الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ
الْفَيْءُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بَلَا قِتَالٍ وَإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ]
ِ هَذَا شَطْرُ بَيْتٍ مَوْزُونٍ، وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ، وَالْفَيْءُ مَصْدَرُ فَاءَ يَفِيءُ إذَا رَجَعَ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَالِ الرَّاجِعِ مِنْ الْكُفَّارِ إلَيْنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَصْدَرِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ، وَالْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ. وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي الْمَحَاسِنِ: سُمِّيَ الْفَيْءُ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى طَاعَتِهِ، فَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ عَصَاهُ وَسَبِيلُهُ الرَّدُّ إلَى مَنْ يُطِيعُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ أَيْضًا فَلِذَلِكَ قِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَشْمَلُهَا دُونَ الْعَكْسِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: يُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الْفَيْءِ، وَقِيلَ: اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا افْتَرَقَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَالْمَشْهُورُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْغَنِيمَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنْ الْغُنْمِ وَهُوَ الرِّبْحُ اُسْتُعْمِلَتْ شَرْعًا فِي رِبْحٍ مِنْ الْكُفَّارِ خَاصٍّ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا فَضْلٌ وَفَائِدَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7][الْحَشْر] وقَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41][الْأَنْفَال] الْآيَتَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ «وَقَدْ فَسَّرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْإِيمَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بَلْ كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ إذَا غَنِمُوا مَالًا جَمَعُوهُ فَتَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْخُذُهُ، ثُمَّ أُحِلَّتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَاتِلِينَ كُلِّهِمْ نُصْرَةً وَشَجَاعَةً بَلْ أَعْظَمُ يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إعْطَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْكِتَابَ بَعْدَ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَهُوَ أَنْسَبُ.
وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا اقْتِدَاءً بِالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ:(الْفَيْءُ: مَالٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَكَلْبٍ يُنْتَفَعُ بِهِ (حَصَلَ) لَنَا (مِنْ كُفَّارٍ) مِمَّا هُوَ لَهُمْ (بَلَا قِتَالٍ وَ) لَا (إيجَافِ) أَيْ إسْرَاعِ (خَيْلٍ وَ) لَا سَيْرِ (رِكَابٍ) أَيْ إبِلٍ وَنَحْوِهَا كَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَسُفُنٍ وَرَجَّالَةٍ، وَخَرَجَ بِزِيَادَةِ لَنَا مَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ وَبِزِيَادَةِ مِمَّا هُوَ لَهُمْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّا لَمْ نَمْلِكْهُ بَلْ يُرَدُّ عَلَى مَالِكِهِ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَيُحْفَظُ.
تَنْبِيهٌ: اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ فِي حُصُولِ الْفَيْءِ انْتِفَاءَ الْقِتَالِ وَإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَهَذَا
كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ وَذِمِّيٍّ مَاتَ بَلَا وَارِثٍ فَيُخَمَّسُ.
وَخُمْسُهُ لِخَمْسَةٍ: أَحَدُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ
ــ
[مغني المحتاج]
يَصْدُقُ بِانْتِفَاءِ الْمَجْمُوعِ وَبِانْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَالْمُرَادُ هُوَ الثَّانِي، فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ كَافٍ فِي حُصُولِ اسْمِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يَكُونُ فَيْئًا حَتَّى تَنْتَفِيَ الثَّلَاثَةُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَا إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ بِأَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ الْفَيْءُ مَا حَصَلَ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْأَعَمُّ إذَا انْتَفَى يَنْتَفِي الْأَخَصُّ لِانْتِفَاءِ الْإِنْسَانِ بِانْتِفَاءِ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فِي حَدِّ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ فِي حَدِّ الْفَيْءِ فَالْوَاوُ عَلَى بَابِهَا، وَالْمُرَادُ انْتِفَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا أَظْهَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْوَاعًا سِتَّةً مِنْ الْفَيْءِ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ:(كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ) مِنْ كُفَّارٍ شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ إذَا دَخَلُوا دَارَنَا، وَخَرَاجٍ ضُرِبَ عَلَيْهِمْ عَلَى اسْمِ جِزْيَةٍ (وَمَا جَلَوْا) أَيْ تَفَرَّقُوا (عَنْهُ خَوْفًا) مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ (وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ) عَلَى الرِّدَّةِ (وَذِمِّيٍّ) أَوْ نَحْوِهِ (مَاتَ بَلَا وَارِثٍ) أَوْ تَرَكَ وَارِثًا غَيْرَ حَائِزٍ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ بِجَامِعٍ فَإِنَّ الْمَالَ يُخْرِجُ الِاخْتِصَاصَاتِ مَعَ أَنَّهَا فَيْءٌ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ قَالَ: مَا حَصَلَ كَانَ أَوْلَى، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ مَا حَصَلَ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَلُقَطَةٍ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ لَا فَيْءٌ وَمَا أَهْدَوْهُ لَنَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ بَلْ هُوَ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ، وَأَمَّا مَا أَهْدَوْهُ لَنَا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الْخَوْفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْمَالُ الَّذِي جَلَوْا عَنْهُ لِضُرٍّ أَصَابَهُمْ أَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ بَلَا قِتَالٍ فَإِنَّهُ فَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ.
ثُمَّ أَشَارَ لِحُكْمِ الْفَيْءِ بِقَوْلِهِ: (فَيُخَمَّسُ) جَمِيعُهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ مُتَسَاوِيَةٍ كَالْغَنِيمَةِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ قَالُوا: لَا يُخَمَّسُ بَلْ جَمِيعُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. لَنَا قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] الْآيَةَ، فَأَطْلَقَ هَهُنَا، وَقَيَّدَ فِي الْغَنِيمَةِ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَهُوَ رُجُوعُ الْمَالِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ كَمَا حَمَلْنَا الرَّقَبَةَ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُقَسِّمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسَ خُمْسِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ فِي الْآيَةِ خُمْسُ خُمْسٍ. وَأَمَّا بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم فَيُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ لِمَصَالِحِنَا، وَمِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ.
(وَخُمْسُهُ) أَيْ الْفَيْءِ (لِخَمْسَةٍ) فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ (أَحَدُهَا: مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ) فَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِكَافِرٍ، ثُمَّ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَصَالِحِ بِقَوْلِهِ:(كَالثُّغُورِ) جَمْعُ ثَغْرٍ: أَيْ سَدُّهَا وَشَحْنُهَا بِالْعَدَدِ. وَالْمُقَاتِلَةُ، وَهِيَ مَوَاضِعُ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَلِيهَا بِلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَيَخَافُ أَهْلُهَا مِنْهُمْ، وَكَعَمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْحُصُونِ (وَ) أَرْزَاقِ (الْقُضَاةِ) الْأَئِمَّةِ (وَالْعُلَمَاءِ) بِعُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَطَلَبَةِ هَذِهِ الْعُلُومِ
تَنْبِيهٌ: نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْعُلَمَاءِ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ
يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ، وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ
ــ
[مغني المحتاج]
كَالْأَئِمَّةِ وَمُعَلِّمِي الْقُرْآنِ وَالْمُؤَذِّنِينَ؛ لِأَنَّ الثُّغُورَ حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ مَنْ ذُكِرَ بِالِاكْتِسَابِ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَعَنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَعَنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ فَيُرْزَقُونَ مَا يَكْفِيهِمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِذَلِكَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ: تُعْطَى الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ مَعَ الْغِنَى وَقَدْرُ الْمُعْطَى إلَى رَأْيِ السُّلْطَانِ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسَعَتِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُعْطَى أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ لَا مَعَ الْغِنَى، وَالْمُرَادُ بِالْقُضَاةِ غَيْرُ قُضَاةِ الْعَسْكَرِ. أَمَّا قُضَاتُهُمْ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهُمْ فَيُرْزَقُونَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ: وَكَذَا أَئِمَّتُهُمْ وَمُؤَذِّنُوهُمْ وَعُمَّالُهُمْ (يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ) فَالْأَهَمُّ مِنْهَا وُجُوبًا، وَأَهَمُّهَا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ سَدُّ الثُّغُورِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ الْمُسْلِمِينَ
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ لَمْ يَدْفَعْ السُّلْطَانُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْهُ. قَالَ: وَهَذَا غُلُوٌّ، وَالثَّانِي: يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَ يَوْمٍ، وَالثَّالِثُ: يَأْخُذُ كِفَايَةَ سَنَةٍ، وَالرَّابِعُ: يَأْخُذَ مَا يُعْطَى وَهُوَ حِصَّتُهُ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ، حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ، وَهُنَا لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ شَيْئًا اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا الرَّابِعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: لَوْ غَصَبَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَخَلَطَ الْجَمِيعَ ثُمَّ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْمُخْتَلِطِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَجَدَ قَدْرَ حِصَّتِهِ، فَإِنْ فَرَّقَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَلِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يُقَسِّمَ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْبَاقِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ اهـ.
وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْغَصْبِ (وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ) بَنُو (الْمُطَّلِبِ) وَمِنْهُمْ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُمْ آلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ الْمُرَادُ بِذِي الْقُرْبَى فِي الْآيَةِ دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادَ عَبْدِ مَنَافٍ لِاقْتِصَارِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَسْمِ عَلَى بَنِي الْأَوَّلِينَ مَعَ سُؤَالِ بَنِي الْآخِرِينَ لَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ حَتَّى إنَّهُ لَمَّا بُعِثَ صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ نَصَرُوهُ وَذَبُّوا عَنْهُ، بِخِلَافِ بَنِي الْآخَرِينَ بَلْ كَانُوا يُؤَذُّونَهُ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أَشِقَّاءُ، وَنَوْفَلٌ أَخُوهُمْ لِأَبِيهِمْ، وَعَبْدُ شَمْسٍ هُوَ جَدُّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ.
أَمَّا مَنْ انْتَسَبَ مِنْهُمْ إلَى الْأُمَّهَاتِ فَلَا، كَذَا قَالَاهُ، وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ صلى الله عليه وسلم كَأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ بِنْتِهِ زَيْنَبَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ مِنْ بِنْتِهِ رُقَيَّةَ فَإِنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى بَلَا شَكٍّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ، فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِقَرَابَةِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ لَا بَيْنَهُمَا اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَثْنَى أَوْلَادُ بَنَاتِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْأُمَّهَات، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّحُوهُ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم انْتِسَابُ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ.
وَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ تُوُفِّيَا صَغِيرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا نَسْلٌ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِمَا اهـ.
فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ
يَشْتَرِكُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالْإِرْثِ، وَالثَّالِثُ الْيَتَامَى، وَهُوَ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
السُّبْكِيّ مَعَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ غَيْرُ الْمُرَادِ، فَإِنَّ قَرَابَةَ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَعَمُّ مِنْ فُرُوعِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (يَشْتَرِكُ) فِي خُمُسِ الْخُمُسِ (الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَأَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعَبَّاسَ مِنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَغْنِيَاءِ قُرَيْشٍ (وَالنِّسَاءُ) لِأَنَّ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ عَمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يَدْفَعُ لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رضي الله عنه مِنْهُ، وَلَوْلَا هَذِهِ الْأَدِلَّةُ لَمْ يُدْفَعْ لِلنِّسَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الصَّرْفِ لِلذُّكُورِ، فَإِنَّ " ذُو " اسْمٌ مُذَكَّرٌ وَجَعْلَهُ لِلشَّخْصِ الَّذِي يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ قَالَهُ السُّبْكِيُّ (وَ) لَكِنْ (يُفَضَّلُ الذَّكَرُ) وَلَوْ صَغِيرًا عَنْ الْأُنْثَى، فَلَهُ سَهْمَانِ وَلَهَا سَهْمٌ فَإِنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - يَسْتَحِقُّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى، وَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ اهـ.
بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ تَمَامُ نَصِيبِ الذَّكَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (كَالْإِرْثِ) وَحَكَى الْإِمَامُ فِي أَنَّ الذَّكَرَ يُفَضَّلُ عَلَى الْأُنْثَى إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ جَرِيرٍ التَّسْوِيَةُ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَالْإِرْثِ أَنَّهُمْ لَوْ أَعْرَضُوا عَنْ سَهْمِهِمْ لَمْ يَسْقُطْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي السِّيَرِ، وَمِنْ إطْلَاقِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُجِبْ تَعْمِيمُهُمْ، وَأَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ مُدْلٍ بِجِهَتَيْنِ وَمُدْلٍ بِجِهَةٍ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَأَنَّهُ لَا يُفَضَّلُ كَبِيرٌ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا قَرِيبٌ عَلَى بَعِيدٍ وَلَا حَاضِرٌ بِمَوْضِعِ الْفَيْءِ عَلَى غَائِبٍ عَنْهُ (وَالثَّالِثُ الْيَتَامَى) لِلْآيَةِ جَمْعُ يَتِيمٍ (وَهُوَ صَغِيرٌ) ذَكَرٌ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ (لَا أَبَ لَهُ) أَمَّا كَوْنُهُ صَغِيرًا فَلِخَبَرِ:«لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ. أَمَّا كَوْنُهُ لَا أَبَ لَهُ فَلِلْوَضْعِ وَالْعُرْفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ أَمْ لَا، قُتِلَ أَبُوهُ فِي الْجِهَادِ أَمْ لَا، لَهُ جَدٌّ أَمْ لَا. وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ هِيَ الَّتِي لَا جَدَّ لَهَا، وَالْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ الصَّوَابُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْيَتِيمَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ هِيَ الَّتِي لَا تُزَوَّجُ إلَّا فِي صِغَرِهَا فَإِنَّ الْجَدَّ يُزَوِّجُهَا، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُ بَلَا شَكٍّ
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْيَتِيمَ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ أَيْتَامَ الْكُفَّارِ لَا يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى شَيْئًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ لِذَلِكَ، وَيَنْدَرِجُ فِي تَفْسِيرِهِمْ الْيَتِيمَ وَلَدُ الزِّنَا وَاللَّقِيطُ وَالْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ، وَلَا يُسَمَّوْنَ أَيْتَامًا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا أَبَ لَهُ شَرْعًا فَلَا يُوصَفُ بِالْيُتْمِ، وَاللَّقِيطُ قَدْ يَظْهَرُ أَبُوهُ، وَالْمَنْفِيُّ بِلِعَانٍ قَدْ يَسْتَلْحِقُهُ نَافِيهِ. وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى.
وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ، وَيَعُمُّ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ، وَقِيلَ يُخَصُّ بِالْحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ،
ــ
[مغني المحتاج]
فَائِدَةٌ: يُقَالُ لِمَنْ فَقَدَ أُمَّهُ دُونَ أَبِيهِ مُنْقَطِعٌ، وَالْيَتِيمُ فِي الْبَهَائِمِ مَنْ فَقَدَ أُمَّهُ، وَفِي الطَّيْرِ مَنْ فَقَدَ أُمَّهُ وَأَبَاهُ (وَيُشْتَرَطُ) فِي إعْطَاءِ الْيَتِيمِ لَا فِي تَسْمِيَتِهِ يَتِيمًا (فَقْرُهُ) الْآتِي تَعْرِيفُهُ فِي الْكِتَابِ الْآتِي الشَّامِلُ لِمَسْكَنَتِهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِإِشْعَارِ لَفْظِ الْيُتْمِ بِهِ، وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُ بِمَالِ أَبِيهِ إذَا مُنِعَ اسْتِحْقَاقُهُ فَاغْتِنَاؤُهُ بِمَالِهِ أَوْلَى بِمَنْعِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَإِلَّا لَمَا كَانَ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ لِدُخُولِهِ فِي الْفُقَرَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ عَدَمُ حِرْمَانِهِ (وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْمَسَاكِينُ) الشَّامِلُونَ لِلْفُقَرَاءِ (وَابْنُ السَّبِيلِ) لِلْآيَةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَيُشْتَرَطُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ الْفَقْرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ لِلْمَسَاكِينِ بَيْنَ سَهْمِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَسَهْمِهِمْ مِنْ الْخُمْسِ وَحَقِّهِمْ مِنْ الْكَفَّارَاتِ فَيَصِيرُ لَهُمْ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ قَالَ: وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ يُتْمٌ وَمَسْكَنَةٌ أُعْطِيَ بِالْيُتْمِ دُونَ الْمَسْكَنَةِ؛ لِأَنَّ الْيُتْمَ وَصْفٌ لَازِمٌ وَالْمَسْكَنَةَ زَائِلَةٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْيُتْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فَقْرٍ وَمَسْكَنَةٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَازِي مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى لَا يَأْخُذَ بِالْغَزْوِ بَلْ بِالْقَرَابَةِ فَقَطْ. لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ يَأْخُذَ بِهِمَا، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَزْوِ وَالْمَسْكَنَةِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْغَزْوِ لِحَاجَتِنَا وَبِالْمَسْكَنَةِ لِحَاجَةِ صَاحِبِهَا (وَيَعُمُّ) الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ (الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ) بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا غَائِبُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ الْفَيْءِ وَحَاضِرُهُمْ.
نَعَمْ يُجْعَلُ مَا فِي كُلِّ إقْلِيمٍ لِسَاكِنِيهِ، فَإِنْ عَدِمَهُ بَعْضُ الْأَقَالِيمِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُمْ السَّهْمُ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِمَنْ فِيهِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ نُقِلَ إلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ كَمَا فِي الزَّكَاةِ كَمَا جَزَمَا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ الْيَتَامَى وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْحَاجَةِ فَتُرَاعَى حَاجَتُهُمْ بِخِلَافِ ذَوِي الْقُرْبَى فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَرَابَةِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ يَسِيرًا لَا يَسُدُّ مَسَدًّا بِالتَّوْزِيعِ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ وَلَا يُسْتَوْعَبُ لِلضَّرُورَةِ وَتَصِيرُ الْحَاجَةُ مُرَجَّحَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَمَنْ فُقِدَ مِنْ الْأَصْنَافِ أُعْطِيَ الْبَاقُونَ نَصِيبَهُ كَمَا فِي الزَّكَاةِ إلَّا سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كَمَا مَرَّ، وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ، وَلَا يُصَدَّقُ مُدَّعِي الْيُتْمِ وَلَا مُدَّعِي الْقَرَابَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَقِيلَ: يُخَصُّ بِالْحَاصِلِ) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ (فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ) كَالزَّكَاةِ وَلِمَشَقَّةِ النَّقْلِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ (وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ) الَّتِي كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَضْمُومَةً إلَى خُمْسِ الْخُمْسِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ) لِعَمَلِ الْأَوَّلِينَ بِهِ؛
وَهُمْ الْأَجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ
فَيَضَعُ الْإِمَامُ دِيوَانًا،
ــ
[مغني المحتاج]
لِأَنَّهَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُصُولِ النُّصْرَةِ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُقَاتِلُونَ بَعْدَهُ هُمْ الْمُرْصَدُونَ لَهَا كَمَا قَالَ (وَهُمْ الْأَجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ) بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ لَهُمْ، سُمُّوا مُرْتَزِقَةً؛ لِأَنَّهُمْ أَرْصَدُوا أَنْفُسَهُمْ لِلذَّبِّ عَنْ الدِّينِ وَطَلَبُوا الرِّزْقَ مِنْ مَالِ اللَّهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ الْمُتَطَوِّعَةُ وَهُمْ الَّذِينَ يَغْزُونَ إذَا نَشَطُوا، فَإِنَّمَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْفَيْءِ عَكْسُ الْمُرْتَزِقَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِلْمَصَالِحِ كَخُمْسِ الْخُمْسِ، وَأَهَمُّهَا الْمُرْتَزِقَةُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَفِ الْمَالُ بِحَاجَةِ الْمُرْتَزِقَةِ وَهُمْ فُقَرَاءُ صَرَفَ الْإِمَامُ لَهُمْ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ.
وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْأَخْمَاسَ الْأَرْبَعَةَ لِلْمُرْتَزِقَةِ (فَيَضَعُ الْإِمَامُ) لَهُمْ (دِيوَانًا) نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ الْوُجُوبَ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَيِّدُنَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا
وَيُنَصِّبُ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِيفًا وَيَبْحَثُ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَعِيَالِهِ وَمَا يَكْفِيهِمْ فَيُعْطِيهِ كِفَايَتَهُمْ وَيُقَدِّمُ فِي إثْبَاتِ الِاسْمِ وَالْإِعْطَاءِ قُرَيْشًا، وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ
ــ
[مغني المحتاج]
الدَّفْتَرُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَقَدْرُ أَرْزَاقِهِمْ، وَيُطْلَقُ الدِّيوَانُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ لِلْكِتَابَةِ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ كِسْرَى؛ لِأَنَّهُ اطَّلَعَ يَوْمًا عَلَى دِيوَانِهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ مَعَ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ دِيوَانُهُ: أَيْ مَجَانِينَ. ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَاءُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ تَخْفِيفًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَاسْتُحْسِنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» (وَيُنْصَبُ) نَدْبًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (لِكُلِّ قَبِيلَةٍ) مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ (أَوْ جَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ (عَرِيفًا) لِيَجْمَعَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ، وَيَسْهُلَ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ وَيُعَرِّفَهُ بِأَحْوَالِهِمْ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ: ارْجِعُوا حَتَّى أَسْأَلَ عُرَفَاءَكُمْ» وَكَانَ قَدْ عَرَّفَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا، وَزَادَ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: وَيُنَصِّبُ الْإِمَامُ صَاحِبَ جَيْشٍ وَهُوَ يُنَصِّبُ النُّقَبَاءَ وَكُلُّ نَقِيبٍ يُنَصِّبُ الْعُرَفَاءَ، وَكُلُّ عَرِيفٍ يُحِيطُ بِأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصِينَ بِهِ، فَيَدْعُو الْإِمَامُ صَاحِبَ الْجَيْشِ، وَهُوَ يَدْعُو النُّقَبَاءَ، وَكُلُّ نَقِيبٍ يَدْعُو الْعُرَفَاءَ الَّذِينَ تَحْتَ رَايَتِهِ، وَكُلُّ عَرِيفٍ يَدْعُو مَنْ تَحْتَ رَايَتِهِ، وَالْعَرِيفُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُ مَنَاقِبَ الْقَوْمِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ الْجَنَّةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ رُءُوسُ أَهْلِهَا (وَيَبْحَثُ) الْإِمَامُ وُجُوبًا (عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ (وَ) عَنْ (عِيَالِهِ) وَهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ أَوْلَادٍ وَزَوْجَاتٍ وَرَقِيقٍ لِحَاجَةِ غَزْوٍ أَوْ لِخِدْمَةٍ إنْ اعْتَادَهَا، لَا رَقِيقُ زِينَةٍ وَتِجَارَةٍ (وَمَا يَكْفِيهِمْ فَيُعْطِيهِ) كِفَايَتَهُ وَ (كِفَايَتَهُمْ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ، وَيُرَاعَى فِي الْحَاجَةِ حَالُهُ فِي مُرُوءَتِهِ وَضِدِّهَا وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالرُّخْصُ وَالْغَلَاءُ وَعَادَةُ الْبَلَدِ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ، وَيُزَادُ إنْ زَادَتْ حَاجَتُهُ بِزِيَادَةِ وَلَدٍ وَحُدُوثِ زَوْجَةٍ فَأَكْثَرَ وَمَا لَا رَقِيقَ لَهُ يُعْطَى مِنْ الرَّقِيقِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْقِتَالِ مَعَهُ أَوْ لِخِدْمَتِهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُخْدَمُ وَيُعْطَى مُؤْنَتُهُ، وَمَنْ يُقَاتِلُ فَارِسًا وَلَا فَرَسَ لَهُ يُعْطَى مِنْ الْخَيْلِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْقِتَالِ، وَيُعْطَى مُؤْنَتُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَاتِ يُعْطَى لَهُنَّ مُطْلَقًا لِانْحِصَارِهِنَّ فِي أَرْبَعٍ. ثُمَّ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الْمِلْكُ فِيهِ لَهُمَا حَاصِلٌ مِنْ الْفَيْءِ، وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ هُوَ وَيَصِيرُ إلَيْهِمَا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِنَسَبٍ عَرِيقٍ وَسَبْقٍ فِي الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَسَائِرِ الْخِصَالِ الْمَرَضِيَّةِ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ، بَلْ يَسْتَوُونَ كَالْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِسَبَبِ تَرَصُّدِهِمْ لِلْجِهَادِ وَكُلُّهُمْ مُتَرَصِّدُونَ لَهُ (وَيُقَدَّمُ) نَدْبًا (فِي إثْبَاتِ الِاسْمِ) فِي الدِّيوَانِ (وَ) فِي (الْإِعْطَاءِ) أَيْضًا (قُرَيْشًا) عَلَى غَيْرِهِمْ، لِخَبَرِ:«قَدِّمُوا قُرَيْشًا» ، وَلِشَرَفِهِمْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ) أَحَدُ أَجْدَادِهِ صلى الله عليه وسلم. سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَقَرُّشِهِمْ وَهُوَ تَجَمُّعُهُمْ، وَقِيلَ: لِشِدَّتِهِمْ (وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ) أَيْ قُرَيْشٍ (بَنِي هَاشِمٍ) وَهُوَ جَدُّهُ صلى الله عليه وسلم الثَّانِي. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ
وَالْمُطَّلِبِ ثُمَّ عَبْدِ شَمْسٍ ثُمَّ نَوْفَلٍ ثُمَّ عَبْدِ الْعُزَّى ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ الْأَنْصَارَ، ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ، ثُمَّ الْعَجَمَ وَلَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ أَعْمَى وَلَا زَمِنًا وَلَا مَنْ لَا
ــ
[مغني المحتاج]
كَانَ يَهْشِمُ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ (وَ) يُقَدِّمُ مِنْهُمْ أَيْضًا بَنِي (الْمُطَّلِبِ) شَقِيقَ هَاشِمٍ.
تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ بِالْوَاوِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بِقَوْلِهِ:«إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ شَمْسٍ) لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبَوَيْهِ (ثُمَّ) بَنِي (نَوْفَلٍ) لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ عَبْدِ مُنَافٍ (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ الْعُزَّى) لِمَكَانِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُمْ أَصْهَارُهُ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى (ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ) أَيْ بَاقِيهَا مِنْ قُرَيْشٍ (الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) . فَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَعْدَ بَنِي عَبْدِ الْعُزَّى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. ثُمَّ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْوَالُهُ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ بَنِي تَيْمٍ لِمَكَانِ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِنْهُ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ يُقَدِّمُ بَنِي مَخْزُومٍ. ثُمَّ بَنِي عَدِيٍّ لِمَكَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ثُمَّ بَنِي جُمَحٍ وَبَنِي سَهْمٍ فَهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. ثُمَّ بَنِي عَامِرٍ. ثُمَّ بَنِي الْحَارِثِ (ثُمَّ) بَعْدَ قُرَيْشٍ يُقَدِّمُ (الْأَنْصَارَ) لِآثَارِهِمْ الْحَمِيدَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَقْدِيمُ الْأَوْسِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ (ثُمَّ) بَعْدَ الْأَنْصَارِ يُقَدِّمُ (سَائِرَ) أَيْ بَاقِيَ (الْعَرَبِ) وَمِنْهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ لَا قَرَابَةَ لَهُمْ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ، فَقَالَ: بَعْدَ الْأَنْصَارِ مُضَرُ، ثُمَّ رَبِيعَةُ، ثُمَّ وَلَدُ عَدْنَانَ، ثُمَّ وَلَدُ قَحْطَانَ، فَيُرَتِّبُهُمْ عَلَى السَّابِقَةِ كَقُرَيْشٍ، فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ بِالسَّبْقِ إلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ بِالدِّينِ، ثُمَّ بِالسِّنِّ، ثُمَّ بِالْهِجْرَةِ، ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ ثُمَّ بِرَأْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُقْرِعَ، وَأَنْ يُقَدِّمَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ (ثُمَّ) يُقَدِّمُ بَعْدَ الْعَرَبِ (الْعَجَمَ) وَقُدِّمَتْ الْعَرَبُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ وَأَشْرَفُ، وَالتَّقْدِيمُ فِيهِمْ إنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى نَسَبٍ بِالْأَجْنَاسِ كَالتُّرْكِ وَالْهِنْدِ وَبِالْبُلْدَانِ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُمْ سَابِقَةٌ فِي الْإِسْلَامِ تَرَتَّبُوا عَلَيْهَا وَإِلَّا فَبِالْقُرْبِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، ثُمَّ بِالسَّبْقِ إلَى طَاعَتِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى نَسَبٍ اُعْتُبِرَ فِيهِمْ قُرْبُهُ وَبُعْدُهُ كَالْعَرَبِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ السِّنِّ، ثُمَّ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ الشَّجَاعَةِ، ثُمَّ رَأْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْعَرَبِ، وَالتَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ مُسْتَحَبٌّ لَا مُسْتَحَقٌّ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ، وَاَلَّذِي يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ هُوَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الْبَصِيرُ الْقَادِرُ عَلَى الْقِتَالِ الْعَارِفُ بِهِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ) شَخْصًا (أَعْمَى وَلَا زَمِنًا) وَلَا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا كَافِرًا، وَقَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ لَا
يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ، وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ أُعْطِيَ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى، وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ إذَا مَاتَ فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تُنْكَحَ
ــ
[مغني المحتاج]
يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ) كَأَقْطَعَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَفَى، وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ، وَكَذَا الْأَعْرَجِ إنْ كَانَ فَارِسًا وَإِلَّا فَلَا، وَيُمَيَّزُ الْمَجْهُولُ بِصِفَةٍ فَيُذْكَرُ نَسَبُهُ وَسِنُّهُ وَلَوْنُهُ، وَيُحْكَى وَجْهُهُ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ (وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمَرَضِ وَالْجُنُونِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (أُعْطِيَ) جَزْمًا كَصَحِيحٍ وَيَبْقَى اسْمُهُ فِي الدِّيوَانِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ عَارِضٍ فَرُبَّمَا يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ الْجِهَادِ وَيُقْبِلُوا عَلَى الْكَسْبِ لِهَذِهِ الْعَوَارِضِ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ) زَوَالُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى) أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ، وَلِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ فَعَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، وَلَكِنْ يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ الدِّيوَانِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إبْقَائِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُهُ لِأَجْلِ فَرَسِهِ وَقِتَالِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُعْطَى كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ اللَّائِقَةَ بِهِ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَالثَّانِي: لَا يُعْطَى لِعَدَمِ رَجَاءِ نَفْعِهِ أَيْ لَا يُعْطَى مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ الْمُعَدَّةِ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَلَكِنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي إعْطَائِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. أَمَّا الْمَاضِي فَيُعْطَاهُ جَزْمًا (وَكَذَا) تُعْطَى (زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ فِي حَيَاتِهِ (إذَا مَاتَ) بَعْدَ أَخْذِ نَصِيبِهِ فِي الْأَظْهَرِ لِئَلَّا يُشْغَلَ النَّاسُ بِالْكَسْبِ عَنْ الْجِهَادِ إذَا عَلِمُوا ضَيَاعَ عِيَالِهِمْ بَعْدَهُمْ.
تَنْبِيهٌ: إفْرَادُهُ الزَّوْجَةَ وَجَمْعُهُ الْأَوْلَادَ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْوَحْدَةِ فِي الزَّوْجَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تُعْطَى الزَّوْجَاتُ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَوْلَادِ يُوهِمُ عَدَمَ الدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ كَالْوَالِدَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْإِعْطَاءَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ: أَيْ وَالزَّوْجَةِ كُفَّارًا هَلْ يُعْطَوْنَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ اهـ.
لَكِنَّ قَضِيَّةَ إطْلَاقِهِمْ إعْطَاؤُهُمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِمْ الْإِسْلَامَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ قَدْرَ مَا يُعْطَوْنَ، وَالْمُرَادُ مَا يَلِيقُ بِهِمْ لَا مَا كَانَ لِلْمُرْتَزِقِ أَخَذَهُ وَالثَّانِي: لَا يُعْطَوْنَ لِزَوَالِ تَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ (فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تُنْكَحَ) وَكَذَا الزَّوْجَاتُ كَمَا مَرَّ لِاسْتِغْنَائِهَا بِالزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الثَّانِي مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ قَرَّرَ لَهَا كِفَايَتَهَا تَبَعًا لَهُ، وَلَوْ اسْتَغْنَتْ الزَّوْجَةُ بِكَسْبٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَوَصِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَسْبِ، وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِالْبَاقِي، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالزَّوْجَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: حَتَّى تُنْكَحَ يَقْتَضِي أَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهِ أَيْ وَلَمْ تَسْتَغْنِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا تُعْطَى إلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ التَّزْوِيجِ
وَالْأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا.
فَإِنْ فَضَلَتْ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ،
ــ
[مغني المحتاج]
مَعَ رَغْبَةِ الْأَكْفَاءِ فِيهَا أَنَّهَا تُعْطَى وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا وَإِنْ نُظِرَ فِيهِ (وَ) تُعْطَى (الْأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا) بِكَسْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَوَصِيَّةٍ أَوْ يَقْدِرُ الذُّكُورُ عَلَى الْغَزْوِ، فَمَنْ أَحَبَّ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ أُثْبِتَ وَإِلَّا قُطِعَ، فَإِذَا بَلَغَ عَاجِزًا لِعَمًى أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَكَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ تَزَوَّجَ الْإِنَاثَ. .
تَنْبِيهٌ: اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْمُدَرِّسَ إذَا مَاتَ تُعْطَى زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُ مَا يَقُومُ بِهِمْ تَرْغِيبًا فِي الْعِلْمِ كَالتَّرْغِيبِ هُنَا فِي الْجِهَادِ، فَإِنْ فَضُلَ الْمَالُ عَنْ كِفَايَتِهِمْ صُرِفَ إلَى مَنْ يَقُومُ بِالْوَظِيفَةِ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْطِيلٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ إذَا اشْتَرَطَ مُدَرِّسًا بِصِفَةٍ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ. قُلْنَا: قَدْ حَصَلَتْ الصِّفَةُ مُدَّةً مِنْ أَبِيهِمْ وَالصَّرْفُ لَهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَمُدَّتُهُمْ مُغْتَفَرَةٌ فِي جَنْبِ مَا مَضَى كَزَمَنِ الْبَطَالَةِ، وَلَا يَقْدَحُ تَقْرِيرُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلتَّدْرِيسِ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِوِلَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَقْرِيرُ مَنْ لَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً كَمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُ اسْمِ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْجِهَادِ فِي الدِّيوَانِ ابْتِدَاءً. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعِلْمَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ لَا يَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ شَيْءٌ فَيُوَكِّلُ النَّاسَ فِيهِ إلَى مَيْلِهِمْ إلَيْهِ، وَالْجِهَادَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ فَيَحْتَاجُ النَّاسُ فِي إرْصَادِ أَنْفُسِهِمْ إلَيْهِ إلَى التَّآلُفِ وَإِلَّا فَمَحَبَّةُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ قَدْ تَصُدُّ عَنْهُ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَفَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِعْطَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ أَقْوَى مِنْ الْخَاصَّةِ كَالْأَوْقَافِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي تِلْكَ التَّوَسُّعُ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ أَخْرَجَهُ شَخْصٌ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ نَشْرِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ، فَكَيْفَ يُصْرَفُ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ الصَّرْفُ لِأَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كِفَايَتَهُمْ كَمَا كَانَ يُصْرَفُ لِأَبِيهِمْ، وَمُقْتَضَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ عَدَمُهُ اهـ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي أَظْهَرُ، وَلْيَكُنْ وَقْتُ الْعَطَاءِ مَعْلُومًا لَا يَخْتَلِفُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهِ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْإِعْطَاءَ يَكُونُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً لِئَلَّا يَشْغَلَهُمْ الْإِعْطَاءُ كُلَّ أُسْبُوعٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ عَنْ الْجِهَادِ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَهِيَ مُعْظَمُ الْفَيْءِ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ جَمْعِ الْمَالِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ كَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ جَمْعِ الْمَالِ فَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ، إذْ الْحَقُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِجَمْعِ الْمَالِ وَذِكْرُ الْحَوْلِ مِثَالٌ فَمِثْلُهُ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقِ مِنْ اخْتِصَاصِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ بِالْمُرْتَزِقَةِ.
(فَإِنْ فَضَّلَتْ) بِتَشْدِيدِ الضَّادِ. أَيْ زَادَتْ (الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَةِ الْمُرْتَزِقَةِ وُزِّعَ) الْفَاضِلُ (عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ. مِثَالُ ذَلِكَ كِفَايَةُ وَاحِدٍ أَلْفٌ، وَكِفَايَةُ الثَّانِي أَلْفَانِ، وَكِفَايَةُ الثَّالِثُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَكِفَايَةُ الرَّابِعِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَمَجْمُوعِ كِفَايَتِهِمْ عَشَرَةُ آلَافٍ فَيُفْرَضُ الْحَاصِلُ عَلَى ذَلِكَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَيُعْطَى الْأَوَّلُ عُشْرَهَا، وَالثَّانِي خُمْسَهَا، وَالثَّالِثُ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِهَا، وَالرَّابِعُ خُمُسَيْهَا، وَكَذَا يُفْعَلُ إنْ زَادَ.