الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-7 -
إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص شهر صفر سنة 8 للهجرة
ولعل من أهم الأحداث التي حدثت في أوائل السنة الثامنة للهجرة. وكان لها الأثر الفعال في تقوية الجانب الإِسلامي. وتوهين الجانب القرشي هو دخول ثلاثة من أعظم القادة القرشيين في الإِسلام بعد أن تركوا مكة وهاجروا إلى المدينة ليعلنوا إسلامهم بمحض اختيارهم. وهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة العبدرى.
فخالد بن الوليد كان صاحب حرب قريش وفارسها وقائد سلاح فرسانها. وعمرو بن العاص كان ملاذ قريش في حل المشاكل السياسية لأنه كان ذا دهاء وخبرة بالحيل .. أما عثمان بن طلحة فقد كان سيد بني عبد الدار. وصاحب لوائها وسادن الكعبة.
أما خالد بن الواجد فقد عرفنا جانبًا من قصة استعداده للدخول في دين الإِسلام حين جادل صديقه وابن عمه عكرمة بن أبي جهل. وسيد بني أمية أبا سفيان بن حرب. ولنترك هذا الفارس العظيم يكمل لنا قصة إسلامه الشيّقة كما رواها الواقدي. وغيره من أصحاب السير.
قال خالد بن الوليد: لما أراد الله بي من الخير ما أراد. قذف في قلبى حب الإِسلام وحضرني رشدى، وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أنى موضع في غير شيء وأنّ محمدًا سيظهر. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية. خرجت في خيل من المشركين فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعُسفان، فقمت بإزائه وتعرضت له وصلى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليه، ثم لم يعزم لنا فكانت فيه خيرة. فاطلع على ما في أنفسنا من الهموم فصلى بأصحابه صلاة العصر. صلاة الخوف، فوقع ذلك منى موقعًا وقلت: الرجل ممنوع وافترقنا.
وعدل صلى الله عليه وسلم عن سنن خيلنا وأخذ ذات اليمين فلما صالح قريشًا بالحديبية ودافعت قريش بالرواح قلت في نفسي: أيّ شيء بقى؟ . أين المذهب إلى النجاشي؟
فقد أتبع محمدًا. وأصحابه آمنون عنده. فأخرج إلى هرقل؟ .
فأخرج من دينى إلى نصرانية أو يهودية فأقيم مع عجم تابعًا .. أو أقيم في دارى فيمن بقى؟ فأنا على ذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية. فتغيبت ولم أشهد دخوله وكان أخي الوليد بن الوليد (1) قد دخل مع النبي "في عمرة القضية فطلبنى فلم يجدنى. فكتب إليَّ كتابًا فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإِسلام. وعقلك عقلك. ومثل الإِسلام جهله أحد؟ . فقد سألنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك فقال: أين خالد؟ فقلت يأتي الله به. فقال: ما مثله جهل الإِسلام. ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له ولقد مناه على غيره. فاستدرك يا أخي على ما فاتك. فقد فاتتك مواطن صالحة. قال: فلما جاءنى كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرنى مقالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال خالد: وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة جديبة. فخرجت إلى بلد أخضر واسع. فقلت: إن هذه لرؤيا فلما قدمت المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر.
قال: فذكرتها. فقال هو مخرجك الذي هداك الله للإِسلام والضيق الذي كنت فيه من الشرك. فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: من أصاحب إلى رسول الله؟ فلقيت صفوان بن أمية. فقلت يا أبا وهب: أما ترى ما نحن فيه؟ إنما نحن أكلة رأس (2). وقد ظهر محمد على العرب والعجم. فلو قد قدمنا على محمد فاتبعناه. فإن شرف محمد لنا شرف. فأبى أشد الإِباء
(1) الوليد بن الوليد هذا. حضر بدرًا من المشركين. ووقع أسيرًا في أيدى المسلمين، فافتداه أخوه هشام وكانا شقيقين، أسلم عقب إطلاق سراحه وكان حسن الإِسلام. ولما أسلم حبسه أخواله بمكة ولكنه استطاع الإفلات من السجن. وذلك في مدة صلح الحديبية. فالتحق بثوار العيص تحت قيادة أبي بصير الزهري. وبعد أن انتهت الثورة ضد المشركين في العيص. عاد الوليد مع المستضعفين الثائرين إلى المدينة. فقطعت أصبعه في الحرة. فخبث الجرح ومات منه. ولا أدرك أنه ميت. طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكفنه في فضل ثوبه فلما مات كفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل ثوبه.
(2)
قوله أكلة رأس كناية عن قلتهم .. أي أنهم لقلتهم يشبعهم رأس واحد كذا في الصحاح ص 1634.
وقال: لو لم يبق غيرى من قريش ما اتبعته أبدًا. فافترقنا وقلت: هذا رجل موتور يطلب وترًا. قد قتل أبوه وأخوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل الذي قلت لصفوان. فقال لي: مثل ما قال صفوان. قلت: فاطو ما ذكرت لك. قال: لا أذكره وخرجت إلى منزلى فأمرت براحلتى تخرج إلى. فخرجت بها إلى أن ألقى عثمان بن طلحة. فقلت: إن هذا لي صديق ولو ذكرت له ما أريد! ثم ذكرت من قتل آبائه فكرهت أذكره ثم قلت: وما على وأنا راحل من ساعتى. فذكرت له ما صار الأمر إليه فقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر. لو صب عليه ذنوب من ماء لخرج. قال: فقلت له نحوًا مما قلت لصاحبيه (أي صفوان وعكرمة) فأسرع الإِجابة وقال: لقد عدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو. وهذه راحلتى بفخ مناخة. قال: فأتعدت أنا وهو بيأجج. إن سبقنى أقام وإن سبقته أقمت عليه. قال فأدلجنا سحرًا فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج. فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة فنجد بهد عمرو بن العاص بها فقال مرحبا بالقوم! . فقلنا: وبك. قال: أين مسيركم؟ قلنا: ما أخرجك؟ قال: فما الذي أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإِسلام واتباع محمد صلى الله عليه وسلم. قال: وذلك الذي أقدمنى. قال: فاصطحبنا جميعًا حتى قدمنا المدينة فأنخنا بظاهر الحرة ركابنا. فأخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بنا. فلبست من صالح ثيابي. ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلقينى أخي (الوليد) فقال: أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بك. فسر بقدومك وهو ينتظركم. فأسرعت المشي فطلعت عليه. فما زال يبتسم إلى حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة فرد على السلام بوجه طلق. فقلت. إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال: الحمد لله الذي هداك! فقد كنت أرى لك عقلًا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى الخير. قلت يا رسول الله قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندا عن الحق فادع الله أن يغفرها لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإِسلام يجب ما كان قبله. قلت: يا رسول الله. على ذلك؟ فقال: اللهم اغفر لخالد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك. قال خالد وتقدم عمرو .. وعثمان فبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قدومنا في صفر سنة ثمان. فوالله ما كان رسول الله