الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر موسى بن عقبة. أن يعلى بن أمية (1) قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مؤتة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت فأخبرنى وإن شئت أخبرك، قال: أخبرني يا رسول الله. قال فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كله، ووصفه لهم، فقال (يعلى) والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفًا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " .. إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم"(2).
النبي صلى الله عليه وسلم يشيد ببطولة خالد
ويذكر المؤرخون أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخبر أصحابه في المدينة بعد أن كشف الله له مكان المعركة بمؤتة- أكد لهم أن ميزان المعركة تحول لصالح المسلمين بعد أن هزموا بعد مقتل قادتهم الثلاثة. وكان هذا التحول بعد أن تولى خالد بن الوليد القيادة، فقد روى الواقدي عن عبد الله بن الفضيل عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -لما أخذ خالد الراية-: الآن حمى الوطيس (3). كناية عن عودة المسلمين إلى القتال واشتداد القتال بينهم وبين الرومان.
صعوبة المهمة الملقاة على عاتق خالد في مؤتة
لقد كانت معركة مؤتة أول معركة يشترك فيها خالد بن الوليد (مسلما). كما أنه لأول مرة في حياته يتولى منصب القائد العام لجيش إسلامي.
كانت حالة الجند الإسلامي -عندما تولى خالد القيادة بمؤتة- حالة
(1) هو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة التميمي الحنظلى. حليف قريش. قال ابن سعد: شهد حنينا والطائف وتبوك. وكان عاملًا لعمر على نجران ثم عزله، ثم ولاه عثمان صنعاء اليمن، وحجّ سنة قتل عثمان. روى عنه أولاده صفوان وعمان: محمد وعبد الرحمن وكذلك مجاهد وعطاء. مات سنة 47 هـ.
(2)
البداية والنهاية ج 4 ص 247.
(3)
مغازي الواقدي ج 2 ص 764.
سيئة بمعنى هذه الكلمة.
فقد تمزقوا تمزقا شديدا حتى تبعثروا في أرجاء الميدان في حالة من الفوضى هي الهزيمة بعينها. بل إنها أشنع هزيمة تنزل بجيش إسلامي في العهد النبوى .. وصف هذه الحقيقة ابن سعد في طبقاته الكبرى (ج 2 ص 130) بقوله -يصف حالة الجيش الإسلامي بعد مصرع قادته الثلاثة- .. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وطاعن حتى قتل، ثم انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط، حتى لم أر اثنين جميعا. والكلام هنا لشاهد عيان هو أبو عامر.
ومن هنا كانت المهمة التي ألقيت على عاتق القائد الجديد (خالد بن الوليد) مهمة على غاية من الصعوبة والتعقيد.
فقد تولى قيادة جيش أنهكه القتال الشديد الضارى طوال أيام. فكان (وهو ثلاثة آلاف فقط) يجالد -طيلة هذه الأيام الستة- جيشا قوامه مائتا ألف مقاتل.
ومع ذلك، فقد هذا الجيش الصغير الباسل قادته الثلاثة الواحد بعد الآخر، فانفرط عقده، وفقد تنظيمه، وكان في حالة اضطراب شديد وارتباك خطير، جعلاه مهيئا لأن يدمر تدميرا كاملًا، أو يقع بكامله أسيرا في قبضة الرومان وأحلافهم من العرب المزتزقة من غير المسلمين.
وهذه الحالة التي وصل إليها الجيش الإسلامي في (مؤتة) لا يلام عليها. فرغم زخم الإيمان وثبات اليقين والبسالة النادرة التي قاتل بها هذا الجيش الصغير، فإن للطاقة البشرية حدودا.
وإذا نظرنا إلى ظروف معركة مؤتة (وخاصة بعد فقد الجيش الإسلامي قادته الثلاثة، ومضى ستة أيام عليه وهو يقاتل ذلك القتال الضارى) لوجدنا أن استمراره إلى ما لا نهاية في التصدّى لمائتى ألف مقاتل ومجالدتها هو فوق طاقة البشر.
وليس بوسع أي خبير عسكرى منصف يلم بتفاصيل وظروف معركة مؤتة لا يسعه إلا أن يعترف بأن ثبات المسلمين في وجه الرومان كل هذه الأيام هو أرقى مراتب النصر والغلبة مهما قيل عن اضطرابهم ومحاولة