الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا نفس ألا تقتلى تموتى
…
هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيتى
…
إنْ تفعلى فعلهما هُديتِ
يريد صاحبيه زيدًا وجعفرًا، ثم نزل، فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق (1) من لحم فقال: اشدد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه (2) ما لقيت، فأخذه من يده، ثم انتهس (3) منه نهسة، ثم سمع الحطمة (4) في ناحية الناس، فقال: وأنت في الدنيا، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل (5).
مصرع قائد العرب المتنصرة
وكان الرومان قد عانوا الأهوال من المسلمين أثناء الأيام الستة. فقد أصاب المسلمون منهم ومن أتباعهم العرب المتنصرة، مقتلة عظيمة، وكان من قتلى الجيش الروماني القائد العام لقوات العرب المتنصرة واحمه. مالك بن رافلة. قتله قائد ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذرى. (6)
خالد بن الوليد يتولى قيادة الجيش في مؤتة
وبعد أن لقى القادة الثلاثة مصرعهم في معركة الأيام الستة بمؤتة.
وكان الجيش الإسلامي (على قلة عدده) قد ظل رجاله ثابتون يصارعون الرومان وحلفاءهم طوال ستة أيام. دون أن يبدو عليهم الوهن أو الاضطراب. غير أن مصرع القادة الثلاثة وبقاء الجيش دونما قائد. رجح كفة الرومان. وحدث بعض الخلل والاضطراب في صفوف
(1) العرق: العظم الذي عليه لحم.
(2)
هذا القول من ابن عم عبد الله بن رواحة، يدل على أن معركة (مؤتة) استمرت بين المسلمين وبين الرومان أيامًا عديدة.
(3)
انتهس .. أخذ منه بفمه شيئًا يسيرًا. هكذا قال أبو ذر.
(4)
الحطمة (بفتح أوله وسكون ثانيه) شدة ازدحام الناس، وحطم بعضهم بعضًا.
(5)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 21.
(6)
مغازي الواقدي ج 2 ص 763 وسيرة ابن هشام ج 4 ص 23 والبداية والنهاية ج 4 ص 250.
المسلمين الذين اختلطوا (بعد مصرع ابن رواحة) بالرومان. وأخذ بعض المسلمين ينهزم. لا سيما بعد أن سقط لواء الجيش أرضا بعد مصرع القائد الثابث. لقد هزموا هزيمة منكرة.
ولكن أحد فرسان الأنصار وهو (ثابت بن أقرم) أخذ اللواء من قطبة بن عامر الأنصاري (1). وصاح: يا قوم يقتل الإنسان مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا. أما ثابت بن أقرم: فقد أخذ يصيح باسم الأنصار فثاب إليه الناس.
وهكذا أنقذ ثابت بن أقرم الموقف حين رفع اللواء ونادى يا معشر المسلمين أصطلحوا على رجل منكم (أي يحمل اللواء ويتحمل مسئولية قيادة الجيش) فرشحه وجوه الجيش لأن يكون هو القائد فاعتذر قائلا ما أنا بفاعل.
وكان الموقف لا يحتمل النقاش فقد بلغ الدرجة القصوى من الخطورة بعد مصرع القادة الثلاثة. والباحث العسكري الخبير هو الذي يستطيع تقييم الخطر الداهم الذي أحاق (يوم ذاك) بثلاثة آلاف مقاتل. فقدوا كل قادة جيشهم. في الوقت الذي يصارعون فيه مائتي ألف مقاتل من أعدائهم الرومان وأتباعهم.
لقد أصبح هم وجوه الجيش وزعماء القبائل فيه -بعد أن فقد قادته الثلاثة- وبدت علائم الفوضى والاضطراب على بعض صفوفه- أصبح همهم النجاة بهذا الجيش الصغير الذي رغم استبساله وشراسته في القتال .. قادة وجنودا .. كاد يفقد تنظيمه كليًّا.
ولم يكن هناك في الجند من تتجه الأنظار إليه لإنقاذ الموقف سوى
(1) قطبة بن عامر هذا؛ كان أحد الأنصار الستة الأوائل الذين كانوا أول من أسلم من أهل المدينة. وأول من أدخل الإسلام بين أهل المدينة قبل الهجرة. انظر ترجمة قطبة بن عامر في كتابًا "غزوة بدر الكبرى" وقصة إسلامه الشيقة في نفس الكتاب ص 43 الطبعة الرابعة وما بعدها.
المحارب الشهير خالد بن الوليد الذي لم يمض على دخوله في الإسلام سوى ثلاثة أشهرا فقط.
ولذلك صاح ثابت بن أقرم (الذي رفع لواء الجيش من الأرض) بخالد: خذ اللواء يا أبا سليمان. فقال: لا آخذه أنت أحق به. أنت رجل لك سن.
فقال ثابت: خذه أيها الرجل فوالله ما أخذته إلا لك (1). أنت أعلم بالقتال منى (2). وأيد وجوه الجيش وزعماء القبائل فيه فكرة تولى خالد بن الوليد القيادة. وحثوه على ذلك. لإنقاذ الموقف التدهور الذي بات يهدد أفراد الجيش بالإبادة.
ولم يسع المحارب البطل والقائد الفذ خالد بن الوليد إلا أن يستجيب لرغبة وجوه الجيش ويحققها. فقبل أن يتحمل مسؤولية القيادة. فحمل اللواء من ثابت بن أقرم. فأصبح قائدًا عامًا للجيش.
لقد كان اختيار خالد بن الوليد قائدًا للجيش (في تلك الساعات الحرجة) اختيارًا موفقا. لأن خالدًا -بالإضافة إلى كونه محاربا ممتازا شجاعا لا يشق له غبار- كان قمة في السياسة العسكرية والمهارة القيادية في حالتي الهجوم والدفاع. وقد أثبت ذلك (عمليا) وخاصة بعد أن دان بالإسلام وقاد الجيوش في أعنف المعارك .. مما جعله في مقدمة عظماء قادة العالم. ولقد أنقذ الجيش الإسلامي في مؤتة من التدمير، بعد الهزيمة المنكرة التي نزلت به عقب مصرع قادته الثلاثة.
فقد أعاد خالد (أولًا) للجيش التنظيم الذي فقده، ثم أعاد بمهارته إلى هذا الجيش ثقته بنفسه، وبعد ذلك شن به هجوما معاكسا على الرومان
(1) مغازي الواقدي ج 2 ص 762.
(2)
السيرة الحلبية ج 2 ص 190.