المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في أحكام الوصية الصحيحة وتنقسم إلى ثلاثة أقسام] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٤

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِرْثِ الْأُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إرْثِ الْحَوَاشِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي توارث الْمُسْلِم وَالْكَافِر]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَعُولُ مِنْهَا وَقِسْمَةِ التَّرِكَةِ]

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَفِي حُكْمِ إجْمَاعِ تَبَرُّعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَبَيَانَ مَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ وَمَا يَنْفَعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوِصَايَةِ]

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يَقْتَضِي صَرْفَ الزَّكَاةِ لِمُسْتَحِقِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ]

- ‌فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا

- ‌[فَصْلٌ مَوَانِع وِلَايَةِ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَفَاءَة الْمُعْتَبَرَة فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَزْوِيج الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ]

- ‌بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ مِنْ الرِّقِّ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ]

- ‌بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمُ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مُؤَنُ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ]

- ‌بَابُ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْفَافِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِكَاحُ الرَّقِيقِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ]

- ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ

- ‌[فَصْلٌ الصَّدَاقُ الْفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّفْوِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَهْرُ الْمِثْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُتْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَالُفُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمُ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْخُلْعِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ لِلْعِوَضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْخُلْعِ أَوْ عِوَضِهِ]

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَصْدُ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوِلَايَةُ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَدُّدُ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ وَغَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةُ لِلطَّلَاقِ بِالْأَصَابِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ]

الفصل: ‌[فصل في أحكام الوصية الصحيحة وتنقسم إلى ثلاثة أقسام]

وَنُطَالِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ.

فَصْلٌ

ــ

[مغني المحتاج]

لِلْوَارِثِ إلَى عِتْقِهِ قَطْعًا كَذَا قَالَاهُ فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ لَهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ. لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُوصَى لَهُ وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْعَبْدِ لِتَقَرُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَبِمَا قَالَهُ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ فَتَأَخَّرَ وَقْفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِمَنْ يَكُونُ رِيعُهُ؟ قِيلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْوَقْفِ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ. اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَبَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا لِقَبُولٍ.

أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ مَحْصُورٍ. فَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَتِهِ لِزَوْجِهَا فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ تَبَيَّنَ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَإِنْ رَدَّ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَالزَّوْجُ وَارِثُ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْأَجْنَبِيُّ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ وَإِنْ رَدَّ انْفَسَخَ، هَذَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِوَارِثٍ آخَرَ، وَأَجَازَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا لَمْ يَنْفَسِخْ، وَإِلَّا انْفَسَخَ.

فَإِنْ قِيلَ: يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِتَعْرِيفِ الثَّمَرَةِ وَتَنْكِيرِ كَسْبٍ، وَجَمْعِهِمَا فِي ضَمِيرِ حَصَلَا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَطْلُبُهُ حَالًا وَالثَّانِي يَطْلُبُهُ صِفَةً.

أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الثَّمَرَةِ لِلْجِنْسِ، وَالْمُعَرَّفُ بِأَلْ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ فَلَيْسَ طَلَبُ الثَّمَرَةِ وَكَسْبٌ حِينَئِذٍ مِنْ جِهَتَيْنِ، بَلْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَنُطَالِبُ) بِالنُّونِ أَوَّلَهُ بِخَطِّهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ (الْمُوصَى لَهُ) بِالْعَبْدِ أَيْ: يُطَالِبُهُ الْوَارِثُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَيْ: أَوْ الْقَائِمُ مَقَامَهُ مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ (بِالنَّفَقَةِ) وَسَائِرِ الْمُؤَنِ (إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ) كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مُطَلِّقُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ مِنْ التَّعْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ يَرُدَّ خَيَّرَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَكَمَ بِالْبُطْلَانِ كَالْمُتَحَجِّرِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِحْيَاءِ.

تَنْبِيهٌ اُسْتُشْكِلَ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَارِثِ، وَقِيلَ لِلْمَيِّتِ: كَيْفَ يُكَلَّفُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّ الْمُطَالَبَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي، صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا فِي زَمَنِ الْوَقْفِ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمُطَالَبَةِ حَالًا.

أَمَّا النِّسْبَةُ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَهِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، إنْ قَبِلَ، وَعَلَى الْوَارِثِ إنْ رَدَّ.

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

ٍ: لَفْظِيَّةٍ، وَمَعْنَوِيَّةٍ، وَحِسَابِيَّةٍ. وَالْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ الْقِسْمَ الْأَخِيرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ اخْتِصَارًا.

وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ

ص: 89

إذَا أَوْصَى بِشَاةٍ تَنَاوَلَ صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةً وَمَعِيبَةً ضَأْنًا وَمَعْزًا وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصَحِّ لَا سَخْلَةٌ وَعَنَاقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ لَغَتْ،

ــ

[مغني المحتاج]

(إذَا أَوْصَى بِشَاةٍ) وَأَطْلَقَ (تَنَاوَلَ) اسْمُ الشَّاةِ (صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ) أَيْ الْجِسْمُ (وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةَ وَمَعِيبَةً ضَأْنًا) بِالْهَمْزِ، وَقَدْ يُخَفَّفُ (وَمَعْزًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَتُسَكَّنُ جَمْعُ مَاعِزَةٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ.

فَإِنْ قِيلَ: تَجْوِيزُ الْمَعِيبَةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ: إنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَهُنَا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: اشْتَرُوا لَهُ شَاةً لَا تُشْتَرَى لَهُ مَعِيبَةً كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَنَّهُ أَبْدَى فِيهِ احْتِمَالًا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: ضَأْنًا وَمَعْزًا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ الْوَارِثُ إعْطَاءَهُ أَرْنَبًا أَوْ ظَبْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ قَبُولُهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الشَّاةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالنَّعَامِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَسَبَبُهُ تَخْصِيصُ الْعُرْفِ بِالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: شَاةٌ مِنْ شِيَاهِي وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الظِّبَاءُ أَعْطَى مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ.

وَنَقَلَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ (وَكَذَا ذَكَرَ) بِتَنَاوُلِهِ أَيْضًا اسْمَ الشَّاةِ إنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ، وَلَيْسَتْ التَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ بَلْ لِلْوَحْدَةِ كَحَمَامٍ وَحَمَامَةٍ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: لَفْظُ الشَّاةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَالثَّانِي لَا يَتَنَاوَلُهُ لِلْعُرْفِ، وَالْخُنْثَى كَالذَّكَرِ.

أَمَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ كَأَعْطُوهُ شَاةً يَنِزُّهَا عَلَى غَنَمِهِ أَوْ تَيْسًا أَوْ كَبْشًا تَعَيَّنَ الذَّكَرُ، أَوْ شَاةً يَحْلُبُهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا أَوْ نَعْجَةً تَعَيَّنَتْ الْأُنْثَى أَوْ شَاةً يَنْتَفِعُ بِصُوفِهَا تَعَيَّنَ الضَّأْنُ أَوْ بِشَعْرِهَا تَعَيَّنَ الْمَعْزُ، وَخَرَجَ بِصَغِيرَةِ الْجُثَّةِ صَغِيرَةُ السِّنِّ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (لَا سَخْلَةٌ) وَهِيَ وَلَدُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مَا لَمْ يَبْلُغْ سَنَةً (وَ) لَا (عَنَاقٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ كَذَلِكَ وَكَالْعَنَاقِ الْجَدْيُ كَمَا شَمِلَتُهُ السَّخْلَةُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا كَفَى عَنْ ذِكْرِ الْعَنَاقِ، وَدَخَلَ الْجَدْيُ فَلَا يَتَنَاوَلَهُمَا اسْمُ الشَّاةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُسَمَّى شَاةً لِصِغَرِ سِنِّهَا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ. وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُهُمَا لِصِدْقِ الِاسْمِ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ وَالْغَزَالِيِّ عَنْهُمْ خَلَا الصَّيْدَلَانِيَّ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ (وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً) أَوْ رَأْسًا (مِنْ غَنَمِي) أَوْ مِنْ شِيَاهِي بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ غَنَمٌ عِنْدَ مَوْتِهِ أُعْطِيَ شَاةً مِنْهَا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ (وَلَا غَنَمَ لَهُ) عِنْدَ الْمَوْتِ (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ هَذِهِ لِعَدَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَصِيَّةُ.

أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَلَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَرِقَّاءُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَلَكَهُ بَعْدُ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى شَاةً مِنْ غَنَمِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ غَنَمِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَلَى

ص: 90

وَإِنْ قَالَ مِنْ مَالِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ، وَالْجَمَلُ وَالنَّاقَةُ يَتَنَاوَلَانِ الْبَخَاتِيَّ وَالْعِرَابَ لَا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُ بَعِيرٍ نَاقَةً لَا بَقَرَةٍ ثَوْرًا

ــ

[مغني المحتاج]

مَجْهُولٍ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَقَطْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُلْغَى. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ أَيْ: إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ظِبَاءٌ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ تَصْحِيحِهِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الظِّبَاءَ قَدْ يُقَالُ لَهَا شِيَاهُ الْبَرِّ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا غَنَمُ الْبَرِّ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَلِهَذَا لَغَتْ هُنَا (وَإِنْ قَالَ) أَعْطُوهُ شَاةً (مِنْ مَالِي) وَلَا غَنَمَ لَهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ عِنْدَ مَوْتِهِ (اُشْتُرِيَتْ لَهُ) شَاةٌ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ مِمَّا مَرَّ، فَالضَّمِيرُ فِي اُشْتُرِيَتْ لِلشَّاةِ، وَهِيَ لِلْوَحْدَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: اُشْتُرِيَ أَوْ اُشْتُرِيَتْ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إنَّ اُشْتُرِيَ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا، وَأَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهَا شَاةً عَلَى غَيْرِ صِفَةِ غَنَمِهِ لِشُمُولِ الْوَصِيَّةِ لِذَلِكَ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرُوا لَهُ شَاةً تَعَيَّنَتْ سَلِيمَةً كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ يَقْتَضِيهَا كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي أَوْ رَأْسًا مِنْ مَالِي أَوْ اشْتَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فَكَمَا لَوْ قَالَ: مِنْ مَالِي، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ مَالِي وَلَا مِنْ غَنَمِي (وَالْجَمَلُ وَالنَّاقَةُ يَتَنَاوَلَانِ الْبَخَاتِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَاحِدُهَا بُخْتِيٌّ. وَبُخْتِيَّةٌ، وَهِيَ جِمَالٌ طُوَالُ الْأَعْنَاقِ (وَ) يَتَنَاوَلَانِ (الْعِرَابَ) وَالسَّلِيمَ وَالْمَعِيبَ وَصَغِيرَ الْجُثَّةِ وَكَبِيرَهَا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى ذَلِكَ كَالشَّاةِ، وَ (لَا) يَتَنَاوَلُ (أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) فَلَا يَتَنَاوَلُ الْجَمَلُ النَّاقَةَ وَلَا عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ لِلذَّكَرِ، وَالنَّاقَةُ لِلْأُنْثَى (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (تَنَاوُلُ بَعِيرٍ) مَعَ تَنَاوُلِهِ مَا يَتَنَاوَلَهُ الْجَمَلُ (نَاقَةً) لِأَنَّهُ لُغَةً اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ، وَقَدْ سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ حَلَبَ فُلَانٌ بَعِيرَهُ وَصَرَعَتْنِي بَعِيرِي. وَالثَّانِي الْمَنْعُ، وَرَجَّحَهُ كَثِيرُونَ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّف عَنْ عَكْسِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ، وَفِي الْمُحْكَمِ النَّاقَةُ الْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ (لَا بَقَرَةٍ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ: تَشُقُّهَا. أَيْ لَا تَتَنَاوَلُ (ثَوْرًا) بِالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْأُنْثَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الْأَرْضَ. وَالثَّانِي: يَتَنَاوَلُ، وَالْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ، وَلَا يُخَالِفُ الْأَوَّلُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا عَلَيْهِ لَمْ يُشْتَهَرْ عُرْفًا، وَالْبَغْلُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لِلذَّكَرِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَمِثْلُهُمَا الْأَوَّلُ، وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا شُمُولَهُمَا لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، فَإِنْ أَتَى بِالْهَاءِ كَحَمَارَةٍ وَكَلْبَةٍ وَبَغْلَةٍ لَمْ يُجْزِ الذَّكَرُ، وَفِي الرَّوْضَةِ آخِرَ النَّذْرِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ الْبَعِيرَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَصِيلَ، وَالْبَقَرَةُ لَا تَتَنَاوَلُ الْعِجْلَ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الشَّاةَ لَا تَتَنَاوَلُ السَّخْلَةَ، وَتَدْخُلُ الْجَوَامِيسُ فِي اسْمِ الْبَقَرِ خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ عَدَمِ الدُّخُولِ كَمَا يَكْمُلُ بِهَا نِصَابُهَا. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَحْشِيُّ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غَيْرُهَا فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَمَا

ص: 91

وَالثَّوْرُ لِلذَّكَرِ.

وَالْمَذْهَبُ حَمْلُ الدَّابَّةِ عَلَى فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ.

وَيَتَنَاوَلُ الرَّقِيقُ صَغِيرًا وَأُنْثَى وَمَعِيبًا وَكَافِرًا وَعُكُوسَهَا وَقِيلَ: إنْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ وَجَبَ الْمُجْزِئُ كَفَّارَةً.

ــ

[مغني المحتاج]

مَرَّ فِي الشَّاةِ.

فَإِنْ قِيلَ مَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ قَدْ يُشْكِلُ بِحِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ فَأَكَلَ لَحْمَ بَقَرِ وَحْشٍ.

أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَمَا هُنَاكَ إنَّمَا يُبْنَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَضْطَرِبْ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ (وَالثَّوْرُ) يُصْرَفُ إذَا أَوْصَى بِهِ (لِلذَّكَرِ) فَقَطْ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْبَقَرَةَ، وَاسْمُ عَشْرِ بَقَرَاتٍ وَعَشْرِ أَيْنُقٍ لِلْإِنَاثِ وَعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى.

(وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ (حَمْلُ الدَّابَّةِ) عُرْفًا إذَا أَوْصَى بِهَا (عَلَى) مَا يُمْكِنُ رُكُوبُهُ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ مِنْ (فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَلَوْ ذَكَرًا وَمَعِيبًا وَصَغِيرًا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَغْلَبُ مَا يُرْكَبُ. قَالَ تَعَالَى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] وَقِيلَ: هَذَا عَلَى عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ، وَإِذَا كَانَ عُرْفُ أَهْلِ غَيْرِهَا كَالْعِرَاقِ الْفَرَسَ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَلِلِاخْتِلَافِ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ بِالنَّصِّ صَحَّ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِمَارِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا حُمُرٌ وَحْشِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ حَذَرًا مِنْ إلْغَائِهَا. اهـ.

وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الشَّاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ظِبَاءٌ، هَذَا إنْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً لِيُقَاتِلَ أَوْ يَكُرَّ أَوْ يَفِرَّ عَلَيْهَا فَفَرَسٌ، أَوْ لِيَنْتَفِعَ بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا فَفَرَسٌ أُنْثَى أَوْ نَاقَةٌ أَوْ حِمَارَةٌ، أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا خَرَجَ مِنْهَا الْفَرَسُ، فَإِنْ اعْتَادُوا الْحَمْلَ عَلَى الْبَرَاذِينِ دَخَلَتْ. بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَقَوَّاهُ الْمُصَنِّفُ إذَا قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا دَخَلَ فِيهَا الْجِمَالُ وَالْبَقَرُ إنْ اعْتَادُوا الْحَمْلَ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّي وَمَعَهُ دَابَّةٌ مِنْ جِنْسٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ تَعَيَّنَتْ أَوْ دَابَّتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مِنْهُمَا تَخَيَّرَ الْوَارِثُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِيَوْمِ الْمَوْتِ لَا بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّعَمِ أَوْ نَحْوِهَا فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ الصِّحَّةُ، وَيُعْطِي مِنْهَا لِصِدْقِ اسْمِ الدَّابَّةِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الشَّاةِ.

(وَيَتَنَاوَلُ الرَّقِيقُ) إذَا أَوْصَى بِهِ أَوْ بِإِعْتَاقِهِ (صَغِيرًا وَأُنْثَى وَمَعِيبًا وَكَافِرًا وَعُكُوسَهَا) وَهِيَ كَبِيرٌ وَذَكَرٌ وَسَلِيمٌ وَمُسْلِمٌ وَخُنْثَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى الْجَمِيعِ (وَقِيلَ: إنْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ وَجَبَ الْمُجْزِئُ كَفَّارَةً) لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْإِعْتَاقِ، بِخِلَافِ أَعْطُوهُ عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ، وَالْخِلَافُ فِي عِتْقِ التَّطَوُّعِ، فَلَوْ قَالَ: عَنْ كَفَّارَةٍ تَعَيَّنَ الْمُجْزِئُ فِيهَا أَوْ نَذْرٍ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا عَنْ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا لِيُقَاتِلَ أَوْ لِيَخْدُمَهُ فِي السَّفَرِ أُعْطِيَ ذَكَرًا.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى: وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا سَلِيمًا مِنْ الزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهِمَا. وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا مِمَّا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْخِدْمَةُ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا لِلْخِدْمَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا مُطْلَقًا، إذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ، وَإِنْ قَالَ: لِيَحْضُنَ وَلَدَهُ أَوْ لِيَتَمَتَّعَ بِهِ فَأُنْثَى؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَصْلُحُ لِذَلِكَ.

ص: 92

وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ.

أَوْ بِإِعْتَاقِ رِقَابٍ فَثَلَاثٌ، فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى شِقْصٌ بَلْ نَفِيسَتَانِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَنْفُسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي لِلْعِتْقِ اُشْتُرِيَ شِقْصٌ.

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: كَفَّارَةً بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ: إمَّا حَالٌ لِأَنَّهُ نَفْسَهُ كَفَّارَةٌ أَوْ تَمْيِيزٌ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ كَفَّارَةً بِمَعْنَى تَكْفِيرٍ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ لِقِلَّتِهِ.

(وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ) مُبْهَمًا - أَيْ بِأَحَدِ أَرِقَّائِهِ (فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا) كُلُّهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ مَضْمُونًا أَوْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقٍ أَوْ نَحْوِ بَيْعٍ (قَبْلَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (بَطَلَتْ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا رَقِيقَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ (وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ) لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُهُ وَإِعْطَاؤُهُ قِيمَةَ مَقْتُولٍ وَمِثْلُهُ لَوْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ بِمَا مَرَّ إلَّا وَاحِدًا، هَذَا إذَا أَوْصَى بِأَحَدِ الْمَوْجُودَيْنِ فَإِنْ أَوْصَى بِأَحَدِ أَرِقَّائِهِ فَمَاتَ الَّذِينَ فِي مِلْكِهِ أَوْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ وَتَجَدَّدَ لَهُ غَيْرُهُمْ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَإِذَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْجُودَيْنِ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ لِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْحَادِثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ.

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ مَوْتِهِ مَا بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ أَوْ الْمَوْتُ بَعْدَ الْقَبُولِ أَوْ قَبْلَهُ وَقَبِلَ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى قِيمَةِ أَحَدِهِمْ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ بِخِيرَةِ الْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ وَلَزِمَهُ تَجْهِيزُهُ فِي الْحَالَيْنِ.

(أَوْ) أَوْصَى (بِإِعْتَاقِ رِقَابٍ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَمَنْ قَالَ: أَقَلُّهُ اثْنَانِ جَوَّزَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرُوا بِثُلُثِ مَالِي رِقَابًا وَأَعْتِقُوهُمْ اشْتَرَوْا ثَلَاثًا لِمَا مَرَّ فَأَكْثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَالِاسْتِكْثَارُ مَعَ الِاسْتِرْخَاصِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِقْلَالِ مَعَ الِاسْتِغْلَاءِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ إعْتَاقَ خَمْسِ رِقَابٍ قَلِيلَةِ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ أَرْبَعٍ كَثِيرَةِ الْقِيمَةِ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مَا وَصَّى بِهِ إلَى رَقَبَتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ ثَلَاثٍ، فَلَوْ صَرَفَهُ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّالِثَةَ، وَهَلْ يَضْمَنُ ثُلُثَ مَا نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ أَقَلَّ مَا يَجِدُ بِهِ رَقَبَةً؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي (فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَّ) أَيْ: عَنْ ثَلَاثِ رِقَابٍ (فَالْمَذْهَبُ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى) مَعَ رَقَبَتَيْنِ (شِقْصٌ) مِنْ رَقَبَةٍ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيهَا حُرًّا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعْلِيلِ (بَلْ) يَشْتَرِي (نَفِيسَتَانِ بِهِ) أَيْ: بِمَا أَوْصَى بِهِ (فَإِنْ فَضَلَ) مِنْ الْمُوصَى بِهِ (عَنْ أَنْفُسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الشِّقْصَ لَيْسَ رَقَبَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ رَقَبَةً، فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا شِقْصٌ لَمْ يُشْتَرَ قَطْعًا.

وَالثَّانِي: يُشْتَرَى شِقْصٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِ الْمُوصِي مِنْ صَرْفِ الْفَاضِلِ لِلْوَرَثَةِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ فَضَلَ مَا أَوْصَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ ثَلَاثِ نَفِيسَاتٍ شَيْءٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهَا أَوْلَى بِأَنْ لَا يُشْتَرَى بِهِ الشِّقْصُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِحُصُولِ اسْمِ الْجَمْعِ هُنَا، وَلَوْ أَوْصَى بِشِرَاءِ شِقْصٍ اُشْتُرِيَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إمَّا لِعَدَمِهِ أَوْ لِقِلَّةِ الْبَاقِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرُدَّتْ لِلْوَرَثَةِ (وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي لِلْعِتْقِ اُشْتُرِيَ شِقْصٌ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الثُّلُثِ إلَى الْعِتْقِ.

وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَى الشِّقْصُ وَإِنْ قُدِرَ عَلَى التَّكْمِيلِ، وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ:

ص: 93

وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ فَلَهُمَا، أَوْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَكُلُّهُ لِلْحَيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا أَوْ قَالَ أُنْثَى فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْهُمَا لَغَتْ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ فَوَلَدَتْهُمَا اسْتَحَقَّ الذَّكَرُ أَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهَا وَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.

وَلَوْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ

ــ

[مغني المحتاج]

يُشْتَرَى شِقْصٌ، لَكِنَّ التَّكَمُّلَ أَوْلَى إذَا أَمْكَنَ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَى ذَلِكَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّكْمِيلِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَقْرَبُ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ.

(وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلِهَا) بِشَيْءٍ (فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ) حَيَّيْنِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (فَلَهُمَا) بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، وَلَا يُفَضَّلُ ذَكَرٌ عَنْ أُنْثَى كَمَا لَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ شَيْئًا (أَوْ) أَتَتْ (بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَكُلُّهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (لِلْحَيِّ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَعْدُومِ بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ بِانْفِصَالِهِمَا مَيِّتَيْنِ.

وَالثَّانِي لَهُ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْمُوصِي كَمَا لَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ (وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا أَوْ قَالَ) إنْ كَانَ حَمْلُكِ (أُنْثَى فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا جَمِيعَهُ لَيْسَ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى، وَلَوْ وَلَدَتْ فِي الْأُولَى ذَكَرَيْنِ قُسِمَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا كَمَا اخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فِي الثَّانِيَةِ أُنْثَيَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُكِ ابْنًا فَلَهُ كَذَا، أَوْ بِنْتًا فَلَهَا كَذَا، فَوَلَدَتْ ابْنَيْنِ أُنْثَيَيْنِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِلْجِنْسِ فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا الْفَرْقُ بِوَاضِحٍ، وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: بَلْ الْفَرْقُ وَاضِحٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ وَإِلَّا فَفِي وُضُوحِ الْفَرْقِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا نَظَرٌ (وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ) فَلَهُ كَذَا (فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى (اسْتَحَقَّ الذَّكَرُ) فَقَطْ لِأَنَّهُ وُجِدَ بِبَطْنِهَا، وَزِيَادَةُ الْأُنْثَى لَا تَضُرُّ (أَوْ) وَلَدَتْ (ذَكَرَيْنِ فَالْأَصَحُّ) وَفِي الْوَجِيزِ الْأَظْهَرُ (صِحَّتُهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُرْ الْحَمْلَ فِي وَاحِدٍ بَلْ حَصَرَ الْوَصِيَّةَ فِيهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِاقْتِضَاءِ التَّنْكِيرِ التَّوْحِيدَ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُعْطِيهِ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) كَمَا لَوْ وَقَعَ الْإِبْهَامُ فِي الْمُوصَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فِي حُقُوقِهِ، وَقِيلَ: يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: يُوقَفُ إلَى أَنْ يَتَأَهَّلَا لِلْقَبُولِ فَيَصْطَلِحَا وَلَوْ

قَالَ: إنْ وَلَدْت غُلَامًا، أَوْ إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ، أَوْ إنْ كُنْتِ حَامِلًا بِغُلَامٍ فَلَهُ كَذَا، أَوْ أُنْثَى فَكَذَا فَوَلَدَتْهُمَا أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ وَلَوْ مَعَ أُنْثَيَيْنِ أَعْطَى الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى أَعْطَى الْأَقَلَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَإِنْ جَزَمَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ تَمَامُ مَا جَعَلَ لِلْآخَرِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَالُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ.

(وَلَوْ وَصَّى) بِشَيْءٍ (لِجِيرَانِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لَحْنٌ، وَفِي الْمُحْكَمِ إنَّ جَمْعَ الْجَارِ

ص: 94

فَلِأَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

جِيرَةٌ وَجِيرَانٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إلَّا قَاعٌ وَقِيعَةٌ وَقِيعَانٌ (فَلِأَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) مِنْ جَوَانِبِ دَارِهِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ، وَهُوَ إمَامٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَكَلَامُهُ فِيهَا حُجَّةٌ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ:«حَقُّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ قُدَّامًا وَخَلْفًا وَيَمِينًا وَشَمَالًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا، وَلَهُ طُرُقٌ تُقَوِّيهِ. وَقِيلَ: الْجَارُ مَنْ لَاصَقَ دَارِهِ، وَقِيلَ: أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَقِيلَ: الْمُلَاصِقُ وَالْمُقَابِلُ، وَقِيلَ: أَهْلُ الزُّقَاقِ غَيْرِ النَّافِذِ، وَقِيلَ: مَنْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ دَرْبٌ يُغْلَقُ، وَقِيلَ: مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: قَبِيلَتُهُ، وَقِيلَ: جَمِيعَ أَهْلِ الْبَلَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 60] وَعَلَى الْأَوَّلِ يُصْرَفُ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْمُسْلِمِ وَالْغَنِيِّ وَضِدِّهِمَا عَلَى عَدَدِ الدُّورِ لَا عَلَى عَدَدِ السُّكَّانِ، وَالْعِبْرَةُ بِالسَّاكِنِ لَا بِالْمِلْكِ، وَتُقَسَّمُ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى عَدَدِ سُكَّانِهَا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ وَلَوْ رَدَّ بَعْضُ الْجِيرَانِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الدُّورِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُتَّجَهُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْجِوَارِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ، فَجُمْلَةُ الدُّورِ حِينَئِذٍ مِائَةٌ وَسِتُّونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ أَرْبَعُونَ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: هَكَذَا وَهَكَذَا أَنَّ الْأَرْبَعِينَ تُعَدُّ هَكَذَا وَهَكَذَا حَتَّى تَتِمَّ، وَاعْتُرِضَ هَذَا الْعَدَدُ بِأَنَّ دَارَ الْمُوصِي قَدْ تَكُونُ كَبِيرَةً فِي التَّرْبِيعِ فَيُسَامِتُهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ دَارًا فَيَزِيدُ الْعَدَدُ.

وَقَدْ تُسَامِتُ دَارَ الْمُوصِي دَارٌ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْءٌ عَنْهَا فَيَزِيدُ الْعَدَدُ أَيْضًا. وَرُبَّمَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ كُلَّ جَانِبٍ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ وُجِدَتْ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ اخْتَارَ الْوَارِثُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرَ، فَإِنْ وُجِدَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ زِيَادَةٌ، وَفِي آخَرَ نَقْصٌ يَنْبَغِي أَنْ يُكَمَّلَ النَّاقِصُ مِنْ الزَّائِدِ، وَيُقَسَّمَ عَلَيْهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّبْعُ كَالدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى بُيُوتٍ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُوصِي دَارٌ إنْ صُرِفَ إلَى جِيرَانِ أَكْثَرِهِمَا سُكْنَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَإِلَى جِيرَانِهِمَا، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى جِيرَانِ مَنْ كَانَ فِيهَا حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ الثَّانِي عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ.

وَيَظْهَرُ قَوْلُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْوَصِيَّةِ، وَفِي أُخْرَى حَالَةَ الْمَوْتِ، فَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِلَى جِيرَانِهِمَا وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ جِيرَانَ الْمَسْجِدِ كَجِيرَانِ الدَّارِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ، وَقِيلَ: جَارُهُ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ لِخَبَرِ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَجَارُهُ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْخَبَرِ خَاصٌّ بِحُكْمِ الصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ.

ص: 95

وَالْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ، وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

فَائِدَةٌ: رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي تَرْجَمَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَحُسْنُ الْجِوَارِ عِمَارَةٌ لِلدِّيَارِ وَزِيَادَةٌ فِي الْأَعْمَارِ» .

(وَالْعُلَمَاءُ) فِي الْوَصِيَّةِ هُمْ (أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ) .

قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمَا سِوَاهَا فِي الدِّينِ حُطَامٌ فَانٍ، وَبَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ:(مِنْ) عِلْمِ (التَّفْسِيرِ) وَهُوَ لُغَةً بَيَانُ مَعْنَى اللَّفْظِ الْغَرِيبِ. وَشَرْعًا مَعْرِفَةُ مَعَانِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، وَهَذَا بَلَا سَاحِلٍ لَهُ، وَكُلُّ عَالِمٍ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ: مَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَمَا يُدْرَكُ مِنْ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ بِوَاسِطَةِ عُلُومٍ أُخَرَ كَاللُّغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّرْعِ وَوَرَاءَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَهْمٌ يُؤْتِيهِ اللَّهُ لِلْعَبْدِ وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَمَنْ عَرَفَ التَّفْسِيرَ دُونَ أَحْكَامِهِ لَا يُصْرَفُ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَنَاقِلِ الْحَدِيثِ (وَ) مِنْ عِلْمِ (حَدِيثٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَعْرِفَةُ مَعَانِيهِ وَرِجَالِهِ وَطُرُقِهِ وَصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ وَعَلِيلِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ بَعْدَ الْقُرْآنِ، فَالْعَالِمُ بِهِ مِنْ أَجَلِّ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ عُلَمَائِهِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّمَاعِ الْمُجَرَّدِ (وَ) مِنْ عِلْمِ (فِقْهٍ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا أَيْ: عَرَفَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ دُونَ مَنْ عَرَفَ طَرَفًا مِنْهُ كَمَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْحَيْضِ أَوْ الْفَرَائِضِ وَإِنْ سَمَّاهَا الشَّارِعُ نِصْفَ الْعِلْمِ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِنْبَاطِ الظَّاهِرِيَّةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَفْتَى بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ النَّاسِ صُرِفَ لِلْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ. وَقَالَ شَارِحُ التَّعْجِيزِ: أَوْلَى النَّاسِ بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ نُورٌ يَقْذِفُ هَيْبَتَهُ فِي الْقَلْبِ أَيْ مَنْ قُذِفَ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ مَوْهِبَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ بِخِلَافِ مَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الزَّمَانِ، فَذَلِكَ صِنَاعَةٌ وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالصُّوفِيَّةِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْوَقْفِ.

سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فَقِيلَ: إنَّ فُقَهَاءَنَا لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْتُمْ فَقِيهًا قَطُّ؟ الْفَقِيهُ هُوَ الْقَائِمُ لَيْلَهُ، الصَّائِمُ نَهَارَهُ، الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الَّذِي لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي، يَنْشُرُ حِكْمَةَ اللَّهِ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَفَقِهَ عَنْ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَعَلِمَ مَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكْرَهُهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْعَالِمُ الَّذِي قِيلَ فِيهِ:«مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مِنْ الْمَغْرُورِينَ، وَلَوْ أَوْصَى لِمُفَسِّرٍ وَمُحَدِّثٍ وَفَقِيهٍ فَاجْتَمَعَتْ فِي شَخْصٍ أُعْطِيَ بِأَحَدِهَا كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ عَنْ عُلُومِ الْعَقْلِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالْمَنْطِقِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمَنْطِقِ الطَّاوُسِيُّ فِي التَّعْلِيقَةِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ فَلْيَكُنْ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ الْحَصْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْعِلْمُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ مِثْلُهَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ عَلَيْهِ، وَعَدَّ الْغَزَالِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْعِلْمِ الدِّينِيِّ عِلْمَ الْبَاطِنِ يَعْنِي: عِلْمَ الْقَلْبِ، وَتَطْهِيرَهُ عَنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الرَّاسِخِ فِي الْعِلْمِ فَقِيلَ: هُوَ مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ جَمَعَ أَرْبَعَ

ص: 96

لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ، وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.

ــ

[مغني المحتاج]

خِصَالٍ: التَّقْوَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَالتَّوَاضُعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَالزُّهْدَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّنْيَا، وَالْمُجَاهَدَةَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْعَالِمُ بِتَصَارِيفِ الْكَلَامِ، وَمَوَارِدِ الْأَحْكَامِ، وَمَوَاقِعِ الْمَوَاعِظِ؛ لِأَنَّ الرُّسُوخَ الثُّبُوتُ فِي الشَّيْءِ، وَعَطَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَرْفُوعِ قَوْلَهُ (لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ) وَمُنَجِّمٌ وَحَاسِبٌ وَمُهَنْدِسٌ فَلَيْسُوا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَهُمْ مِنْهُمْ، وَكَذَا الْعَالِمُ بِاللُّغَةِ وَالصَّرْفِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ وَالْعَرُوضِ وَالْقَوَافِي وَالْمُوسِيقَى وَنَحْوِهَا، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقْرِئِ التَّالِي.

أَمَّا الْعَالِمُ بِالرِّوَايَاتِ وَرِجَالِهَا فَكَالْعَالِمِ بِطُرُقِ الْحَدِيث، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنَّ عِلْمَ الْقِرَاءَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي، فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعُلَمَاءِ، وَبِأَنَّ التَّالِيَ قَارِئٌ لَا مُقْرِئٌ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْأُدَبَاءِ النُّحَاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ، وَقَدْ عَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ الْأَدَبَ اثْنَيْ عَشَرَ عِلْمًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُعَبِّرِ مُفَسِّرُ الْمَنَامِ، وَالْأَفْصَحُ عَابِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: عَبَرْتُ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ التَّشْدِيدَ وَفِي الْحَدِيث: «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ» وَالطَّبِيبُ مَنْ يُحْسِنُ عِلْمَ الطِّبِّ (وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ) لَيْسَ مِنْهُمْ (عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) لِمَا ذُكِرَ وَنَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي زِيَادَتِهِ عَنْ النَّصِّ، وَقِيلَ يَدْخُلُ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَمَالَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَدِّثِ وَالْمُقْرِئِ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الدُّخُولِ كُلُّهُمْ أَوْ فِي الْخُرُوجِ، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّوَقُّفِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصَحِّ إلَى قَوْلِهِ: عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.

وَقَالَ: السُّبْكِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ، وَلِيُمَيِّزَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، فَذَاكَ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْعَالِمُ بِهِ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَقَدْ جَعَلُوهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّوَغُّلُ فِي شُبَهِهِ، وَالْخَوْضُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْفَلْسَفَةِ، وَتَضْيِيعُ الزَّمَانِ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا وَدَاعِيًا إلَى ضَلَالَةٍ، فَذَاكَ بِاسْمِ الْجَهْلِ أَحَقُّ.

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْإِلَهِيَّاتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحُكَمَاءِ فَذَاكَ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ بَلْ أَكْثَرُهُ ضَلَالٌ وَفَلْسَفَةٌ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. اهـ.

وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الَّذِي أَنْكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ: لَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَذَا الصُّوفِيَّةُ يَنْقَسِمُونَ إلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَالْقُطْبِ الْقُونَوِيِّ وَالْعَفِيفِ التِّلْمِسَانِيِّ، فَهَؤُلَاءِ ضُلَّالٌ جُهَّالٌ خَارِجُونَ عَنْ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ: إنَّ الشَّكَّ فِي كُفْرِ طَائِفَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ كُفْرٌ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَهُمْ الَّذِينَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ الِاتِّحَادُ. قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ أَخْيَارٌ وَكَلَامُهُمْ جَارٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ كَسَائِرِ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُمْ فِي مُرَادِهِمْ وَإِنْ افْتَقَرَ عِنْدَ

ص: 97

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[مغني المحتاج]

غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَوْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَهُ عِنْدَهُ كُفْرًا إلَى تَأْوِيلٍ، إذْ اللَّفْظُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، فَالْمُعْتَقِدُ مِنْهُمْ لِمَعْنَاهُ مُعْتَقِدٌ لِمَعْنًى صَحِيحٍ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى وِلَايَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ جَمَاعَةٌ عُلَمَاءُ عَارِفُونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْيَافِعِيُّ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ وَفِي طَائِفَتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورُ عِنْدَ غَيْرِ الصُّوفِيَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ عَنْ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا اسْتَغْرَقَ فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ وَالْعِرْفَانِ بِحَيْثُ تَضْمَحِلُّ ذَاتُهُ فِي ذَاتِهِ، وَصِفَاتُهُ فِي صِفَاتِهِ، وَيَغِيبُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ عِبَارَاتٌ تُشْعِرُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ بَيَانِ حَالِهِ الَّذِي تَرَقَّى إلَيْهِ وَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَلَوْ أَوْصَى لِلْقُرَّاءِ صُرِفَ لِحُفَّاظِ كُلِّ الْقُرْآنِ فِي الْأَصَحِّ لَا لِمَنْ لَا يَحْفَظُ وَيَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ لِلرِّقَابِ صُرِفَ إلَى الْمُكَاتَبِينَ كِتَابَةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عَنْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ أَنْ يُدْفَعَ إلَى ثَلَاثَةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مُكَاتَبٌ وُقِفَ الثُّلُثُ لِجَوَازِ أَنْ يُكَاتَبَ رَقِيقٌ، فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ الْمَالُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ أَوْ لِسَبِيلِ اللَّهِ صُرِفَ إلَى الْغُزَاةِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ شَرْعًا، وَأَقَلُّ مَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ ثَلَاثَةٌ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ آلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ أَوْصَى لِآلِ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ، وَهَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْقَرَابَةِ أَوْ عَلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَوَّلُ، وَأَهْلُ الْبَيْتِ كَالْآلِ لَكِنْ تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِيهِمْ أَيْضًا، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَيْتِ دَخَلَ كُلُّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِآبَائِهِ دَخَلَ أَجْدَادُهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ لِأُمَّهَاتِهِ دَخَلَتْ جَدَّاتُهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْضًا، وَلَا تَدْخُلُ الْأَخَوَاتُ فِي الْإِخْوَةِ كَعَكْسِهِ، وَالْأَحْمَاءُ آبَاءُ الزَّوْجَةِ، وَكَذَا أَبُو زَوْجَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ حم، وَالْمَحَارِمُ يَدْخُلُ فِيهِمْ كُلُّ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ.

وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَوَالِي كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُدَبَّرُ وَلَا أُمُّ الْوَلَدِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِلْيَتَامَى أَوْ الْأَرَامِلِ أَوْ الْأَيَامَى أَوْ الْعُمْيَانِ أَوْ الْحُجَّاجِ أَوْ الزَّمْنَى أَوْ أَهْلِ السُّجُونِ أَوْ الْغَارِمِينَ أَوْ لِتَكْفِينِ الْمَوْتَى أَوْ لِحَفْرِ قُبُورِهِمْ اُشْتُرِطَ فَقْرُهُمْ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْحُجَّاجِ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ هُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ إنْ انْحَصَرُوا وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَإِلَّا جَازَ وَالْيَتِيمُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْيَتِيمُ فِي النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَفِي الْبَهَائِمِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: وَمِنْ الطَّيْرِ مِنْ قِبَلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَحْضُنَانِهِ وَيَزُقَّانِهِ وَالْأَيِّمُ وَالْأَرْمَلَةُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا إلَّا أَنَّ الْأَرْمَلَةَ مَنْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَوْتٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ، وَالْأَيِّمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَقَدُّمُ زَوْجٍ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْخُلُوِّ عَنْ الزَّوْجِ حَالًا، وَلَوْ أَوْصَى لِلْأَرَامِلِ أَوْ الْأَبْكَارِ أَوْ الثَّيِّبِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِنَّ الرِّجَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَوْجَاتٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ فِي الْعُرْفِ لِلنِّسَاءِ، أَوْ لِلْعُزَّابِ صُرِفَ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا زَوْجَةَ لَهُ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا عَلَى أَحَدِ رَأْيَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَالْقَانِعُ السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَلَا يَسْأَلُ وَسَيَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ.

فَائِدَةٌ: النَّاسُ غِلْمَانٌ وَصِبْيَانٌ وَأَطْفَالٌ وَذَرَارِيُّ إلَى الْبُلُوغِ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ شُبَّانٌ وَفِتْيَانٌ

ص: 98

وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينُ وَعَكْسُهُ، وَلَوْ جَمَعَهُمَا شُرِّكَ نِصْفَيْنِ، وَأَقَلُّ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ، وَلَهُ التَّفْضِيلُ، أَوْ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ فِي جَوَازِ إعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لَكِنْ لَا يُحْرَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

إلَى الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَهَا كُهُولٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَهَا شُيُوخٌ.

(وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينُ وَعَكْسُهُ) فَمَا وَصَّى بِهِ لِأَحَدِهِمَا يَجُوزُ دَفْعُهُ لِلْآخَرِ لِوُقُوعِ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَدْخُلُ الْفَقِيرُ الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ، وَلَا فَقِيرُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ كَالزَّكَاةِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ نَقْلُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ أَنَّ الْأَطْمَاعَ لَا تَمْتَدُّ إلَيْهَا امْتِدَادَهَا فِي الزَّكَاةِ، إذْ الزَّكَاةُ مَطْمَعُ نَظَرِ الْفُقَرَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُوَظَّبَةٌ دَائِرَةٌ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهَا بِفُقَرَاءِ سَائِرِ الْبِلَادِ (وَلَوْ جَمَعَهُمَا) أَيْ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ فِي الْوَصِيَّةِ (شُرِّكَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا (نِصْفَيْنِ) فَيُجْعَلُ نِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَلَا يُقْسَمُ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ (وَأَقَلُّ) مَا يَكْفِي مِنْ (كُلِّ صِنْفٍ) مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ بَنِي زَيْدٍ وَبَنِي عَمْرٍو فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُهُمْ بِأَنْ يُقْسَمَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، فَلَوْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ غَرِمَ لِلثَّالِثِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ، وَلَا يَصْرِفُهُ لَهُ بَلْ يُسَلِّمُهُ لِلْقَاضِي، وَيَصْرِفُهُ لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَرُدُّهُ إلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ هُوَ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ ذَكَرُوا فَرْعًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ قَرِيبٌ وَاحِدٌ هَلْ يَكُونُ لَهُ الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ خِلَافٌ فَلْيَكُنْ هُنَا نَظِيرُهُ. اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَأْتِي. وَيُشْتَرَطُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْمُوصَى لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَمَالِيكِ فِي ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُوصِي وَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ (التَّفْضِيلُ) بَيْنَ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَلْ يَتَأَكَّدُ تَفْضِيلُ الْأَشَدِّ حَاجَةً وَعِيَالًا، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَقَارِبِ الْمُوصِي الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ ثُمَّ جِيرَانِهِمْ ثُمَّ مَعَارِفِهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ، فَإِنْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ وَهُمْ مَحْصُورُونَ وَجَبَ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ كَتَعْيِينِهِمْ. وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ عَيَّنَ فُقَرَاءَ بَلَدٍ وَلَا فَقِيرَ بِهَا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ (أَوْ) وَصَّى (لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) أَيْ زَيْدًا (كَأَحَدِهِمْ فِي جَوَازِ إعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِمْ فِي إضَافَتِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ زَيْدٌ فَقِيرًا فَيَتَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْفُقَرَاءِ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ فَائِدَتَيْنِ: مَنْعَ الْإِخْلَالِ بِهِ، وَعَدَمَ اعْتِبَارِ فَقْرِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (لَكِنْ) زَيْدٌ (لَا يُحْرَمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا يُحْرَمُ أَحَدُهُمْ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ اسْتِيعَابِهِمْ كَمَا مَرَّ لِنَصِّهِ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ تَعْبِيرُهُ بِالْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا سَبْعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَبَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَبْسُوطَاتِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَكْثَرَهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، هَذَا إذَا أَطْلَقَ زَيْدًا، فَإِنْ وَصَفَهُ بِوَصْفِهِمْ، كَأَنْ قَالَ: لِزَيْدٍ الْفَقِيرِ وَالْفُقَرَاءِ وَكَانَ غَنِيًّا أَخَذَ

ص: 99

أَوْ لِجَمْعٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مُنْحَصِرٍ كَالْعَلَوِيَّةِ صَحَّتْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ.

أَوْ لِأَقَارِبِ زَيْدٍ دَخَلَ كُلُّ قَرَابَةٍ وَإِنْ بَعُدَ

ــ

[مغني المحتاج]

نَصِيبَهُ الْفُقَرَاءُ لَا وَارِثُ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَإِنْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ وَصْفِهِمْ كَأَنْ قَالَ: لِزَيْدٍ الْكَاتِبِ وَالْفُقَرَاءِ اسْتَحَقَّ زَيْدٌ النِّصْفَ أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ أُعْطِيَ زَيْدٌ النِّصْفَ وَاسْتُوْعِبَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ جَمَاعَتُهُ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِهِ لَمْ يُعْطَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَ الْمُوصَى بِالتَّقْدِيرِ.

أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَجِبْرِيلَ أَوْ لَهُ وَالْحَائِطِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ كَالشَّيْطَانِ أُعْطِيَ زَيْدٌ النِّصْفَ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْبَاقِي كَمَا لَوْ أَوْصَى لِابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عَمْرٍو وَلَيْسَ لِعَمْرٍو ابْنٌ، وَلَوْ أَضَافَ الْحَائِطَ كَأَنْ قَالَ: وَعِمَارَةُ حَائِطِ الْمَسْجِدِ، أَوْ حَائِطِ دَارِ زَيْدٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَصُرِفَ النِّصْفُ فِي عِمَارَتِهِ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَالْمَلَائِكَةِ أَوْ الرِّيَاحِ أَوْ الْحِيطَانِ أَوْ نَحْوِهَا أُعْطِيَ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلَّهِ فَلِزَيْدٍ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ؛ لِأَنَّهَا مَصْرِفٌ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى صُرِفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: لِلَّهِ تَعَالَى صُرِفَ لِلْمَسَاكِينِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ، وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ جُعِلَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.

(أَوْ) وَصَّى (لِجَمْعٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مُنْحَصِرٍ كَالْعَلَوِيَّةِ) وَالْهَاشِمِيَّةِ وَبَنِي تَمِيمٍ (صَحَّتْ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالثَّانِي: الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ خَصَّصَهُ بِثَلَاثَةٍ فَاتُّبِعَ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ) كَمَا فِي الْفُقَرَاءِ.

فَائِدَةٌ: مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ، وَنَقَلَ شَيْخُ شَيْخِنَا لِشِهَابِ بْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ فِي كِتَابِهِ " أَبْنَاءِ الْعُمُرَانِ " فِي سَنَةِ ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ أَمَرَ السُّلْطَانُ شَعْبَانُ الْأَشْرَافَ أَنْ يَمْتَازُوا عَنْ النَّاسِ بِعَصَائِبَ خُضْرٍ عَلَى الْعَمَائِمِ فَفُعِلَ ذَلِكَ بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الْأَنْدَلُسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

جَعَلُوا لِأَبْنَاءِ الرَّسُولِ عَلَامَةً

إنَّ الْعَلَامَةَ شَأْنُ مَنْ لَمْ يُشْهَرْ

نُورُ النُّبُوَّةِ فِي كَرِيمِ وُجُوهِهِمْ

يُغْنِي الشَّرِيفَ عَنْ الطِّرَازِ الْأَخْضَرِ.

(أَوْ) وَصَّى بِشَيْءٍ (لِأَقَارِبِ زَيْدٍ) مَثَلًا أَوْ رَحِمِهِ (دَخَلَ كُلُّ قَرَابَةٍ) لَهُ (وَإِنْ بَعُدَ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، حُرًّا أَوْ رَقِيقًا، وَيَكُونُ نَصِيبُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ، وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفُقَرَاءِ عَدَمُ دُخُولِهِمْ، ثُمَّ رَأَيْتُ النَّاشِرِيَّ بَحَثَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَلْ يَدْخُلُ الْعَبِيدُ فِي الْأَقَارِبِ وَيُصْرَفُ إلَى سَادَاتِهِمْ؟ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلُوا إذَا لَمْ تَكُنْ السَّادَةُ دَاخِلِينَ لَا إنْ دَخَلُوا؛ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ الصَّرْفُ لِلسَّادَةِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ عَبِيدِهِمْ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ، فَقَالَ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي دُخُولِهِمْ، فَيُقَالُ: يَنْبَغِي دُخُولُهُمْ إنْ لَمْ

ص: 100

إلَّا أَصْلًا وَفَرْعًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ أُمٍّ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْعِبْرَةُ بِأَقْرَبِ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ زَيْدٌ، وَتُعَدُّ أَوْلَادُهُ قَبِيلَةً،

ــ

[مغني المحتاج]

يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ أَحْرَارٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ أَحْرَارٌ لَمْ تَدْخُلْ الْعَبِيدُ مَعَهُمْ، إذْ لَا يُقْصَدُونَ بِالْوَصِيَّةِ عَادَةً اهـ.

وَالْأَوْجَهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاشِرِيُّ لِقَوْلِهِمْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُذْكَرُ لِإِرَادَةِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، وَالِاسْمُ شَامِلٌ لِلْكُلِّ.

تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ كُلُّ قَرِيبٍ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَهَذَا إذَا انْحَصَرُوا، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا فَكَالْوَصِيَّةِ لِلْعَلَوِيَّةِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْجَمْعِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى قَرِيبَيْنِ أَوْ قَرِيبٍ وَاحِدٍ أَخَذَ الْكُلَّ لَا الْقِسْطَ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَدْخُلُ الْبَعِيدُ مَعَ أَنَّ أَقَارِبَ جَمْعُ أَقْرَبَ وَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ ثَابِتَةٌ بِالْعُرْفِ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فَدَخَلَ كُلُّ قَرِيبٍ وَبَعْضُهُمْ أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ، وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى:{لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ، لَكِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَبِينَ الْأَوْلَادُ، وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] كَانَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها مِنْ جُمْلَةِ مَنْ دُعِيَ لِلْإِنْذَارِ (إلَّا أَصْلًا) أَيْ الْأَبَ وَالْأُمَّ فَقَطْ (وَ) إلَّا (فَرْعًا) أَيْ أَوْلَادَ الصُّلْبِ فَقَطْ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْأَقَارِبِ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا يُسَمُّونَ أَقَارِبَ عُرْفًا. أَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْأَحْفَادُ فَيَدْخُلُونَ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهَا. وَالثَّانِي: يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَقْرَبِ الْأَقَارِبِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ مِنْ الْأَقَارِبِ؟ . قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ بَحْثًا وَنَقْلًا، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ (وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ أُمٍّ) فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ (فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ فِي الْأَصَحِّ) إذَا كَانَ الْمُوصِي عَرَبِيًّا فَإِنَّهُمْ لَا يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَلَا يَعُدُّونَهَا قَرَابَةً. وَالثَّانِي: يَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ كَالْعَجَمِ، وَقَوَّاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمَا وُجِّهَ بِهِ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ تَدْخُلُ فِي لَفْظِ الرَّحِمِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّحِمَ هِيَ قَرَابَةٌ فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِبْطِ: «إنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» لِأَنَّ أُمَّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ وَقَدْ افْتَخَرَ صلى الله عليه وسلم بِخَالِهِ سَعْدٍ «فَقَالَ: سَعْدٌ خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (وَالْعِبْرَةُ) فِيمَا ذُكِرَ (بِأَقْرَبِ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ زَيْدٌ، وَتُعَدُّ أَوْلَادُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْجَدِّ (قَبِيلَةً) فَيَرْتَقِي فِي بَنِي الْأَعْمَامِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ مَنْ فَوْقَهُ فَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ حَسَنِيٍّ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ وَأَوْلَادِ الْحُسَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ الشَّافِعِيِّ فِي زَمَانِهِ لِأَوْلَادِ شَافِعٍ، فَتَقْيِيدُ الرَّوْضَةِ بِزَمَنِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ جَدٍّ يُعْرَفُ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَلَا يُصْرَفُ لِمَنْ

ص: 101

وَيَدْخُلُ فِي أَقْرَبِ أَقَارِبِهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ ابْنٍ عَلَى أَبٍ وَأَخٍ عَلَى جَدٍّ وَلَا يُرَجَّحُ بِذُكُورَةٍ وَوِرَاثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتِ وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

يُنْسَبُ إلَى جَدٍّ بَعْدَ شَافِعٍ كَأَوْلَادِ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ أَخَوَيْ شَافِعٍ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى الْمُطَّلِبِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ بَعْضِ أَوْلَادِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَوْلَادِ شَافِعٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى دُخُولِ جَمِيعِ النَّاسِ فَإِنَّ آدَمَ يَجْمَعُهُمْ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: يُنْسَبُ إلَيْهِ جَدُّ الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ (وَيَدْخُلُ فِي أَقْرَبِ أَقَارِبِهِ) أَيْ الْمُوصِي (الْأَصْلُ) مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ (وَالْفَرْعُ) مِنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ، كَمَا يَدْخُلُ غَيْرُهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَهُمْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ وَهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِمْ أَقَارِبُ عُرْفًا، وَالْمُرَادُ دُخُولُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ.

وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ وَالتَّقْدِيمُ فَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ ابْنٍ) وَإِنْ سَفَلَ (عَلَى أَبٍ) لِأَنَّهُ أَقْوَى إرْثًا وَتَعْصِيبًا، وَلَوْ عَبَّرَ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ بِالْفَرْعِ لِتَدْخُلَ الْبِنْتُ لَكَانَ أَوْلَى، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْفَرْعَ جُزْءُ الْمُوصِي، وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ فَتَقَدَّمَ الْأَوْلَادُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، وَيَسْتَوِي أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ، ثُمَّ الْأَبَوَانِ عَلَى مَنْ فَوْقَهُمَا (وَأَخٍ) مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ (عَلَى جَدٍّ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ لِقُوَّةِ الْبُنُوَّةِ عَلَى جِهَةِ الْأُبُوَّةِ، وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يُقَدَّمُ فِيهِ الْأَخُ مُطْلَقًا عَلَى الْجَدِّ لِلْأَبِ إلَّا هُنَا وَفِي الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْأَخِ لِلْأُمِّ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ إخْرَاجُ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَالثَّانِي: يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِيهِمَا لِاسْتِوَاءِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْأَخِيرَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ لِإِدْلَائِهِمَا بِالْأَبِ، وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى، بَلْ الْمُرَجَّحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأُولَى أَيْضًا قَوْلَانِ، وَالْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ بَعْدَ الْجُدُودَةِ سَوَاءٌ، ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ وَالْعَمَّةُ عَلَى أَبِي الْجَدِّ، وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ عَلَى جَدِّ الْأُمِّ وَجَدَّتِهَا (وَلَا يُرَجَّحُ بِذُكُورَةٍ وَوِرَاثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ) وَالْأَخُ وَالْأُخْتُ كَمَا يَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ سَوَاءٌ.

نَعَمْ يُقَدَّمُ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى وَلَدِ أَحَدِهِمَا، وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ هَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ دَرَجَةً فِي الْجِهَةِ كَيْفَ كَانَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَإِلَّا فَالْبَعِيدُ مِنْ الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ كَابْنِ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ (وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَتُقَدَّمُ الْجَدَّةُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ عَلَى الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْوَقْفِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ ثَمَّ اسْمُ الْجَدَّةِ وَهُنَا مَعْنَى الْأَقْرَبِيَّةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ (وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِعُرْفِ الشَّرْعِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ؛ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يُوصَى لَهُ غَالِبًا فَيَخْتَصُّ بِالْبَاقِينَ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَقْوَى فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ ثُمَّ يَبْطُلُ نَصِيبُهُمْ، وَيَصِحُّ

ص: 102