الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة ابن رواحة في اجتماع هيئة الأركان
ففي اليوم الثاني وفي آخر جلسة لأمراء الجيش ورؤساء القبائل وقف عبد الله بن رواحة الأنصاري شارحا وجهة نظره وداعيا الناس إلى عدم التردد في الصدام الفورى مع العدو فقال: "يا قوم إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة. ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان. ويوم أحد فرس واحد. فانطلقوا بنا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور عليهم فذلك الذي وعدنا نبينا. وليس لوعده خلف وإما الشهادة. فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان (1).
ورغم ما في دعوة القائد عبد الله بن رواحة من مغامرة خطيرة فقد أثرت كلماته البليغة في نفوس الجيش وأثارت حماسهم فوافقه جميع الأمراء والقادة قائلين: صدقت وهكذا أجمعوا على الأخذ بالرأى القائل بمصادمة الجيوش الرومانية مهما كانت النتائج.
وعقب هذا القرار الذي اتخذته هيئة أركان حرب الجيش الإسلامي في "معان" أصدر القائد العام زيد بن حارثة أوامره إلى فرق الجيش وكتائبه بالتحرك لملاقاة الرومان والعرب المتنصرة في البلقاء من أرض الشام.
وفي الوقت نفسه كان الرومان والعرب المتنصرة يتحركون بقواتهم الهائلة لملاقاة المسلمين ومهاجمتهم بقيادة القائد تيودور أخي الإمبراطور.
وقد التقى المسلمون بجموع الرومان والعرب المتنصرة عند تخوم البلقاء. حيث وجدوا الرومان معسكرين في قرية من قرى البلقاء يقال لها: مشارف.
وصف أئمة التاريخ ما حدث في معان من اختلاف وجهات النظر
قال القريزى في كتابه "إمتاع الأسماع ص 347": ومضى المسلمون،
(1) تاريخ الطبري ج 3 ص 37 ومغازي الواقدي ج 2 ص 760.
وقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتهوا إلى مقتل الحارث بن عمير وسمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم. فقام رجل من الأزد يقال له: شرحبيل بن عمرو الغساني. وقدم الطلائع أمامه، وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين فلقوا المسلمين بوادى القرى فقاتلوه وقتلوه ونزلوا معان من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل "مآب" من البلقاء في مائة ألف من الروم، ومعه من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام مائة ألف" عليهم رجل من بلى يقال له مالك "بن رافلة".
فأقاموا ليلتين، وأرادوا أن يكتبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر ليردهم أو يزيدهم رجالا، فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، انطلقوا والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان ويوم أحد فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنيين .. إما ظهور "أي نصر" عليهم فذلك ما وعدنا الله ووعد نبينا، وليس لوعده خلف وإما الشهادة فنلحق بالإخوان في الجنان فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة، فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل لهم به من العدد والسلاح والكراع، والديباج، والحرير، والذهب. قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصرى فقال ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة مالك؟ كأنك ترى جموعا كثيرة. قلت: نعم، قال: لم تشهدنا ببدر، إنا لم ننصر بالكثرة.
وعن ابن إسحاق "في سيرة ابن هشام ج 4 ص 17 وما بعدها" ثم مضى "أي المسلمون" حتى نزلوا معان فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض الشام في مائة من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم، عليهم رجل من بلى ثم أحد إراشة، يقال له: مالك بن رافلة.
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال. وإما أن يأمرنا بأمره، فنمضى له.
فشجع الناس عبد الله بن رواحة، وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتى خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة لا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا بنا فإنما هي إحدى الحسنيين. إما ظهور وإما شهادة. قال: فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة. فمضى الناس. فقال عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك.
جلبنا الخيل من أجأ وفرع
…
تغرّ من الحشيش لها العكوم (1)
حذوناها من الصوان سبتا
…
أزلّ كأن صفحته أديم (2)
أقامت ليلتين على معَان
…
فأعقب بعد فترتها جموم (3)
فرحنا والجياد مسومات
…
تنفس في مناخرها السموم (4)
فلا وأب مآب لنأتينها
…
وإن كانت بها عرب وروم (5)
فعبأنا أعنتها فجاءت
…
عوابس والغبار لها بريم (6)
بذى لجب كأن البيض فيه
…
إذا برزت قوانسها النجوم (7)
فراضية المعيشة طلقتها
…
أسنتها فتنكح أو تئيم (8)
(1) أجأ: أحد جبل طي، والآخر سلمى، وفرع (بفتح الفاء وسكون الراء): موضع من وراء الفرك. وقال ياقوت: الفرع أطول جبل بأجأ وأوسطه. وتغر: تطعم شيئًا بعد شيء. والعكوم: جمع عكم (بفتح العين) وهو الجنب.
(2)
حذوناها. قال أبو ذر: جعلنا لها حذاء؛ وهو النعل. والصوان حجارة ملساء واحداتها صوانة. والسبت: النعال التي تصنع من الجلود، يصون حوافرها.
(3)
فترتها (أي ضعفها) وفترت الرجل، إذا أصيبت بالخدر. الجموم: اجتماع القوة والنشاط بعد الراحة.
(4)
مسومات: مرسلات. والسموم (بفتح السين): الريح الحارة.
(5)
مآب: اسم مدينة في أطراف الشام ناحية الجنوب من نواحى البلقاء.
(6)
قال أهل اللغة: البريم (بفتح الباء كسر الراء) هو في الأصل: خيطان أحمر وأبيض تشدهما المرأة على وسطها وعضدها، وكل ما فيه لونان مختلفان فهو بريم أيضًا. يريد ما علا الخيل من غبار فخالط لونه يونها.
(7)
ذي لجب: أي جيش: واللجب اختلاط الأصوات وكثرتها، والبيض ما يوضع على الرأس من الحديد للحرب، والقوانس جمع قونس، وهو أعلى البيضة.
(8)
تئيم: تبقى دون زوج. يقال: آمنت المرأة إذا لم تتزوج. كذا قال أبو ذر.
وقال الأشخر اليمنى في بهجة المحافل "ج 1 ص 390": روينا في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر. قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وقال: إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال عبد الله: كنت معهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعا وتسعين ما بين طعنة ورمية، وكان من خبرهم في غزوتهم أنهم لما بلغوا "معان" بلغهم أن هرقل نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة -لخم وجذام والقين وبهراء وبلى- وكان المسلمون ثلاثة آلاف، فتشاوروا أن يراجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرهم بأمره فشجع الناس عبد الله بن رواحة. وقال: يا قوم إنما هي إحدى الحسنيين إما نصر وإما شهادة. فقال الناس: صدق عبد الله فمضوا حتى التقوا بمؤتة.
وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى "ج 2 ص 128": فلما فصلوا "أي المسلمون" سمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو، فجمع أكثر من مائة ألف وقدّم الطلائع أمامه، وقد نزل المسلمون "معان" من أرض الشام وبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام. فأقاموا ليلتين لينظروا في أمرهم وقالوا: نكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فشجعهم عبد الله بن رواحة على المضى، فمضوا إلى مؤتة ووافاهم المشركون فجاء ما لا قبل لأحد به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فالتقى المسلمون والمشركون.
وقال الواقدي: في كتابه الغازى "ج 2 ص 759": ومضى المسلمون من المدينة، فسمع العدو بمسيرهم قبل أن ينتهوا إلى مقتل الحارث بن عمير. فلما فصل المسلمون من المدينة سمع العدو بمسيرهم فجمعوا الجموع. وقام فيهم رجل من الأزد يقال له شرحبيل، بالناس. وقدم الطلائع أمامه، وقد نزل المسلمون وادي القرى، وأقاموا أياما، وبعث أخاه سدوس، وقُتل سدوس وخاف شرحبيل بن عمرو فتحصن، وبعث أخا له يقال له وبر بن عمرو. فسار المسلمون حتى. نزلوا أرض "معان" من أرض الشام. فبلغ الناس أن