الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ
الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ،
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ]
ِ أَيْ الزَّكَوَاتِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا. وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَقَدْ أَفْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ بِفَصْلٍ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ وَجَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ نَقْدٍ وَحَبٍّ وَغَيْرِهِمَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهَا بِصِدْقِ بَاذِلِهَا، وَذَكَرَ هَذَا الْكِتَابَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَكْثَرُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ هَذَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالزَّكَاةِ يَتَوَلَّى الْإِمَامُ جَمْعَهُ. وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ الزَّكَاةِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ أَنْسَبُ وَافْتَتَحَهُ الْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَعُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ ب " إنَّمَا " أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِيعَابِهِمْ، وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى وَتَقْيِيدِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَحْصُلُ الصَّرْفُ فِي مَصَارِفِهَا اُسْتُرْجِعَ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ عَلَى تَرْتِيبِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا:(الْفَقِيرُ) مُشْتَقٌّ مِنْ كَسْرٍ الْفِقَارِ الَّتِي فِي الظَّهْرِ، وَهُوَ هُنَا (مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ) جَمِيعُهَا أَوْ مَجْمُوعُهُمَا (مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ) لِقَوْلِهِ «صلى الله عليه وسلم: لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْآيَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا اقْتَضَتْ الْآيَةُ اسْتِحْقَاقَهُمْ لَارْتَبَطَ كَلَامُهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُرَادُ بِحَاجَتِهِ مَا يَكْفِيهِ مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَالِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، وَاَلَّذِي لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى عَشَرَةٍ وَيَجِدُ مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ. قَالَ الْمَحَامِلِيُّ: أَوْ ثَلَاثَةً. وَقَالَ الْقَاضِي: أَوْ أَرْبَعَةً، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مَوْقِعًا الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا مِنْ الْمَالِ، أَوْ لَا فَقَدْ لَا يَقَعُ النِّصَابُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَمْنَعُهُ مِنْهُ مَرَضٌ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْغَلُهُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يَشْغَلُهُ فِي كَسْبٍ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ كَسْبًا حَلَالًا كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فَفَقِيرٍ.
وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ وَثِيَابُهُ وَمَالُهُ الْغَائِبُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ، وَالْمُؤَجَّلُ وَكَسْبٌ لَا يَلِيقُ بِهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهَمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْفَقْرِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ، فَقَالَ: لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ حَتَّى يَصْرِفَ مَا عِنْدَهُ لِلدَّيْنِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرٌ لِفَقِيرِ الزَّكَاةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي كَلَامِهِ.
أَمَّا فَقِيرُ الْعَرَايَا، فَسَبَقَ فِيهَا أَنَّهُ مَنْ لَا نَقْدَ بِيَدِهِ. وَأَمَّا فَقِيرُ الْعَاقِلَةِ، فَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَنَّهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ مَا يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ (وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ) الْمَمْلُوكُ لَهُ (وَ) لَا (ثِيَابُهُ) اللَّائِقَانِ بِهِ وَلَا يَضُرُّ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الثِّيَابِ تَعَدُّدُهَا وَلَا كَوْنُهَا لِلتَّجَمُّلِ.
تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَسْكَنِ وَالثِّيَابِ يُوهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ غَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ رَقِيقَهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ وَكُتُبَهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ آلَةٍ لَهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ كُتُبٍ يَتَفَرَّجُ فِيهَا، وَلَوْ اعْتَادَ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَدْرَسَةِ وَمَعَهُ ثَمَنُ مَسْكَنٍ أَوْ لَهُ مَسْكَنٌ خَرَجَ عَنْ اسْمِ الْفَقْرِ بِمَا مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ (وَ) لَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ أَيْضًا (مَالُهُ الْغَائِبُ فِي) مَسَافَةٍ (مَرْحَلَتَيْنِ) بَلْ لَهُ الْأَخْذُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ قِيَاسًا عَلَى فَسْخِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ بِغَيْبَةِ مَالِ الزَّوْجِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَحْتَاجُ الْقَوْلُ بِالْأَخْذِ مَعَ مَالِهِ الْغَائِبِ إلَى دَلِيلٍ اهـ.
دَلِيلُهُ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِي اشْتِرَاطِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، بَلْ يَنْبَغِي الْجَوَازُ فِيمَا دُونَهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ اهـ.
وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي الْحَاضِرِ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ (وَ) لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ أَيْضًا مِنْ الزَّكَاةِ دَيْنَهُ (الْمُؤَجَّلُ) الَّذِي لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحِلَّ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَمْ لَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِيهِ اهـ.
وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْمَنْقُولِ. وَأَمَّا عَلَى بَحْثِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا، وَيُجَابُ مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ مَعْدُومًا لَمْ يَعْتَبِرُوا لَهُ زَمَنًا، بَلْ يُعْطَى حَتَّى يَحِلَّ وَيَقْدِرَ عَلَى خَلَاصِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ الْغَائِبِ فَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا (وَ) لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ مِنْهَا أَيْضًا (كَسْبٌ) حَرَامٌ أَوْ (لَا يَلِيقُ بِهِ) أَيْ بِحَالِهِ وَمُرُوءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ فَكَانَ كَالْعَدَمِ، وَإِطْلَاقُ الْكَسْبِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَسْبِ الْحَلَالِ اللَّائِقِ. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ لَكِنْ بِمَالٍ حَرَامٍ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى كَسْبٍ حَلَالٍ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ أَرْبَابَ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالْكَسْبِ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ اهـ.
وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ فَقَالَ: فَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالتَّكَسُّبِ بِالْبَدَنِ وَهُوَ قَوِيٌّ قَادِرٌ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْغِنَى، فَأَمَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَتَرْكُهُ ضَرْبٌ مِنْ الْحَمَاقَةِ وَرُعُونَاتِ النَّفْسِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّرَفُّعِ عَنْهُ وَأَخْذِ أَوْسَاخِ النَّاسِ، بَلْ أَخْذُهَا أَذْهَبُ لِلْمُرُوءَةِ مِنْ التَّكَسُّبِ بِالنَّسْخِ وَالْخِيَاطَةِ
وَلَوْ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ فَفَقِيرٌ.
وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ فَلَا.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الزَّمَانَةُ وَلَا التَّعَفُّفُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيدِ.
وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَنَحْوِهِمَا فِي مَنْزِلِهِ، وَقَدْ أَجَّرَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفْسَهُ أَيْ لِيَهُودِيٍّ يَسْتَقِي لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ اهـ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
(وَلَوْ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ) شَرْعِيٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيلُهُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَقَرَّاهُ (وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ) مِنْ اشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ (فَفَقِيرٌ) فَيَشْتَغِلُ بِهِ وَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. أَمَّا مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّحْصِيلُ فَلَا يُعْطَى إنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مَا لَوْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ، فَلَا يُعْطَى إذَا كَانَ يَلِيقُ بِهِ مِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْبَسِيطِ بِالتَّكَسُّبِ بِالْوِرَاقَةِ - يَعْنِي النَّسْخَ.
تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَنْ اشْتَغَلَ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ بِمَا كَانَ آلَةً لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ وَيَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيلُهُ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ فَقَالَ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ بِالْوِرَاقَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ تَعْلِيمِهِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَقْطَعُهُ عَنْ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ.
(وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ) لِلْعِبَادَاتِ وَمُلَازَمَةِ الْخَلَوَاتِ فِي الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا (فَلَا) يَكُونُ فَقِيرًا، وَادَّعَى فِي الْمَجْمُوعِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ وَقَطْعَ الطَّمَعِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاس أَوْلَى مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَى النَّوَافِلِ مَعَ الطَّمَعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَغِلِ بِهَذَا وَبَيْنَ الْمُشْتَغِلِ بِعِلْمٍ أَوْ قُرْآنٍ بِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَغِلٌ بِمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِخِلَافِ هَذَا، وَلِأَنَّ نَفْعَ هَذَا قَاصِرٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْبَرَزِيِّ: أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ وَكَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ مَعَ الصَّوْمِ كِفَايَتَهُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ كِفَايَتَهُ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَلَكِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى النِّكَاحِ فَلَهُ أَخْذُهَا لِيَنْكِحَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ كِفَايَتِهِ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: إنَّ مُسْتَغْرِقَ الْوَقْتِ بِالْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ كَالْمُشْتَغِلِ بِالْفِقْهِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا. أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا وَإِنْ كَانَ صُوفِيًّا اهـ وَفِي قِيَاسِهِ عَلَى الْفِقْهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فَقِيرٍ الزَّكَاةِ الْآخِذِ مِنْهَا (الزَّمَانَةُ) وَهِيَ - بِفَتْحِ الزَّايِ - الْعَاهَةُ (وَلَا التَّعَفُّفُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيدِ) فِيهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] أَيْ غَيْرِ السَّائِلِ، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ وَمَنْ سَأَلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ زَمِنًا، وَالْقَدِيمِ يَشْتَرِطَانِ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ، وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِلْجُمْهُورِ.
(وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ) نَفَقَةِ (زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا) وَلَا مِسْكِينًا أَيْضًا فَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ كَالْمُكْتَسِبِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى غَيْرِهِمَا.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجِ وَلَوْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَوْ الْبَائِنِ وَهِيَ حَامِلٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْأَخْذُ بَلَا خِلَافٍ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ
وَالْمِسْكِينُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ. قَالَ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فِي الْمَكْفِيِّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فَقِيرًا يُخَالِفُ تَعْبِيرَ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ هَذَا الثَّانِي اهـ.
وَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ إلَخْ، وَهُوَ شَامِلٌ لِهَذَا، فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، لَكِنَّا أَنْزَلْنَاهُ مَنْزِلَةَ الْغَنِيِّ لِكَوْنِهِ مَكْفِيًّا فَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، فَالتَّعْبِيرُ بَلَا يُعْطَى أَوْلَى.
وَيُعْطِي الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ وَالْمُؤَلَّفَةِ، وَمِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ، لَا إنْ سَافَرَتْ مَعَهُ بِإِذْنٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَحْدَهَا بَلَا إذْنٍ فَلَا يُعْطِيهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ مَكْفِيَّةٌ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَاصِيَةٌ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِرُجُوعِهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهِ أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ بَاقِي كِفَايَتِهَا لِحَاجَةِ السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا أُعْطِيت كِفَايَتَهَا مِنْهُ، وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بَلَا إذْنٍ أُعْطِيت هِيَ وَالْعَاصِي بِالسَّفَرِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ الْمُقِيمَةِ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى الْغِنَى بِالطَّاعَةِ، فَأَشْبَهَتْ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَالْمُسَافِرَةُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ فِي الْحَالِ، وَلِلزَّوْجَةِ إعْطَاءُ زَوْجِهَا الْحُرِّ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا أَنَّهُ مَكْفِيٌّ بِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي، فَقَالَ:(وَالْمِسْكِينُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ) لَائِقٍ بِهِ حَلَالٍ (يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ) لِمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ (وَلَا يَكْفِيهِ) ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ الْكَسْبُ كَمَنْ يَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةٍ وَلَا يَجِدُ إلَّا سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا يَمْلِكُهُ نِصَابًا أَمْ لَا كَمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: الْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَقَدْ يَمْلِكُ أَلْفَ دِينَارٍ وَهُوَ مِسْكِينٌ، وَقَدْ لَا يَمْلِكُ إلَّا فَأْسًا وَحَبْلًا وَهُوَ غَنِيٌّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ بَلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ.
تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ خِلَافًا لِمَنْ عَكَسَ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79][الْكَهْفُ] حَيْثُ سُمِّيَ مَالِكِيهَا مَسَاكِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَبِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ «صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْفَقْرِ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كِفَايَةُ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: كِفَايَةَ سَنَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ، وَخَرَجَ بِلَائِقٍ بِهِ وَحَلَالٍ غَيْرُ اللَّائِقِ بِهِ وَالْحَرَامُ فَهُوَ كَمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ
وَالْعَامِلُ سَاعٍ وَكَاتِبٌ وَقَاسِمٌ وَحَاشِرٌ يَجْمَعُ ذَوِي الْأَمْوَالِ، لَا الْقَاضِي وَالْوَالِي.
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَسْكَنَةِ أَثَاثٌ يَحْتَاجُهُ فِي سَنَتِهِ وَلَا مِلْكُهُ ثِيَابَ شِتَاءٍ يَحْتَاجُهَا فِي صَيْفٍ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا مِلْكُ كُتُبٍ وَهُوَ فَقِيهٌ يَحْتَاجُهَا لِلتَّكَسُّبِ كَالْمُؤَدِّبِ وَالْمُدَرِّسِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لِلْقِيَامِ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ وَإِنْ كَانَ احْتِيَاجُهُ لَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَتَبْقَى لَهُ النُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ النُّسَخِ الْمُتَكَرِّرَةِ عِنْدَهُ فَلَا يَبْقَيَانِ مَعًا لِاغْتِنَائِهِ بِالصَّحِيحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَصَحَّ وَالْأُخْرَى أَحْسَنَ يَبْقَى الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ كِتَابَانِ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَبْسُوطًا وَالْآخِرُ وَجِيزًا بَقِيَ الْمَبْسُوطُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُدَرِّسٍ، بِأَنْ كَانَ قَصْدُهُ الِاسْتِفَادَةَ، وَإِنْ كَانَ مُدَرِّسًا بَقِيَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي التَّدْرِيسِ، وَيَبْقَى لَهُ كُتُبُ طِبٍّ يَكْتَسِبُ بِهَا أَوْ يُعَالِجُ بِهَا نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْمُعَالِجُ مَعْدُومٌ مِنْ الْبَلَدِ، وَكُتُبُ وَعْظٍ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَاعِظٌ، إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِالْوَعْظِ كَانْتِفَاعِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَعَلَى حَسَبِ إرَادَتِهِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ كِتَابٌ يَتَفَرَّجُ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَ يُطْلَبُ لِلتَّعْلِيمِ وَلِلِاسْتِفَادَةِ فَلَا يَمْنَعُ الْمَسْكَنَةَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَيُطْلَبُ لِلتَّفَرُّجِ فِيهِ بِالْمُطَالَعَةِ كَكُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالشَّعْرِ فَيُمْنَعُ، وَمَنْ لَهُ عَقَارٌ مَثَلًا يَنْقُصُ دَخْلُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَهُوَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الثَّالِثِ، فَقَالَ:(وَالْعَامِلُ) عَلَى الزَّكَاةِ (سَاعٍ) وَهُوَ الَّذِي يَجْبِي الزَّكَاةَ (وَكَاتِبٌ) يَكْتُبُ مَا أَعْطَاهُ أَرْبَابُ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمَالِ وَيَكْتُبُ لَهُمْ بَرَاءَةً بِالْأَدَاءِ وَمَا يُدْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ (وَقَاسِمٌ) وَحَاسِبٌ وَعَرِيفٌ، وَهُوَ كَنَقِيبِ الْقَبِيلَةِ، وَجُنْدِيٌّ وَهُوَ الْمُشَدُّ عَلَى الزَّكَاةِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ (وَحَاشِرٌ) وَهُوَ اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ (يَجْمَعُ ذَوِي الْأَمْوَالِ) وَالثَّانِي: مَنْ يَجْمَعُ ذَوِي السُّهْمَانِ لِصِدْقِ اسْمِ الْعَامِلِ عَلَى الْجَمِيعِ، لَكِنَّ أَشْهَرَهُمْ هُوَ الَّذِي يُرْسَلُ إلَى الْبِلَادِ وَالْبَاقُونَ أَعْوَانٌ.
تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ اسْمِ الْعَامِلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ، فَلَوْ فَرَّقَ الْمَالِكُ أَوْ حَمَلَهَا إلَى الْإِمَامِ سَقَطَ (لَا) الْإِمَامُ وَ (الْقَاضِي وَالْوَالِي) لِلْإِقْلِيمِ إذَا قَامُوا بِذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الزَّكَاةِ، بَلْ رِزْقُهُمْ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعُوا بِالْعَمَلِ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَإِنَّ عَمَلَهُمْ عَامٌّ، وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ وَاسْتَقَاءَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِلْقَاضِي قَبْضَ الزَّكَوَاتِ وَصَرْفَهَا، وَهَذَا فِي أَمْوَالِ أَيْتَامٍ تَحْتَ نَظَرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ لَهَا نَاظِرًا فَفِي دُخُولِهَا فِي عُمُومِ وِلَايَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الدُّخُولُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الدُّخُولَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَيُزَادُ فِي الْعُمَّالِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْوَزَّانُ وَالْكَيَّالُ وَالْعَدَّادِ عُمَّالٌ إنْ مَيَّزُوا بَيْنَ أَنْصِبَاءِ الْأَصْنَافِ وَأُجْرَتُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ، إذْ لَوْ أَلْزَمْنَاهَا لِلْمَالِكِ لَزِدْنَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا مُمَيِّزُو الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ وَجَامِعُوهُ فَإِنَّ أُجْرَتَهُمْ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا لِتَوْفِيَةِ الْوَاجِبِ، كَأُجْرَةِ كَيْلِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَأُجْرَةِ الرَّاعِي وَالْحَافِظِ بَعْدَ قَبْضِهَا وَالْمُخَزِّنِ وَالنَّاقِلِ فِي جُمْلَةِ السَّهْمَيْنِ لَا فِي سَهْمِ
وَالْمُؤَلَّفَةُ مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ أَوْ لَهُ شَرَفٌ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ.
وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْعَامِلِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الرَّابِعِ، فَقَالَ:(وَالْمُؤَلَّفَةُ) جَمْعُ مُؤَلَّفٍ مِنْ التَّأَلُّفِ، وَهُوَ جَمْعُ الْقُلُوبِ، وَهُوَ (مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ) فَيُتَأَلَّفُ لِيَقْوَى إيمَانُهُ وَيَأْلَفُ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ضَعْفِ النِّيَّةِ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوِيَّةٌ، وَلَكِنْ (لَهُ شَرَفٌ) فِي قَوْمِهِ (يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ) مِنْ نَظَائِرِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي شَرَفِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] ؛ إذْ لَوْ لَمْ نُعْطِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ نَجِدْ لِلْآيَةِ مَحْمَلًا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُعْطَوْنَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْ التَّأْلِيفِ بِالْمَالِ. وَالثَّالِثُ: يُعْطَوْنَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ مُرْصَدٌ لِلْمَصَالِحِ، وَهَذَا مِنْهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ لِأَنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ مُؤَلَّفَةُ الْكُفَّارِ، وَهُمْ مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمْ وَمَنْ يُخْشَى شَرُّهُمْ، فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ قَطْعًا لِلْإِجْمَاعِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَأَغْنَى عَنْ التَّأْلِيفِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» .
تَنْبِيهٌ حَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُؤَلَّفَةَ فِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ؛ الْمَذْكُورَانِ. وَالثَّالِثُ: مَنْ يُقَاتِلُ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَالرَّابِعُ: مَنْ يُقَاتِلُ مَنْ يَلِيهِ مِنْ مَانِعِي الزَّكَاةِ فَيُعْطَوْنَ إذَا كَانَ إعْطَاؤُهُمَا أَهْوَنَ عَلَيْنَا مِنْ جَيْشٍ يُبْعَثُ لِبُعْدِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ احْتِيَاجُنَا إلَيْهِمْ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. أَمَّا هُمَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَهَلْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ؟ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ نَعَمْ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الْخَامِسِ، فَقَالَ:(وَالرِّقَابُ) وَهُمْ (الْمُكَاتَبُونَ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَيُدْفَعُ إلَيْهِمْ لَا مِنْ زَكَاةِ سَيِّدِهِمْ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَا يُؤَدُّونَ مِنْ النُّجُومِ فِي الْكِتَابَةِ بِأَنْ عَجَزُوا عَنْ الْوَفَاءِ وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ النَّجْمُ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ مُتَيَسِّرٌ فِي الْحَالِ، وَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ عِنْدَ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَاجِزِينَ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْحُلُولَ كَمَا اشْتَرَطَ فِي الْغَارِمِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الرِّقِّ أَهَمُّ، وَالْغَارِمُ يُنْتَظَرُ لَهُ الْيَسَارُ، فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَلَا حَبْسَ وَلَا مُلَازَمَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَ بِمَا يَخُصُّهُمْ رِقَابٌ لِلْعِتْقِ كَمَا قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى:{وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] وَهُنَاكَ يُعْطَى الْمَالُ لِلْمُجَاهِدِينَ فَيُعْطَى لِلرِّقَابِ هُنَا. أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَلَا يُعْطَى؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، وَكَذَا لَا يُعْطَى مَنْ كُوتِبَ بَعْضُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِبَعْضِهِ الرَّقِيقِ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتِبِينَ. وَاسْتَحْسَنَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ صُرِفَ إلَيْهِ فِي نَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ الْمُكَاتَبَ مِنْ زَكَاةِ سَيِّدِهِ لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُعْطِيَ غَرِيمَهُ مِنْ زَكَاتِهِ،
وَالْغَارِمُ إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أُعْطِيَ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ يُعْطَى إذَا تَابَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَى مَمْلُوكَهُ، بِخِلَافِ الْغَارِمِ.
وَيُعْطَى الْمُكَاتَبُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى كَسْبِ مَا يُؤَدِّي بِهِ النُّجُومَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ لَا يُعْطَيَانِ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ حَاجَتَهُمَا تَتَحَقَّقُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَالْكَسُوبُ يُحَصِّلُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتَهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلِ كِفَايَةِ الدَّيْنِ إلَّا بِالتَّدْرِيجِ وَلَا يُزَادُونَ عَلَى مَا يُؤَدُّونَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا فُكَّ بِهِ رَقَبَتِهِ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ لَا الْمُكَاتِبِينَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَتَعَلَّقَ بَدَلُهُ بِذِمَّتِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا لِحُصُولِ الْمَالِ عِنْدَهُ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ، فَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ رَدَّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَغَرِمَ بَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَوْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ شَخْصًا لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بَلْ يُغَرِّمُهُ السَّيِّدُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ السَّادِسِ، وَهُوَ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: دَيْنٌ لَزِمَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَهُوَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لَا لِتَسْكِينِهَا، وَالْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ هَذَا الضَّرْبَ، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:(وَالْغَارِمُ إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ) شَيْئًا يَصْرِفُهُ فِي غَرَضِهَا (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مُبَاحٍ، كَحَجٍّ وَجِهَادٍ وَتَزَوُّجٍ وَأَكْلٍ وَلُبْسٍ (أُعْطِيَ) وَمِثْلُهُ مَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَدِينِ فِي مَعْصِيَةٍ، وَمَثَّلَ الرَّافِعِيُّ الِاسْتِدَانَةَ لِلْمَعْصِيَةِ بِثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَبَقَ فِي الْحَجْرِ عَدَمُ تَحْرِيمِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَطَاعِمِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْأَصَحِّ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إسْرَافٌ فِي نَفَقَةٍ بِقَرْضٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً بِخِلَافِهِ هُنَاكَ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا فَلَا يُعْطَى (قُلْتُ: الْأَصَحُّ يُعْطَى) مَعَ الْفَقْرِ (إذَا تَابَ) عَنْهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا فَصَارَ النَّظَرُ إلَى حَالِ وُجُودِهَا كَالْمُسَافِرِ لِمَعْصِيَةٍ إذَا تَابَ فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِمُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لِيَظْهَرَ حَالُهُ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ: يُعْطَى إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ، وَالثَّانِي: لَا يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً ثُمَّ يَعُودُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ ثُمَّ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ أُعْطِيَ وَفِي عَكْسِهِ يُعْطَى أَيْضًا إنْ عُرِفَ قَصْدُ الْإِبَاحَةِ أَوْ لَا، وَلَكِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ، وَالْأُولَى وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَاسْتِدْرَاكُهُ لِمَا يُفْهِمُهُ عُمُومُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ اسْتَدَانَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّ الْمُسْتَدِينَ لِمَعْصِيَةٍ لَا يُعْطَى مُطْلَقًا، وَلِهَذَا نَقَلَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُحَرَّرِ الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَمُرَادُهُ مَا اقْتَضَاهُ عُمُومُ الْمَفْهُومِ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِينِ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى وَفَاءِ مَا اسْتَدَانَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ، فَلَوْ وَجَدَ مَا يَقْتَضِي بِهِ دَيْنَهُ لَمْ يُعْطِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمِنْ الْمُهِمِّ الْبَحْثُ عَنْ مَعْنَى الْحَاجَةِ، وَعِبَارَةُ أَكْثَرِهِمْ تَقْتَضِي كَوْنَهُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَرُبَّمَا صَرَّحُوا بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَقْرَبُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ
دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى، وَقِيلَ: إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا.
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْمَسْكَنَةُ، بَلْ لَوْ مَلَكَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَلَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ تَمَسْكَنَ فَيُتْرَكُ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيُعْطَى مَا يَقْضِي بِهِ بَاقِيَ دَيْنِهِ، وَوَافَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ.
تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ بِالِاكْتِسَابِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بَعْدَ زَمَنٍ وَحَاجَتُهُ حَاصِلَةٌ فِي الْحَالِ لِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَاجٌ. ثَانِيهِمَا: عَوْدُ الْخِلَافِ إلَى التَّائِبِ تَفْرِيعًا عَلَى إعْطَائِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ اشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ مَجْزُومٌ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْخِلَافُ عَائِدٌ لِلِاسْتِدَانَةِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ:(قُلْتُ: الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَهُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَ قَبْلَ الْحُلُولِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ الْآنَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي، فَقَالَ:(أَوْ) أَيْ أَوْ اسْتَدَانَ (لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيْ الْحَالِ بَيْنَ الْقَوْمِ، كَأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي قَتِيلٍ لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ فَيَسْتَدِينُ مَا يَسْكُنُ بِهِ الْفِتْنَةُ وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْأَطْرَافِ وَغَيْرِهَا وَإِتْلَافُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ كَالنَّفْسِ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ (أُعْطِيَ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا (مَعَ الْغِنَى) بِالْعَقَارِ قَطْعًا، وَبِالْعَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِالنَّقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا) يُعْطَى حِينَئِذٍ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ فِي الْغُرْمِ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةُ غَيْرِهِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الْفَقْرُ فِيهِ لَقَلَّتْ الرَّغْبَةُ فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ بَاقِيًا كَأَنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى.
الضَّرْبُ الثَّالِث: الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ: مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ عَنْ مُعَيَّنٍ لَا فِي تَسْكِينِ فِتْنَةٍ فَيُعْطَى إنْ أَعْسَرَ مَعَ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ أَوْ أَعْسَرَ وَحْدَهُ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ بِالْإِذْنِ، وَصَرْفُهُ إلَى الْأَصِيلِ الْمُعْسِرِ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّامِنَ فَرَّعَهُ، وَإِنْ أَعْسَرَ الْأَصِيلُ وَحْدَهُ أُعْطِيَ دُونَ الضَّامِنِ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ أَوْ الضَّامِنِ الْمُوسِرِ.؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الزَّكَاةِ، وَإِذَا أُعْطِيَ الضَّامِنُ وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَصِيلِ وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ مِنْ عِنْدَهُ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَا مُوسِرِينَ لَمْ يُعْطِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ اسْتَدَانَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَقِرَى ضَيْفٍ، وَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ، وَفَكِّ أَسِيرٍ، فَهُوَ كَمَنْ اسْتَدَانَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَقِيلَ: يُعْطَى عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ النَّقْدِ لَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْعَقَارِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ الْمَقَالَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ.
تَنْبِيهٌ اشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ حُلُولَ الدَّيْنِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي الضَّرْبِ
وَسَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى غُزَاةٌ لَا فَيْءَ لَهُمْ فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى.
وَابْنُ السَّبِيلُ مُنْشِئُ سَفَرٍ أَوْ مُجْتَازٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
الثَّانِي، وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ فِيهِ مَعَ الْغِنَى يَجُوزُ مَعَ التَّأْجِيلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ إذْ لَا طَلَبَ لِلْمَدِينِ الْآنَ وَالتَّسْلِيمُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْغَارِمُ إلَى السَّيِّدِ أَوْ الْغَرِيمِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْغَارِمِ أَحْوَطُ وَأَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمُهُ إلَى مَنْ ذُكِرَ وَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْغَارِمِ لَا يَقَعُ زَكَاةً؛ لِأَنَّهُمَا الْمُسْتَحِقَّانِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْهُ دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ أُبْرِئَ الْغَارِمُ أَوْ اسْتَغْنَيَا وَبَقِيَ مَالُ الزَّكَاةِ فِي أَيْدِيهِمَا اسْتَرَدَّ مِنْهُمَا بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ، وَلَوْ أَتْلَفَاهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ لَمْ يَغْرَمَا لِتَلَفِهِ عَلَى مِلْكِهِمَا مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ بَعْدَهُ غَرِمَاهُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِلْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ أَنْ يَتَّجِرَا فِي الْمَأْخُوذِ لِيَرْبَحَا فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْفِقَ مَا أَخَذَهُ وَيُؤَدِّيَ مِنْ كَسْبِهِ مُنِعَ الْمُكَاتَبُ لَا الْغَارِمُ، وَلَوْ أَدَّى الْغَارِمُ الدَّيْنَ مِنْ قَرْضٍ فَلَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ حَتَّى لَزِمَهُ دَيْنٌ صَارَ بِهِ غَارِمًا اُسْتُرِدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَسْلِفِ لَهُ قَبْلَ غُرْمِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِ الْآنَ، وَلَوْ بَانَ الْقَابِضُ لِلزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِكِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لَهَا كَغَنِيٍّ لَمْ يَحُزْهُ، وَإِنْ أَعْطَاهَا لَهُ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِالْوَصْفِ الَّذِي أَعْطَاهُ بِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ السَّابِعِ، فَقَالَ:(وَسَبِيلُ اللَّهِ - تَعَالَى - غُزَاةٌ) ذُكُورٌ (لَا فَيْءَ لَهُمْ) أَيْ لَا اسْمَ لَهُمْ فِي دِيوَانِ الْمُرْتَزِقَةِ بَلْ يَتَطَوَّعُونَ بِالْغَزْوِ حَيْثُ نَشَطُوا لَهُ وَهُمْ مُشْتَغِلُونَ بِالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ (فَيُعْطَوْنَ) مِنْ الزَّكَاةِ (مَعَ الْغِنَى) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِعَانَةً لَهُمْ عَلَى الْغَزْوِ، بِخِلَافِ مَنْ لَهُمْ الْفَيْءُ، وَهُمْ الْمُرْتَزِقَةُ الثَّابِتُ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَوْ عُدِمَ الْفَيْءُ فِي الْأَظْهَرِ بَلْ يَجِبُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إعَانَتُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -:«كَانَ أَهْلُ الْفَيْءِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَعْزِلٍ عَنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَأَهْلُ الصَّدَقَاتِ بِمَعْزِلٍ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ» ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَخَذُوا بَدَلَ جِهَادِهِمْ مِنْ الْفَيْءِ، فَلَوْ أَخَذُوا مِنْ الزَّكَاةِ أَخَذُوا بَدَلَيْنِ عَنْ مُبْدَلٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، وَلِكُلِّ ضَرْبٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الضَّرْبِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ سَبِيلُ اللَّهِ بِالْغُزَاةِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجِهَادِ أَغْلَبُ عُرْفًا وَشَرْعًا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ:{يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 76] فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سَبِيلُ اللَّهِ بِالْوَضْعِ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُوَصِّلَةُ إلَيْهِ، وَهُوَ أَعَمُّ، وَلَعَلَّ اخْتِصَاصَهُ بِالْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الشَّهَادَةِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ أَحَقُّ بِإِطْلَاقِ سَبِيلِ اللَّهِ عَلَيْهِ. .
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الثَّامِنِ، فَقَالَ:(وَابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ الطَّرِيقِ (مُنْشِئُ سَفَرٍ) مُبَاحٍ مِنْ مَحَلِّ الزَّكَاةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بَلَدَهُ أَوْ مُقِيمًا فِيهِ (أَوْ مُجْتَازٌ) بِهِ فِي سَفَرِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَازَمَتِهِ السَّبِيلَ وَهِيَ الطَّرِيقُ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَا ذُكِرَ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَّا مُنْفَرِدًا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجْتَازِ مَجَازٌ فِي الْمُنْشِئِ، وَإِعْطَاءُ الثَّانِي
وَشَرْطُهُ الْحَاجَةُ وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ، وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْإِسْلَامُ وَأَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَكَذَا مَوْلَاهُمْ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَوَّلِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مُرِيدَ السَّفَرِ مُحْتَاجٌ إلَى أَسْبَابِهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (وَشَرْطُهُ) فِي الْإِعْطَاءِ لَا فِي التَّسْمِيَةِ (الْحَاجَةُ) بِأَنْ لَا يَجِدَ مَا يَكْفِيهِ غَيْرَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَكَانَ آخَرَ أَوْ كَانَ كَسُوبًا أَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِنُزْهَةٍ (وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ) بِسَفَرِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ طَاعَةً كَسَفَرِ حَجٍّ وَزِيَارَةٍ أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَا يُعْطَى فِيهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ السَّفَرَ لَا لِقَصْدٍ صَحِيحٍ كَسَفَرِ الْهَائِمِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَوَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ يُعْطَى وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: لَمْ يُعْطِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّ النَّصَّ لَيْسَ فِي الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْفَيْءِ
(وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ) أَيْ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْهَا (مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْإِسْلَامُ) فَلَا تُدْفَعُ لِكَافِرٍ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا عَدَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَبِاتِّفَاقِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ إلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
نَعَمْ الْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ وَالْحَافِظُ وَالْحَمَّالُ يَجُوزُ كَوْنُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: صَدَقَةٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: أُجْرَةٌ فَلَا يُنَصَّبُ فِيهَا لِعَدَمِ أَمَانَتِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفٍ (وَ) شَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ أَيْضًا (أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا) وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ لِخُلُوِّ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، أَوْ لِاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْأَخْذُ مِنْ الْمَالِ الْمَنْذُورِ صَدَقَتُهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ: «لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا، وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي، إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ» أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ نَعَمْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْحِفْظِ أَوْ النَّقْلِ فَلَهُمْ أُجْرَتُهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إمَّا ضَعِيفٌ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا يُعْطَاهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً لَا زَكَاةً، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ زَكَاةٌ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا اُسْتُؤْجِرُوا لِلنَّقْلِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ يَعْمَلَانِ فِيهِمَا بِالْأُجْرَةِ (وَكَذَا مَوْلَاهُمْ) أَيْ عُتَقَاءُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرِ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. وَالثَّانِي: يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلشَّرَفِ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي مَوْلَاهُمْ، وَجَرَى عَلَى هَذَا فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ عَدَمِ كَفَاءَتِهِمْ لِمَوْلَاهُمْ فِي النِّكَاحِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ