْقَيِّمُ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ إذَا نَصَّبَهُمَا الْحَاكِمُ فِي مَالِ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ الْحَاكِمُ دُونَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَتَخْرُجُ الْأُمُّ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ (وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ) فِي وَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بِأَنْ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ (إيصَاءٌ) إلَى غَيْرِهِ، إذْ الْوَلِيُّ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ الثَّانِي، وَقِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ (فَإِنْ أُذِنَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِخَطِّهِ (فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ الْمُوصِي، أَوْ مُطْلَقًا (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) لَكِنَّهُ فِي الثَّالِثَةِ إنَّمَا يُوصِي عَنْ الْمُوصِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ
وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك إلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ جَازَ.
وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ وَصِيٍّ وَالْجَدُّ حَيٌّ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ.
وَلَا الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ طِفْلٍ وَبِنْتٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَوْصِ بِتَرِكَتِي فُلَانًا أَوْ مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى بِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوصِيَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْوِصَايَةِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَلَوْ لَمْ يُضِفْ التَّرِكَةَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: أَوْصِ مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى شَخْصًا لَمْ يَصِحَّ الْإِيصَاءُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِبُطْلَانِ إذْنِهِ بِالْمَوْتِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ: أَوْصَيْت إلَى مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ إنْ مِتَّ أَنْتَ أَوْ إذَا مِتَّ أَنْتَ فَوَصِيُّك وَصِيٌّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ مَجْهُولٌ، وَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْوَصِيَّ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك إلَى بُلُوغِ ابْنِي) فُلَانٍ (أَوْ) إلَى (قُدُوم زَيْدٍ) مَثَلًا (فَإِذَا بَلَغَ) ابْنِي (أَوْ قَدِمَ) زَيْدٌ (فَهُوَ الْوَصِيُّ جَازَ) هَذَا الْإِيصَاءُ، وَاغْتُفِرَ فِيهِ التَّأْقِيتُ فِي قَوْلِهِ: إلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ، وَالتَّعْلِيقُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ، وَلَوْ أَخَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيَجُوزُ فِيهِ التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ كَانَ أَنْسَبَ فَإِنَّهَا مِثَالٌ لَهُمَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَلَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ فَهَلْ تَبْقَى وِلَايَةُ الْوَصِيِّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ إنْ قَدِمَ أَهْلًا لِذَلِكَ أَوْ لَا، وَتَكُونُ وِلَايَتُهُ مُغَيَّاةً بِذَلِكَ فَتَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِالْوَصِيَّةِ إلَى غَيْرِ الْمُتَأَهِّلِ لَهَا وَغَيْرِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهَا مُغَيَّاةٌ بِذَلِكَ.
وَلِلْأَبِ الْوَصِيَّةُ إلَى غَيْرِ الْجَدِّ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ، وَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ إلَّا فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَنَحْوَهُمْ كَمَا قَالَ (وَلَا يَجُوزُ) لِلْأَبِ عَلَى الصَّحِيحِ (نَصْبُ وَصِيٍّ) عَلَى الْأَطْفَالِ وَنَحْوِهِمْ (وَالْجَدُّ حَيٌّ) حَاضِرٌ (بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ) عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ شَرْعًا فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُ الْوِلَايَةِ عَنْهُ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْجَدُّ غَائِبًا فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أَرَادَ الْأَبُ الْإِيصَاءَ بِالتَّصَرُّفِ عَلَيْهِمْ إلَى حُضُورِهِ فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْبُلُوغِ الْجَوَازُ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ اهـ.
وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي هُوَ الظَّاهِرُ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى أَجْنَبِيٍّ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ مَاتَ الْجَدُّ أَوْ فَسَقَ أَوْ جُنَّ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ الْجَدِّ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ تَأَهَّلَ عِنْدَ مَوْتِ وَلَدِهِ فَالظَّاهِرُ انْعِزَالُ الْوَصِيِّ اهـ.
وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ: لَوْ اسْتَلْحَقَ الْخُنْثَى غَيْرَهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِبُنُوَّةِ الظَّهْرِ وَلَا الْبَطْنِ لَحِقَهُ، فَإِذَا حَدَثَ لِلْوَلَدِ أَوْلَادٌ فَأَوْصَى عَلَيْهِمْ أَجْنَبِيًّا مَعَ وُجُودِ وَالِدِهِ الْمُسْتَلْحَقِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ وَجْهًا وَاحِدًا اهـ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ أَبُو أَبٍ.
تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ يُوصِ الْأَبُ أَحَدًا فَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْحَاكِمِ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَمْرِ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا فِي تَنْفِيذِ الْوَصَايَا فَالْحَاكِمُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُوصَى فِيهِ، فَقَالَ:(وَلَا) يَجُوزُ (الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ طِفْلٍ وَبِنْتٍ) مَعَ
وَلَفْظُهُ أَوْصَيْتُ إلَيْك أَوْ فَوَّضْتُ وَنَحْوهُمَا، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ.
وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت إلَيْك لَغَا.
وَالْقَبُولُ
ــ
[مغني المحتاج]
وُجُودِ الْجَدِّ وَعَدَمِهِ وَعَدَمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ بِحَدِيثِ:«السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِدُخُولِ الدَّنِيِّ فِي نَسَبِهِمْ، وَلِأَنَّ الْبَالِغِينَ لَا وِصَايَةَ فِي حَقِّهِمْ، وَالصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ لَا يُزَوِّجُهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ. نَعَمْ إنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَاسْتَمَرَّ نَظَرُ الْوَصِيِّ لِسَفَهٍ اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي نِكَاحِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ صِحَّةُ الْإِيصَاءِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي مَعْصِيَةٍ كَبِنَاءِ كَنِيسَةِ التَّعَبُّدِ لِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُبَاحًا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَقَالَ (وَلَفْظُهُ) أَيْ الْإِيجَابُ فِي الْإِيصَاءِ مِنْ نَاطِقٍ (أَوْصَيْتُ إلَيْك أَوْ فَوَّضْتُ) إلَيْك (وَنَحْوُهُمَا) كَأَقَمْتُكَ مَقَامِي فِي أَمْرِ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُكَ وَصِيًّا، وَهَلْ تَنْعَقِدُ الْوِصَايَةُ بِلَفْظِ الْوِلَايَةِ، كَوَلَّيْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي كَمَا تَنْعَقِدُ بِأَوْصَيْتُ إلَيْك؟ وَجْهَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بَلَا تَرْجِيحٍ، رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْهُمَا الِانْعِقَادَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ.
أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ وَكِتَابَتُهُ، وَالنَّاطِقُ إذَا اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لِقِرَاءَةِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ كَالْأَخْرَسِ (وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ (التَّوْقِيتُ) كَأَوْصَيْتُ إلَيْك سَنَةً أَوْ إلَى بُلُوغِ ابْنِي كَمَا مَرَّ (وَالتَّعْلِيقُ) كَإِذَا مِتُّ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إلَيْك؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ وَالْأَخْطَارَ فَكَذَا التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ، وَلِأَنَّ الْإِيصَاءَ كَالْإِمَارَةِ.
وَقَدْ «أَمَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْدًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَقَالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ) كَقَوْلِهِ: فُلَانٌ وَصِيٌّ فِي قَضَاءِ دَيْنِي وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِي وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ أَطْفَالِي، وَمَتَى خَصَّصَ وِصَايَتَهُ بِحِفْظٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَمَّمَ اُتُّبِعَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْصَيْت إلَيْك أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي فِي أَمْرِ أَطْفَالِي وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَحِفْظُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت إلَيْك لَغَا) هَذَا الْإِيصَاءُ كَمَا قَالَ: وَكَّلْتُكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا وَكَّلَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا عُرْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ.
(وَ) يُشْتَرَطُ فِي الْإِيصَاءِ (الْقَبُولُ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَصَرُّفٍ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ وَالْقَبُولُ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ تَنْفِيذُ الْوَصَايَا وَكَذَا إذَا عَرَضَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ لَفْظًا لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التَّصَرُّفُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْوَكَالَةِ، وَتَبْطُلُ بِالرَّدِّ كَأَنْ يَقُولَ: لَا أَقْبَلُ.
وَيُسَنُّ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ الْقَبُولُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ.
وَنَقَلَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ لِصٌّ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الضَّعْفَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَبُولُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
وَلَا يَصِحُّ فِي حَيَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَوْ وَصَّى اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا إلَّا إنْ صَرَّحَ بِهِ.
وَلِلْمُوصِي وَالْوَصِيِّ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ.
ــ
[مغني المحتاج]
(وَلَا يَصِحُّ) قَبُولُ الْإِيصَاءِ وَلَا رَدُّهُ (فِي حَيَاتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ التَّصَرُّفِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ بِالْمَالِ، فَلَوْ قَبِلَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَغَا أَوْ رَدَّ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ قَبِلَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَحَّ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْقَبُولُ، وَالرَّدُّ كَالْوَكَالَةِ.
(وَلَوْ وَصَّى اثْنَيْنِ) وَلَمْ يَجْعَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهِ أَوْ أَطْلَقَ كَأَنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو أَوْ إلَيْكُمَا (لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا) بِالتَّصَرُّفِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ، وَاحْتِيَاطًا فِي الثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ (إلَّا إنْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ الِانْفِرَادِ كَأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ إلَى كُلٍّ مِنْكُمَا، أَوْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا، وَصِيٌّ أَوْ أَنْتُمَا وَصِيَّايَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّثْنِيَةَ فِي حُكْمِ تَكْرِيرِ الْمُفْرَدِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كُلٌّ مِنْكُمَا وَصِيٌّ، فَإِذَا ضَعُفَ أَحَدُهُمَا عَنْ التَّصَرُّفِ انْفَرَدَ الْآخَرُ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ، وَلِلْإِمَامِ نَصْبُ مَنْ يُعِينُ الْآخَرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ تَلَفُّظُهُمَا بِالْعَقْدِ مَعًا، بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ رَأْيِهِمَا وَإِنْ بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا بِأَمْرِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ وُجُوبِ الِاجْتِمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالِانْفِرَادِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَأَمْوَالِهِمْ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وَقَضَاءِ دَيْنٍ لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ.
أَمَّا رَدُّ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُوصَى بِهَا وَقَضَاءِ دَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِهِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ اسْتِقْلَالُ أَحَدِهِمَا بِهِ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ يَقَعُ مَوْقِعَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ الشَّيْخَانِ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ، وَيَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي حِفْظِ الْمَالِ الْمُنْقَسِمِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي تَعْيِينِ النِّصْفِ الْمَحْفُوظِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَاسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا بِهِ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَوْلَادِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَعَلَى الْحَاكِمِ نَصْبُ آخَرَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ لِيَتَصَرَّفَ مَعَ الْمَوْجُودِ، وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِي لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ، وَلَوْ مَاتَا مَثَلًا جَمِيعًا لَزِمَ الْحَاكِمَ نَصْبُ اثْنَيْنِ مَكَانَهُمَا، وَلَوْ جَعَلَ الْمُوصِي عَلَى الْوَصِيَّيْنِ مُشْرِفًا لَمْ يَتَصَرَّفَا إلَّا بِمُرَاجَعَتِهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَحِلُّهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ، لَا كَشِرَاءِ الْخُبْزِ وَالْبَقْلِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ، ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ.
(وَ) عَقْدُ الْإِيصَاءِ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَحِينَئِذٍ (لِلْمُوصِي وَالْوَصِيِّ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ) كَالْوَكَالَةِ، هَذَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَغْلِبْ
وَإِذَا بَلَغَ الطِّفْلُ وَنَازَعَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ صَدَقَ الْوَصِيُّ، أَوْ فِي دَفْعٍ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ صُدِّقَ الْوَلَدُ.
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْبَلْ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ؟ فِيهِ نَظَرٌ يَحْتَمِلُ اللُّزُومُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ الظَّالِمِ بِذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - الْأَوَّلُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا فِي الدَّفْعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُوصِي أَنَّ عَزْلَهُ لِوَصِيِّهِ مُضَيِّعٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ أَوْ لِأَمْوَالِ أَوْلَادِهِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ أَوْ لِخُلُوِّ النَّاحِيَةِ عَنْ قَاضٍ أَمِينٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ عَزْلُهُ اهـ.
وَهُوَ حَسَنٌ.
تَنْبِيهٌ: تَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي إطْلَاقِ الْعَزْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي فَإِنَّ الْعَزْلَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ، وَلَا وِلَايَةَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالرُّجُوعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
(وَإِذَا بَلَغَ الطِّفْلُ) رَشِيدًا وَكَمَلَ غَيْرُهُ (وَنَازَعَهُ) أَيْ الْوَصِيُّ أَوْ نَحْوُهُ كَالْأَبِ (فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) أَوْ عَلَى مَمُونِهِ (صَدَقَ الْوَصِيُّ) وَنَحْوُهُ بِيَمِينِهِ فِي اللَّائِقِ بِالْحَالِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَقَدْ تَشُقُّ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى النَّفَقَةِ اللَّائِقَةِ صُدِّقَ الْوَلَدُ قَطْعًا (أَوْ) نَازَعَهُ (فِي دَفْعِ) الْمَالِ (إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَالرُّشْدِ لِلطِّفْلِ وَالْكَمَالِ لِغَيْرِهِ، أَوْ فِي تَارِيخِ مَوْتِ الْأَبِ (صُدِّقَ الْوَلَدُ) بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى:{فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَلِأَنَّهُ لَا يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي الْوَكَالَةِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ فِي الْقَيِّمِ الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَإِنَّ عِبَارَتَهُ هُنَاكَ: وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إلَخْ، وَهَذِهِ فِي الْوَصِيِّ لَا فِي قَيِّمِ الْيَتِيمِ، لَكِنَّ تَخْصِيصَهُ الْوَصِيَّ بِالذِّكْرِ يُوهِمُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُمَا كَالْوَصِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ.
خَاتِمَةٌ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ كَالْوَكِيلِ، قِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْأَذْرَعِيِّ، وَلَا يُخَالِطُ الطِّفْلَ بِالْمَالِ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْإِرْفَاقِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ} [البقرة: 220] الْآيَةَ، وَلَا يَسْتَقِلُّ بِقِسْمَةِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَيْسَ لَهُ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ أَوْ إقْرَارًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاعَ لَهُ شَيْئًا حَالًّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُؤَجَّلِ، وَلَوْ فَسَقَ الْوَلِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى اللَّهِ وَإِلَى زَيْدٍ حُمِلَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى التَّبَرُّكِ، وَإِنْ خَافَ الْوَصِيُّ عَلَى الْمَالِ مِنْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِنْ هَذَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا لِقَاضِي سُوءٍ لَانْتَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ خَوَنَتِهِ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الظَّالِمُ، وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ إذَا نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
بَذْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ تَعْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ لِحِفْظِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ عليه السلام، وَإِذَا كَانَ النَّاظِرُ فِي أَمْرِ الطِّفْلِ أَجْنَبِيًّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَكْفِيهِ أَخَذَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ أُمًّا بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهَا وَكَانَ فَقِيرًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ.