الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي وأصحابه. وقد صرح سادات قريش أنفسهم بما يترجم عن شعورهم بالمرارة وعدم احتمالهم النظر إلى المسلمين وهم داخل مكة.
فقد روى أبو قتادة أن الزعيم القريشي (مكرز بن حفص العامري) لما رجع إلى مكة من وادي يأجج وطمأن قريشًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس في نيته غزوها. فقال لهم: إن محمدًا لا يدخل بسلاح. خرجت قريش من مكة إلى رؤوس الجبال، وخلوا مكة، وقالوا: ولا ننظر إليه ولا إلى أصحابه (1).
منظر رائع
أما النبي صلى الله عليه وسلم فبعد أن رتب أمر حراسة الأسلحة في وادي يأجج بتركه مائتين من أصحابه بقيادة أوس بن خولى الأنصاري تحرك من هذا الوادي إلى (ذي طوى) حيث أمر بحبس الهدى هناك حتى يتكامل أصحابه. وقد خرج في اتجاه ذي طوي على ناقته القصوى وأصحابه يحيطون به متوشحين السيوف تدوى أصواتهم بالتلبية "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" .. وهي تلبية ترى قريش أن تقطع لسان من ينطق بها لو استطاعت. ولكن هيهات هيهات. فقد جدع النبي الحكيم بإبرامه صلح الحديبية أنفها. حين أرغمت على قبول دخول المسلمين مكة لتأدية مناسك العمرة حسب شريعتهم التي قامت على أساس هدم الوثنية التي كانت قريش حتى ذلك اليوم ترى أن من واجبها الذود عنها بالمهج والأرواح.
وعندما تكامل جمع المسلمين بذى طوى وقف الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم على ناقته القَصوى وسط أصحابه تحيطهم هالة من الوقار والهيبة ثم اندفع بهم نحو المدينة المقدسة (مكة) التي دخلها صلى الله عليه وسلم من شمالها عند الحجون.
وكان القرشيون (كما قلنا) قد جلوا عن مكة إلى رؤوس الجبال لئلا يروا المسلمين في مكة أو يخالطوهم.
ومن رؤوس تلك الجبال -وعلى مد النظر- رأوا بعيون كاد يزيغها حقد
(1) مغازى الواقدي ج 2 ص 734.
الكفر وضغينة الجاهلية .. رأوا النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يزحفون نحو مكة تشق أصواتهم عنان السماء متحدية الشرك بتلبية التوحيد "لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك". وهي تلبية لا يصدع شيء قلوب الوثنيين مثل رفع الصوت بها. وخاصة في مكة التي لا زالت (حتى ذلك اليوم) تحت سلطان الوثنية ومعقلها الأكبر.
رأى المشركون القرشيون وهم معتصمون برؤوس جبال مكة في عملية أشبه بالفرار .. رأوا خصمهم الألد محمدًا وأصحابه قد حجب سوادهم الأفق وهم يتحركون نحو مكة في عزة المسلم وثبات المؤمن وخشوع العابد الصادق الذي لا يعنو وجهه ولا يخضع قلبه إلا للواحد الأحد الفرد الصمد.
رأى المشركون من قمم جبال مكة هذا المنظر المهيب الرائع. فأخذت ذكريات الماضي الأسود -الذي لم تمر عليه أكثر من سبع سنوات- تنهش قلوبهم بضراوة. فكادت -لذلك- هذه القلوب التي ما زال ظلام جهل الوثنية يغلفها. تقفز من أقفاصها في الصدور غيظًا وحنقًا. لأنهم رأوا -وبعيون لا تكاد تصدق ما ترى- محمدًا صلى الله عليه وسلم يدخل مكة في هذا الحشد الحاشد (ألفين من أصحابه المغاوير) وهو آمنًا مطمئنًا ورغم أنوفهم .. يدخل هكذا وعلى هذا المستوى من العزة والاعتزاز بالله ثم بالنفس وبالقوة البشرية العظيمة التي تحيطه من الأصحاب، وهو (حسب منطقهم) الطريد الذي خرج من مكة (قبل سبع سنوات) مع صاحبه الصديق خائفًا يترقب يبحث عنه الموت في كل مكان. لأن سيوف الشرك. كل سيوف الشرك. خرجت من مكة يومها مصلتة تطلب رأسه. ذلك أن الحقد الوثني الكافر المجنون " يوم أن نجا محمد من المؤامرة التي دبرتها دار الندوة لاغتياله على فراشه" جعل مائة ناقة مكافأة لمن يعيد إليهم محمدًا حيًّا أو ميتًا.
وها هو محمد اليوم يأتيهم. ولكن لا كما يريدون. بل كأكره ما يكرهون. إنه يدخل مكة على هيئة لا تحتمل نفوسهم النظر إليه وهو عليها. ولذلك قرروا الجلاء عن مكة (اختيارًا) ليخلوها له ولأصحابه. لأنه وهؤلاء الأصحاب سيدخلون مكة. مرفوعة رؤوسهم تحيطهم عزة الإِيمان وتحرسهم