الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: ما هي.
قال: تعلمون والله أن هذا الرجل (يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم) لنبي مرسل، إنا نجده في كتابنا نعرفه بصفته التي وصف لنا، فهلمَّ فلنتبعه، فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا.
فقالوا: نحن نكون تحت أيدى العرب، ونحن أعظم الناس ملكا، أكثرهم رجالًا، وأفضلهم بلدًا.
قال: فهلمّ فأعطيه الجزية في كل سنة، أكسر عنى شوكته وأستريح من حربه بمال أعطيه إياه.
قالوا: نحن نعطى العرب الذل والصغَّار بخَرج يأخذونه منّا، ونحن أكثر الناس عددًا، وأعظمهم ملكًا، وأمنعهم بلدًا، لا والله لا نفعل هذا أبدًا. قال فهلم فلأصالحه على أن أعطيه أرض سورية ويدعنى وأرض الشام فقالوا: نحن نعطيه أرض عمورية وقد عرفت أنها أرض سورية الشام لا تفعل هذا أبدًا.
هرقل يودع سوريا الوداع الأخير
وبعد أن رفض أركان دولة بيزنطا عروض ملكهم الثلاثة قال لهم (وقد تهيأ للعودة إلى عاصمة ملكه على البوسفور) .. أما والله لترون أنكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم. ثم جلس على بغل له، فانطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام، ثم قال: السلام عليكم أرض سورية تسليم الوداع ثم ركض حتى دخل قسطنطينية عاصمة ملكه (1).
تحقيق المقام حول موقف هرقل من الإِسلام
مما لا جدال فيه أن جمهرة أئمة الحديث والسير والتاريخ (البخاري - مسلم - أحمد - الترمذي - الطبري - الواقدي وغيرهم) مجمعون على أن الملك هِرقل قد استقبل خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يدعوه فيه إلى الدخول في الإِسلام، بالترحاب والقبول والتكريم، وأنه كان مقتنعًا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي مرسل إلى الناس كافة كما هو مكتوب في التوراة والإِنجيل، وأنه كان حريصًا على أن يعتنق وشعبه الإِسلام. وأنه حاول (بمختلف الوسائل) أن يقنع أهل الحل والعقد من رجال الكهنوت وقادة الجيش والوزراء والأعيان في الإِمبراطورية
(1) تاريخ الطبري ج 2 ص 651 والبداية والنهاية ج 4 ص 268.
أن يقبلوا نصحه فيدخلوا في الإِسلام، ولكنهم جميعهم عصوه، بل وغضبوا لدعوته هذه. وحاول قادة الجيش أن يطيحوا به من على عرشه. الأمر الذي اضطره إلى أن يظهر لهم خلاف ما يبطن، فيعلن لهم أنه متمسك بالنصرانية، وأنه إنما أراد بما سمعوا منه اختبار تمسكهم بدينهم.
ولكن ميله نحو الإِسلإم ورغبته في اعتناقه ظلتا تسيطران على نفسه، ولكن حرصه على ملكه منعه من أن يفعل فعل النجاشي الذي أعلن إسلامه، رغم معارضة أركان دولته، بل وقيامهم ضده بعصيان مسلح حاولوا به الإِطاحة به. فحماه الله وحرسه من شرهم. فبقى ملكًا في الحبشة على شعب غير مسلم.
ويذكر بعض المؤرخين وأصحاب الحديث. أن الملك هرقل، كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد دان بالإسلام، ولكنه لا يستطيع الجهر به، لأنه مغلوب على أمره من قومه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه هذا العذر ففي مسند الإِمام أحمد أن الملك هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك أنى مسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب إنه على نصرانيته، وفي لفظ كذب عدو الله، والله ليس بمسلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فعلى هذا إطلاق صاحب الاستعاب أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ولم يعمل بمقتضاه، بل شح بملكه وآثر العافية على العاقبة (1).
وفي السيرة الحلبية: قال ابن برهان الدين: كتب هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا وأرسله مع دحية الكلبى يقول فيه: إني مسلم ولكننى مغلوب وأرسل بهدية، فلما قرئ الكتاب على الرسول صلى الله عليه وسلم قال: كذب عدو الله ليس بمسلم. وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم هديته وقسمها بين المسلمين. قال ابن برهان الدين: ويدل على صدق هذه ارواية أن هرقل قاتل المسلمين في مؤته. وذلك قبل (غزوة تبوك) وعقب تسلمه خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم
(1) السيرة الحلبية ج 2 ص 368.