الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّ الغساسنة (بعد تفرقهم عقب انهدام سد مأرب) لم يرحلوا رأسًا إلى الشام. بل ذهبوا إلى تهامة شرق البحر الأحمر وهناك تغلبوا على من بها من ملوك عك بن عبد الله بن عبدثان (بالثاء المثلثة) هكذا ضبطه الدارقطني (1) وهناك تغلبوا على من بها من العرب من ملوك عك بن عبدثان وهم (بنو عك بن عبدثان بن عبد الله بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان) وكان نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد وزمع، وبعد حروب دارت بين الفريقين كانت الغلبة فيها للغساسنة بعد أن قتلوا ملك عك قتله ثعلبة بن عمرو مزيقيا (2).
الغساسنة في بلاد عدنان
ويشم من رائحة حديث الإِخباريين أيضًا أن الغساسنة قبل أن يستوطنوا الشام (وبعد رحيلهم من مأرب) كان لهم وجود عسكرى واستيطان ثابت في بلاد معدّ بن عبدنان بعد حروب خاضوها هناك. وهذا يعني أن الغساسنة (قبل أن ينزحوا إلى الشام) حاربوا العدنانيين كما حاربوا بني عك بن عدثان أبناء عمهم من القحطانيين في تهامة. الأمر الذي يرجح القول: إنهم لم يستوطنوا الشام إلا بعد مرور أكثر من 150 سنة على تركهم مأرب وقد تركوها في أوائل القرن الأوّل للميلاد.
فقد نقل ابن خلدون عن المسعودى. أن الغساسنة - بعد رحيلهم من مأرب - نزلوا بين بلاد الأشعريين وعك على ماء يقال له. . (غسان) بين واديين يقال لهما. . (زبيد وزمع) فشربوا من ذلك الماء فسموا (غسان) وأن حروبًا كانت بينهم وبين معد (أي معد بن عبدنان) إلى أن ظفرت بهم معد فأخرجوهم إلى الشراة وهو جبل الأزد في الشام. (3).
كيف تواجد الغساسنة في الشام
ليس هناك (كما قلنا هنا) تحديد دقيق للتاريخ الذي استوطن فيه الغساسنة الشام، لأنَّ ما ذكره المؤرخون عن تاريخ هذا الجيل من العرب فيه
(1) انظر تاريخ ابن خلدون ج 2 ص 581.
(2)
تاريخ ابن خلدون ج 2 ص 581.
(3)
تاريخ ابن خلدون ج 2 ص 581 - 582.
كثير من الاختلاف وشئ من التناقض. مع إجماعهم على حقيقة واحدة لا سبيل إلى الاختلاف فيها وهي أن الغساسنة قد استوطنوا الشام لعدة قرون من الزمن حتى جاء الله بالإِسلام وأن عدة ملوك منهم قد ملكوا الشام بعد الميلاد وقبل الإِسلام طوال عدة مئات من السنين.
ذلك أمر متفق عليه ولا خلاف فيه بين المؤرخين الإِسلاميين والغربيين الإِفرنج رغم اختلاف الفريقين في عدد ملوك الغساسنة وعدد السنين التي ظلوا فيها ملوكًا للشام. حيث يرى حمزة الأصفهانى أن عدد ملوكهم اثنان وثلاثون ملكًا ومدة ملكهم ستمائة سنة (1) بينما يرى المؤرخ الألمانى نولدكه أن ملوكهم لا يزيدون على عشرة ملوك حكموا الشام مدة تقل عن مائتى سنة (2).
بينما يرى أبو الفداء في تاريخه من جهة أخرى أن ملكهم لم تزد مدته على 400 أربعمائة سنة. ويرى المسعودى في مروج الذهب. أن ملوكهم لا يزيدون على عشرة. وهذا يتفق مع ما قاله الأستاذ الألمانى (نولدكه) وعند ابن قتيبة أنهم 11 أحد عشر ملكًا، والجرجانى يقول إنهم (فقط) تسعة ملوك (3).
كل هذا الاختلاف لا يؤثر في جوهر الحقيقة وهي أن الغساسنة كانوا ملوكًا للشام قبل الإِسلام لسنين طويلة. . والإِخباريون لهم العذر في هذا الاختلاف. لأنَّ تاريخ ما قبل الإِسلام إنما كانت مصادره مصادر أجنبية كالفارسية والرومانية والإِسرائيلية والسريانية. لذلك لم يكن تسجيل الإِخباريين لإِخبار ما قبل الإِسلام بالدقة التي كانت عليها بعد الإِسلام، حيث استحدث المسلمون أدق طريق للحصول على الأخبار الصحيحة وهي طريقة السند والرواية التي اعتمد عليها أئمة المؤرخين مثل ابن إسحاق والواقدى والطبرى وابن سعد الدين لا يقبلون من الأخبار إلا ما كان عن طريق من يثقون به.
أما كيف تواجد الغساسنة في الشام، فالمرجح - واستنادًا إلى البيئة التي كانوا عليها أنهم لم يأتوا إلى الشام كجيوش نظامية غازية فاتحة.
(1) تاريخ سنى ملوك الأرض والأنبياء ص 99.
(2)
Noeldeke 53.
(3)
انظر العرب قبل الإِسلام لجورجى زيدان ص 211.