الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما بشير نفسه. فإنه -بعد أن انصرف بنو مرة من مكان المعركة- تحامل على نفسه حتى تمكن من الوصول إلى قرية فدك وهناك آواه أحد اليهود الداخلين في ذمة المسلمين. فظل عند اليهودى حتى شفيت جراحه.
أما علبة بن زيد. فقدم على رسول الله وأخبره خبر القوم. ثم لحق من بعد بشير بن سعد.
ولم يذكر المؤرخون أن أحدًا من رجال هذه الدورية قد عاد إلى المدينة. ما عدا (بشير بن سعد وعلبة بن زيد) وهذا يعني أن ثمانية وعشرين من رجال هذه الدورية قد استشهدوا على أيدى بني مرة. (انظر مغازى الواقدي ج 2 ص 723 وطبقات ابن سعد الكبرى ج 2 ص 118).
-3 -
حملة أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنجد شعبان سنة سبع من الهجرة
(1)
وفي شهر شعبان من السنة السابعة للهجرة. بعث النبي صلى الله عليه وسلم بحملة عسكرية إلى ديار نجد لإِرهاب وتأديب بني فزارة وبنى كلاب بناحية منطقة يقال لها (ضرية)(2).
وكان قائد هذه الحملة أبو بكر الصديق .. أسند إليه النبي صلى الله عليه وسلم القيام بهذه المهمة.
ولم يذكر أحد من المؤرخين (فيما أعلم) عدد أفراد هذه الحملة.
إلا أن هذه الحملة حققت أغراضها. إذ وطئت ديار الوثنيين من بني كلاب وفزارة فشنت عليهم الغارة. ثم ألحقت بهم الهزيمة. واستولت على كل ما في ديارهم من أموال. وأسرت من لم يتمكن من الهرب من رجالهم وذراريهم.
قال ابن سعد في طبقاته الكبرى مستندًا إلى سلمة بن الأكوع (3) قال:
(1) طبقات ابن سعد الكبرى .. وأشار إليها الواقدي في مغازيه ولم يذكر تاريخها.
(2)
انظر التعريف بهذا المكان في كتابنا الخامس (صلح الحديبية).
(3)
انظر ترجمة سلمة بن الأكوع في كتابنا الخامس من هذه السلسلة (صلح الحديبية).
غزوت مع أبي بكر إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم علينا فسبى ناسًا من المشركين. فقاتلناهم. وكان شعارنا (أمت أمت) فقتلت بيدى سبعة أهل أبيات من المشركين.
وعنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى فزارة. وخرجت معه حتى إذا ما دنوا من الماء عرس (1) أبو بكر حتى إذا ما صلّينا الصبح أمرنا فشننا الغارة فوردنا الماء فقتل أبو بكر من قتل ونحن معه. قال سلمة فرأيت عنقًا من الناس فيهم الذرارى فخشيت أن يسبقونى إلى الجبل فأدركتهم. فرميت بسهم بينهم وبين الجبل، فلما رأوا السهم قاموا فإذا امرأة من فزارة فيهم عليها قشع من أدم، معها ابنتها من أحسن العرب. فجئت أسوقهم إلى أبي بكر فنفلنى أبو بكر ابنتها. فلم أكشف لها ثوبًا. حتى قدمت المدينة، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوبًا، حتى إذا كان من الغد لقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق. فقال: يا سلمة هب لي المرأة. فقلت: يا نبي الله. والله لقد أعجبتنى وما كشفت لها ثوبًا. فسكت حتى إذا كان من الغد لقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق. ولم أكشف لها ثوبًا فقال: يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك قال: فقلت: هي لك يا رسول الله.
قال: فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدى المشركين.
-4 -
سرية غالب الليثي إلى الميفعة (2) بنجد .. رمضان سنة سبع للهجرة
وهي حملة عسكرية كبيرة شنها المسلمون على قبائل بني عوال وبنى ثعلبة من النجديين الذين تقع منازلهم شرقي المدينة. وتبعد عن المدينة حوالي تسعين ميلا.
(1) عرس (بتشديد الراء) نزل للنوم آخر الليل.
(2)
الميفعة (بفتح الميم) هنا منطقة بنجد شرقي المدينة. والميفعة أيضًا منطقة باليمن بينها وبين الساحل يومان.
وبنو عوال وعبد بن ثعلبة هؤلاء هم بطن من غطفان تلك القبيلة الجبارة العاتية التي كانت قد ساندت اليهود وقريشا عمليًّا في غزوة الأحزاب التي استهدف اليهود من ورائها محو الكيان الإِسلامي من الوجود.
فقد كانت تلك القبائل الوثنية المتوحشة أكبر عون في ذلك العدوان المخيف الذي شنته أحزاب الكفر (من اليهود القرشيين) على المسلمين في المدينة عام الأحزاب (السنة الرابعة من الهجرة).
حيث كانت قبائل (غطفان) -التي منها بنو عوال وعبد بن ثعلبة- تشكل أهم الأجنحة في القوات المرتزقة التي استأجرها اليهود لتكون العمود الفقرى في ذلك العدوان الآثم الذي دبره الإسرائيليون وخططوا له في خيبر. قاصدين من ورائه إبادة المسلمين وقطع تيار دعوة الإسلام. ليعود هؤلاء اليهود (على أنقاض الكيان الإِسلامي) سادة ليثرب وحكامًا عليها.
وكانت حملة المسلمين هذه إلى الميفعة بقيادة غالب بن عبد الله الليثي (1) الذي أسند إليه النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بعد اقتراح تقدم به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسار مولاه.
وكان عدد رجال هذه الحملة مائة وثلاثين رجلًا .. وكان دليل هذه الحملة الكبيرة يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سلك بهم طريقًا طويلًا غير معروف. حتى تعبوا وكادوا أن يهلكوا لأن أذوادهم قد نفدت قبل أن يصلوا إلى ديار العدو.
وقد خالطهم لذلك الشك في يسار وساورهم القلق في أن يكون جاسوسًا تظاهر بالإِسلام. وجاء بهم ليوقعهم في كمين لغطفان. غير أن ظنونهم سرعان ما تبددت عندما وصل بهم يسار إلى ديار القوم على حين غفلة منهم. وساهم مساهمة كبرى بحنكته ودهائه في أخذهم بغتة دون أن يشعروا، الأمر الذي مكن غالبًا ورجاله من الفتك بهم واجتياح ديارهم دون أن يتمكنوا من المقاومة.
(1) هو غالب بن عبد الله الكناني الليثي ثم الكلبي كان من قادة الجيوش في العهد النبوي. وهو الذي كان على مقدمة الجيش يوم الفتح، عاش طويلًا. تولى إمارة خراسان في عهد معاوية. شهد معركة القادسية وهو الذي قتل هرمز ملك الباب في أرمينيا.
حيث كان هجوم المسلمين ناجحًا إلى أبعد الحدود .. فبالرغم من كثرة عدد رجال العدو. وكونهم من القبائل النجدية العنيدة المعروفة بالشراسة في القتال. فقد كان همهم الوحيد أن ينجوا بأنفسهم إلى الجبال.
وقد تمكن غالب ورجاله من قتل عدد كبير من أشرافهم. كما نجح غالب في الاستيلاء على أكثر مواشيهم. إلا أن أحدًا من هؤلاء المشركين لم يقع أسيرًا في أيدى رجال غالب الليثي. قال الواقدي يصف هذه الحملة: قال يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني قد علمت غرَّة من بني عبد بن ثعلبة، فأرسل معى إليهم، فأرسل معه النبي صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في مائة وثلاثين رجلًا. خرج بهم يسار، فظعن بهم في غير الطريق حتى فنيت أذوادهم وجهدوا، واقتسموا التمر عددًا فبين القوم ذات ليلة بعدما ساء ظنهم بيسار، وظن القوم أن إسلامه لم يصح، وقد انتهوا إلى مكان قد فحصه السيل (حفرة)، فلما رآه يسار كبر. قال: والله قد ظفرتم بحاجتكم، اسلكوا في هذا الفحص حتى ينقطع بكم، فسار القوم فيه ساعة بحس خفي لا يتكلمون إلا همسًا. حتى انتهوا إلى ضرس من الحرة، فقال يسار لأصحابه: لو صاح رجل شديد الصوت لأسمع القوم، فارتأوا رأيكم، قال غالب: انطلق بنا يا يسار أنا وأنت، وندع القوم كمينًا، ففعلا. فخرجنا حتى إذا كنا من القوم بمنظر العين سمعنا حس الناس والرعاء والحلب، فرجعا سريعين فانتهيا إلى أصحابهما -فأقبلوا جميعًا حتى إذا كانوا من الحى قريبًا- وقد وعظهم أميرهم غالب ورغبهم في الجهاد ونهاهم عن الإِمعان في الطلب وألَّف بينهم -فقال إذا كبرت فكبّروا، وكبروا جميعًا معه، ووقعوا وسط رحالهم فاستاقوا نعمًا وشاءا وقتلوا من أشرافهم، وصادفوهم تلك الليلة على ماء يقال له: "الميفعة قال: واستاقوا النعم فحدروا إلى المدينة، ولم يسمع أنهم جاءوا بأسري اهـ .. وقال ابن سعد في طبقاته: والميفعة وراء بطن نخل إلى النقرة قليلًا بناحية نجد. وبينها وبين المدينة ثمانية برد .. (1).
(1) البرد جمع بريد. قال في مختار الصحاح .. البريد اثنا عشر ميلًا.