المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في صدقة التطوع] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٤

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِرْثِ الْأُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إرْثِ الْحَوَاشِي]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي توارث الْمُسْلِم وَالْكَافِر]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَعُولُ مِنْهَا وَقِسْمَةِ التَّرِكَةِ]

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَفِي حُكْمِ إجْمَاعِ تَبَرُّعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَبَيَانَ مَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ وَمَا يَنْفَعُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوِصَايَةِ]

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يَقْتَضِي صَرْفَ الزَّكَاةِ لِمُسْتَحِقِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ]

- ‌فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا

- ‌[فَصْلٌ مَوَانِع وِلَايَةِ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَفَاءَة الْمُعْتَبَرَة فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ تَزْوِيج الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ]

- ‌بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ مِنْ الرِّقِّ]

- ‌[فَصْلٌ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ]

- ‌بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمُ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مُؤَنُ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ]

- ‌بَابُ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِعْفَافِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نِكَاحُ الرَّقِيقِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ]

- ‌كِتَابُ الصَّدَاقِ

- ‌[فَصْلٌ الصَّدَاقُ الْفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّفْوِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَهْرُ الْمِثْلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُتْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَالُفُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ]

- ‌كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمُ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْخُلْعِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ لِلْعِوَضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْخُلْعِ أَوْ عِوَضِهِ]

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَصْدُ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوِلَايَةُ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَدُّدُ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ وَغَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةُ لِلطَّلَاقِ بِالْأَصَابِعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ]

الفصل: ‌[فصل في صدقة التطوع]

فِي مَوْضِعٍ لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ، وَيُكْرَهُ فِي الْوَجْهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ:

ــ

[مغني المحتاج]

الذِّكْرُ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْحَرْفُ الْكَبِيرُ كَكَافِ الزَّكَاةِ أَوْ صَادِ الصَّدَقَةِ، أَوْ جِيمِ الْجِزْيَةِ، أَوْ فَاءِ الْفَيْءِ، كَافٍ، وَيُكْتَبُ ذَلِكَ (فِي مَوْضِعٍ) ظَاهِرٍ صَلْبٍ (لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ) وَالْأَوْلَى فِي الْغَنَمِ آذَانُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَفْخَاذُهَا، وَيَكُونُ اسْمُ الْغَنَمِ أَلْطَفَ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْبَقَرِ أَلْطَفَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْإِبِلِ أَلْطَفَ مِنْ الْفِيَلَةِ (وَيُكْرَهُ) الْوَسْمُ (فِي الْوَجْهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ) الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ (وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمِ) بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُشَيْرِيِّ نَسَبًا النَّيْسَابُورِيِّ وَطَنًا، مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً (لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَشَارَ إلَى حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِحِمَارٍ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ» . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْأُمِّ قَالَ: وَالْخَبَرُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَيَنْبَغِي رَفْعُ الْخِلَافِ وَحَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ، أَوْ أَنَّ قَائِلَهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ.

أَمَّا الْآدَمِيُّ. فَوَسْمُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: يَجُوزُ الْكَيُّ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَلَا، سَوَاءٌ نَفْسُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ خِصَاءُ مَا يُؤْكَلُ فِي صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُطَيِّبُ اللَّحْمَ وَيَحْرُمُ فِي الْكَبِيرِ، وَكَذَا خِصَاءُ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَيَحْرُمُ التَّهْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ، وَيُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَعَكْسُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُ إنْزَاءِ الْخَيْلِ عَلَى الْبَقَرِ لِضَعْفِهَا وَتَضَرُّرِهَا بِكُبْرِ آلَةِ الْخَيْلِ.

[فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]

ِ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاق غَالِبًا (صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ) لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطْعَمَ جَائِعًا أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَمَنْ كَسَا مُؤْمِنًا عَارِيًّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.

وَخُضْرُ الْجَنَّةِ بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: ثِيَابُهَا الْخُضْرُ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيَهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ» وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا يُحَرِّمُهَا كَأَنْ يُعْلَمَ مِنْ آخِذِهَا أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ تَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ كَأَنْ وَجَدَ مُضْطَرًّا وَمَعَهُ مَا يُطْعِمُهُ

ص: 194

وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَكَافِرٍ.

وَدَفْعُهَا سِرًّا.

وَفِي رَمَضَانَ.

ــ

[مغني المحتاج]

فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) وَلَوْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.

وَمِثْلُهُمْ مَوْلَاهُمْ بَلْ أَوْلَى، لَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَظْهَرِ تَشْرِيفًا لَهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ:«تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ» وَفِيهِ: «لَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ» . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا، وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ، «وَعَلَيْهِ حَمَلُوا خَبَرَ الَّذِي مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ» ، وَالْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ دِينَارَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ غِنَى الزَّكَاةِ.

أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ الْعُمْرَ الْغَالِبَ، أَوْ كَانَ غِنَاهُ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ، أَوْ كَسْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ فَسَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال كَمَا هُوَ مِنْ قَوَاعِدِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَيُعْتَبَرُ فِي حِلِّهَا لَهُ أَنْ لَا يَظُنَّ الدَّافِعُ فَقْرَهُ. فَإِنْ أَعْطَاهُ ظَانًّا حَاجَتَهُ، فَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْوَصْفِ الْمَظْنُونِ (وَ) تَحِلُّ لِشَخْصٍ (كَافِرٍ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ:«فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلَّا تَقِيٌّ» أُرِيدَ بِهِ الْأَوْلَى.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْكَافِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا فِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ.

وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَهُ عَهْدٌ أَوْ ذِمَّةٌ، أَوْ قَرَابَةٌ، أَوْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَوْ كَانَ بِأَيْدِينَا بِأَسْرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ، وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ.

(وَدَفْعُهَا سِرًّا) أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا لِآيَةِ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] : وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي خَبَرِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَدْرِيَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ» نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَأَظْهَرَهَا لِيُقْتَدَى بِهِ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَلَا سَمَعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ.

(وَ) دَفْعُهَا (فِي رَمَضَانَ) أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا فِي غَيْرِهِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ» وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ فِيهِ يَضْعُفُونَ وَيَعْجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، وَتَتَأَكَّدُ فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ، وَكَذَا فِي الْأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَفِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ، وَعِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ كَالْكُسُوفِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ

ص: 195

وَلِقَرِيبٍ

وَجَارٍ أَفْضَلُ.

ــ

[مغني المحتاج]

أَرَادَ التَّطَوُّعَ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِرٍّ فِي رَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ مَثَلًا أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ، بَلْ الْمُسَارَعَةُ إلَى الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ التَّصَدُّقَ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّا يَقَعُ فِي غَيْرِهَا.

(وَ) دَفْعُهَا (لِقَرِيبٍ) أَقْرَبَ فَأَقْرَبَ رَحِمًا وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا لِغَيْرِ الْقَرِيبِ وَلِلْقَرِيبِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَفِي الْأَشَدِّ مِنْ الْأَقَارِبِ عَدَاوَةٌ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، لِيَتَأَلَّفَ قَلْبَهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُجَانَبَةِ الرِّيَاءِ وَكَسْرِ النَّفْسِ. فَائِدَةٌ: سُئِلَ الْحَنَّاطِيُّ: هَلْ الْأَفْضَلُ وَضْعُ الرَّجُلِ صَدَقَتَهُ فِي رَحِمِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ؟

فَأَجَابَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَأُلْحِقَ بِالْأَقَارِبِ الزَّوْجُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَيْتَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتَا لِبِلَالٍ سَلْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ يُجْزِئُ أَنْ نَتَصَدَّقَ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَيَتَامَى فِي حُجُورِنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ» وَيُقَاسُ بِالزَّوْجِ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ هِيَ بَعْدُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ ذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَأَوْلَادِ الْعَمِّ وَالْخَالِ، ثُمَّ فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْمَحْرَمِ رَضَاعًا ثُمَّ مُصَاهَرَةً، ثُمَّ فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَاءً مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ.

(وَ) دَفْعُهَا (لِجَارٍ) أَقْرَبَ فَأَقْرَبَ (أَفْضَلُ) مِنْ دَفْعِهَا لِغَيْرِ الْجَارِ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ فَقَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» وَقُدِّمَ الْجَارُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى قَرِيبٍ بَعِيدٍ مِنْ دَارِ الْمُتَصَدِّقِ بَلْ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا بِحَيْثُ لَا تُنْقَلُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْقَرِيبُ بِبَادِيَةٍ فَإِنْ كَانَتْ تُنْقَلُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلِّهَا قُدِّمَ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ، وَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجُونَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ مِمَّا يُحِبُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَأَنْ يَدْفَعَهَا بِبَشَاشَةٍ وَطِيبِ نَفْسٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْأَجْرِ وَجَبْرِ الْقَلْبِ.

وَتُكْرَهُ الصَّدَقَةُ بِالرَّدِيءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَبِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ،.

وَلَا يَأْنَفُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالْقَلِيلِ فَإِنَّ قَلِيلَ الْخَيْرِ كَثِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» .

وَلَوْ بَعَثَ بِشَيْءٍ مَعَ غَيْرِهِ إلَى فَقِيرٍ فَلَمْ يَجِدْهُ اُسْتُحِبَّ لِلْبَاعِثِ أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ بَلْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَتُسَنُّ الصَّدَقَةُ بِالْمَاءِ، لِخَبَرِ: «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:

ص: 196

وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَلَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ

ــ

[مغني المحتاج]

الْمَاءُ» أَيْ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.

وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَمَلَّكَ صَدَقَتَهُ أَوْ زَكَاتَهُ أَوْ كَفَّارَتَهُ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الَّذِي أَخَذَهَا لِخَبَرِ: «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحْيِ مِنْهُ فَيُحَابِيهِ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ مَلَكَهَا لَهُ، وَلَا بِالْإِرْثِ مِمَّنْ مَلَكَهَا لَهُ.

(وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ) لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ (وَ) لَكِنْ (لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ) لَهُ (أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ) فَالتَّصَدُّقُ بِدُونِهِ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ.

تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تُطَابِقُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ تَفَاوُتٌ ظَاهِرٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ أَفَادَتْ أَنَّ عَدَمَ التَّصَدُّقِ مُسْتَحَبٌّ فَيَكُونُ التَّصَدُّقُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّصَدُّقَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ فَتَصَدَّقَ بِأَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَوْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ (أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً) لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَمَّا تَقْدِيمُ مَا يَحْتَاجُهُ لِلنَّفَقَةِ فَلِخَبَرِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ، وَأَبْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ.

وَلِأَنَّ كِفَايَتَهُمْ فَرْضٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْلِ، وَالضِّيَافَةُ كَالصَّدَقَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ: وَأَمَّا خَبَرُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ حِينَئِذٍ إلَى الْأَكْلِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَتَبَرَّعَا بِحَقِّهِمَا وَكَانَا صَابِرَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ لِأُمِّهِمْ: نَوِّمِيهِمْ خَوْفًا مَنْ أَنْ يَطْلُبُوا الْأَكْلَ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ كَثِيرِينَ. لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ صَبَرَ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ حُرْمَةِ إيثَارِ عَطْشَانَ عَطْشَانَ آخَرَ بِالْمَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ مَا فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ مُضْطَرًّا آخَرَ مُسْلِمًا. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ فَلِأَنَّ أَدَاءَهُ وَاجِبٌ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَسْنُونِ، فَإِنْ رَجَا لَهُ وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ظَاهِرَةٍ فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ إلَّا إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ تَأْخِيرٌ.

وَقَدْ وَجَبَ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْفَوْرِ بِمُطَالَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إيفَائِهِ وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ بِمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ دَفْعُهُ فِي دَيْنِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

(وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا) أَيْ بِكُلِّ مَا (فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ كِسْوَةُ فَضْلِهِ لَا مَا يَكْفِيهِ فِي الْحَالِ فَقَطْ، وَلَا مَا يَكْفِيهِ فِي سَنَتِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ

ص: 197

أَوْجُهٌ: أَصَحُّهُمَا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ اُسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا.

ــ

[مغني المحتاج]

الْإِحْيَاءِ، وَلِوَفَاءِ دَيْنِهِ (أَوْجُهٌ: أَصَحُّهُمَا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ) عَلَى الْإِضَافَةِ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ (وَإِلَّا فَلَا) يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُخْتَلِفَةُ الظَّاهِرِ كَخَبَرِ:«إنَّ أَبَا بَكْرٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَخَبَرِ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ غِنَى النَّفْسِ وَصَبْرِهَا عَلَى الْفَقْرِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَالثَّالِث: لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا. أَمَّا الصَّدَقَةُ بِبَعْضِ مَا فَضَلَ عَمَّا ذُكِرَ فَمُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُقَارِبُ الْجَمِيعَ، فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهِ.

وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ حَرَامٌ مُبْطِلٌ مُحْبِطٌ لِلْأَجْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» .

خَاتِمَةٌ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ غَيْرَ الْجَنَّةِ، وَأَنْ يَمْنَعَ مَنْ سَأَلَ اللَّهَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ لِخَبَرِ:«لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» وَخَبَرِ: «مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ لَكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ بِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ. .

قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَا يَطْمَعَ الْمُتَصَدِّقُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْقُصَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ، فَإِنْ دَعَا لَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا لِتَسْلَمَ لَهُ صَدَقَتُهُ.

وَيُسَنُّ التَّصَدُّقُ عَقِبَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ، وَمِنْهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ فِي وَطْءِ الْحَائِضِ.

وَيُسَنُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقَدِيمِ فَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا ثُمَّ عَمِدَ إلَى ثَوْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَزَلْ فِي حِفْظِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا» وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّصَدُّقِ بِالرَّدِيءِ، بَلْ مِمَّا يُحِبُّ، وَهَذَا كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالْفُلُوسِ دُونَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

وَهَلْ قَبُولُ الزَّكَاةِ لِلْمُحْتَاجِ أَفْضَلُ مِنْ قَبُولِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْأَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى وَاجِبٍ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فِيهَا، وَرَجَّحَ الثَّانِي آخَرُونَ مِنْهُمْ الْجُنَيْدُ وَالْخَوَّاصُ لِئَلَّا يَضِيقَ عَلَى الْأَصْنَافِ، وَلِئَلَّا يُخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْأَخَذِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الرَّوْضَةِ وَاحِدًا مِنْهُمَا. ثُمَّ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ، فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ وَإِنْ قَطَعَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ هَذَا مِنْهُ لَا يَتَصَدَّقُ فَلْيَأْخُذْهَا، فَإِنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا وَلَمْ يُضَيِّقْ بِالزَّكَاةِ تَخَيَّرَ، وَأَخْذُهَا أَشَدُّ فِي كَسْرِ النَّفْسِ اهـ. أَيْ فَهُوَ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَلَأِ وَتَرْكُهُ فِي الْخَلْوَةِ أَفْضَلُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ النَّفْسِ، وَيُسَنُّ لِلرَّاغِبِ فِي الْخَيْرِ أَنْ لَا يَخْلُوَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ:

ص: 198