الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ يُعْطَى إحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الْأَظْهَرِ.
فَصْلٌ يَجِبُ اسْتِيعَابُ
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِرْدَادَ الْمَرْكُوبِ وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ إذَا رَجَعَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ التَّهْيِئَةَ لِابْنِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِلنُّزْهَةِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْمُتَّجَهُ مَنْعُ صَرْفِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ. اهـ.
وَيَنْبَغِي حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ النُّزْهَةُ هِيَ الْحَامِلَةُ لَهُ عَلَى السَّفَرِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ وَالْعَامِلِ أَمَّا الْمُؤَلَّفَة فَيُعْطِيهِمْ الْإِمَامُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ أَوْ الْمَالِكُ إنْ فَرَّقَ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَأَمَّا الْعَامِلُ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الزَّكَاةِ أُجْرَةَ مِثْلِ مَا عَمِلَهُ، فَإِنْ شَاءَ بَعَثَهُ الْإِمَامُ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَإِنْ شَاءَ سَمَّاهَا لَهُ إجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ ثُمَّ أَدَّاهُ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمَالِكُ قَبْلَ قُدُومِ الْعَامِلِ أَوْ حَمَلَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ لِتَصَرُّفِهِ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ وَالزَّائِدُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ عَلَى أُجْرَتِهِ يَرْجِعُ لِلْأَصْنَافِ وَإِنْ نَقَصَ سَهْمُهُ عَنْهَا كَمُلَ قَدْرُهَا مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ قَسَّمَ الْبَاقِي، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إجَارَةً أَوْ جَعَالَةً جَازَ وَبَطَلَ سَهْمُهُ فَتُقْسَمُ الزَّكَاةُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَامِلٌ.
فَرْعٌ: قَالَ الدَّارِمِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْعَامِلُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا عَلَى الْقَاعِدَةِ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ هَذَا فَرَضَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِمَنْ عَمِلَ كَالْغَنِيمَةِ يَسْتَحِقُّهَا الْمُجَاهِدُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا إعْلَاء كَلِمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِذَا عَمِلَ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا اسْتَحَقَّ وَإِسْقَاطُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ لِمَا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَيْسَ كَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ مِنْ الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالْمِيرَاثِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ (وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ) لِلزَّكَاةِ كَالْفَقْرِ وَالْغُرْمِ وَلَوْ كَانَ عَامِلًا فَقِيرًا (يُعْطَى إحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ، وَالثَّانِي: يُعْطَى بِهِمَا لِاتِّصَافِهِ بِهِمَا.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ مِنْ زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ. أَمَّا إذَا كَانَ أَخَذَ مِنْ زَكَاةٍ بِصِفَةٍ وَمِنْ أُخْرَى بِصِفَةٍ أُخْرَى فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ أَخَذَ فَقِيرٌ غَارِمٌ مَعَ الْغَارِمِينَ نَصِيبَهُ مِنْ سَهْمِهِمْ فَأَعْطَاهُ غَرِيمَهُ أُعْطِيَ مَعَ الْفُقَرَاءِ نَصِيبَهُ مِنْ سَهْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُحْتَاجٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّيْخِ نَصْرٍ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالْمُرَادُ امْتِنَاعُ أَخْذِهِ بِهِمَا دُفْعَةً: أَيْ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيمَا أَخَذَهُ أَوَّلًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.
أَمَّا مَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ لِلْفَيْءِ أَيْ وَإِحْدَاهُمَا الْغَزْوُ كَغَازٍ هَاشِمِيٍّ فَيُعْطَى بِهِمَا.
[فَصْلٌ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الزَّكَاةِ]
فَصْلٌ فِي حُكْمِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَمَا يَتْبَعُهَا (يَجِبُ اسْتِيعَابُ) أَيْ تَعْمِيمُ
الْأَصْنَافِ إنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ وَهُنَاكَ عَامِلٌ، وَإِلَّا فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ، وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ يَسْتَوْعِبُ مِنْ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
(الْأَصْنَافِ) الثَّمَانِيَةِ بِالزَّكَاةِ حَتَّى زَكَاةِ الْفِطْرِ (إنْ) أَمْكَنَ بِأَنْ (قَسَمَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (وَهُنَاكَ عَامِلٌ) مَعَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ قَسَمَ الْعَامِلُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَيُعْزَلُ حَقُّهُ ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي عَلَى سَبْعَةٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعْمِيمُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، «وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِسَائِلَةِ الزَّكَاةِ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتِ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكِ حَقَّكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
فَإِنْ شَقَّتْ الْقِسْمَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ جَمَعَ جَمَاعَةٌ فِطْرَتَهُمْ ثُمَّ قَسَمُوهَا عَلَى سَبْعَةٍ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مِنْهُمْ الْإِصْطَخْرِيُّ جَوَازَ صَرْفِهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ. وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ اخْتِيَارِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ جَوَازَ صَرْفِهَا إلَى وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَنَا أُفْتِي بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْأَحْوَطُ دَفْعُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ. قَالَ: وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا يَلْزَمُهُمْ خَلْطُ فِطْرَتِهِمْ، وَالصَّاعُ لَا يُمْكِنُ تَفْرِقَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ فِي الْعَادَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَسَمَ الْمَالِكُ أَوْ الْإِمَامُ وَلَا عَامِلَ بِأَنْ حَمَلَ كُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ أَوْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ عَامِلًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (فَالْقِسْمَةُ) حِينَئِذٍ (عَلَى سَبْعَةٍ) لِسُقُوطِ سَهْمِ الْعَامِلِ فَيُدْفَعُ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سُبْعُ الزَّكَاةِ قَلَّ عَدَدُهُ أَوْ كَثُرَ (فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ (فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ) مِنْهُمْ؛ إذْ الْمَعْدُومُ لَا سَهْمَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْمَوْجُودُ الْآنَ أَرْبَعَةٌ: فَقِيرٌ، وَمِسْكِينٌ، وَغَارِمٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا حَامِدٍ يَقُولُ: أَنَا أُفَرِّقُ زَكَاةَ مَالِي عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِأَنِّي لَا أَجِدُ غَيْرَهُمْ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي زَمَنِهِمْ. وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَمْ نَفْقِدْ إلَّا الْمُكَاتَبِينَ، لَكِنْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَطُوفُ الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا.
تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فَقْدَ الْبَعْضِ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا فَقْدُ صِنْفٍ بِكَمَالِهِ كَالْمُكَاتَبِينَ، وَالثَّانِيَةُ فَقْدُ بَعْضِ صِنْفٍ بِأَنْ لَا يَجِدُ مِنْهُ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: أَنَّهُ يُصْرَفُ بَاقِي السَّهْمِ إلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا، وَلَا يُنْقَلُ لِبَلَدٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي بَلَدِ الزَّكَاةِ وَلَا غَيْرِهَا حُفِظَتْ الزَّكَاةُ حَتَّى يُوجَدُوا أَوْ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ وُجِدُوا وَامْتَنَعُوا مِنْ أَخْذِهَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ الْمَحْصُورِينَ الْمَالِكِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ وُجِدُوا فِي غَيْرِ بَلَدِ الزَّكَاةِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ (وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ الْمَفْرُوضُ إلَيْهِ الصَّرْفُ (اسْتَوْعَبَ) وُجُوبًا (مِنْ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِيعَابُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ فِي
وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالِكَ إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ إعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ، وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ.
لَا بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ، إلَّا أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ.
ــ
[مغني المحتاج]
زَكَاةِ كُلِّ شَخْصٍ جَمِيعَ الْأَصْنَافِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُعْطَى زَكَاةَ شَخْصٍ بِكَمَالِهَا لِوَاحِدٍ، وَأَنْ يَخُصَّ وَاحِدًا بِنَوْعٍ وَآخَرَ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَوَاتِ كُلَّهَا فِي يَدِهِ كَالزَّكَاةِ الْوَاحِدَة.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إذَا لَمْ يَقِلَّ الْمَالُ، فَإِنْ قَلَّ بِأَنْ كَانَ قَدْرًا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسُدَّ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِيعَابُ لِلضَّرُورَةِ، بَلْ يُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْفَيْءِ (وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ) وُجُوبًا (الْمَالِكُ) آحَادَ كُلَّ صِنْفٍ (إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ) بِأَنْ سَهُلَ عَادَةً ضَبْطُهُمْ وَمَعْرِفَةُ عَدَدِهِمْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ضَابِطِ الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (وَوَفَّى بِهِمْ) أَيْ بِحَاجَتِهِمْ (الْمَالُ) وَيَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ، فَإِنْ أَخَلَّ أَحَدُهُمَا بِصِنْفٍ ضَمِنَ مَا كَانَ يُعْطِيهِ لَهُ ابْتِدَاءً، لَكِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَضْمَنُ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ لَا مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا أَوْ انْحَصَرُوا وَلَمْ يَفِ الْمَالُ بِحَاجَتِهِمْ (فَيَجِبُ) فِي غَيْرِ الْعَامِلِ (إعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ) فَأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَضَافَ إلَيْهِمْ الزَّكَوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، فَلَوْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ غَرِمَ لِلثَّالِثِ أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُ ابْتِدَاءً خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ، وَقِيلَ: يَغْرَمُ لَهُ الثُّلُثَ، أَمَّا الْعَامِلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا إنْ حَصَلَتْ بِهِ الْكِفَايَةُ (وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ) سَوَاءٌ أَقَسَمَ الْإِمَامُ أَوْ الْمَالِكُ وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ لِانْحِصَارِهِمْ، وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَمَعَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونُوا سَوَاءً.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى: الْعَامِلُ فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَتِهِ كَمَا مَرَّ. الثَّانِيَةُ: الْفَاضِلُ نَصِيبُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَى قَدْرَ كِفَايَتِهِ فَقَطْ.
وَ (لَا) يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ التَّسْوِيَةُ (بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ) لِأَنَّ الْحَاجَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ فَاكْتُفِيَ بِصِدْقِ الِاسْمِ بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَسَاوِي حَاجَاتِهِمْ، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ اُسْتُحِبَّ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِهَا، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فَقِيرٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَهَذَا لَمْ يُثْبِتْ الْحَقَّ لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنُوا لِفَقْدِ غَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُسْتَحِقٌّ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بَلْ يُنْقَلُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ (إلَّا أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ فَكَذَا التَّسْوِيَةُ؛ وَلِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ تَسَاوِي حَاجَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فِيهِمَا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ عَنْ التَّتِمَّةِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قُلْتُ: مَا فِي التَّتِمَّةِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدَّلِيلِ فَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابَ التَّسْوِيَةِ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ فَيُرَاعِيهَا وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِيعَابُ يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْمُسْتَوْطَنَيْنِ
وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ
وَلَوْ عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ وَجَبَ النَّقْلُ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَالْغُرَبَاءِ، وَلَكِنْ الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ.
(وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ) مِنْ بَلَدِ الْوُجُوبِ الَّذِي فِيهِ الْمُسْتَحِقُّونَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فِيهِ مُسْتَحِقُّوهَا فَتُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَالُوا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَلِامْتِدَادِ أَطْمَاعِ أَصْنَافِ كُلِّ بَلْدَةٍ إلَى زَكَاةِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ وَالنَّقْلُ يُوحِشُهُمْ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ النَّقْلِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعْطَى لِكَافِرٍ كَمَا مَرَّ، وَقِيَاسًا عَلَى نَقْلِ الْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْأَطْمَاعَ لَا تَمْتَدُّ إلَى ذَلِكَ امْتِدَادَهَا إلَى الزَّكَاةِ.
تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّحْرِيمِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أُمُورًا: أَحَدُهَا: جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَا دُونَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ النَّقْلُ إلَى قَرْيَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ.
الثَّانِي: جَرَيَانُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَهْلُ السِّهَامِ مَحْصُورِينَ أَمْ لَا، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا، وَخَصَّهُ فِي الشَّافِي بِعَدَمِ انْحِصَارِهِمْ، فَلَوْ انْحَصَرُوا حَوْلًا تَمَلَّكُوهَا وَتَعَيَّنَ صَرْفُهَا إلَيْهِمْ وَتَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِمْ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَمَنْ دَخَلَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِكِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. أَمَّا الْإِمَامُ وَالسَّاعِي، فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: الْأَصَحُّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ جَوَازُ النَّقْلِ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ وَسِيرَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. اهـ.
وَالْعِبْرَةُ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ الْمَالِيَّةِ بِبَلَدِ الْمَالِ حَالَ الْوُجُوبِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِبَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ اعْتِبَارًا بِسَبَبِ الْوُجُوبِ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ نَظَرَ الْمُسْتَحِقِّينَ يَمْتَدُّ إلَى ذَلِكَ فَيُصْرَفُ الْعُشْرُ إلَى مُسْتَحِقِّي بَلَدِ الْأَرْضِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا الْعُشْرُ، وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةِ إلَى مُسْتَحِقِّي الْبَلَدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ حَوْلُهَا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بِكُلِّ بَلَدٍ عِشْرُونَ شَاةٍ فَلَهُ إخْرَاجُ شَاةٍ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي غَنَمِ كُلِّ بَلَدٍ شَاةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْلُ لِانْتِفَاءِ التَّشْقِيصِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ وَالْمَالُ بِبَادِيَةٍ وَلَا مُسْتَحِقَّ فِيهَا فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى مُسْتَحِقِّ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْخِيَامِ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّينَ بِمَوْضِعٍ، بِأَنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ دَائِمًا فَلَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْتَحِقٌّ نَقْلُ وَاجِبِهِمْ إلَى أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ وَإِنْ اسْتَقَرُّوا بِمَوْضِعٍ، لَكِنْ قَدْ يَظْعَنُونَ عَنْهُ وَيَعُودُونَ إلَيْهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فِي الْحُلَلِ وَفِي الْمَرْعَى وَفِي الْمَاءِ صُرِفَ إلَى مَنْ هُوَ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، وَلِهَذَا عُدَّ مِثْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ حَاضِرِيهِ، وَالصَّرْفُ إلَى الظَّاعِنِينَ مَعَهُمْ أَوْلَى لِشِدَّةِ جِوَارِهِمْ، فَإِنْ تَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِمَا ذُكِرَ فَالْحِلَّةُ كَالْقَرْيَةِ فِي حُكْمِ النَّقْلِ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ فِيهَا فَيَحْرُمُ النَّقْلُ عَنْهَا.
(وَلَوْ عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ) الَّذِي وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا وَفَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ (وَجَبَ النَّقْلُ) لَهَا إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ لِبَلَدِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ نُقِلَ لِأَبْعَدَ مِنْهَا فَعَلَى
أَوْ بَعْضُهُمْ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ وَجَبَ، وَإِلَّا فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ، وَقِيلَ يُنْقَلُ
وَشَرْطُ السَّاعِي كَوْنُهُ حُرًّا عَدْلًا فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ فَإِنْ عُيِّنَ أَخْذٌ وَدَفْعٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْفِقْهُ
وَلْيُعْلِمْ شَهْرًا لِأَخْذِهَا.
ــ
[مغني المحتاج]
الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ (أَوْ) عُدِمَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ الْأَصْنَافُ غَيْرَ الْعَامِلِ أَوْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ بَعْضٍ وَجَدَ مِنْهُمْ (وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ) مَعَ وُجُودِهِمْ (وَجَبَ) نَقْلُ نَصِيبِ الصِّنْفِ الْمَعْدُومِ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ.
أَمَّا الْعَامِلُ فَنَصِيبُهُ يُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ نُجَوِّزْ النَّقْلَ (فَيُرَدُّ) نَصِيبُ الْبَعْضِ أَوْ مَا فَضَلَ عَنْهُ (عَلَى الْبَاقِينَ) حَتْمًا إنْ نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ فَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِهِمْ لِانْحِصَارِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِمْ (وَقِيلَ يُنْقَلُ) حَتْمًا إلَى أَقْرَبِ بَلَدٍ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَصْنَافِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى رِعَايَةِ الْمَكَانِ الثَّابِتِ بِالِاجْتِهَادِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ عَدَمَ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ كَالْعَدَمِ الْمُطْلَقِ، فَإِنْ نُقِلَ ضَمِنَ.
تَنْبِيهٌ حَيْثُ جَازَ النَّقْلُ أَوْ وَجَبَ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ.
نَعَمْ إنْ قَبَضَهُ السَّاعِي مِنْ الْمَالِكِ فَمُؤْنَةُ النَّقْلِ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
(وَشَرْطُ السَّاعِي) وَهُوَ الْعَامِلُ (كَوْنُهُ حُرًّا) ذَكَرًا مُكَلَّفًا (عَدْلًا) فِي الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا لِأَنَّهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ.
تَنْبِيهٌ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ (فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ) فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ وِلَايَتُهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِيُعْلَمَ مَنْ يَأْخُذُ وَمَا يُؤْخَذُ، هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ عَامًّا (فَإِنْ عُيِّنَ لَهُ أَخْذٌ وَدَفْعٌ) فَقَطْ (لَمْ يُشْتَرَطْ الْفِقْهُ) الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَهُ بِالتَّعْيِينِ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ فَيُعْتَبَرُ مِنْهَا التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ، وَكَذَا الْإِسْلَامُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ.
وَمِثْلُ السَّاعِي أَعْوَانُ الْعَامِلِ مِنْ كُتَّابِهِ وَحُسَّابِهِ وَجُبَاتِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حَاوِيهِ، وَيَقْسِمُ الزَّكَاةَ سَاعٍ قُلِّدَ الْقِسْمَةَ أَوْ أُطْلِقَ تَقْيِيدُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلِّدَ الْأَخْذَ وَحْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ، فَإِنْ كَانَ السَّاعِي جَائِرًا فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ عَادِلًا فِي قَسْمِهَا جَازَ كَتْمُهَا عَنْهُ وَدَفْعُهَا إلَيْهِ، أَوْ كَانَ جَائِرًا فِي الْقِسْمَةِ عَادِلًا فِي الْأَخْذِ وَجَبَ كَتْمُهَا، فَلَوْ أُعْطِيَهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَجْزَأَتْ وَإِنْ لَمْ يُوصِلْهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ كَالْإِمَامِ.
(وَلْيُعْلِمْ) الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ (شَهْرًا لِأَخْذِهَا) لِيَتَهَيَّأَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ لِدَفْعِهَا وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِأَخْذِهَا. وَيُسَنُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَوْنُ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعَامِ، وَهَذَا فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَامُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ فَيَبْعَثْ وَقْتَ وُجُوبِهَا وَهُوَ فِي الزَّرْعِ عِنْدَ الِاشْتِدَادِ وَفِي الثِّمَارِ عِنْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ، وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا يَبْعَثَ فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ إلَّا عِنْدَ تَصْفِيَتِهَا بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّهَا تُخْرَصُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ بَعَثَ خَارِصًا لَمْ يَبْعَثْ السَّاعِي إلَّا عِنْدَ جَفَافِهَا.
تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ هَذَا الْإِعْلَامَ وَاجِبٌ، وَالصَّحِيحُ نَدْبُهُ.
وَيَجِبُ عَلَى
وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ
ــ
[مغني المحتاج]
الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
تَتِمَّةٌ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا عَدَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَقَدْرَ حَاجَاتِهِمْ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِإِعْطَاءِ الْعَامِلِينَ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ بِلَا تَقْصِيرٍ فَأُجْرَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا عِنْدَ وُقُوعِهَا فِي خَطَرٍ كَأَنْ أَشْرَفَتْ عَلَى هَلَاكٍ أَوْ حَاجَةِ مُؤْنَةٍ نُقِلَ أَوْ رُدَّ حَيْرَانُ، فَإِنْ بَاعَ بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ جَمَاعَةً وَالزَّكَاةُ شَاةً مَثَلًا أَخَذُوهَا، وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِمْ لِيَقْسِمَ ثَمَنَهَا، وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الزَّكَاةَ بِالْعَمَلِ وَالْأَصْنَافِ بِالْقِسْمَةِ.
نَعَمْ إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ، وَكَذَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ اسْتَحَقُّوهَا مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَلَا يَضُرُّهُمْ حُدُوثُ غِنًى أَوْ غَيْبَةٍ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ دَفَعَ نَصِيبَهُ لِوَارِثِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُزَكِّي وَارِثَهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ لِسُقُوطِ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ قَادِمٌ وَلَا غَائِبٌ عَنْهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَيَضْمَنُ الْإِمَامُ إنْ أَخَّرَ التَّفْرِيقَ بِلَا عُذْرٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِتَفْرِيقِهَا؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمُسْتَحِقِّ قَدْرَ مَا أَخَذَهُ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ صُرَّةً وَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهَا أَجْزَأَهُ زَكَاةٌ وَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، وَإِنْ اُتُّهِمَ رَبُّ الْمَالِ فِيمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَأَنْ قَالَ: لَمْ يَحُلْ عَلَيَّ الْحَوْلُ لَمْ يَجُزْ تَحْلِيفُهُ، وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ بِمَا يَدَّعِيهِ كَأَنْ قَالَ: أَخْرَجْتُ زَكَاتَهُ أَوْ بِعْتُهُ. وَيُسَنُّ لِلْمَالِكِ إظْهَارُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لِئَلَّا يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ، وَلَوْ ظَنَّ آخِذُ الزَّكَاةِ أَنَّهُ أَعْطَى مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَصْنَافِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ، وَإِذَا أَرَادَ الْأَخْذَ مِنْهَا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ قَدْرِهَا فَيَأْخُذُ بَعْضَ الثَّمَنِ بِحَيْثُ يَبْقَى مَا يَدْفَعُهُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ وَلَا أَثَرَ لِمَا دُونَ غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَلَوْ أَخَّرَ تَفْرِيقَ الزَّكَاةِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي، فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا أَوْ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا مِنْ عَامِهِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي خُصُّوا بِزَكَاةِ الْمَاضِي وَشَارَكُوا غَيْرَهُمْ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَيُعْطَوْنَ مِنْ زَكَاةِ الْعَامَيْنِ، وَمَنْ كَانَ غَارِمًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ أَوْ مُؤَلَّفًا لَمْ يُخَصُّوا بِشَيْءٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْخُذُونَ لِمَا يَسْتَقْبِلُ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ.
(وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ) وَالْجِزْيَةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا وَيَرُدُّهَا وَاجِدُهَا لَوْ شَرَدَتْ أَوْ ضَلَّتْ، وَلْيُعَرِّفْهَا الْمُتَصَدِّقُ فَلَا يَتَمَلَّكَهَا بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعُ فِي نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْقِيَاسُ فِي غَيْرِهَا. أَمَّا نَعَمُ غَيْرِ الزَّكَاةِ وَالْفَيْءِ فَوَسْمُهُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَالنَّعَمِ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْفِيَلَةُ.
وَالْوَسْمُ بِالْمُهْمَلَةِ: التَّأْثِيرُ بِالْكَيِّ وَغَيْرِهِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ الْإِعْجَامَ، حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ فَجَعَلَ الْمُهْمَلَةَ لِلْوَجْهِ وَالْمُعْجَمَةَ لِسَائِرِ الْجَسَدِ، وَيُكْتَبُ عَلَى نَعَمِ الزَّكَاةِ مَا يُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا فَيُكْتَبُ عَلَيْهَا زَكَاةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ طُهْرَةٌ، أَوْ لِلَّهِ، وَهُوَ أَبْرَكُ وَأَوْلَى اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ حُرُوفًا، فَهُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَحَكَى ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَقَرَّهُ، وَعَلَى نَعَمِ الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ وَصَغَارٌ بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ ذُلٌّ، وَهَذَا أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَازَ الْوَسْمُ بِاَللَّهِ مَعَ أَنَّهَا قَدْ تَتَمَرَّغُ عَلَى النَّجَاسَاتِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ التَّمْيِيزُ لَا