الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوة الإِسلام. في موكب مهيب ضم ألفين من المهاجرين والأنصار يتلفتون حول نبيهم الحبيب صلى الله عليه وسلم كما تتلفت الأسود الضوارى وهي تحمى عرين أشبالها .. على هذه الهيئة الهيبة وبهذا المنظر الرائع ولج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام مكة المكرمة. وأعماق التاريخ يدمدم فيها صدى وعد الله الحق الذي وعد به نبيه العظيم وصحبه الكرام البررة .. {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} (1).
هذه الآية التي استجوب الصحابة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في بيداء الحديبية وهم يبلغونه. معارضتهم لذلك الصلح. استجوبوها بشأنها فقالوا: "يا رسول الله ألم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة وتعرّف مع المعرِّفين؟ . وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحن؟ ".
فأجابهم صلى الله عليه وسلم. قلت لكم في سفركم هذا؟
قال عمر بن الخطاب: لا.
فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلق رأسى ورؤسكم ببطن مكة (2).
وها هو اليوم قد حدث فيه ما وعدوا به فالله لا يخلف الميعاد. وقد جاء في كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة وطاف بالبيت وسعى في عمرة القضية هذه استدعى عمر بن الخطاب الذي كان أشد المعارضين لصلح الحديبية وذكره بذلك.
من أين دخل النبي مكة يوم العمرة
وقد كان دخول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة في هذه العمرة من الشمال عند الحجون. وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يلبون حتى خالطوا بيوت مكة. وهناك قطعوا التلبية (3).
(1) الفتح 27.
(2)
صلح الحديبية للمؤلف ص 257 - 258.
(3)
مغازي الواقدي ج 2 ص 735.
وكان عبد الله بن رواحة الأنصاري آخذًا بخطام القصوى. الناقة التي يمتطيها النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم. واستمر الموكب النبوى في تحركه من الحجون صوب المسجد الحرام. وقد أحاط الأصحاب من المهاجرين والأنصار بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم. وقد انتظمت صفوفهم أمامه وخلفه وعن شماله وعن يمينه تعلوهم السكينة ويظلهم الوقار. خاشعين لله تعالى شكرًا له على هذا النصر المعنوى العظيم المؤزر.
وأي نصر ألذ وأعظم للطريد الذي أكره (في ظل الإِرهاب الدموى القاتل) على ترك وطنه الأول ومسقط رأسه. من أن يعود إلى هذا الوطن مرفوع الرأس عزيز الجانب. يتجول بين منازل أعدائه الألداء الذين طاردوه بالأمس في عناد ووحشية وقسوة لقطع رأسه .. يتجول بين منازلهم دون أن يجرأوا على التفكير (مجرد التفكير) في اعتراض سبيله فضلًا عن التفكير في مسه بأي أذى .. بعد أن كانت لهم (قبل سبع سنوات) القدرة الكاملة على قتله لو تمكنوا من العثور عليه وهو يغادر مكة محبطًا بذلك مؤامرتهم التي حاكوها في دار الندوة. والتي كانت تستهدف حياته لئلا يلجأ إلى أنصاره الأبطال في المدينة. والذين هم اليوم (يوم عمرة القضية) وكل أيام الصراع الذي خاضه ضد الشرك والوثنية العمود الفقرى لقواته المسلحة التي يعتمد عليها لكسب المعارك.
فما أشهاها وألذها ثمار النصر التي يجنيها الصابرون المؤمنون الصامدون في سبيل الله.
حقًّا لقد كان يومًا تاريخيًا خالدًا. ذلك اليوم الأغر الذي دخل فيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة. وموطن الروعة هنا. هو أن محمدًا يدخل اليوم مكة غير هيّاب ولا وجل .. يدخلها في ألفين من أصحابه على كره من قريش الكفر. وبعد غيبة قهرية دامت أكثر من سبع سنوات. بذلت فيها قريش كل إمكاناتها المادية والبشرية للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وإطفاء نور دعوته.
وخاضت بقواتها المسلحة أعنف المعارك مستهدفة تحطيم الكيان الإِسلامي واقتلع جذور عقيدة التوحيد من نفوس المؤمنين.
ولكن الفشل كان نصيبها في كل محاولاتها -سواء على الصعيد العسكري