الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ يَحْرُمُ
ــ
[مغني المحتاج]
الْبِنْتِ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِيمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إنْ قَبِلَ الْحُرَّةَ بَعْدَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَلَوْ فَصَّلَ الْوَلِيُّ الْإِيجَابَ وَجَمَعَ الزَّوْجُ الْقَبُولَ أَوْ عَكْسَهُ فَكَتَفْصِيلِهَا فِي الْأَصَحِّ.
أَمَّا لَوْ جَمَعَهُمَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِعَقْدٍ كَأَنْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْجِيلِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْأَمَةِ قَطْعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَارِنُ الْحُرَّةَ كَمَا لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا. وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَفِيهَا طَرِيقَانِ: أَرْجَحُهُمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَكَانَتَا كَالْأُخْتَيْنِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَالْأُخْتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا أَقْوَى، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ، وَغَيْرَهُ فِيمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ لِذَلِكَ، وَأَيْضًا مَنْ تَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ حُرٍّ صَحَّ نِكَاحُهُمَا وَإِلَّا فَكَالْحُرَّةِ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ فِي عَقْدٍ بَيْنَ أُخْتَيْنِ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ وَالْأُخْرَى أَمَةٌ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مُسْلِمَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا صَحَّ فِي الْمُسْلِمَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ، أَوْ خَلِيَّةٍ وَمُعْتَدَّةٍ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا قَطْعًا كَالْأُخْتَيْنِ.
تَتِمَّةٌ: وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ رَقِيقٌ لِمَالِكِهَا تَبَعًا لَهَا وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْحُرُّ عَرَبِيًّا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ شُبْهَةٍ لَا تَقْتَضِي حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ زِنًا، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِأُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَوَلَدُهُ مِنْهَا كَالْأُمِّ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ وَلَدَ الْمُسْتَوْلَدَةِ يَكُونُ حُرًّا فَيَكُونُ حُرًّا كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ.
[فَصْلٌ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ]
فَصْلٌ فِي نِكَاحِ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، وَهُنَّ ثَلَاثُ فِرَقٍ:
الْأُولَى: مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَابِدَةِ شَمْسٍ أَوْ صُورَةٍ كَصَنَمٍ، وَكَذَا الْمُعْتَقِدَةُ لِمَذْهَبِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَكُلُّ مَذْهَبٍ يَكْفُرُ مُعْتَقِدُهُ. الثَّانِيَةُ: مَنْ لَهَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَمَجُوسِيَّةٍ. الثَّالِثَةُ: مَنْ لَهَا كِتَابٌ مُحَقَّقٌ كَيَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيَّةٍ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفِرْقَةِ الْأُولَى فَقَالَ:(يَحْرُمُ)
نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
عَلَى الْمُسْلِمِ (نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا) أَصْلًا (كَوَثَنِيَّةٍ) وَهِيَ عَابِدَةُ الْوَثَنِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عَابِدَةُ الصَّنَمِ إذَا قُلْنَا بِتَرَادُفِهِمَا، وَقِيلَ: الصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا، وَالْوَثَنُ مَا كَانَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ، أَوْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُصَوَّرِ وَغَيْرِ الْمُصَوَّرِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ صَنَمٍ وَثَنٌ وَلَا عَكْسَ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ. أَمَّا الْحُكْمُ فَلَا يَخْتَلِفُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ:(وَمَجُوسِيَّةٍ) وَهِيَ عَابِدَةُ النَّارِ إذْ لَا كِتَابَ
وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ
ــ
[مغني المحتاج]
بِأَيْدِي قَوْمِهَا الْآنَ وَلَمْ نَتَيَقَّنْهُ مِنْ قَبْلُ فَتَحْتَاطُ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ وَمَجُوسِيَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا لَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى وَثَنِيَّةٍ حَتَّى يَقْتَضِيَ أَنَّهُ لَا كِتَابَ لَهَا أَصْلًا فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ: (وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ) أَيْ نِكَاحُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5][النِّسَاءَ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
أَيْ حِلٌّ لَكُمْ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221][الْبَقَرَةَ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[مغني المحتاج]
نَعَمْ يُسْتَثْنَى نِكَاحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ؛ لِأَنَّهَا تُكْرَهُ صُحْبَتَهُ، وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ
لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ،
ــ
[مغني المحتاج]
مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6][الْأَحْزَابَ] وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم التَّسَرِّي بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا حِلُّ التَّسَرِّي لَهُ بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَطَأُ صَفِيَّةَ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ» .
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: تَسَرَّى بِرَيْحَانَةَ وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ.
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ أَصَالَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ لَهُ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فِيهِمَا.
وَفِي تَحْرِيمِ الْوَثَنِيَّةِ عَلَى الْكِتَابِيِّ وَجْهَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّحْرِيمُ وَهَلْ تَحْرُمُ الْوَثَنِيَّةُ عَلَى الْوَثَنِيِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي إنْ قُلْنَا: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا حِلَّ وَلَا حُرْمَةَ.
وَلَا فَرْقَ فِي حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ لِلْمُسْلِمِ بَيْنَ الْحَرْبِيَّةِ وَالذِّمِّيَّةِ (لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ) لَيْسَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ قَهْرِنَا وَقَدْ تُسْتَرَقُّ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَلَا تُصَدَّقُ فِي أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَلِمَا فِي الْمَيْلِ إلَيْهَا مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَكَذَا) تُكْرَهُ (ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِمَا مَرَّ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، لَكِنَّ الْحَرْبِيَّةَ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْهَا، وَالثَّانِي: لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ إهَانَةٌ وَالْكَافِرَةُ جَدِيرَةٌ بِذَلِكَ، هَذَا إذَا وَجَدَ مُسْلِمَةً، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَالَهُ
وَالْكِتَابِيَّةُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا إنْ عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي قَبْلَ نَسْخِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ بِاسْتِحْبَابِ نِكَاحِهَا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَفَّالُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إبَاحَةِ الْكِتَابِيَّةِ مَا يُرْجَى مِنْ مَيْلِهَا إلَى دِينِ زَوْجِهَا فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ الْمَيْلُ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَإِيثَارِهِنَّ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَلِهَذَا حَرُمَتْ الْمُسْلِمَةُ عَلَى الْمُشْرِكِ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالتَّسَرِّي هُنَاكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ (وَالْكِتَابِيَّةُ: يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156][الْأَعْرَافَ]
وَالْأُولَى: اُشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ يَهُودِ بْنِ يَعْقُوبَ. وَالثَّانِيَةُ: مِنْ نَاصِرَةَ قَرْيَةٍ بِالشَّامِ كَانَ مَبْدَأُ دِينِ النَّصَارَى مِنْهَا (لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، وَهُوَ كِتَابُ دَاوُد عليه الصلاة والسلام (وَغَيْرِهِ) كَصُحُفِ شِيثٍ وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - فَلَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْجِزْيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ وَيُتْلَى، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِمْ مَعَانِيهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ لَا أَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ، وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ فِيهَا نَقْصًا وَاحِدًا وَهُوَ كُفْرُهَا وَغَيْرُهَا فِيهَا نُقْصَانُ الْكُفْرِ وَفَسَادُ الدِّينِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهُوَ يَعْقُوبُ عليه الصلاة والسلام بَلْ كَانَتْ مِنْ الرُّومِ وَنَحْوِهِ.
فَائِدَةٌ: إسْرَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ عَبْدٌ وَإِيَّلُ اسْمُ اللَّهِ (فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا) لِلْمُسْلِمِ (إنْ عَلِمَ دُخُولَ قَوْمِهَا) أَيْ آبَائِهَا أَيْ أَوَّلِهِمْ أَيْ أَوَّلِ مَنْ تَدَيَّنَ مِنْهُمْ (فِي ذَلِكَ الدِّينِ) أَيْ دِينِ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ) لِتَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ الدِّينِ حِينَ كَانَ حَقًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا كَمَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ قَطْعًا، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِفَقْدِ النَّسَبِ (وَقِيلَ يَكْفِي) دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ (قَبْلَ نَسْخِهِ) وَلَوْ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - تَزَوَّجُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إنْ دَخَلُوا فِيهِ بَعْدَ التَّحْرِيفِ، فَإِنْ تَمَسَّكُوا بِغَيْرِ الْمُحَرَّفِ فَكَمَا قَبْلَ التَّحْرِيفِ فَتَحِلُّ فِي الْأَظْهَرِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ التَّحْرِيمُ إذَا شَكَّ هَلْ دَخَلُوا قَبْلَ التَّحْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَا تَحْرُمُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَكِنْ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، أَمَّا مَنْ دَخَلَ أَوَّلُ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَلَا تَحِلُّ، وَكَذَا مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى عليه الصلاة والسلام، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً عَمَّا إذَا كَانَتْ إسْرَائِيلِيَّةً نِسْبَةً إلَى إسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ لَا يَعْلَمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ بَعْثَةٍ تَنْسَخُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَذَلِكَ بِأَنْ
وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَكَذَا جَنَابَةٌ، وَتَرْكِ أَكْلِ خِنْزِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ،
ــ
[مغني المحتاج]
عَلِمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَوْ شَكَّ، وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ فِيهِ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ أَوْ بَعْدَ بَعْثَةٍ لَا تَنْسَخُهُ كَبَعْثَةِ مَنْ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى فَإِنَّهُ يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِشَرَفِ نَسَبِهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْيَهُودِ وَإِلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأَنَّ آبَاءَهُمْ دَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَبْدِيلِهِ أَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَقَبْلَ النَّسْخِ أَيْ وَاجْتَنَبُوا الْمُبَدَّلَ. قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: إنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِدَعْوَاهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْقَبُولِ.
قَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِالتَّشَوُّفِ إلَى حَقْنِ الدِّمَاءِ بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ، فَإِنَّهُ يُحْتَاطُ لَهَا قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ الْيَوْمَ اهـ.
وَاعْتَمَدَ الْفَرْقَ الْأَذْرَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَحِينَئِذٍ فَنِكَاحُ الذِّمِّيَّاتِ فِي وَقْتِنَا مُمْتَنِعٌ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَيَشْهَدَانِ بِصِحَّةِ مَا يُوَافِقُ دَعْوَاهُمْ، أَمَّا بَعْدَ النَّسْخِ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَلَا تُفَارِقُ فِيهِ الْإِسْرَائِيلِيَّة غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِسُقُوطِ فَضِيلَةِ النَّسَبِ بِالنَّسْخِ، وَأَمَّا مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم، هَلْ نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى أَوْ خَصَّصَتْهَا، وَالنَّاسِخُ شَرِيعَتُنَا، وَفِيهِ خِلَافٌ، قِيلَ: خَصَّصَتْهَا؛ لِأَنَّ عِيسَى مُقَرِّرٌ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ نَسَخَتْ الَّتِي قَبْلَهَا كَشَرِيعَةِ عِيسَى نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى، وَشَرِيعَتِنَا نَسَخَتْ سَائِرَ الشَّرَائِعِ اهـ.
وَحُكْمُ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيمَنْ ذُكِرَ حُكْمُ النِّكَاحِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي وَطْءِ السَّبَايَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا عَسُرَ فِيمَا يَظْهَرُ.
(وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ) وَغَيْرِهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ التَّوَارُثِ كَمَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الْقَذْفِ، فَإِنَّ فِي قَذْفِهَا التَّعْزِيرَ كَمَا سَيَأْتِي وَلَهُ دَفْعُهَا بِاللِّعَانِ، وَفِي أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا (وَتُجْبَرُ) الزَّوْجَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَذَا الْأَمَةُ (عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) أَيْ لِلْحَلِيلِ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ إذَا ظَهَرَتْ لِتَوَقُّفِ حِلِّ الْوَطْءِ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِاسْتِمْتَاعِ لَا أَصْلُهُ عَلَى عَقِيدَتِهِ فَهُوَ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَسْتَبِيحُ بِهَذَا الْغُسْلِ الْوَطْءَ وَإِنْ لَمْ تَتَوَضَّأْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمُسْلِمَةِ الْمَجْنُونَةِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (وَكَذَا جَنَابَةٌ) أَيْ تُجْبَرُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ (وَ) عَلَى (تَرْكِ أَكْلِ) لَحْمِ (خِنْزِيرٍ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ كَمَالُ التَّمَتُّعِ عَلَى زَوَالِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا تُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي: لَا إجْبَارَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ تَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالذِّمِّيَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ تُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَطْعًا وَهُوَ مَا جَارَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيَّ وَقَيَّدَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بِمَا إذَا حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي بَالِغَةٍ.
وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا.
وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَةُ
ــ
[مغني المحتاج]
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ صَلَاةً فَفِي إجْبَارِهَا الْقَوْلَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ حَقَّ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِمْتَاعِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَوْجَهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إجْبَارِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى مَنْعِ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ حِلَّهُ كَالنَّصْرَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ تَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَالْيَهُودِيَّةِ مَنَعَهَا مِنْهُ قَطْعًا (وَ) الْكِتَابِيَّةُ (تُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَمَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالتَّنْجِيسِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِعُضْوٍ نَجِسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ يُتَوَلَّدُ مِنْهُ تَنْجِيسٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَفِي قَدْرِ مَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْغَسْلِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا: سَبْعًا كَوُلُوغِهِ. وَالثَّانِي: مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ اهـ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.
تَنْبِيهٌ: تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَعْضَاءِ قَدْ يُخْرِجُ الثَّوْبَ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ مَا كَانَ نَجِسًا قَطْعًا، وَفِي الرَّوْضَةِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دِبَاغِهِ، وَلُبْسِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَلَهُ إجْبَارُهَا أَيْضًا عَلَى التَّنْظِيفِ بِالِاسْتِحْدَادِ وَقَلْمِ الْأَظَافِرِ وَإِزَالَةِ شَعْرِ الْإِبِطِ وَالْأَوْسَاخِ إذَا تَفَاحَشَ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ كَبَصَلٍ وَثُومٍ، وَمِنْ أَكْلِ مَا يُخَافُ مِنْهُ حُدُوثُ الْمَرَضِ، وَلَهُ مَنْعُ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ شُرْبِ مَا يُسْكِرُ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ كَمَا يَمْنَعَ الْمُسْلِمَةَ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسسْكِرُ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ وَكَالزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ السَّيِّدُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْوَثَنِيَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَفَادَهَا الْأَمَانَ مِنْ الْقَتْلِ.
(وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ) أَوْ مَجُوسِيٍّ (وَكِتَابِيَّةٍ) جَزْمًا؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَهُوَ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ (وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ (فِي الْأَظْهَرِ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي: تَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا تُنْسَبُ لِلْأَبِ، وَهَذَا فِي صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةً ثُمَّ تَبِعَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا لَحِقَتْ بِهِ فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه؛ لِأَنَّ فِيهَا شُعْبَةٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّا غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ مَا دَامَتْ تَابِعَةً لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاسْتَقَلَّتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ قَوِيَتْ تِلْكَ الشُّعْبَةُ، وَقِيلَ لَا تَلْحَقُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا كَالْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنَ مَجُوسِيِّينَ، وَتَأَوَّلَ قَائِلُهُ النَّصَّ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا فَبَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ أَحَدِهِمَا، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَأْوِيلُ النَّصِّ بِمَا ذُكِرَ عَجِيبٌ فَقَدْ صَوَّرَهَا فِي الْأُمِّ بِأَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهَا نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرَ مَجُوسِيٌّ اهـ.
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ هُنَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَرَجَّحُوهُ (وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَةُ) وَهِيَ طَائِفَةٌ تُعَدُّ مِنْ الْيَهُودِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا إلَى أَصْلِهَا السَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ
الْيَهُودَ وَالصَّابِئُونَ
ــ
[مغني المحتاج]
(الْيَهُودَ، وَالصَّابِئُونَ)، وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّصَارَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ. قِيلَ: لِنِسْبَتِهَا إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ عليه الصلاة والسلام وَقِيلَ: لِخُرُوجِهَا مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يُسَمُّونَ الصَّحَابَةَ صَابِئَةً
النَّصَارَى فِي أَصْلِ دِينِهِمْ حَرُمْنَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُقَرَّ فِي الْأَظْهَرِ،
ــ
[مغني المحتاج]
لِخُرُوجِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ (النَّصَارَى فِي أَصْلِ) أَيْ أُصُولِ (دِينِهِمْ حَرُمْنَ) لِكُفْرِهِمْ بِكِتَابِهِمْ وَإِنْ وَافَقُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ عَلِمْنَا بِهِ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ (فَلَا) يَحْرُمْنَ لِأَنَّهُمْ مُبْتَدِعَةٌ كَمَا فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَإِطْلَاقُ الصَّابِئَةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ هُوَ الْمُرَادُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى قَوْمٍ أَقْدَمَ مِنْ النَّصَارَى كَانُوا فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم قِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَيَقُولُونَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُدَبِّرَةُ فَيُضِيفُونَ الْآثَارَ إلَيْهَا وَيَنْفُونَ الصَّانِعَ الْمُخْتَارَ، وَوُجِدُوا فِي زَمَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَأَفْتَيَا بِقَتْلِهِمْ لَمَّا اسْتَفْتَى الْقَاهِرُ الْفُقَهَاءَ فِيهِمْ، فَبَذَلُوا لَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَتَرَكَهُمْ، فَالْبَلَاءُ قَدِيمٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا شَكَكْنَا أَيُخَالِفُونَهُمْ فِي الْأُصُولِ أَمْ الْفُرُوعِ؟ وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ لَا يُنَاكَحُونَ.
(وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ (لَمْ يُقَرَّ) بِالْجِزْيَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]
فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ تَوَثَّنَ لَمْ يُقَرَّ، وَفِيمَا يُقْبَلُ الْقَوْلَانِ، وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ.
وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ، وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ
ــ
[مغني المحتاج]
وَقَدْ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلًا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِهِ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ. وَالثَّانِي: يُقَرُّ لِتَسَاوِيهِمَا فِي التَّقْرِيرِ بِالْجِزْيَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافُ الْحَقِّ، وَلَيْسَ كَالْمُسْلِمِ يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الدِّينَ الْحَقَّ، وَصَرَّحَ بِتَرْجِيحِ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلَهُ:(فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً) نَصْرَانِيَّةً تَهَوَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ (لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تُقَرُّ كَالْمُسْلِمَةِ (فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (فَكَرِدَّةِ) أَيْ فَتَهَوُّدُهَا أَوْ تَنَصُّرُهَا كَرِدَّةِ (مُسْلِمَةٍ) تَحْتَهُ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ رِدَّتِهَا قَرِيبًا (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ) لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِمَا مَرَّ (وَفِي قَوْلٍ) يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِسْلَامُ (أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ كَانَ مُقَرًّا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِأَحَدِهِمَا إذْ الْبَاطِلُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّا لَا نَأْمُرُهُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ عَيْنًا، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ وَعَادَ إلَى دِينِهِ الْأَوَّلِ تُرِكَ، فَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الثَّانِي أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَأْمَنٌ كَمَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ حَرْبِيٌّ إنْ ظَفِرْنَا بِهِ قَتَلْنَاهُ فَإِنْ قِيلَ: مَنْ فَعَلَ مَا يَنْتَقِضُ بِهِ عَهْدُهُ مِنْ قِتَالٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَبْلُغْ الْمَأْمَنَ بَلْ يُقْتَلُ فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِتَعَدِّي ضَرَرِ مَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ بِمَا ذُكِرَ إلَيْنَا بِخِلَافِ الْمُنْتَقِلِ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، أَمَّا لَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَنَا وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ لِمَصْلَحَةِ قَبُولِهَا (وَلَوْ تَوَثَّنَ) يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ (لَمْ يُقَرَّ) بِالْجِزْيَةِ قَطْعًا لِمَا مَرَّ (وَفِيمَا يُقْبَلُ) مِنْهُ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا الْإِسْلَامُ فَقَطْ. وَالثَّانِي هُوَ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ فِيمَا يَأْتِي (وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ) بِالْجِزْيَةِ (وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ) فِي حَقِّهِ (كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ) فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ حَالُهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الِانْتِقَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُ بِذَلِكَ.
(وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ) لَا لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تُقَرُّ وَلَا لِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا لِمُرْتَدٍّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الدَّوَامُ، وَالْمُرْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ (وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجَانِ) مَعًا (أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ) حَيْثُ لَا عِدَّةَ بِاسْتِدْخَالِ مَنِيِّ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ (تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ الدُّخُولِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ
وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ مِنْ الرِّدَّةِ، وُقِفَتْ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ،
ــ
[مغني المحتاج]
بِمَا ذُكِرَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا (فَالْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا تَتَبَيَّنُ (مِنْ) حِينِ (الرِّدَّةِ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. مَعْنَاهُ (وُقِفَتْ) تِلْكَ الْفُرْقَةُ، وَحِينَئِذٍ (فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ) بَيْنَهُمَا لِتَأَكُّدِهِ