الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه قد وصلهم فعلًا- لهذا أحجم الرومان عن ملاحقة المسلمين وكان سرورهم عظيمًا بانسحابهم.
وعلى أي حال فقد نجح القائد خالد في انسحابه بجيش الإسلام إنسحابا سليما منظما أنجاه به من أخطار مدمرة كانت ستحيق به بل إنها لمحيقة به لولا أن وفق الله وجوه الجيش وقادة الكتائب فأسندوا قيادته إلى هذا القائد البطل المحنك خالد بن الوليد.
المظاهرة في المدينة ضد الجيش
واصل القائد خالد بن الوليد انسحابه بالجيش من مؤتة في الشام حتى وصل المدينة دون أن يتعرض لأى مكروه.
وكانت أنباء معركة (مؤتة) في الشام قد وصلت مشوشة إلى المدينة. وشاعت شائعات فيها تقول: إن عسكر الإسلام في (مؤتة) قد فروا، وانهزموا.
.. والفرار -منذ أن شرع الله الجهاد للمسلمين في سبيله- خلة مرذولة قبحها القرآن. وما سبق للمسلمين أن فر أحد منهم من ميدان المعركة.
ولهذا فإن ما أشيع من أن المسلمين قد فروا من الرومان وانهزموا دون أن يقوموا بما يجب القيام به من الثبات والتضحية .. قد أحدث استياءًا عامًا بين الجماهير في المدينة.
لذلك لم يكد خالد يصل بجيشه إلى ضواحي المدينة (بالجرف) حتى اصطدم بمظاهرة كبيرة تندد بالجيش وكان المتظاهرون يصيحون بالجيش يا فرار .. فررتم في سبيل الله .. ويحثون في وجوه الجند والقادة التراب.
وكان الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يدافع عن موقف الجيش ويحاول تهدئة المتظاهرين ويقول .. ليسوا بفرار ولكنهم كرّار إن شاء الله .. وكانت حقائق البطولات النادرة التي تفوق الوصف والتي قام بها جيش الإسلام في
مؤتة. قد وصلت النبي صلى الله عليه وسلم في تقارير صحيحة كما هي (1) ولهذا انبرى صلى الله عليه وسلم يرد على المتظاهرين في المدينة مدافعًا عن جيشه الباسل وقائده البطل خالد بن الوليد. الذي بدهائه العسكري (كما تقدم) أنزل (في هجوم صاعق) بالرومان في مؤتة. أفدح الخسائر ثمَّ انسحب بالجيش انسحابا منظما نال عليه الإِعجاب والتقدير من الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بل ولا يزال حتى هذه اللحظة محل إعجاب القادة العسكريين في العالم الذين يعرفون تفاصيل خدعة خالد الحربية التي بها نفذ خطة الانسحاب وأنقذ الجيش من فناء محقق.
ومع أن الحقيقة خلاف ما أشيع عن جيش الإِسلام في مؤتة فقد ظل أهل المدينة حانقين على الجيش يؤنبون كل من لا قوه من أفراده حتى المرأة كانت لا تفتح الباب لزوجها منهم وتذكره بأنّه من الذين فروا وفضلوا الحياة على الاستشهاد في سبيل الله.
فقد روى عن أبي بكر بن عبد الله بن عتبة أنَّه كان يقول ما لقى جيش بعثوا معنا ما لقى أصحاب مؤتة من أهل المدينة لقيهم أهل المدينة بالشر حتى أن الرجل لينصرف إلى بيته وأهله. فيدق عليهم الباب فيأبون أن يفتحوا له. يقولون: ألا تقدّمت مع أصحابك.
أما كبار القادة من وجوه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين حضروا مؤتة فكانوا يلازمون بيوتهم خوفا من أن يسمعوا ما يكرهون مما يعيرهم به أهل المدينة. الذين أصروا على أن جيش مؤتة قد فر وهرب. . حتى اضطر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبعث إليهم رجلًا رجلًا. ويقول: أنتم الكرّار في سبيل الله.
وروى عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: كان في ذلك البعث (يعني جند مؤتة) سلمة بن هشام بن المغيرة. فدخلت امرأته على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أم سلمة: ما لى لا أرى سلمة بن هشام؟ أاشتكى شيئًا؟ قالت امرأته: لا والله. ولكنه لا يستطيع
(1) قدم هذه التقارير الصحيحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحد رجال استخباراته وهو رجل يقال له "أبو عامر" انظر طبقات ابن سعد الكبرى ج 2 ص 129.