المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كيف انتصرت العقيدة في مؤتة - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٧

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 7 -غزوة مؤتة

- ‌كلمة المؤلف

- ‌أسباب غزوة مؤتة

- ‌الفصل الأوّل

- ‌الشام بلد عربي منذ آلاف السنين

- ‌المملكة العربية التي حاربت الآشوريين قبل الميلاد

- ‌بقايا العمالقة

- ‌العرب أول من ملك الشام من البشر

- ‌المدة التي ملكت عاد الشام فيها

- ‌العرب هم سكان الشام الأصليون منذ فجر التاريخ

- ‌فترات حكم العرب للشام قبل الميلاد وبعده. قبل الإِسلام

- ‌عهود الحكم العربي في الشام قبل الإِسلام

- ‌عهد ملوك عاد

- ‌عهود العمالقة

- ‌العمالقة السكان الأصليون للشام

- ‌ملوك الأنباط

- ‌محاربة الأنباط لليونان

- ‌هجوم الأنباط على اليهود واحتلالهم القدس

- ‌صلة الأنباط بالرومان

- ‌الرومان يزحفون إلى بطرا فيصالحهم ملكها العربي

- ‌الرومان يطيحون نهائيًا بمملكة الأنباط

- ‌مملكة تدمر العربية

- ‌متى بنيت ومن الذي بنى تدمر

- ‌تدمر وملك آل أذينة

- ‌شعب تدمر العربي

- ‌من الذي بنى مدينة تدمر

- ‌تدمر قبل ملوك آل أذينة

- ‌تدمر والرومان

- ‌بين البتراء وتدمر

- ‌ملوك تدمر البارزين

- ‌العصر الذهبي في تاريخ تدمر بعد الميلاد

- ‌الرومان يغتالون أول ملوك تدمر

- ‌أذينة الأصغر الملك الثاني لتدمر

- ‌أذينة الأصغر يسمى نفسه ملك الملوك ويقهر الفرس والرومان سويًا

- ‌حقد أذينة الأصغر على الرومان

- ‌أذينة الأصغر سيد المشرق وقاهر الفرس والرومان

- ‌وقوع القيصر أسيرًا

- ‌يسمى نفسه ملك الملوك

- ‌أذينة يحاصر عاصمة الفرس

- ‌الملكة الزباء سيدة المشرق

- ‌الملكة الوصية على عرش ابنها

- ‌تدمر تبلغ ذروة المجد في عهد الزباء

- ‌الملكة الزباء تحتل مصر وتعبر البوسفور

- ‌آسيا الصغرى تسقط في يد الملكة الزباء

- ‌فشل الرومان في استعادة ممتلكاتهم من الزباء

- ‌نهاية الملكة الزباء

- ‌قضاعة في الشام

- ‌مشيخة أم مملكة

- ‌مساحة مملكة أو مشيخة قضاعة في الشام

- ‌ملوك قضاعة

- ‌آثار ملوك قضاعة في الشام

- ‌قضاعة شعب محارب قوي

- ‌كيف انتهت قضاعة في الشام

- ‌الغساسنة في الشام

- ‌سبب تسميتهم بغسان

- ‌كيف ومتى جاء الغساسنة إلى الشام

- ‌مواطن الغساسنة بعد انهدام السد وقبل نزوحهم إلى الشام

- ‌الغساسنة في بلاد عدنان

- ‌كيف تواجد الغساسنة في الشام

- ‌خضوع غسان لملوك قضاعة من الحميريين

- ‌الغساسنة والرومان

- ‌الرومان يقرون الغساسنة على ما في أيديهم:

- ‌عدد وسني ملوك الغساسنة في الشام

- ‌عودة إلى المنطلق

- ‌تاريخ الغساسنة العسكري والسياسي

- ‌قلة المعلومات عن تاريخ الغساسنة

- ‌غسان والإِسلام

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحملات العسكرية بعد الانتصار في خيبر

- ‌تحقيق الأهداف

- ‌تأثير سقوط خيبر على معنويات الأعراب

- ‌المسلمون والانضباط العسكري

- ‌حملة إلى فدك. شعبان سنة سبع من الهجرة

- ‌بنو مرة يبيدون الدورية

- ‌حملة أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنجد شعبان سنة سبع من الهجرة

- ‌أسامة بن زيد يقتل رجلًا مسلمًا

- ‌قائد الحملة يجرى التحقيق مع أسامة

- ‌النبي يحقق مع الجندي أسامة

- ‌تفريق حشد الوثنيين

- ‌سيد بني مرة ينصح عيينة بن حصن ليسلم

- ‌تحريض قريش على نقض الهدنة

- ‌الحل الوسط في الصلح

- ‌كيف حقن الصلح الدماء عن أن تراق

- ‌قانون عام غير مكتوب

- ‌مكاسب صلح الحديبية

- ‌المسلمون في مكة يعتمرون

- ‌عدد المعتمرين عمرة القضاء

- ‌أمير على المدينة بالنيابة

- ‌كمية الهدى في هذه العمرة

- ‌من أي أحرم الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمرة

- ‌حمل السلاح احتياطًا

- ‌التحرك من المدينة

- ‌من ثمرات الثبات على العقيدة

- ‌قريش تحتج على حمل المسلمين السلاح

- ‌اجتماع وفد قريش بالرسول صلى الله عليه وسلم في يأجج

- ‌تخزين السلاح قرب حدود مكة

- ‌جلاء قريش عن مكة

- ‌منظر رائع

- ‌من أين دخل النبي مكة يوم العمرة

- ‌يوم حاسم في تاريخ الإِسلام

- ‌سلوك المسلمين الذي أدهش قريشًا

- ‌اندهاش القرشيين

- ‌عمرة القضاء أول انتصار معنوى للمسلمين

- ‌إشاعة الحمى الصفراء الكاذبة

- ‌النبي يعمل على إبطال الإِشاعة

- ‌نشوب خلاف بين المهاجرين والأنصار أثناء الطواف

- ‌النحر بين الصفا والمروة

- ‌قريش تمنع النبي من دخول الكعبة

- ‌أذان بلال من على ظهر الكعبة يغيظ المشركين

- ‌ماذا قال سادات قريش عند سماع بلال يؤذن

- ‌قريش تطلب من الرسول أن يغادر مكة بعد انقضاء المدة

- ‌محاولة سفهاء المشركين التحرش بالمسلمين

- ‌تأثر المشركين بواقع المسلمين المشرف

- ‌خالد بن الوليد وأبو سفيان بن حرب

- ‌أبو سفيان يهاجم خالد غاضبًا لإِسلامه

- ‌إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص شهر صفر سنة 8 للهجرة

- ‌قصة إسلام عمرو بن العاص

- ‌اتصال الرسول صلى الله عليه وسلم بملوك وأمراء الشرق الأوسط

- ‌استقرار الأوضاع في جزيرة العرب

- ‌تحرير خيبر نقطة تحول هامة

- ‌رسل النبي إلى الملوك والأمراء

- ‌تنازع السيادة على العالم

- ‌نص الكتاب النبوى إلى الملوك والأمراء

- ‌ردود الملوك والأمراء

- ‌كيف تلقى الملك هرقل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌قصة أبي سفيان مع الملك هرقل

- ‌هرقل يعترف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌أثر كلام هرقل في نفس أبي سفيان

- ‌هرقل يتسلم الدعوة من الرسول إلى الدخول في الإِسلام

- ‌هرقل يكرم حامل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه

- ‌هرقل يستطلع رأى روما في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الإمبراطور هرقل يدعو شعبه لاعتناق الإسلام

- ‌الاجتماع التاريخي في حراسة مشددة

- ‌البطارقة وأركان الدولة يرفضون دعوة الإِمبراطور ويحاولون التمرد

- ‌تراجع هرقل خوفًا على ملكه

- ‌الأسقف الذي قتله بطارقة هرقل لإِعلانه الإِسلام

- ‌هل أسلم الملك هرقل

- ‌قلق الملك هرقل

- ‌التناقضات المتصارعة بنفس هرقل

- ‌هرقل يدعو قومه مرة أخرى وأخيرة إلى الإِسلام أو إعطاء الجزية

- ‌هرقل يودع سوريا الوداع الأخير

- ‌تحقيق المقام حول موقف هرقل من الإِسلام

- ‌إسلام الملك المنذر بن ساوى:

- ‌جواب ملك الغساسنة التهديد بغزو الجزيرة

- ‌موقف المقوقس حاكم مصر

- ‌اعتراف المقوقس بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌كسرى يمزق كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيمزق الله ملكه

- ‌عامل كسرى على اليمن يعصى أمره ويسلم

- ‌استبشار المشركين وفرحهم بتهديد كسرى للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌النبي يخبر رسولى باذان بقتل شرويه لأبيه كسرى

- ‌شيرويه يأمر باذان بعدم التعرض للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ملك اليمامة يقرب من الإِسلام ولا يسلم:

- ‌إسلام ملكى عُمان

- ‌إسلام حمير في اليمن

- ‌النجاشي الذي لم يسلم

- ‌نص الخطاب النبوى إلى النجاشي

- ‌جواب الملك النجاشي على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌إسلام جبَلة بن الأيهم

- ‌مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم ملوك وأمراء الشرق الأوسط: بداية التحول في مجرى تاريخ المنطقة

- ‌سرية شجاع بن وهب إلى هوازن .. ربيع الأول سنة ثمان للهجرة

- ‌نجاح الحملة

- ‌لنبي يطلق سراح النساء

- ‌اعتقلوه تحفظًا. وهو مسلم

- ‌بعثة كعب بن عمير إلى ذات أطلاح. شهر ربيع الأول سنة ثمان للهجرة

- ‌الفصل الثالث

- ‌الكومنولث البيزنطى

- ‌اغتيال رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى والجولان

- ‌اغتيال 15 من الصحابة على يد المرتزقة العرب في الشام

- ‌القرار الخطير

- ‌تعيين قادة الجيش

- ‌معارضة جعفر تقديم زيد عليه في القيادة

- ‌تحرك الجيش يوم الجمعة .. وفضل الجهاد

- ‌تاريخ تحرك الجيش إلى مؤتة وعدد قواته

- ‌عبد الله بن رواحة يستوصى من الرسول صلى الله عليه وسلم ويتمنى الشهادة

- ‌القائد عبد الله بن رواحة يبكى خوف النار

- ‌مقالة أحد أحبار اليهود في تعيين القادة

- ‌خالد بن الوليد يغزو لأول مرة مع المسلمين

- ‌النبي يخطب في الجيش ويضع أعدل وأشرف قانون حرب في التاريخ

- ‌وقفة عند دستور الحرب الرائع

- ‌تصرف المسلم حجة للإِسلام أو عليه

- ‌المسلمون يودعون الجيش

- ‌جواسيس الرومان في المدينة يبلغونهم نبأ الغزو

- ‌استخبارات الرومان في شمال الجزيرة

- ‌مقتل أخي قائد الأعداء

- ‌عدد الجيش الروماني

- ‌هل الملك هرقل هو الذي قاتل المسلمين في مؤتة

- ‌توقف المسلمين في معان للتشاور

- ‌المجلس العسكري في معان

- ‌اختلاف قادة الجيش في معان

- ‌اتفاق أركان الجيش على مصادمة الرومان

- ‌كلمة ابن رواحة في اجتماع هيئة الأركان

- ‌وصف أئمة التاريخ ما حدث في معان من اختلاف وجهات النظر

- ‌تحصن المسلمين في مؤتة

- ‌التعبئة للقتال

- ‌حراجة موقف المسلمين بمؤتة

- ‌أكبر مغامرة حربية في التاريخ

- ‌نشوب المعركة الطاحنة

- ‌كانت النتيجة مضمونة وهي النصر للرومان ولكن

- ‌مصرع قادة الجيش الإسلامي الثلاثة

- ‌معركة مؤتة تستمر سبعة أيام

- ‌متى وكيف استشهد القادة الثلاثة

- ‌مصرع زيد بن حارثة

- ‌مصرع جعفر بن أبي طالب

- ‌جعفر يعقر فرسه

- ‌الشهيد الشاب

- ‌عودة إلى المنطلق

- ‌مصرع عبد الله بن رواحة القائد الثالث

- ‌تمنى الشهادة فأعطيها

- ‌كيف استبسل ابن رواحة بعد التردد

- ‌مصرع قائد العرب المتنصرة

- ‌خالد بن الوليد يتولى قيادة الجيش في مؤتة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يصف المعركة قبل عودة الجيش بعد أن كشف الله له ما بين المدينة والشام

- ‌حديث البخاري عن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌رواية البيهقي عن المعجزة

- ‌رواية ابن إسحاق

- ‌جناحان بدل اليدين لجعفر في الجنة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يشيد ببطولة خالد

- ‌صعوبة المهمة الملقاة على عاتق خالد في مؤتة

- ‌خالد وخطة الانسحاب الرائعة

- ‌نجاح خطة التضليل أنقذت المسلمين في مؤتة

- ‌خالد يهاجم الرومان ويلحق بهم أعظم الخسائر ثم ينسحب

- ‌تسعة أسياف تتكسر في يد خالد بمؤتة

- ‌تنفيذ خطة الانسحاب إلى المدينة

- ‌قيادة الرومان تأمر بعدم تعقب المسلمين في انسحابهم

- ‌المظاهرة في المدينة ضد الجيش

- ‌أثر مقتل جعفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌محبة النبي الشديدة لجعفر

- ‌بكاء الرسول لموت جعفر

- ‌أولاد جعفر الصغار

- ‌فضل أمراء معركة مؤتة الثلاثة

- ‌الاستخبارات النبوية تبلغ الرسول نبأ الغزو

- ‌إسراع النبي في غزوهم قبل أن يتحركوا

- ‌عمرو بن العاص القائد

- ‌عمرو بن العاص القائد لأول مرة

- ‌الجيش يتحرك من المدينة

- ‌ابن العاص يطلب النجدة من المدينة

- ‌النجدة تتحرك من المدينة لإِسناد عمرو بن العاص

- ‌رسول عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌اختلاف أبي عبيدة وعمرو

- ‌وقفة اعتبار وتدبر

- ‌الغزوة تحقق أهدافها

- ‌عودة ابن العاص المنتصر إلى المدينة

- ‌البشر بالنصر إلى المدينة

- ‌ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي عبيدة لسماحة خلقه

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يقر كل تصرفات القائد ولم ينكر عليه

- ‌نصيحة لا بد من سماعها

- ‌قتلى الفريقين في معركة مؤتة

- ‌عدد قتلى الأعداء في مؤتة

- ‌استدراك وتعقيب

- ‌تعقيب ابن كثير على عدد قتلى المسلمين في المعركة

- ‌هل انتصر المسلمون في مؤتة أم انهزموا

- ‌ما حدث في مؤتة هو فتح للمسلمين بدون شك:

- ‌نصر بعد هزيمة

- ‌رأي ابن كثير في هزيمة المسلمين وانتصارهم

- ‌تحقيق المقام في أن ما قام به خالد في مؤتة نصر لا مثيل له

- ‌أعلى وسام في الدولة تمنحه بريطانيا للقائد الذي نجح في الانسحاب من أدنكرك

- ‌دروس من معركة مؤتة

- ‌نظرة وتحليل

- ‌كيف انتصرت العقيدة في مؤتة

- ‌خرافة التفوق التكنولوجى

- ‌لماذا انهزم العرب وانتصر اليهود في حزيران

الفصل: ‌كيف انتصرت العقيدة في مؤتة

رِبَاطِ الْخَيلِ} (1) فقد أثبت أبطال (مؤتة) المسلمون من أصحاب محمَّد أن القوة المادية ليست كل شيء في كسب النصر أو الحيلولة دون التعرض للهزائم الساحقة وإنما الشرط الأساسي لكسب النصر. أو الصمود والثبات لمنع وقوع الهزائم الساحقة المدمرة. هو توفر العقيدة السليمة الصادقة وتغلغلها في قلب الإِنسان المسلم.

‌كيف انتصرت العقيدة في مؤتة

لقد كان كل شيء مادى يوحى على نحو لا يقبل النقاش على أن الهزيمة الساحقة المدمرة ستكون من نصيب الجيش الإِسلامي في مؤتة.

فمن وجهة النظر العسكرية وحسب المقاييس والموازين الحربية العادية التي بها يتم تقييم الموقف الحربى ويعطى بها (مقدما) ما يشبه الحساب الذي لا يخطئ. كان النصر مضمونًا للرومان على المسلمين كنتيجة حتمية لتفوقهم الهائل الساحق على المسلمين في كل شيء.

فجيش الإِسلام (حسب هذه الموازين والمقاييس العسكرية) مقضى عليه في (مؤتة) على أيدى الرومان إما بالموت وإما بالوقوع في الأسر.

وهذا تقدير لا يمكن لأى خبير عسكرى أن يطعن في صحته من وجهة انظر العسكرية العادية التي عَبْرَها يضع القادة الخطط وينتظرون النتائج للمعارك.

فثلاثة آلاف مقاتل. مهما بلغوا من الشجاعة وقوة البأس وشدة المراس والصبر على الحرب لا يمكنهم (حسب المقاييس العادية الطبيعية) الصمود ساعة واحدة في وجه مائتي ألف مقاتل بل لا يمكنهم النجاة من أن يُقتَلوا أو يقعوا جميعهم أسرى في أيدى تلك القوات الكثيفة الغامرة الهائلة التي كانت تحيطهم كما يحيط البحر الهادر نقطة من اليابسة صغيرة.

ذلك هو التقدير الصحيح والمفهوم الذي لا غبار على صحته وسلامته لدى من ينظرون إلى المعارك على أنها قتال بين فريقين. هم من طينة واحدة

(1) الأنفال / 60.

ص: 251

(طينة البشر). تكون فيها (عادة) الغلبة والنصر للأكثر عددًا والأجود تسليحًا والأحسن تدريبًا والأكثر علمًا بفنون الحرب. وكل هذه العناصر المطلوب توفرها لكسب النصر الساحق. كانت متوفرة لدى قيادة الجيش الروماني الذي تصادم مع جيش الإِسلام في مؤتة.

ولكن جيش الإِسلام الصغير في (مؤتة) قلب موازين النظريات العسكرية التقليدية التي تقول: إنه - لكي تضمن القيادة النصر - يجب إعداد المحارب إعدادًا ماديًا كاملًا من حيث التسليح والتدريب والإِلمام بالعلوم العسكرية وفنونها (تكنولوجيًا) والتفوق في العدة والعدد.

فقد أثبت الصمود الرائع - الذي أبداه المسلمون في معركة مؤتة والذي يمكن. . نظرًا لعدم التكافؤ بين القوتين المتحاربتين وصفه بأنّه أعلى نموذج للنصر المؤزر -. أثبت أن التفوق في القوة المادية. بل وحتى العلوم والفنون العسكرية ليس هو كل شيء لكسب المعارك.

وإنما العامل الأساسي والأول لكسب النصر وتحقيق الأهدف في المعارك هو العقيدة الصحيحة السليمة.

وهذا هو الذي أثبتته عمليًّا وخلدته في سجل التاريخ - كحقيقة واقعة - أحداث معركة مؤتة التاريخية. . فمتانة العقيدة ورسوخها في نفوس الجيش الإِسلامي. قد أبطلت عامل التفوق الهائل لدى الجيش الروماني في معركة (مؤتة).

إذ جعلت العقيدة الإِسلامية - لا القوة الحربية لدى المسلمين - الجيش الروماني يبدو وكأنه مصاب بالشلل.

وإلا فما هو التفسير لصمود ثلاثة آلاف مقاتل في وجه مائتي ألف مقاتل سبعة أيام متوالية ثبت المسلمون خلالها. وظلوا يقاتلون الرومان فيها قتالًا شرسًا ضاريًا. موقفين تقدمهم ومنزلين بهم أفدح الخسائر.

وعندما قتل آخر قائد من قادة الجيش الإِسلامي الثلاثة ورجحت كفة الجيش الروماني وبدا وكأنه قد كسب المعركة نهائيًا. وأن إبادة هذا الجيش

ص: 252

الصغير أصبحت أمرًا مفروغًا منه. إذا بالقائد الجديد لهذا الجيش يعيد تنظيمه (في تلك الساعات الحاسمة) من جديد ويشن به هجومًا كاسحًا يشيع الفوضى والهلع والارتباك في صفوف الجيش الروماني. ثمَّ ينسحب بسلام وانتظام دون أن يخسر رجلًا واحدًا. ودون أن يجرأ الجيش الروماني على تعقبه وملاحقته أثناء انسحابه. مع علم قيادة الجيش الروماني. أن الجيش الإِسلامي الصغير المنسحب. تفصله عن عاصمته التي قرر الانسحاب إليها مسافة لا تقل عن ستمائة ميل. مزروعة كلها بعناصر معادية للجيش المسلم الأمر الذي يجعل (حسب المقاييس العسكرية العادية) من السهل على الجيش الروماني تعقب الجيش الإِسلامي المنسحب وتمزيقه وإبادته.

ولكن شيئًا من هذا لم يحدث. بل - بدلًا من أن تفكر قيادة الجيش الروماني في مطاردة الجيش الإِسلامي المنسحب ومهاجمته وهو ينسحب - كان سرورها عظيمًا بانسحابه من الميدان. لأنها عانت منه خلال الأيام الستة في مؤتة ما نسخ من أذهانها كل مفاهيمها عن المحارب العربي بعد أن أصبح مسلمًا. له عقيدة يرى الاستشهاد في سبيل نصرتها غاية ما يتمنى. فما هو السر في كل هذا الذي حدث مما يمكن اعتباره من الخوارق للعادة؟ .

إن الباحث العسكري الخبير المنصف - وهو يضع أحداث محركة مؤتة في المختبر للتحليل - لن يجد أية صعوبة (بعد ظهور عدم التكافؤ بين الجيشين المتصادمين في مؤتة على النحو الذي فصلنا). لن يجد أية صعوبة في إصدار حكمه القاطع بأن ما حققه الجيش الإِسلامي الصغير من انتصارات بصموده ذلك الذي بلغ ما يقرب الإِعجاز. إنما كان يرجع إلى عامل واحد. هو عامل العقيدة. عقيدة الإِسلام التي رسخت في قلب كل جندى من جنود ذلك الجيش المسلم الصغير.

والتي كانت الإِيجابية الرئيسية لرسوخ هذه العقيدة هو حرص كل واحد من هؤلاء الجنود على الموت في سبيل الله أكثر من حرصه على الحياة. . هذه الإِيجابية الرائعة التي عبر عنها أصدق تعبير القائد الثالث في هذه المعركة التاريخية الخالدة بقوله: (والله يا قوم إن التي تكرهون لهي التي خرجتم تطلبون الشهادة فانطلقوا بنا إلى عدوّنا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما

ص: 253

شهادة) وذلك عندما تردد بعض الصحابة (بمدينة معان) في مصادمة الرومان عندما بلغهم العدد الهائل الذين هم فيه.

إذن فالعامل الرئيسى في الانتصارات الرائعة التي حققها المسلمون في معركة (مؤتة التاريخية الخالدة إنما هو العقيدة الإِسلامية الراسخة التي أبطلت فعاليتها العظيمة عامل التفوق المادى والعلمى الساحق لدى الجيش الروماني وجعلت هذا التفوق (في ميزان النتائج) يبدو وكأنه صفر من اليسار في علم الحساب.

وعامل العقيدة الإِسلامية الصادقة وتغلغلها ورسوخها في نفس المحارب المسلم لم يكن في معركة (مؤتة) وحدها العامل الرئيسى الأوّل في إبطال عامل التفوق المادى الساحق الذي يواجهه المحارب المسلم في العهود التي كانت عزة الإِسلام فيها هي السائدة الغالبة المنتصرة.

بل لقد كان المحاربون المسلمون دائمًا في تلك العهود يتفوق عليهم أعداؤهم في العدد والعدة وكل مستلزمات النصر المادية والفنية. ولكن النصر الساحق دائمًا يكون للمسلمين على أعدائهم في كل تلك المعارك.

هذه حقيقة واقعة ناصعة شهدتها (معارك بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين. واليمامة وبزاخة (1) واليرموك والقادسية ونهاوند (2) وجبل الطارق وزلاقة (3)

(1) بزاخة (بضم أوله وفتح ثانيه) ماء لبنى أسد بن خزيمة بنجد دارت فيه معركة فاصلة بين جيوش الخلافة بقيادة خالد بن الوليد وبين قوات المرتدين بقيادة طليحة بن خويلد الأسدي.

(2)

نهاوند (بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه) مدينة عظيمة في فارس فتحها النعمان بن مقرن المزني. ثمَّ استشهد في معركة فتحها. ومعركتها حاسمة تشبه معركة القادسية. واستشهد فيها أيضًا عمرو بن معدى كرب الزبيدي وطليحة بن خويلد الأسدي وكلا الرجلين ارتدا عن الإِسلام ثمَّ تاب وجاهد في سبيل الله حتى استشهد.

(3)

زلاقة (بفتح الزاى وتشديد اللام) موضع في شمال الأندلس قرب الحدود الفرنسية. دارت فيها معركة طاحنة بين أمير المسلمين يوسف بن تاشفين البربرى حاكم مراكش وعرب الأندلس من جهة وبين الملك الأذفونش من جهة أخرى. وقد انتصر فيها المسلمون بعد قتال مريع وبعد أن انهزمت بعض طلائعهم أمام النصارى وقد جرح في هذه المعركة الملك الأذفونش. ثمَّ مات - بعد ذلك - متأثرًا بجراحه.

ص: 254

وحطين (1) والقسطنطينية (2) وذات الصوارى (3) فالانتصارات العظيمة في تلك المعارك الحاسمة وأمثالها. والتي مكنت الإِسلام وجعلت المسلمين (فترة من الزمن) أعز أمة في الأرض. لم يكن العامل في تحقيقها عامل التفوق المادى بكثرة العدد والعُدد. ولا عامل التفوق (التكنولوجى) بإجادة العلوم والفنون العسكرية. كلا فعامل التفوق في كل هذه الأمور المادية والعلمية والفنية هو في جانب أعداء الإِسلام. . وإنما العامل الرئيسى والأول في تحقيقها هو عقيدة الإِسلام المكينة الصادقة الراسخة. التي بصلابتها ورسوخها في القلوب المؤمنة. غيَّر المسلمون (خلال تسعين سنة) مجرى التاريخ كله. إذ طوى خلالها جند الإِسلام (على قلتهم وكثرة أعدائهم) بساط ثلاث إمبراطوريات كانت جميعها تتنازع سيادة العالم كله.

وبعد؛ فإن المحارب المسلم (عربيًّا كان أو غير عربي) لا سبيل له يصل به إلى تحقيق الانتصارات الحاسمة على عدوه إلا بالتزام عقيدة الإِسلام وعلى المستوى الذي التزم به رجال (مؤتة) واليمامة واليرموك والقادسية.

(1) حطين (بكسر أوله وثانيه مع التشديد) موضع في فلسطين بين عكا وطبرية. وعلى بعد ثمانية أميال من بحيرة طبرية. موضع له تاريخ خالد. . حيث دارت فيه المعركة الحاسمة بين جيوش صلاح الدين وبين ملوك الصليبيين وأنزل بهم تلك الهزيمة المنكرة التي مكنته من استعادة فلسطين كلها وطرد الصليبيين منها. بعد أن حرر بيت المقدس منهم.

(2)

القسطنطينية: مدينة عظيمة تقع على خليج البوسفور كانت عاصمة الإِمبراطورية البيزنطية (الروم الشرقية) فتحها السلطان محمَّد الفاتح التركى سنة 857 هـ 1453 م وهو في الحادية والعشرين من عمره بعد معركة رهيبة اشترك فيها ربع مليون جندى تركى قاموا عليها بالهجوم عن طريق البحر فاقتحموها.

(3)

ذات الصوارى: معركة بحرية هائلة دارت في مياة البحر الأبيض المتوسط (بحر الروم سابقًا) بالقرب من الشواطئ التونسية ما بين الأسطول الإِسلامي المؤلف من حوالي ثلاثمائة سفينة بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وما بين الأسطول الروماني المؤلف من حوالي ألف سفينة بقيادة قسطنطين بن هرقل. وقد انتصر المسلمون في هذه المعركة بعد قتال رهيب تماسك فيه الفريقان بالشعور واستخدموا الخناجر بدل السيوف. حتى احمرت مياة البحر من الدماء. وقد فر قائد الأسطول الروماني قسطنطين منهزمًا على سفينة القيادة إلى صقلية وهناك مات متأثرًا بجراحه وقيل اغتاله نصارى صقلية حنقًا عليه لانهزامه أمام المسلمين.

ص: 255