الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البارعة) من أن القائد خالدا تكسرت في يده تسعة سيوف بعد أن تولى قيادة الجيش وشن هجومه المضاد المفاجئ على الرومان فقد روى الإمام البخاري عن خالد نفسه أنه قال: اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف. وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية (1).
تنفيذ خطة الانسحاب إلى المدينة
ولما كان هدف القائد خالد من كل الأعمال والخدع الحربية التي لجأ إليها هو أن يؤمن لجيش الإسلام انسحابا منظما من مؤتة اغتنم فرصة ارتباك الجيوش الرومانية واضطرابها واعتقادها أن المسلمين قد تلقوا نجدة من المدينة. فأصدر أمره إلى قادة الفرق والكتائب في جيش الإسلام بالارتداد بالجيش نحو الجنوب على تعبئة وانتظام كما هو متفق عليه بينه وبين هيئة أركان حربه عند وضع الخطة لهذا الانسحاب في الليل.
فأخذ الجيش الإسلامي يغادر ميدان المعركة في مؤتة منسحبًا بكل هدوء وضبط وانتظام ويقظة.
وأشرف القائد خالد نفسه على عملية الانسحاب فكان يجول بفرسه بين الكتائب والفرق المنسحبة ليظل النظام سائدا أثناء الانسحاب ولتظل روح الجند والقادة ومعنوياتهم عالية. فلا يدركهم الخوف فيسودهم الاضطراب والفوضى.
فتمت عملية الانسحاب من (مؤتة) كما قدر ويريد القائد البطل خالد. تمت على أدق نظام ودونما أية خسارة.
قيادة الرومان تأمر بعدم تعقب المسلمين في انسحابهم
فالجيش الروماني الذي يمكن أن يقوم بملاحقة المسلمين ومطاردتهم أثناء انسحابهم. قد وقف (رغم كثرته الهائلة) شبه مشلول يسوده الذهول عقب الأهوال التي لقيها على أيدى المسلمين في الهجوم الكاسح المضاد الذي
(1) السيرة الحلبية ج 2 ص 192.
قام به خالد بن الوليد بعد نجاح حيلته العسكرية وخدعته الحربية البارعة.
فمع ما أنزله المسلمون في هجومهم المضاد من خسائر فادحة بين صفوف الجيش الروماني كان قادة هذا الجيش لا يزالون يعتقدون أن ما حدث من المسلمين من قتال شرس وهجوم كاسح في المرة الأخيرة. إنما هو نتيجة تلقيهم نجدات عظيمة من المدينة. ولهذا أصدر القادة الرومان إلى كافة قادة الكتائب والفرق في جيشهم بأن لا يتعقب أحد المسلمين في انسحابهم.
وقد فسر أحد الباحثين من المؤرخين إحجام الرومان عن مطاردة المسلمين المنسحبين مع قدرة الرومان الكاملة -من الناحية البشرية- على مطاردة المسلمين وإنزال أكبر خسارة ممكنة بهم أثناء انسحابهم حيث يوجد لدى الرومان وحلفائهم من سلاح المطاردة (سلاح الفرسان) ما لا يقل عن خمسين ألف فارس .. فسّر ذلك بأنه إما راجع إلى أن القيادة الرومانية العليا تعتقد أن الانسحاب الذي قام به خالد بن الوليد وجيشه في ذروة انتصاره في المعركة. إنما هو مكيدة حربية يدبرها القائد لإيقاع الجيش الروماني -إذا ما تتبع المنسحبين المسلمين- في كمائن قد أعدها (مقدمًا) .. ولا أحد يجيد الكمائن وإحكامها مثل العرب. فأحجمت القيادة الرومانية لذلك عن تعقب المسلمين في انسحابهم رغم قلة عددهم ورغم كونهم يتحركون في انسحابهم داخل أراض رومانية. بل ورغم أن الرومان يعرفون أن المسلمين سيقطعون (أثناء انسحابهم) مسافة ستمائة ميل، مزروعة كلها بأناس وثنيين أو عرب متنصرة يناصبون الإسلام والمسلمين العداوة والخصومة.
وإما أن إحجام الرومان عن المطاردة راجع إلى أن الرومان (كما أشار الأستاذ محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد) قد فرحوا وكانوا مسرورين لانسحاب المسلمين من ميدان المعركة التي لم يستطع الرومان أن يسجلوا على المسلمين النصر الذي كانوا يأملون الحصول عليه رغم كثرتهم الغامرة الهائلة ورغم قلة المسلمين القليلة، بل لقد أنزل هؤلاء المسلمون بالرومان خسارة كبيرة قبل أن يصل إليهم هذا المدد -الذي توهم الرومان